"الشطرنج لعبة الملوك"، كما يقال عنها أيضا "إنها لعبة الأذكياء والعباقرة"، لكن عند إليزابيث هارمون، بطلة مسلسل The Queen’s Gambit "مناورة الملكة" جاء معناها مغايرا، لقد وصفتها بأنها "عالم كامل داخل 64 مربعا يشعرها بالأمان، ويمكنها التحكم فيها والهيمنة عليها". بهذه العبارة اختصرت هارمون عالما مليئا بالأفكار والخطط والخصوم، يصعب على الكبير التأقلم معه، فكيف لطفلة في عمر الثامنة، لعبت وأدمنت ثم فازت بالجوائز العالمية لإتقانها لعبة، يعتقد البعض أنها للرجال فقط، فكيف دخلت هارمون اللعبة وتطورت إلى أن وصلت الى القمة؟
رواية تتحول إلى مسلسل
عندما بدأت في مشاهدة المسلسل ظننت لوهلة أنه سيرة ذاتية لامرأة اشتهرت في عالم الشطرنج، ويعود ذلك إلى أسلوب معالجة القصة، حيث تم التركيز بشكل مفرط على إليزابيث وتفاصيل حياتها منذ الصغر، لكن بعد البحث والتدقيق تبين أنها ليست قصة حقيقية، بل هي مقتبسة من رواية شهيرة للكاتب الأمريكي والتر تيفيس، صدرت عام 1983 وتحمل الاسم نفسه، لذلك تميزت بحبكة متينة، وهذا الأمر ليس مستغربا لأنه سبق أن تمت الإشادة بالرواية عالميا لتصويرها الدقيق للشطرنج، وفي الوقت عينه تتكلم عن الوحدة والعزلة والحب بأنواعه، وعلى الرغم من أن كثيرا من مشاهير عالم الشطرنج ألهموا الكاتب تيفيس في روايته أمثال بوبي فيشر، وبوريس سباسكي، وأناتولي كاربوف، إلا أن المسلسل لم يأت على ذكر أحدهم، فهل سقط هذا الأمر سهوا أم أن التركيز كان على فتاة تبرع في عالم محصور على الرجال مثل عالم الشطرنج، أم على فكرة رصد المواجهة الأمريكية السوفياتية على رقعة الشطرنج، في ضوء أجواء الحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟
الشطرنج على الشاشة
أيا يكن من تلك الأسباب لا بد من الإشارة إلى أن الشطرنج ليس موضوعا جذابا للمشاهدين، لأنه ليس تلك اللعبة المنتشرة بقوة بين عديد من الأفراد، ولا يعرف قوانينها إلا عشاقها، إلا أن العالم السينمائي أعطاها كثيرا من الاهتمام على مر الأعوام، حيث ظهرت في عديد من الأفلام مثل The Seventh Seal لإنجمار برجمان الذي صدر في عام 1957، وGeri’s Game الذي صدر عام 1998، أما على الشاشة الصغيرة، فظهرت لعبة الشطرنج في "كولومبو" و"ستار تريك" وحتى Friends.
الطفلة المعجزة
ولأن المرحلة الراهنة رافقها ركود في الأعمال السينمائية نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد، بسطت منصة "نتفليكس" نفوذها وانطلقت في إنتاج عديد من الأفلام والمسلسلات، أبرزها مسلسل "مناورة الملكة" الذي أنتجته بكثير من الدقة والإتقان، جمعت فيه الدراما والفانتازيا والعمق وجسدتها في بطلة واحدة، وفي بدايات الحلقة الأولى كانت الأحداث تسير بوتيرة بطيئة مملة إلى حد ما، خاصة للذين لا يلعبون الشطرنج، فالمشاهد الأولى تظهر بيث هارمون، تؤدي دورها في صغرها إيسلا جونستون، ولاحقا تؤديه بشكل لافت الأمريكية ــ البريطانية ــ الأرجنتينية أنيا تايلور جوي، كطفلة في عمر الثامنة، توفيت والدتها في حادث سير، فانتقلت إلى العيش في دار أيتام، يقدمون للأطفال أدوية مهدئة تسبب الإدمان، تكتشف حبها للعبة الشطرنج عندما ترى عاملا في المدرسة يدعى سابيل، يؤدي دوره بيل كامب، يلعب وحده، وتطلب منه أن يعلمها اللعبة، وتساعدها الحبوب المهدئة على رؤية خيالات لرقعة الشطرنج عندما تأخذها بجرعة كبيرة.
بين روسيا وأمريكا
لم يمر وقت طويل حتى تستطيع تعلم اللعبة بمهارة، وهنا يقرر العامل تعريفها بأحد العاملين في نادي ألعاب الشطرنج، وتذهب معه لتنافس محترفي الشطرنج، وتحقق فوزا كبيرا، يتم تبني بيث من أم وأب غائب عن المنزل، لتلتحق بعدها بالمدرسة، وتحاول التأقلم مع بيئتها الجديدة، لكنها لا تستطيع الاندماج معهم، ومن هناك تقرر بيث التركيز فيما تستطيع الاندماج فيه والاشتراك في مباريات الشطرنج، وتنتقل من نجاح إلى نجاح في عالم الشطرنج، إلى أن وصلت إلى المستوى الدولي، وبدأت تنافس الاتحاد السوفياتي، ولقد أظهر المسلسل كيف أن أمريكا كانت تسعى من خلال أجهزة مخابرات الـ"سي آي أي" إلى تحطيم أسطورة السوفيات، باعتبارهم "أسياد اللعبة" والمسيطرين على بطولات العالم منذ منتصف الأربعينيات حتى اليوم، باستثناء اختراق واحد لمصلحة أمريكا في عام 1972.
مشاهد صامتة
أبدع المخرج سكوت فرانك في إظهار بيئة متكاملة تعكس جو الستينيات التي يدور فيها المسلسل، من ناحية الملابس والديكورات ذات الطابع الكلاسيكي رغم كثرة الأماكن، كما رافقت تلك المشاهد موسيقى تصويرية رائعة ترفع الحماس والتشويق في معظم المشاهد الصامتة، سواء دراميا أو حماسيا، كما تم تصوير لقطات رائعة مثل تخيلات هارمون في السقف وحركة القطع في رقعة الشطرنج، لذلك نجح في تحويل لعبة من المتعارف عليها أنها مملة وبطيئة في حركاتها إلى لعبة مشوقة مليئة بالحماس، وعلى الرغم من أن المباريات كانت صامتة طيلة المسلسل، لكن المشاهد يتفاعل بكل قوة مع كل حركة تقوم بها البطلة باختياره الذكي زاوية التصوير والتركيز على حركات اللعب وملامح التوتر والفرح والانتصار والهزيمة في عيون اللاعبين. لكن الضعف الوحيد في القصة أنه في بداية لعب إليزابيث الشطرنج على يد شابيل تغاضى المخرج عن الفترة التي كانت تتعلم فيها بعض الأساسيات، حيث كان من الممكن أن يستغلها وأن تكون فرصة لإقحام المشاهد في هذه اللعبة الصعبة.
نجمة العام 2020
تعد الممثلة آنا تايلور، مواليد عام 1996 من الأسماء الشابة في هوليوود التي تألقت في عام 2020، على الرغم من أنه ليس دورها الأول، فقد قدمت عديدا من الأعمال، ظهرت في دور قيادي في فيلم الرعب -X-Men و"المتحولون الجدد"، وكانت تعمل في البداية كعارضة أزياء، ثم تحولت إلى ممثلة وأدت أدوارا عديدة، ثم قفزت إلى العالمية في عام 2020 بعد المشاركة في مسلسل "مناورة الملكة" الذي يتألف من سبع حلقات فقط، إضافة إلى ذلك حصلت تايلور على عدة جوائز عن أول دور رئيس لها في فيلم "ذي ويتش" عام 2015، وكانت قد اشتهرت قبل ذلك بدورها في مسلسل "أتلانتيس" عام 2013، وبعده في فيلم "فايكينج كواست" عام 2014، كما لعبت دورا في فيلم سيرة ذاتية عن شباب الرئيس باراك أوباما بعنوان "باري" عام 2016.
وبحسب "نتفليكس" استطاع المسلسل أن يحقق رقما قياسيا باعتباره المسلسل الأكثر مشاهدة، حيث حقق 62 مليون مشاهدة خلال 28 يوما فقط، وجاء المسلسل في قائمة أفضل عشرة أعمال في 92 دولة وحصل على المركز الأول في 63 دولة، من بينها المملكة المتحدة والأرجنتين وجنوب إفريقيا. ولوحظ أن المسلسل أدى في الأيام العشرة التي تلت عرضه إلى زيادة عمليات البحث عن ألعاب الشطرنج بنسبة 273 في المائة على موقع "إي باي"، بحسب موقع "ذي إندبندنت" البريطاني، كما تضاعف عدد زوار موقع "تعلّم الشطرنج في 24 ساعة" عشر مرات، من 600 إلى ستة آلاف يوميا، منذ عرض المسلسل، الذي حاز أيضا تقييم 8.9 من 10 في موقع "أي أم دي بي" المتخصص في تقييم الأفلام والمسلسلات.
