- إنضم
- 26 يونيو 2023
- المشاركات
- 85,021
- مستوى التفاعل
- 83,991
- النقاط
- 1,098
هذه ستكون القصة رقم ثلاثين بمجموعتي القصصية على أمل أن ترى النور قريبا .......

سقط سهوًا هذا المساء
سقط، نعم، كحبة زيتون عجوز من غصنٍ مائل.
لم يره أحد، لم يسمعه أحد. فقط الريح قالت: "آه!"
كانت الرياح تعوي في الزوايا، تهمس بأسرار قديمة، تتسلق النوافذ المفتوحة وتلقي بتلك الهمسات على الأثاث المهمل. كان الهواء يحمل معها رائحة الزهور الذابلة التي كنتِ تزرعينها، وحينها كنتُ أتساءل هل تسمعين نفس الهمسات في عينيكِ؟
مساءٌ ليس كأمس، لا يشبه الغد، ولا يشبهكِ — أنتِ، التي كنتِ هنا، ولم تكوني.
تقولين شيئًا عن الورد، وأنا أفكر بالملح.
الشوق؟ لا، ليس شوقًا. جحافل من الذكرى تمشي فوق صدري بأحذية الجنود، حافية أحيانًا، تصرخ، تضحك، وتقول لي: "لن تعود."
أما الرحيل، فهو كمن يكتب رسالة على ورقة مبلولة، فتذوب الحروف وتنكمش وتنسى نفسها.
أكتب الآن — لا، لا أكتب، بل أفرغ ما تبقى من فنجان المساء، وأسمع صوت القهوة يقول: "كفى."
الساعة تضحك، النافذة تنسى كيف تُفتح، والليل؟
الليل كأنما اختبأ في جيب معطفك، ورحل معك.
كانت النافذة تُدير ظهرها للعالم، تسرب الضوء بين شرائط الستائر المتهالكة، وكأنها تنتظر شيئًا أو شخصًا لا يأتي. أحيانًا، كنتُ أراها وكأنها هي نفسها تبحث عن شيء مفقود، تتمنى أن تفتح ولكنها لا تعرف لمن. كانت تغلق نفسها على همسات الريح في العتمة.
كل شيء سقط،
سهوًا.
حتى هذا المساء.
لا أدري من أين تبدأ الحكاية — من أول تنهيدةٍ تساقطت من فمكِ على وسادتي، أم من صمتٍ طويل كان يجلس بيننا ويشرب الشاي؟
النافذة، دائمًا النافذة، قالت لي مرة: "لا تنتظر"، لكنها كانت مفتوحة، وكانت الريح تدخل منها برائحة شعركِ، فكيف لا أنتظر؟
نفحات كرزية كانت تسكر عقلي قبل قلبي، مازالت كذلك. لديكِ ريح وفية تجلب كرزكِ من أبعد مكان وصلت إليه.
أضعت الوقت في ترتيب خزانةٍ لا تلبسين منها شيئًا.
مررت أصابعي على ياقة قميصكِ وكأنني ألمس عنقكِ المرتبك دائمًا حين أكذب — رغم أنني لا أجيد الكذب.
لكنكِ كنتِ تصرّين أن كل عاشق كذّاب بالفطرة.
كنتِ تعيشين بوسواس الخيانة رغم أنني لا أخون ولا أفكر ولا أريد. أنتِ كما الملكة في حياتي، فكيف أبدلك بمن هن دون؟
لكن يبدو أن ألمكِ الذي جلدتكِ به الحياة ما زال قابعا بزوايا روحكِ. مهما بذلت من جهد، سيبقى التردد، والشك...
كنتُ أقول لكِ: "راجعي بريدكِ"، فتضحكين وتردين: "ما حدا بيكتبلي."
وأنا أكتبكِ — كل يوم، على أوراق لا تُرسل، على جدران لا تُقرأ، على زجاج السيارة حين يتعرّق من الانتظار، على حبات الرمان التي تحبين أن تفرطيها بعناد الأطفال.
أكتبكِ، كما أتنفس، دون أن أطلب الإذن.
أفلا تراجعين بريدك وتنصفين ساعي لمرة واحدة؟
الليلة…
مرّت قطة تشبه تلك التي كنتِ تطعمينها من طبقكِ. وقفت عند الباب، نظرت، ثم رحلت.
قلتُ: حتى القطط تعرف أن الرحيل جزء من اللعبة.
أما أنا، فأربح اللقاءات وأخسر البقاء.
كانت القطة تتوقف للحظة، وكأنها تستشعر الرحيل في عظامها، ثم تفرّ، تتركني أنتظر كما أفعله دائمًا.
أحاول أن أتذكر آخر كلمة قلتيها لي.
هل كانت: "استنى شوي"؟
أكنتِ تطلبين فرصة لتحاولي أم كنتِ تطلبين وقتًا لأحتل جوفكِ؟ كانت لكِ عينان تهربان من عيني خجلاً، تردداً ورغبة. نعم، لمحتُ رغبتكِ. كنتِ تريدين أن انسكب بداخلكِ حتى ترتوي عروق زيتونكِ وتنتفض أوراقكِ وتزهرين. نعم، أعلم هذا الآن بعد فوات الأوان.
هل كانت كلماتكِ: "ما عاد فينا نكمل"؟ آخر شعرة في رأس أصلع حاولتُ الحفاظ عليها، ولكن أبت أن تعيش الوحدة في صحراء.
أكان الخطأ مني؟ أكنتِ تحاولين أم هي مجرد تبرير لي حتى لا أبقى واقفًا على أطلال خطوات أقدامكِ؟
أو تكون تلك النظرة التي تمرّرينها دون صوت، وتختصرين بها كل الكلام؟
لا أعرف، ولا أريد أن أعرف. فالمعرفة نار، وأنا بردان بكِ.
أرتجف لتكوني داخلي. أريد هذا الشعور، لا أريد شعورًا آخر. إما امتلاء بكِ أو رجفة مدمن ينتظر جرعته...
دعيني أعش بداية المساء قبل السقوط، أو دعيني أبقى به إلى الأبد. لا داعي للمغادرة. لا أطمح لفجر جديد ولا لشروق. يكفيني عيناكِ وبداية المساء، هذا ما كنت أريده، ولكن لا قدر يسير كما يريد قلب. لذا فلقد
سقط هذا المساء،
مثلنا،
دون وداع، دون ضجيج.
مجرد لحظة بين تنفّس وآخر،
لم يجد من يلتقطه،
فسقط،
سهوًا،
كما تسقط الحياة من بين أصابع من يحاول أن يكتب عنها.
ببساطة، دون ضجيج، انتهى. لا سطر زائد، ولا فراغ بين كلمات، ولا خلوات بين حروف. كلها تهاوت كالمطر، وانطفأت وانتهت...
ما عدتِ أنتِ وما عدتُ أنا. بتنا مجرد ذكرى تقلب صفحاتها.
رياح حشورة تريد أن تعلم ما حدث، ولا تعلم أن حشريتها تؤلم الروح وتزيد من نزف القلب، وتبقي ذلك الجسد على قيد أمل وفجوة يعبر منها لبداية المساء قبل السقوط
سهوًا على حافة تنهيدة ومنحدر.
النهاية......
بقلم الجوري

سقط سهوًا هذا المساء
سقط، نعم، كحبة زيتون عجوز من غصنٍ مائل.
لم يره أحد، لم يسمعه أحد. فقط الريح قالت: "آه!"
كانت الرياح تعوي في الزوايا، تهمس بأسرار قديمة، تتسلق النوافذ المفتوحة وتلقي بتلك الهمسات على الأثاث المهمل. كان الهواء يحمل معها رائحة الزهور الذابلة التي كنتِ تزرعينها، وحينها كنتُ أتساءل هل تسمعين نفس الهمسات في عينيكِ؟
مساءٌ ليس كأمس، لا يشبه الغد، ولا يشبهكِ — أنتِ، التي كنتِ هنا، ولم تكوني.
تقولين شيئًا عن الورد، وأنا أفكر بالملح.
الشوق؟ لا، ليس شوقًا. جحافل من الذكرى تمشي فوق صدري بأحذية الجنود، حافية أحيانًا، تصرخ، تضحك، وتقول لي: "لن تعود."
أما الرحيل، فهو كمن يكتب رسالة على ورقة مبلولة، فتذوب الحروف وتنكمش وتنسى نفسها.
أكتب الآن — لا، لا أكتب، بل أفرغ ما تبقى من فنجان المساء، وأسمع صوت القهوة يقول: "كفى."
الساعة تضحك، النافذة تنسى كيف تُفتح، والليل؟
الليل كأنما اختبأ في جيب معطفك، ورحل معك.
كانت النافذة تُدير ظهرها للعالم، تسرب الضوء بين شرائط الستائر المتهالكة، وكأنها تنتظر شيئًا أو شخصًا لا يأتي. أحيانًا، كنتُ أراها وكأنها هي نفسها تبحث عن شيء مفقود، تتمنى أن تفتح ولكنها لا تعرف لمن. كانت تغلق نفسها على همسات الريح في العتمة.
كل شيء سقط،
سهوًا.
حتى هذا المساء.
لا أدري من أين تبدأ الحكاية — من أول تنهيدةٍ تساقطت من فمكِ على وسادتي، أم من صمتٍ طويل كان يجلس بيننا ويشرب الشاي؟
النافذة، دائمًا النافذة، قالت لي مرة: "لا تنتظر"، لكنها كانت مفتوحة، وكانت الريح تدخل منها برائحة شعركِ، فكيف لا أنتظر؟
نفحات كرزية كانت تسكر عقلي قبل قلبي، مازالت كذلك. لديكِ ريح وفية تجلب كرزكِ من أبعد مكان وصلت إليه.
أضعت الوقت في ترتيب خزانةٍ لا تلبسين منها شيئًا.
مررت أصابعي على ياقة قميصكِ وكأنني ألمس عنقكِ المرتبك دائمًا حين أكذب — رغم أنني لا أجيد الكذب.
لكنكِ كنتِ تصرّين أن كل عاشق كذّاب بالفطرة.
كنتِ تعيشين بوسواس الخيانة رغم أنني لا أخون ولا أفكر ولا أريد. أنتِ كما الملكة في حياتي، فكيف أبدلك بمن هن دون؟
لكن يبدو أن ألمكِ الذي جلدتكِ به الحياة ما زال قابعا بزوايا روحكِ. مهما بذلت من جهد، سيبقى التردد، والشك...
كنتُ أقول لكِ: "راجعي بريدكِ"، فتضحكين وتردين: "ما حدا بيكتبلي."
وأنا أكتبكِ — كل يوم، على أوراق لا تُرسل، على جدران لا تُقرأ، على زجاج السيارة حين يتعرّق من الانتظار، على حبات الرمان التي تحبين أن تفرطيها بعناد الأطفال.
أكتبكِ، كما أتنفس، دون أن أطلب الإذن.
أفلا تراجعين بريدك وتنصفين ساعي لمرة واحدة؟
الليلة…
مرّت قطة تشبه تلك التي كنتِ تطعمينها من طبقكِ. وقفت عند الباب، نظرت، ثم رحلت.
قلتُ: حتى القطط تعرف أن الرحيل جزء من اللعبة.
أما أنا، فأربح اللقاءات وأخسر البقاء.
كانت القطة تتوقف للحظة، وكأنها تستشعر الرحيل في عظامها، ثم تفرّ، تتركني أنتظر كما أفعله دائمًا.
أحاول أن أتذكر آخر كلمة قلتيها لي.
هل كانت: "استنى شوي"؟
أكنتِ تطلبين فرصة لتحاولي أم كنتِ تطلبين وقتًا لأحتل جوفكِ؟ كانت لكِ عينان تهربان من عيني خجلاً، تردداً ورغبة. نعم، لمحتُ رغبتكِ. كنتِ تريدين أن انسكب بداخلكِ حتى ترتوي عروق زيتونكِ وتنتفض أوراقكِ وتزهرين. نعم، أعلم هذا الآن بعد فوات الأوان.
هل كانت كلماتكِ: "ما عاد فينا نكمل"؟ آخر شعرة في رأس أصلع حاولتُ الحفاظ عليها، ولكن أبت أن تعيش الوحدة في صحراء.
أكان الخطأ مني؟ أكنتِ تحاولين أم هي مجرد تبرير لي حتى لا أبقى واقفًا على أطلال خطوات أقدامكِ؟
أو تكون تلك النظرة التي تمرّرينها دون صوت، وتختصرين بها كل الكلام؟
لا أعرف، ولا أريد أن أعرف. فالمعرفة نار، وأنا بردان بكِ.
أرتجف لتكوني داخلي. أريد هذا الشعور، لا أريد شعورًا آخر. إما امتلاء بكِ أو رجفة مدمن ينتظر جرعته...
دعيني أعش بداية المساء قبل السقوط، أو دعيني أبقى به إلى الأبد. لا داعي للمغادرة. لا أطمح لفجر جديد ولا لشروق. يكفيني عيناكِ وبداية المساء، هذا ما كنت أريده، ولكن لا قدر يسير كما يريد قلب. لذا فلقد
سقط هذا المساء،
مثلنا،
دون وداع، دون ضجيج.
مجرد لحظة بين تنفّس وآخر،
لم يجد من يلتقطه،
فسقط،
سهوًا،
كما تسقط الحياة من بين أصابع من يحاول أن يكتب عنها.
ببساطة، دون ضجيج، انتهى. لا سطر زائد، ولا فراغ بين كلمات، ولا خلوات بين حروف. كلها تهاوت كالمطر، وانطفأت وانتهت...
ما عدتِ أنتِ وما عدتُ أنا. بتنا مجرد ذكرى تقلب صفحاتها.
رياح حشورة تريد أن تعلم ما حدث، ولا تعلم أن حشريتها تؤلم الروح وتزيد من نزف القلب، وتبقي ذلك الجسد على قيد أمل وفجوة يعبر منها لبداية المساء قبل السقوط
سهوًا على حافة تنهيدة ومنحدر.
النهاية......
بقلم الجوري