♥мs.мooη♥
Well-Known Member
الفتيات الثلاث
يروى أن ثلاث فتيات يتيمات كن يعشن حياة فقر وحرمان ، ولم يكن لهن معيل أو قريب يلجأن إليه في هذا الضيق الذي يخيم على حياتهن طيلة الأيام .
فكرن طويلاً بطريقة ينقذن أنفسهن بها من هذا الحرمان الذي يكاد يودي بحياتهن وهن ما زلن في مقتبل العمر . فلم يجدن طريقة أفضل من غزل الصوف وتطريز الثياب ، فرحن يعملن مجتهدات ليل نهار ليحصلن رزقهن ويدّخرن بعض المال للأيام السوداء التي غالبا ما كانت تمرّ بهن وتطيل المكوث لديهن .
وفي يوم توفيت والدة حاكم المدينة ، فأعلن الحداد في جميع أرجاء المدينة مدة أيام ثلاثة ، وأمر الحاكم ألا يضاء أي ضوء في أي مكان قبل أن تنتهي مدة الحداد .
ومرت الليلة الأولى من غير أن تشتغل الفتيات الثلاث إذ خفن أن يكتشف حراس الليل أمرهن . غير أنهن في الليلة الثانية لم يستطعن أن ينقطعن عن العمل ، فأنرن القنديل سراً ورحن يعملن خائفات ، وكان أن قرر حاكم المدينة أن يتأكد بنفسه من التزام أهل المدينة بأمره . فراح يدور في الشوارع حتى توقف أمام شباك منزل لمح من خلال ستائره ضوءا خفيفا ، فاقترب منه ونظر إلى الداخل ، وتناهت إلى سمعه كلمات للفتيات الثلاث وهن يحدثن بعضهن البعض.
قالت الأولى: لكن أتمنى أن أتخلص من هذا العمل المضني فأتزوج من طباخ قصر حاكم المدينة ، فتمتلئ معدتي وأنتهي من هذا الخوف الذي يتملكني كل ليلة عندما أفكر بالغد .
وقالت الثانية: لا تظني أنك وحدك التي تريد أن تنتهي من هذا العمل المضني ، فلقد تعبت يدي وعيني ، ولم أعد أطيق الصبر على العمل ليل نهار من أجل لقمة خبز آكلها وأظل في جوع . ولكم أتمنى أن يتزوجني أحد حراس قصر حاكم المدينة ، فأكتفي بمعاشه وأعيش معه عيشة مطمئنة .
أما الثالثة فكانت تسمع كلام أختيها وتضحك ، وبعد صمت قالت لهما: إن أحلامكما صغيرة جدا، أما أنا فإما أن أظل أعمل في ضوء هذا القنديل ، وأتعب عيني ويدي ، وأصبر على الجوع والعوز، وإما أن أتزوج من ابن حاكم المدينة .
وضحكت منها أختاها ملياً. أما حاكم المدينة فقفل عائداً إلى القصر . وعند الصباح طلب إلى الحراس أن يذهبوا ويأتوه بالفتيات الثلاث . فلما حضرن بين يديه قال لهن: لقد مررت البارحة بيتكن ووجدتكن قد أنرتن القنديل ورحتن تعملن في غزل الصوف وتطريز الثياب . أما علمتن أني أعلنت الحداد ثلاثة أيام بسبب وفاة والدتي وأمرت من في المدينة ألا يضيئوا قنديلا قبل ثلاث أيام؟
فقالت الأخت الوسطى: لقد عرفنا بأمرك يا سيدي الحاكم ، ولكن العوز قد أجبرنا على أن نتجاوز إرادتك ونضيء القناديل لنحصّل رزق نهار الغد .
وهنا قال حاكم المدينة للفتاة الأولى: أما أنت أيتها الفتاة ، فسنزوج منك طباخ هذا القصر . واستغربت كلامه، وكيف عرف أنها كانت تحلم بذلك ، لكنها لم تنطق بأي كلمة .
ثم وجه كلامه للفتاة الثانية قائلا : أما أنت فسيتزوجك أحد الحراس، أتوافقين ؟
أظن أنك توافقين، غير أن خجلك يمنعك من أنت تقولي أي شيء .
ونظر إلى الفتاة الثالثة ، وهي أصغرهن، وقال لها: أما أنت فستكونين وصيفة لابنتي .
وهكذا كان .
تبدلت حياة الفتيات الثلاث وبات عيشهن رغيداً .
وكانت الفتاة الصغرى ترافق بنت حاكم المدينة ، وتقوم معها بنزهات جميلة وتجلس إليها فترات طويلة في حديقة القصر . غير أن أحلامها غالبا ما كانت تحزنها . فلقد تحقق حلما أختيها ، أما هي فما زالت على حلمها القديم ، تتمنى أن تكون زوجة ابن الحاكم.
وفي يوم ، وبينما كانت في الحديقة ، تتأمل الأزهار وتفكر ، وهي وحيدة ، رأت بالقرب منها شاباً جميلاً ، توقف برهة من غير أن يتكلم ، ثم قال لها: أراك تجلسين هنا وحدك، أما لك من صديقة تجالسينها ؟
فقالت: إنني وصيفة بنت حاكم المدينة، وها أنا أنتظرها لتوافيني إلى الحديقة، حيث تحب الجلوس فترات طويلة من النهار .
وطالت نظرة الفتى إلى الوصيفة ، وبات يلتقيها مصادفة بين الحين والحين حتى جاء وقت رآها فيه واقفة قرب زهرات جميلة ، فأخذها بيديه وأسرع بها نحو القصر الذي صعد درجاته ، ثم دخل بها مع زوجة الحاكم، وقال لها :
- أمي .. أريد أن أتزوج هذه الفتاة .
وحاول أن يتابع كلامه ، إلا أنه فوجئ بحاكم المدينة يدخل ، وبادره بقوله: ما بك يا ولدي ؟
فقالت الأم: لقد أحب وصيفة ابنتك ويريد أن يتزوجها .
وضحك الحاكم عندئذ ونظر إلى الفتاة وقال لها: لقد تحقق حلمك يا عزيزة ، فلقد سمعت تلك الليلة التي مررت ببيتكم فيها أنك تودين أن يكون زوجك ابن حاكم المدينة . وضحكت الفتاة في سرها ، وظلت ابتسامتها أجمل ما ضم قصر حاكم المدينة .
................
ممرّ الإغراء
وَجد السّلطان أنّ أموال الدّولة تنقصُ باستمرارٍ بسبب اختلاس المُوظّفين وعدم أمانتهم. وكان الأمين الأوّل للخزانة هو المثل السّيئ للموظّفين من صيارفة ومُحصّلين. وقد غيّره السّلطان أكثر من مرةٍ، ولكن الحال لم يتغيّر.
طلب السلطان من حكيمٍ اسمه صدّيق أن يرشده إلى وسيلةٍ يتمكّن بها من العثور على أمينٍ للخزانة العامّة، لا يسرق ولا ينهب. فقال صدّيق: "سندعو كلّ مَن يتقدّم إلى هذه الوظيفة إلى الرّقص، ومَن يرقص بخفّةٍ أكثر من غيره سيكون أكثرهم أمانةً".
ظنّ السّلطان أنّه يمزح. ولمّا تأكّد أنّه جاد، قال له: إفعل ما تراهُ صحيحًا.
دعا صدّيق كلّ مَن يرغب في شغل وظيفة الأمين الأوّل للخزانة إلى مقرّ السّلطان، على أن يكون مُرتديًا ثيابًا من حرير.
وفي اليوم المُحدّد تجمّع أربعة وستّون رجلاً، واستعدّ الموسيقيون في قاعة الرّقص. وحسب ما خطّط صدّيق، طلب السّلطان منهم أن يسير كلٌّ بمفرده في ممرٍ ضيقٍ طويلٍ مُظلمٍ، وضع السّلطان على جانبيه رفوفًا عليها كلّ ذهبه وأمواله ومجوهراته.
ولمّا دخلوا جميعًا القاعة أمرَ السلطان أن يبدأ عزف الموسيقى. وفوجئ الجميع بالسّلطان يطلب منهم أن يرقصوا على أنغام العازفين. رقص الحاضرون ببطءٍ ورؤوسهم مُطأطأة، وهُم ينظرون بخجلٍ إلى الأرض، وكلّ واحدٍ قد ضمّ ذراعيه إلى جانبه حتى لا تهتزّ ثيابه ولا يسقطُ ما في جيوبه أو يحدث صوتًا.
إلاّ أنّ واحدًا فقط كان يخطو بخفّةٍ ويتحرّك بحُريةٍ، يقف مرفوع الرأس، ثابت النّظرات، مبسوط الذّراعين.
فقال صدّيق: "هذا هو الرّجل الأمين الذي تبحث عنه يا مولاي! لقد قاوم الإغراء ولم يمدّ يده إلى ما لا يملك".
أمر السّلطان، فتوقف الرّقص. ونادى ذلك الرجل فعانقه وقبّله وعيّنه في الحال الأمين الأول لخزانته.
أمّا الباقون فعُوقبوا لخيانتهم. فقد سرقوا خلال عبورهم الممرّ الضيق وملأوا جيوبهم ممّا فيه من أموالٍ ومجوهراتٍ، لذلك لم يقدروا على الرّقص والحركة. ومن ذلك اليوم سَمّى الناس ذلك الممر الضّيق "ممر الإغراء".
...............
غنية شريرة وفقيرة فاضلة
كان في إحدى المدن أختان: إحداهما واسمها ظريفة، شرسة الأخلاق كثيرة الشتم والسباب. وكان الناس يبغضونها ويبتعدون عنها. لكنها كانت غنية وجميلة، وتزوجت رجلا غنيا، ولم يكن يعرف أخلاقها غير أن الله عاقبها بأن لم يرزقها أولادا تسر بهم في حياتها.
والأخت الثانية، واسمها لطيفة، لم تكن جميلة ولا غنية كأختها، لكنها كانت راضية الأخلاق، لطيفة كأسمها، عطوفة حنونة. تخاف الله وتخلص في عبادته.
تقدم إليها عتّال اسمه حارس فتزوجها، وعاشت معه عيشة فقر وعوز.فكانت تغسل ثياب بعض العائلات، وهو يشتغل بالعتالة ليكسبا قوت أولادهما الستة الذين أنعم الله بهم عليهما، وكانوا مصدر سعادتهما وسرورهما.
جاء عيد الميلاد، فرأت لطيفة أولاد الجيران يشتري لهم أهلهم ملابس العيد، وكانت هي تعجز عن شراء ملابس جديدة لأولادها، كما لم تتمكن من طهو طعام طيب لهم.
فذهبت إلى بيت أختها ظريفة ونظفته قبل العيد وهي تأمل أن تعطف عليها أختها فتعطيها شيئا من المال. لكن أختها استقبلتها بوجه عابس. ولما انتهت لطيفة من تنظيف البيت أعطتها أختها بعض كسر الخبز اليابس، وطردتها. فذهبت حزينة كسيرة القلب.
وفي طريقها إلى بيتها، مرّت بقصر جميل، فدقت بابه، ففتح لها خادم بشع الوجه، فسلمت عليه ودعت له بالخير وطلبت إليه أن يحسن إليها.
ابتسم لها ودلها على باب ثان، وقال لها: دقي هذا الباب. فدقته ففتحت لها فأرتان بيضاوان، فحيتهما، وطلبت منهما أن يحسنا إليهما. فدلتاها على باب ثالث. فدقته وفتحت لها أربع فأرات بيض، ودخلت، فرأت مقاعد حريرية بيضاء جلست عليها فئران كثيرة، فحيتهن، وتحبّبت إليهن، فأعطينها بطاقة، وقلن لها: اذهبي إلى المطبخ، فتعطي ما تريدين.
ذهبت لطيفة إلى المطبخ، وأعطت البطاقة للعبد الذي فتح لها الباب، فأتى بكيسين ملأ أحدهما طعاما من مختلف الأشكال، وملأ الثاني ذهبا، ثم حملهما إلى عربة أمام باب القصر، فعادت لطيفة إلى حيث الفئران وشكرت لهن معروفهن. فقلن لها: متى نفد ما أخذت عودي إلينا لنعطيك غيره. وأوصلها العبد الخادم إلى بيتها فدعته لتكرمه، ولكنه شكرها وعاد إلى الفأرات.
أعطت لطيفة أولادها كيس الطعام واشترت لهم ملابس جديدة ولها ولزوجها ملابس جديدة.
وفي اليوم التالي، بحثوا عن بيت جميل، فدلهم الجيران على قصر فخم تحيط به حديقة كبيرة، فيها أنواع الأشجار والأزهار، فاشتروه وفرشوه بأجمل الأثاث، وأحضروا عبيدا للخدمة وطاهية ومعلمة للأولاد.
انتشر خبر غنى حارس، وأنه صار يعيش عيشة الأغنياء. ولما عاد عيد الفصح، فكرت ظريفة أن تزور أختها وتعطيها بعض المال ليشتروا ما يحتاجون إليه من طعام وملابس.
فلبست أجمل ثيابها وذهبت إلى بيت أختها، ولكنها لم تجد فيه أحدا. فسألت عنها الجيران، فأخبروها أنها تسكن الآن قصرا جميلا ودلوها عليه.
ذهبت ظريفة إلى القصر، وأخذتها لطيفة إلى غرف النوم وغرفة الطعام وغرفة الجلوس لترى ما فيها من أثاث وأوان. ودلت أختها على مصدر هذه النعمة.
وصلت ظريفة إلى الباب الذي دلتها عليه أختها، ودقت الباب، ففتح لها العبد الأسود، فاحتقرته وشتمته، وقالت له: أريد حسنة. فاغتاظ منها العبد، ودلها على الباب الثاني، فدقت ففتحت لها الفأرتان البيضاوان، فاستهزأت بهما، وقالت لهما: لو كنت أعرف أنكما ستفتحان الباب لي لكنت حملت معي هرتي تصنع منكما وليمة لها. أعطياني حسنة.
فاستاءت الفارتان من كلامها، ودلتاها على الباب الثالث، ولما دقته، وفتحت لها الفارات الأربع، قهقهت متهكمة، ثم طلبت إليهن إحسانا، فأعطينها بطاقة، وقلن لها أن تذهب إلى المطبخ، فنظرت إليهن نظرة احتقار واشمئزاز، وسارت إلى المطبخ، فاستقبلها العبد، وبدأت تشتمه.
ودخل العبد إلى غرفة داخلية وملأ كيسا بالحيّات والعقارب، وأخرجه إليها، وقال لها: خذي هذا الكيس ولا تفتحيه إلا في بيتك، بعد أن تقفلي النوافذ والأبواب.
عملت كما طلب منها الخادم الأسود، وفتحت الكيس. فتدفقت منه الحيات والعقارب فنهشت جسمها نهشا مؤلما وصارت تصرخ رعبا وألما، وتستنجد، فلم يسمع أحد صوتها، فماتت أشنع ميتة.
لما جاء زوجها، وقرع الباب لم يفتح له أحد، فنادى رجال الشرطة، فأتوا وأعانوه على كسر الباب، فهجمت عليهم الحيات والعقارب، فأخذوا يردونها عنهم بما كان في أيديهم من عصيّ وقطع أخشاب، حتى قتلوها، ودخلوا البيت فوجدوا ظريفة ميتة، وقد انتفخ جسمها من السم.
هكذا كان مصير المرأة الفاضلة اللطيفة، ومصير المرأة الشريرة.
................
سرّ الثوب الأَسوَد
كان في قديم الزّمان، في أحد بلاد آسيا حاكمٌ عظيم الشأن، وكان له ولد وحيد اسمه إبراهيم.
عندما تقدّم الحاكم في السّن استدعى ولده الوحيد، وقال له: "لقد كبرتُ يا ولدي وصرتُ هرمًا، ولن أستطيع الإستمرار في الحُكم. لذا يجب أن تستعدّ لتتسلّم الحكم قريبًا". وتابع الأب كلامه: "وعليك قبل ذلك أن تتزوّج، وتصبح رب عائلةٍ... وأنصحك بالبحث عن فتاةٍ عاقلةٍ ذكيةٍ تصلح لأن تشاركك مسوؤليات الحياة والحكم".
اقتنع الأمير إبراهيم بكلام والده، فامتطى حصانه، وسار يبحث عن فتاةٍ تصلح أن تكون زوجةً له. وفي طريقه صادف كثيرًا من الفتيات الجميلات، ولكنّه لم يعجب بأيّة واحدةٍ منهنّ. وتابع طريقه. وإذا به يرى، ذات يومٍ، فتاةً مزارعةً تقطف ثمار التّفاح من أحد البساتين. فأعجبه وجهها الجميل الحزين.
نزل الأمير عن حصانه، واتّجه نحو الفلاّحة الجميلة الحزينة وسألها: "مَن أنتِ؟"
فأجابت: أنا مُزارعة أهتمّ بهذا البستان، وأقطف ثماره، وأنتَ ماذا تعمل ؟". فأجابها: "أنا أبحث عن فتاةٍ أتزوّجها... هل تقبلين الزّواج مني؟"
احمرّت وجنتا الفتاة، وصمَتَت لحظةً. ولكنّها استعادت رباطة جأشها وقالت: "حسنا... ولكن ألا تستطيع أن تصنع شيئًا ما بيديك؟" أجابها الأمير: "أنا لم أفكّر بهذا الأمر من قبل".
استغربت الفتاة كلام الأمير وقالت له: "أنا لا أتزوّج رجلاً ليست له مهنة، أو عمل مُعيّن". فكّر الأمير في كلام الفتاة مليّاً، وامتطى حصانه بسرعةٍ وعاد إلى قصر أبيه ليخبره بما جرى معه، مُبديًا إعجابه بالفتاة المزارعة لأنّها ذكية وعاقلة وتصلح لأن تشاركه حياته العائلية والسّياسية. وقال لأبيه: "أريد أن أتعلّم مهنةً نافعةً لكي أنال إعجابها فتوافق على الزّواج منّي..".
فما كان من الوالد العجوز إلاّ أن أحضر لإبنه أعظم نسّاجٍ للثياب في البلدة ليعلّمه هذه الحِرفة. واستطاع الأمير خلال مدةٍ قصيرةٍ أن يتعلّم هذه المهنة، وأن يصنع ثوبًا جميلاً أخضر.
أخذ الأمير الثّوب الجميل وسار قاصدًا الفتاة ليثبت لها أنّه تعلّم مهنةً تجعله زوجًا مناسبًا. وكان الثوب مُتقَن الصّنع، فأعجب الفتاة ووافقت على الزّواج من الأمير. وعادا معًا إلى القصر لإتمام مراسيم الزّفاف.
بعد الزواج، طلبت الفتاة إلى الأمير أن يتعرّف بمشاكل الناس وأن يسعى لحلّها، فوافقها. وارتدى ثيابًا تدلّ على أنه نسّاج، وسار وسط الناس، لكنّه وقع في يد عصابةٍ من قطّاع الطرق، ولمّا عرفوا أنه ابن حاكم البلاد طمعوا في أمواله، وأصرّوا على ألا يتركوه حتى يعطيهم ما يطمعون به..
طلب إليهم إبراهيم أن يعطوه فرصةً لصناعة ثوبٍ يبيعه للأميرة وهي تعطيهم ما يشاؤون من الأموال. واستطاع الأمير أن ينتهي من صناعة الثوب خلال مدةٍ قصيرةٍ.
أخذ زعيم العصابة الثوب وسار به إلى قصر الأمير وسلّمه إلى الزّوجة، فأدركت أنّ الثوب من صُنع زوجها، وأن اللّون الأسود يدلّ على أنّه في خطرٍ. فتسلّمت الثوب وأعطت زعيم العصابة كيسًا من المال، وأمرت الجنود أن يلحقوا به ويستدلّوا على مكان وجود الأمير. وبالفعل، استطاع الجنود أن يقبضوا على زعيم العصابة وأعوانه.
وهكذا خرج الأمير من سجنه وعاد إلى القصر، فاستقبلته زوجته الذّكية بالترحاب والحفاوة.
ازداد إعجاب الأمير بزوجته، وعاش الزوجان حياةً ملؤها السّعادة والهناء، وأنجبا بنات وبنين.
يروى أن ثلاث فتيات يتيمات كن يعشن حياة فقر وحرمان ، ولم يكن لهن معيل أو قريب يلجأن إليه في هذا الضيق الذي يخيم على حياتهن طيلة الأيام .
فكرن طويلاً بطريقة ينقذن أنفسهن بها من هذا الحرمان الذي يكاد يودي بحياتهن وهن ما زلن في مقتبل العمر . فلم يجدن طريقة أفضل من غزل الصوف وتطريز الثياب ، فرحن يعملن مجتهدات ليل نهار ليحصلن رزقهن ويدّخرن بعض المال للأيام السوداء التي غالبا ما كانت تمرّ بهن وتطيل المكوث لديهن .
وفي يوم توفيت والدة حاكم المدينة ، فأعلن الحداد في جميع أرجاء المدينة مدة أيام ثلاثة ، وأمر الحاكم ألا يضاء أي ضوء في أي مكان قبل أن تنتهي مدة الحداد .
ومرت الليلة الأولى من غير أن تشتغل الفتيات الثلاث إذ خفن أن يكتشف حراس الليل أمرهن . غير أنهن في الليلة الثانية لم يستطعن أن ينقطعن عن العمل ، فأنرن القنديل سراً ورحن يعملن خائفات ، وكان أن قرر حاكم المدينة أن يتأكد بنفسه من التزام أهل المدينة بأمره . فراح يدور في الشوارع حتى توقف أمام شباك منزل لمح من خلال ستائره ضوءا خفيفا ، فاقترب منه ونظر إلى الداخل ، وتناهت إلى سمعه كلمات للفتيات الثلاث وهن يحدثن بعضهن البعض.
قالت الأولى: لكن أتمنى أن أتخلص من هذا العمل المضني فأتزوج من طباخ قصر حاكم المدينة ، فتمتلئ معدتي وأنتهي من هذا الخوف الذي يتملكني كل ليلة عندما أفكر بالغد .
وقالت الثانية: لا تظني أنك وحدك التي تريد أن تنتهي من هذا العمل المضني ، فلقد تعبت يدي وعيني ، ولم أعد أطيق الصبر على العمل ليل نهار من أجل لقمة خبز آكلها وأظل في جوع . ولكم أتمنى أن يتزوجني أحد حراس قصر حاكم المدينة ، فأكتفي بمعاشه وأعيش معه عيشة مطمئنة .
أما الثالثة فكانت تسمع كلام أختيها وتضحك ، وبعد صمت قالت لهما: إن أحلامكما صغيرة جدا، أما أنا فإما أن أظل أعمل في ضوء هذا القنديل ، وأتعب عيني ويدي ، وأصبر على الجوع والعوز، وإما أن أتزوج من ابن حاكم المدينة .
وضحكت منها أختاها ملياً. أما حاكم المدينة فقفل عائداً إلى القصر . وعند الصباح طلب إلى الحراس أن يذهبوا ويأتوه بالفتيات الثلاث . فلما حضرن بين يديه قال لهن: لقد مررت البارحة بيتكن ووجدتكن قد أنرتن القنديل ورحتن تعملن في غزل الصوف وتطريز الثياب . أما علمتن أني أعلنت الحداد ثلاثة أيام بسبب وفاة والدتي وأمرت من في المدينة ألا يضيئوا قنديلا قبل ثلاث أيام؟
فقالت الأخت الوسطى: لقد عرفنا بأمرك يا سيدي الحاكم ، ولكن العوز قد أجبرنا على أن نتجاوز إرادتك ونضيء القناديل لنحصّل رزق نهار الغد .
وهنا قال حاكم المدينة للفتاة الأولى: أما أنت أيتها الفتاة ، فسنزوج منك طباخ هذا القصر . واستغربت كلامه، وكيف عرف أنها كانت تحلم بذلك ، لكنها لم تنطق بأي كلمة .
ثم وجه كلامه للفتاة الثانية قائلا : أما أنت فسيتزوجك أحد الحراس، أتوافقين ؟
أظن أنك توافقين، غير أن خجلك يمنعك من أنت تقولي أي شيء .
ونظر إلى الفتاة الثالثة ، وهي أصغرهن، وقال لها: أما أنت فستكونين وصيفة لابنتي .
وهكذا كان .
تبدلت حياة الفتيات الثلاث وبات عيشهن رغيداً .
وكانت الفتاة الصغرى ترافق بنت حاكم المدينة ، وتقوم معها بنزهات جميلة وتجلس إليها فترات طويلة في حديقة القصر . غير أن أحلامها غالبا ما كانت تحزنها . فلقد تحقق حلما أختيها ، أما هي فما زالت على حلمها القديم ، تتمنى أن تكون زوجة ابن الحاكم.
وفي يوم ، وبينما كانت في الحديقة ، تتأمل الأزهار وتفكر ، وهي وحيدة ، رأت بالقرب منها شاباً جميلاً ، توقف برهة من غير أن يتكلم ، ثم قال لها: أراك تجلسين هنا وحدك، أما لك من صديقة تجالسينها ؟
فقالت: إنني وصيفة بنت حاكم المدينة، وها أنا أنتظرها لتوافيني إلى الحديقة، حيث تحب الجلوس فترات طويلة من النهار .
وطالت نظرة الفتى إلى الوصيفة ، وبات يلتقيها مصادفة بين الحين والحين حتى جاء وقت رآها فيه واقفة قرب زهرات جميلة ، فأخذها بيديه وأسرع بها نحو القصر الذي صعد درجاته ، ثم دخل بها مع زوجة الحاكم، وقال لها :
- أمي .. أريد أن أتزوج هذه الفتاة .
وحاول أن يتابع كلامه ، إلا أنه فوجئ بحاكم المدينة يدخل ، وبادره بقوله: ما بك يا ولدي ؟
فقالت الأم: لقد أحب وصيفة ابنتك ويريد أن يتزوجها .
وضحك الحاكم عندئذ ونظر إلى الفتاة وقال لها: لقد تحقق حلمك يا عزيزة ، فلقد سمعت تلك الليلة التي مررت ببيتكم فيها أنك تودين أن يكون زوجك ابن حاكم المدينة . وضحكت الفتاة في سرها ، وظلت ابتسامتها أجمل ما ضم قصر حاكم المدينة .
................
ممرّ الإغراء
وَجد السّلطان أنّ أموال الدّولة تنقصُ باستمرارٍ بسبب اختلاس المُوظّفين وعدم أمانتهم. وكان الأمين الأوّل للخزانة هو المثل السّيئ للموظّفين من صيارفة ومُحصّلين. وقد غيّره السّلطان أكثر من مرةٍ، ولكن الحال لم يتغيّر.
طلب السلطان من حكيمٍ اسمه صدّيق أن يرشده إلى وسيلةٍ يتمكّن بها من العثور على أمينٍ للخزانة العامّة، لا يسرق ولا ينهب. فقال صدّيق: "سندعو كلّ مَن يتقدّم إلى هذه الوظيفة إلى الرّقص، ومَن يرقص بخفّةٍ أكثر من غيره سيكون أكثرهم أمانةً".
ظنّ السّلطان أنّه يمزح. ولمّا تأكّد أنّه جاد، قال له: إفعل ما تراهُ صحيحًا.
دعا صدّيق كلّ مَن يرغب في شغل وظيفة الأمين الأوّل للخزانة إلى مقرّ السّلطان، على أن يكون مُرتديًا ثيابًا من حرير.
وفي اليوم المُحدّد تجمّع أربعة وستّون رجلاً، واستعدّ الموسيقيون في قاعة الرّقص. وحسب ما خطّط صدّيق، طلب السّلطان منهم أن يسير كلٌّ بمفرده في ممرٍ ضيقٍ طويلٍ مُظلمٍ، وضع السّلطان على جانبيه رفوفًا عليها كلّ ذهبه وأمواله ومجوهراته.
ولمّا دخلوا جميعًا القاعة أمرَ السلطان أن يبدأ عزف الموسيقى. وفوجئ الجميع بالسّلطان يطلب منهم أن يرقصوا على أنغام العازفين. رقص الحاضرون ببطءٍ ورؤوسهم مُطأطأة، وهُم ينظرون بخجلٍ إلى الأرض، وكلّ واحدٍ قد ضمّ ذراعيه إلى جانبه حتى لا تهتزّ ثيابه ولا يسقطُ ما في جيوبه أو يحدث صوتًا.
إلاّ أنّ واحدًا فقط كان يخطو بخفّةٍ ويتحرّك بحُريةٍ، يقف مرفوع الرأس، ثابت النّظرات، مبسوط الذّراعين.
فقال صدّيق: "هذا هو الرّجل الأمين الذي تبحث عنه يا مولاي! لقد قاوم الإغراء ولم يمدّ يده إلى ما لا يملك".
أمر السّلطان، فتوقف الرّقص. ونادى ذلك الرجل فعانقه وقبّله وعيّنه في الحال الأمين الأول لخزانته.
أمّا الباقون فعُوقبوا لخيانتهم. فقد سرقوا خلال عبورهم الممرّ الضيق وملأوا جيوبهم ممّا فيه من أموالٍ ومجوهراتٍ، لذلك لم يقدروا على الرّقص والحركة. ومن ذلك اليوم سَمّى الناس ذلك الممر الضّيق "ممر الإغراء".
...............
غنية شريرة وفقيرة فاضلة
كان في إحدى المدن أختان: إحداهما واسمها ظريفة، شرسة الأخلاق كثيرة الشتم والسباب. وكان الناس يبغضونها ويبتعدون عنها. لكنها كانت غنية وجميلة، وتزوجت رجلا غنيا، ولم يكن يعرف أخلاقها غير أن الله عاقبها بأن لم يرزقها أولادا تسر بهم في حياتها.
والأخت الثانية، واسمها لطيفة، لم تكن جميلة ولا غنية كأختها، لكنها كانت راضية الأخلاق، لطيفة كأسمها، عطوفة حنونة. تخاف الله وتخلص في عبادته.
تقدم إليها عتّال اسمه حارس فتزوجها، وعاشت معه عيشة فقر وعوز.فكانت تغسل ثياب بعض العائلات، وهو يشتغل بالعتالة ليكسبا قوت أولادهما الستة الذين أنعم الله بهم عليهما، وكانوا مصدر سعادتهما وسرورهما.
جاء عيد الميلاد، فرأت لطيفة أولاد الجيران يشتري لهم أهلهم ملابس العيد، وكانت هي تعجز عن شراء ملابس جديدة لأولادها، كما لم تتمكن من طهو طعام طيب لهم.
فذهبت إلى بيت أختها ظريفة ونظفته قبل العيد وهي تأمل أن تعطف عليها أختها فتعطيها شيئا من المال. لكن أختها استقبلتها بوجه عابس. ولما انتهت لطيفة من تنظيف البيت أعطتها أختها بعض كسر الخبز اليابس، وطردتها. فذهبت حزينة كسيرة القلب.
وفي طريقها إلى بيتها، مرّت بقصر جميل، فدقت بابه، ففتح لها خادم بشع الوجه، فسلمت عليه ودعت له بالخير وطلبت إليه أن يحسن إليها.
ابتسم لها ودلها على باب ثان، وقال لها: دقي هذا الباب. فدقته ففتحت لها فأرتان بيضاوان، فحيتهما، وطلبت منهما أن يحسنا إليهما. فدلتاها على باب ثالث. فدقته وفتحت لها أربع فأرات بيض، ودخلت، فرأت مقاعد حريرية بيضاء جلست عليها فئران كثيرة، فحيتهن، وتحبّبت إليهن، فأعطينها بطاقة، وقلن لها: اذهبي إلى المطبخ، فتعطي ما تريدين.
ذهبت لطيفة إلى المطبخ، وأعطت البطاقة للعبد الذي فتح لها الباب، فأتى بكيسين ملأ أحدهما طعاما من مختلف الأشكال، وملأ الثاني ذهبا، ثم حملهما إلى عربة أمام باب القصر، فعادت لطيفة إلى حيث الفئران وشكرت لهن معروفهن. فقلن لها: متى نفد ما أخذت عودي إلينا لنعطيك غيره. وأوصلها العبد الخادم إلى بيتها فدعته لتكرمه، ولكنه شكرها وعاد إلى الفأرات.
أعطت لطيفة أولادها كيس الطعام واشترت لهم ملابس جديدة ولها ولزوجها ملابس جديدة.
وفي اليوم التالي، بحثوا عن بيت جميل، فدلهم الجيران على قصر فخم تحيط به حديقة كبيرة، فيها أنواع الأشجار والأزهار، فاشتروه وفرشوه بأجمل الأثاث، وأحضروا عبيدا للخدمة وطاهية ومعلمة للأولاد.
انتشر خبر غنى حارس، وأنه صار يعيش عيشة الأغنياء. ولما عاد عيد الفصح، فكرت ظريفة أن تزور أختها وتعطيها بعض المال ليشتروا ما يحتاجون إليه من طعام وملابس.
فلبست أجمل ثيابها وذهبت إلى بيت أختها، ولكنها لم تجد فيه أحدا. فسألت عنها الجيران، فأخبروها أنها تسكن الآن قصرا جميلا ودلوها عليه.
ذهبت ظريفة إلى القصر، وأخذتها لطيفة إلى غرف النوم وغرفة الطعام وغرفة الجلوس لترى ما فيها من أثاث وأوان. ودلت أختها على مصدر هذه النعمة.
وصلت ظريفة إلى الباب الذي دلتها عليه أختها، ودقت الباب، ففتح لها العبد الأسود، فاحتقرته وشتمته، وقالت له: أريد حسنة. فاغتاظ منها العبد، ودلها على الباب الثاني، فدقت ففتحت لها الفأرتان البيضاوان، فاستهزأت بهما، وقالت لهما: لو كنت أعرف أنكما ستفتحان الباب لي لكنت حملت معي هرتي تصنع منكما وليمة لها. أعطياني حسنة.
فاستاءت الفارتان من كلامها، ودلتاها على الباب الثالث، ولما دقته، وفتحت لها الفارات الأربع، قهقهت متهكمة، ثم طلبت إليهن إحسانا، فأعطينها بطاقة، وقلن لها أن تذهب إلى المطبخ، فنظرت إليهن نظرة احتقار واشمئزاز، وسارت إلى المطبخ، فاستقبلها العبد، وبدأت تشتمه.
ودخل العبد إلى غرفة داخلية وملأ كيسا بالحيّات والعقارب، وأخرجه إليها، وقال لها: خذي هذا الكيس ولا تفتحيه إلا في بيتك، بعد أن تقفلي النوافذ والأبواب.
عملت كما طلب منها الخادم الأسود، وفتحت الكيس. فتدفقت منه الحيات والعقارب فنهشت جسمها نهشا مؤلما وصارت تصرخ رعبا وألما، وتستنجد، فلم يسمع أحد صوتها، فماتت أشنع ميتة.
لما جاء زوجها، وقرع الباب لم يفتح له أحد، فنادى رجال الشرطة، فأتوا وأعانوه على كسر الباب، فهجمت عليهم الحيات والعقارب، فأخذوا يردونها عنهم بما كان في أيديهم من عصيّ وقطع أخشاب، حتى قتلوها، ودخلوا البيت فوجدوا ظريفة ميتة، وقد انتفخ جسمها من السم.
هكذا كان مصير المرأة الفاضلة اللطيفة، ومصير المرأة الشريرة.
................
سرّ الثوب الأَسوَد
كان في قديم الزّمان، في أحد بلاد آسيا حاكمٌ عظيم الشأن، وكان له ولد وحيد اسمه إبراهيم.
عندما تقدّم الحاكم في السّن استدعى ولده الوحيد، وقال له: "لقد كبرتُ يا ولدي وصرتُ هرمًا، ولن أستطيع الإستمرار في الحُكم. لذا يجب أن تستعدّ لتتسلّم الحكم قريبًا". وتابع الأب كلامه: "وعليك قبل ذلك أن تتزوّج، وتصبح رب عائلةٍ... وأنصحك بالبحث عن فتاةٍ عاقلةٍ ذكيةٍ تصلح لأن تشاركك مسوؤليات الحياة والحكم".
اقتنع الأمير إبراهيم بكلام والده، فامتطى حصانه، وسار يبحث عن فتاةٍ تصلح أن تكون زوجةً له. وفي طريقه صادف كثيرًا من الفتيات الجميلات، ولكنّه لم يعجب بأيّة واحدةٍ منهنّ. وتابع طريقه. وإذا به يرى، ذات يومٍ، فتاةً مزارعةً تقطف ثمار التّفاح من أحد البساتين. فأعجبه وجهها الجميل الحزين.
نزل الأمير عن حصانه، واتّجه نحو الفلاّحة الجميلة الحزينة وسألها: "مَن أنتِ؟"
فأجابت: أنا مُزارعة أهتمّ بهذا البستان، وأقطف ثماره، وأنتَ ماذا تعمل ؟". فأجابها: "أنا أبحث عن فتاةٍ أتزوّجها... هل تقبلين الزّواج مني؟"
احمرّت وجنتا الفتاة، وصمَتَت لحظةً. ولكنّها استعادت رباطة جأشها وقالت: "حسنا... ولكن ألا تستطيع أن تصنع شيئًا ما بيديك؟" أجابها الأمير: "أنا لم أفكّر بهذا الأمر من قبل".
استغربت الفتاة كلام الأمير وقالت له: "أنا لا أتزوّج رجلاً ليست له مهنة، أو عمل مُعيّن". فكّر الأمير في كلام الفتاة مليّاً، وامتطى حصانه بسرعةٍ وعاد إلى قصر أبيه ليخبره بما جرى معه، مُبديًا إعجابه بالفتاة المزارعة لأنّها ذكية وعاقلة وتصلح لأن تشاركه حياته العائلية والسّياسية. وقال لأبيه: "أريد أن أتعلّم مهنةً نافعةً لكي أنال إعجابها فتوافق على الزّواج منّي..".
فما كان من الوالد العجوز إلاّ أن أحضر لإبنه أعظم نسّاجٍ للثياب في البلدة ليعلّمه هذه الحِرفة. واستطاع الأمير خلال مدةٍ قصيرةٍ أن يتعلّم هذه المهنة، وأن يصنع ثوبًا جميلاً أخضر.
أخذ الأمير الثّوب الجميل وسار قاصدًا الفتاة ليثبت لها أنّه تعلّم مهنةً تجعله زوجًا مناسبًا. وكان الثوب مُتقَن الصّنع، فأعجب الفتاة ووافقت على الزّواج من الأمير. وعادا معًا إلى القصر لإتمام مراسيم الزّفاف.
بعد الزواج، طلبت الفتاة إلى الأمير أن يتعرّف بمشاكل الناس وأن يسعى لحلّها، فوافقها. وارتدى ثيابًا تدلّ على أنه نسّاج، وسار وسط الناس، لكنّه وقع في يد عصابةٍ من قطّاع الطرق، ولمّا عرفوا أنه ابن حاكم البلاد طمعوا في أمواله، وأصرّوا على ألا يتركوه حتى يعطيهم ما يطمعون به..
طلب إليهم إبراهيم أن يعطوه فرصةً لصناعة ثوبٍ يبيعه للأميرة وهي تعطيهم ما يشاؤون من الأموال. واستطاع الأمير أن ينتهي من صناعة الثوب خلال مدةٍ قصيرةٍ.
أخذ زعيم العصابة الثوب وسار به إلى قصر الأمير وسلّمه إلى الزّوجة، فأدركت أنّ الثوب من صُنع زوجها، وأن اللّون الأسود يدلّ على أنّه في خطرٍ. فتسلّمت الثوب وأعطت زعيم العصابة كيسًا من المال، وأمرت الجنود أن يلحقوا به ويستدلّوا على مكان وجود الأمير. وبالفعل، استطاع الجنود أن يقبضوا على زعيم العصابة وأعوانه.
وهكذا خرج الأمير من سجنه وعاد إلى القصر، فاستقبلته زوجته الذّكية بالترحاب والحفاوة.
ازداد إعجاب الأمير بزوجته، وعاش الزوجان حياةً ملؤها السّعادة والهناء، وأنجبا بنات وبنين.