أرجوك احترمني
كان يقف حياله موقفا بائسا يثير الشفقة ، الأول يتكلم بثقة ، والثاني يردد لازمته : اعمل معروفا واحترمني .
استفزتني هذه الجملة وأنا أرى هذا الإنسان المهشم المسترحم والمستعطف ، فانتظرت حتى ذهب محاوره وبقينا نحن الاثنان وحدنا، فأعددت كوبين من الزنجبيل والليمون الحامض وجلست إليه، مازحته في البداية لعلي أخفف عنه بعضا من توتره، وأخذت في توجيه أسئلة إليه عن أمور أعلم أنه يفهم فيها، صار يحدثني وقد استعاد شيئا من ثقته بنفسه ، ولما هدأ بادرته قائلا :
يا صديقي : لا تقل هذه الجملة لمن يعاملك من غير احترام فإنك بهذا تستجلب الشفقة منه ، بل افرض عليه احترامك ، دعه يرى فيك الإنسان الجدير بالاحترام والتقدير ، واعلم أن الإنسان مفطور على طلب الكمال وعشقه وتقديره وتعظيمه ، فإن رأى كمالا في أفعالك وأخلاقك وأحوالك نلت احترامه وتقديره من غير طلب ، وتحولت من طالب إلى مطلوب ، ومن راغب إلى مرغوب به .
يا صديقي : صحيح أن البشر مختلفون في أشكالهم وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم ، ومختلفون في طبائعهم وأساليب عيشهم وأنماط تفكيرهم ولكنهم ينتهون إلى أب واحد وأم واحدة فكلنا من آدم وآدم من تراب ، وقد أودع الله فيهم كلهم فردا فردا القابليات التي تتيح لهم أن يتجهوا نحو الكمال ومن ثم بلوغه ، ولكن ذلك مشروط بأن يُفَعِّلَ الفردُ منهم قابلياته وأن ينال من العلم والمعرفة ما يتيح له أن يكون مشارا إليه بالبنان ، وأن يجهد في الإتصاف بالصفات الأخلاقية الراقية كي يكون محلا لتقدير الناس واحترامهم .
وتذكر يا صديقي : أن فيك إيجابيات كثيرة كما في غيرك من الناس ، فثق بنفسك ، فبهذه الثقة تستطيع أن تؤسس لاحترام الآخرين لك ، ولا تنسَ الاهتمام بمظهرك الخارجي والابتعاد عن كل ما ينفر منه ، واحرص على رقيك الأخلاقي وتحلَّ بالطيّب من القول واللين من الكلام ، وكلم الناس على قدر عقولهم فقد ينفرون منك إن جهلوا مراميك ، وفكر قبل أن تتكلم حتى تأمن مغبة التسرُّعِ في القول والاستعجال في المواقف ، ولا تقبلن إهانة من إنسان ، ولا تجادل الجاهل فإنه يجلب إليك المهانة ويعييك ، وإياك أن تقبل الإهانة من أحد فإنك إن قبلتها تجرأ الآخرون عليك فتصير مهانا .
واحرص يا صديقي : على أن تكون مستمعا أكثر من أن تكون متحدثا واعلم أن الصمت يزرع المهابة في النفوس ففي الحديث الشريف : قد أكثر من الهيبة الصامت .
وإياك أن تجعل حياتك كتابا مفتوحا يقرأه كل من أراد ، فلا تفشيَنَّ أسرارك فتصبح عاريا أمام الناس، يرون عيوبك ويتعرفون إلى عوراتك فتصير مهانا فيهم ، وعليك أن تعلم أن الناس يعظمون الشخصية التي تخفى عليهم أكثر من الشخصية المعروفة لديهم ، هكذا يتعامل الناس مع المجهول بكثير من الاحترام والتهيب .وقد ورد عن الإمام علي (ع) أنه قال : سرك سرورك إن كتمته ، وإن أذعته كان ثبورك .
وابتعد عن حب التأثير في الآخرين فإنك لن تصل إلى نتيجة وقد ينقلب الأمر إلى ضده ، بحيث يسر ذلك الآخرون ويَسْتَخِفُّوْنَ بك ، بل تعامل معهم على سجيتك ، فهؤلاء أنبياء الله عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كانوا أعظم الخلق شخصية لكنهم لم يستطيعوا أن يؤثروا في جميع الناس .
وكن هادئ الطبع أبدا مبتعدا عن الانفعالات والغضب فإن الانفعال غالبا ما يقود إلى الطيش ويدني من الشر و يكشف بواطن الإنسان ويظهر عوراته ما يصيره مرمى لسهام الناس .
افعل ما قلته لك وستجد كيف تفرض احترامك على الآخرين من غير أن تحتاج إلى طلبه منهم فتثير شفقتهم وتجر إليك سخريتهم .
ولما أن بلغت في الحديث إلى هذا، وقف صديقي أمامي وأنا جالس على الكنبة ، وقف وقفة شموخ واعتزاز وقال : اسمح لي أن أقبل جبينك .
لقد أهديتني عيوبي وأنرت لي دروبي ، ورحم الله امرأ أهدى إليَّ عيوبي .
ربتُّ على كتفه ودعوت له ومضى ، و أنا أسأل الله أن يكون في مستقبله أفضل من ماضيه .
وفقه الله ووفقكم .
كان يقف حياله موقفا بائسا يثير الشفقة ، الأول يتكلم بثقة ، والثاني يردد لازمته : اعمل معروفا واحترمني .
استفزتني هذه الجملة وأنا أرى هذا الإنسان المهشم المسترحم والمستعطف ، فانتظرت حتى ذهب محاوره وبقينا نحن الاثنان وحدنا، فأعددت كوبين من الزنجبيل والليمون الحامض وجلست إليه، مازحته في البداية لعلي أخفف عنه بعضا من توتره، وأخذت في توجيه أسئلة إليه عن أمور أعلم أنه يفهم فيها، صار يحدثني وقد استعاد شيئا من ثقته بنفسه ، ولما هدأ بادرته قائلا :
يا صديقي : لا تقل هذه الجملة لمن يعاملك من غير احترام فإنك بهذا تستجلب الشفقة منه ، بل افرض عليه احترامك ، دعه يرى فيك الإنسان الجدير بالاحترام والتقدير ، واعلم أن الإنسان مفطور على طلب الكمال وعشقه وتقديره وتعظيمه ، فإن رأى كمالا في أفعالك وأخلاقك وأحوالك نلت احترامه وتقديره من غير طلب ، وتحولت من طالب إلى مطلوب ، ومن راغب إلى مرغوب به .
يا صديقي : صحيح أن البشر مختلفون في أشكالهم وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم ، ومختلفون في طبائعهم وأساليب عيشهم وأنماط تفكيرهم ولكنهم ينتهون إلى أب واحد وأم واحدة فكلنا من آدم وآدم من تراب ، وقد أودع الله فيهم كلهم فردا فردا القابليات التي تتيح لهم أن يتجهوا نحو الكمال ومن ثم بلوغه ، ولكن ذلك مشروط بأن يُفَعِّلَ الفردُ منهم قابلياته وأن ينال من العلم والمعرفة ما يتيح له أن يكون مشارا إليه بالبنان ، وأن يجهد في الإتصاف بالصفات الأخلاقية الراقية كي يكون محلا لتقدير الناس واحترامهم .
وتذكر يا صديقي : أن فيك إيجابيات كثيرة كما في غيرك من الناس ، فثق بنفسك ، فبهذه الثقة تستطيع أن تؤسس لاحترام الآخرين لك ، ولا تنسَ الاهتمام بمظهرك الخارجي والابتعاد عن كل ما ينفر منه ، واحرص على رقيك الأخلاقي وتحلَّ بالطيّب من القول واللين من الكلام ، وكلم الناس على قدر عقولهم فقد ينفرون منك إن جهلوا مراميك ، وفكر قبل أن تتكلم حتى تأمن مغبة التسرُّعِ في القول والاستعجال في المواقف ، ولا تقبلن إهانة من إنسان ، ولا تجادل الجاهل فإنه يجلب إليك المهانة ويعييك ، وإياك أن تقبل الإهانة من أحد فإنك إن قبلتها تجرأ الآخرون عليك فتصير مهانا .
واحرص يا صديقي : على أن تكون مستمعا أكثر من أن تكون متحدثا واعلم أن الصمت يزرع المهابة في النفوس ففي الحديث الشريف : قد أكثر من الهيبة الصامت .
وإياك أن تجعل حياتك كتابا مفتوحا يقرأه كل من أراد ، فلا تفشيَنَّ أسرارك فتصبح عاريا أمام الناس، يرون عيوبك ويتعرفون إلى عوراتك فتصير مهانا فيهم ، وعليك أن تعلم أن الناس يعظمون الشخصية التي تخفى عليهم أكثر من الشخصية المعروفة لديهم ، هكذا يتعامل الناس مع المجهول بكثير من الاحترام والتهيب .وقد ورد عن الإمام علي (ع) أنه قال : سرك سرورك إن كتمته ، وإن أذعته كان ثبورك .
وابتعد عن حب التأثير في الآخرين فإنك لن تصل إلى نتيجة وقد ينقلب الأمر إلى ضده ، بحيث يسر ذلك الآخرون ويَسْتَخِفُّوْنَ بك ، بل تعامل معهم على سجيتك ، فهؤلاء أنبياء الله عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كانوا أعظم الخلق شخصية لكنهم لم يستطيعوا أن يؤثروا في جميع الناس .
وكن هادئ الطبع أبدا مبتعدا عن الانفعالات والغضب فإن الانفعال غالبا ما يقود إلى الطيش ويدني من الشر و يكشف بواطن الإنسان ويظهر عوراته ما يصيره مرمى لسهام الناس .
افعل ما قلته لك وستجد كيف تفرض احترامك على الآخرين من غير أن تحتاج إلى طلبه منهم فتثير شفقتهم وتجر إليك سخريتهم .
ولما أن بلغت في الحديث إلى هذا، وقف صديقي أمامي وأنا جالس على الكنبة ، وقف وقفة شموخ واعتزاز وقال : اسمح لي أن أقبل جبينك .
لقد أهديتني عيوبي وأنرت لي دروبي ، ورحم الله امرأ أهدى إليَّ عيوبي .
ربتُّ على كتفه ودعوت له ومضى ، و أنا أسأل الله أن يكون في مستقبله أفضل من ماضيه .
وفقه الله ووفقكم .
