عبدالله الجميلي
Well-Known Member
- إنضم
- 30 يونيو 2017
- المشاركات
- 1,875
- مستوى التفاعل
- 981
- النقاط
- 115
ذكريات تحت ظلال شجرة التوت
في أحد صباحات ربيع عام 1965، كانت الحديقة الخلفية لمنزل جدتي تعجّ بالحياة. الأشجار باسقة، والزهور تتمايل برقة مع نسيم الصباح، وصوت العصافير يملأ المكان ببهجة طفولية. كنت طفلة في الثامنة من عمري، أحبّ التسلق على شجرة التوت العملاقة، أقطف حباتها وأتسابق مع أبناء عمومتي في تناولها قبل أن تلطخ أصابعنا الصغيرة بلونها الأرجواني.
لكن ذلك اليوم لم يكن مثل باقي الأيام. عندما وصلت إلى أحد الأغصان العالية، شعرت بقدمي تنزلق فجأة، وسقطت على الأرض، لأجد الألم يجتاح ذراعي. صرخت، ثم عمّ الصمت للحظات، حتى سمعت صوتًا دافئًا يناديني:
"لا تخافي، أنا هنا."
كانت عمتي خديجة، التي لم تترك جانبي لحظة واحدة. حملتني بين ذراعيها، وربتت على رأسي بلطف. كانت تعرف كيف تهدئني بكلماتها الناعمة، كيف تزيل خوفي بابتسامتها الهادئة. عندما وضع الطبيب الجبيرة على يدي، لم تتركني أبكي وحدي، بل كانت تغني لي أغنيتنا المفضلة، وتروي لي الحكايات حتى أنسى ألمي.
طوال فترة علاجي، كانت عمتي أول من يستيقظ لتساعدني في ارتداء ملابسي، وأول من يجلس بجانبي أثناء الطعام. كانت تغزل لي الحكايات وتنسج لي الأمان من خيوط صوتها الحنون.
واليوم، وبعد أكثر من خمسين عامًا، زرت عمتي خديجة، وعندما رأتني، ابتسمت ذات الابتسامة الدافئة وقالت: "ما زلتِ تلك الطفلة التي كنت أحملها بين ذراعي."
ضحكنا طويلًا، واسترجعنا تلك الذكريات التي لم يمحُها الزمن. كانت لحظة أدركت فيها أن الحب الحقيقي لا يقاس بالزمن، بل بالمواقف التي تظل محفورة في قلوبنا للأبد.
بقلم الاستاذ محمد الخضيري الجميلي
في أحد صباحات ربيع عام 1965، كانت الحديقة الخلفية لمنزل جدتي تعجّ بالحياة. الأشجار باسقة، والزهور تتمايل برقة مع نسيم الصباح، وصوت العصافير يملأ المكان ببهجة طفولية. كنت طفلة في الثامنة من عمري، أحبّ التسلق على شجرة التوت العملاقة، أقطف حباتها وأتسابق مع أبناء عمومتي في تناولها قبل أن تلطخ أصابعنا الصغيرة بلونها الأرجواني.
لكن ذلك اليوم لم يكن مثل باقي الأيام. عندما وصلت إلى أحد الأغصان العالية، شعرت بقدمي تنزلق فجأة، وسقطت على الأرض، لأجد الألم يجتاح ذراعي. صرخت، ثم عمّ الصمت للحظات، حتى سمعت صوتًا دافئًا يناديني:
"لا تخافي، أنا هنا."
كانت عمتي خديجة، التي لم تترك جانبي لحظة واحدة. حملتني بين ذراعيها، وربتت على رأسي بلطف. كانت تعرف كيف تهدئني بكلماتها الناعمة، كيف تزيل خوفي بابتسامتها الهادئة. عندما وضع الطبيب الجبيرة على يدي، لم تتركني أبكي وحدي، بل كانت تغني لي أغنيتنا المفضلة، وتروي لي الحكايات حتى أنسى ألمي.
طوال فترة علاجي، كانت عمتي أول من يستيقظ لتساعدني في ارتداء ملابسي، وأول من يجلس بجانبي أثناء الطعام. كانت تغزل لي الحكايات وتنسج لي الأمان من خيوط صوتها الحنون.
واليوم، وبعد أكثر من خمسين عامًا، زرت عمتي خديجة، وعندما رأتني، ابتسمت ذات الابتسامة الدافئة وقالت: "ما زلتِ تلك الطفلة التي كنت أحملها بين ذراعي."
ضحكنا طويلًا، واسترجعنا تلك الذكريات التي لم يمحُها الزمن. كانت لحظة أدركت فيها أن الحب الحقيقي لا يقاس بالزمن، بل بالمواقف التي تظل محفورة في قلوبنا للأبد.
بقلم الاستاذ محمد الخضيري الجميلي