فوضى الحواس...
ذلك الميدان الخفيّ الذي تتصادم فيه الأصوات دون أن تُصدر ضجيجًا.
كلّ شعورٍ يولد هناك بقدمٍ واحدة، ثم يتعثر في الطريق إلى اكتماله.
كأن القلب، في لحظةٍ ما، قرّر أن يُلقي بنفسه من نافذةٍ على العالم، لا رغبةً في النجاة، بل توقًا لتجربة السقوط نفسه.
ينهمر الداخل كما لو أن السماء هُدمت في صدرك،
فتغدو المشاعر أنهارًا لا تعرف إلى أين تتجه.
الضياع هنا ليس تيهًا، بل استراحة مؤقتة من الوعي،
نوعٌ من الهروب النبيل من فكرة أن علينا دائمًا أن نشعر بشيءٍ ما.
كم هو مطمئن أحيانًا أن تصير باردًا كحجرٍ نسيَ أن له قلبًا.
أن تجلس على حافة التجربة دون أن تغمس أطرافك فيها.
أن ترى الآخرين يغرقون في بحر العلاقات المتزعزعة
بين من يريد أن يقترب ولا يعرف كيف،
ومن يبتعد وهو يتظاهر بالاتزان.
تلك العلاقات التي تقوّض أمنك الداخلي كزلزالٍ في مدينةٍ من ورق.
تبدأ بوعدٍ صغيرٍ بالسكينة،
ثم تنتهي بخرائط ممزقة لحدودٍ لم تكن لك أصلًا.
الإنسان، في فوضاه هذه،
يصبح كجهازٍ قديم يلتقط إشارات الماضي ويعيد بثّها في الحاضر،
يعيش على صدى الأشياء لا على حقيقتها.
يضحك لأن الذاكرة أمرته بذلك،
ويصمت لأن القلب تعب من الترجمة بين العاطفة والعقل.
وفي النهاية..
لا يبقى من فوضى الحواس إلا الهدوء الذي يلي العاصفة....
هدوءٌ يشبه ابتسامة من نجا،
ولم يعد يثق بالنجاة بعد الآن.