الطائر الحر
Well-Known Member
نحن على أعتاب موجة واسعة من رحلات السفر المتكررة من الأرض إلى الفضاء سواء إلى محطة الفضاء الدولية أو المحطة الفضائية الصينية أو المهمة القادمة إلى القمر أو المهمة البشرية إلى المريخ مما يزيد من احتماليات الحوادث
آلاف المخلفات الفضائية تدور حول الأرض وبعضها قد يسقط في أي لحظة (آي ستوك فوتو)
بينما يجوب الصاروخ الصيني التائه الفضاء مثيرا موجة من الترقب والسخرية، ربما لا يعلم الكثيرون أن العالم في الـ50 عاما الماضية شهد حوادث مماثلة مثل سقوط محطة "سكاي لاب" (Skylab) في أستراليا والقمر الصناعي السوفيتي "كوزموس 945" (Kosmos 945) بكندا الذي كان يحوي مفاعلا نوويا شديد الخطورة.
وبينما يسخر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الصاروخ الصيني، خرج بعضهم يتمنى سقوطه فوق سد النهضة لحل مشكلة مصر والسودان.
ورغم طرافة الأمنية، فإن احتمالات سقوط المكونات الفضائية على منشآت حيوية أو مناطق سكنية مأهولة أو التسبب في وفيات -حتى وإن كانت طفيفة- تزداد يوما بعد يوم كلما أطلق الإنسان قمرا صناعيا أو صاروخا أو محطة فضائية لتدور حول الأرض.
كلما زادت المكونات السباحةَ في الفضاء زادت احتمالية سقوط مخلفاتها فوق رؤوسنا (شترستوك)
الصواريخ الصينية سيئة السمعة
ورغم أن الصاروخ الصيني هو أحدث المكونات الفضائية التي أثارت القلق العالمي بسبب خروجه عن السيطرة، لكنه ليس الأول ولن يكون الأخير. ومبعث الزخم المحيط به هو وزنه الثقيل الذي يبلغ 20 طنا وعدم القدرة على التنبؤ بمكان سقوطه.
وربما يجدر بنا أن نقارن بين تكنولوجيا الصواريخ الصينية وسمعتها السيئة في السقوط وشرودها في الفضاء قبل سقوطها وبين صواريخ "سبيس إكس" (SpaceX) التي تعود إلى قواعدها سالمة وبدقة بالغة دون أن تثير أدنى أزمة. ولا شك أن الصين تعاني من قصور تكنولوجي فادح في مجال التحكم بالصواريخ، ولها سمعة سيئة معروفة في هذا المجال.
فقبل أقل من عام تقريبا وفي سيناريو شبه متطابق، سقط الصاروخ نفسه -"لونغ مارش 5 ب" (Long March 5)- على الأرض في 13 مايو/أيار 2020 بعد أن مر مباشرة فوق لوس أنجلس والحديقة المركزية في مدينة نيويورك قبل أن يهبط بالمحيط الأطلنطي، لكن بعض أجزائه سقطت في ساحل العاج غرب أفريقيا.
والمثير للسخرية أن ذلك الصاروخ الذي بلغ وزنه 18 طنا وصف بأنه أكبر قطعة من مخلفات الفضاء تسقط على الأرض، لأن الوصف نفسه أطلق على نسخة الصاروخ لهذا العام التي يبلغ وزنها هذه المرة 20 طنا.
الموقع التقريبي لسقوط الصاروخ الصيني بالقرب من نيوزيلندا وفقا للتوقعات (هيئة الفضاء الجوي)
سقوط سكاي لاب في أستراليا
بالتأكيد لن يكون الصاروخ الصيني هو آخر المكونات الفضائية التي تخرج عن السيطرة وتسبب حالة من الترقب؛ فقد سبقت حادثة الصاروخ الصيني العديد من الحوادث التاريخية التي سقطت فيها مخلفات فضائية على الأرض، لكنها لم تكن بخطورة أو وزن الصاروخ الصيني.
وكما يشير تقرير لموقع "ذا كونفرسيشن"(The Conversation) فإن من أشهر هذه الحوادث سقوط محطة المختبر الفضائي الأميركي "سكاي لاب" (Skylab) التي تم إطلاقها في 1973 بهدف استكشاف الكون وكمنصة للبحوث والتجارب العلمية في الفضاء.
وبعد 6 سنوات من التحليق في مدارها حول الأرض خرجت عن مسارها وبدأت هبوطا سريعا وغير متوقعا نحو الأرض، حاز اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام الدولية في جميع أنحاء العالم.
محطة سكاي لاب في الفضاء قبل سقوطها (ناسا)
وكما هو الحاصل مع حالة الترقب الحالية إزاء إرهاصات مكان ووقت سقوط الصاروخ الصيني، أحاط بسقوط "سكاي لاب" زخم إعلامي كبير، حتى إن أحد مسؤولي ناسا شهد في الكونغرس الأميركي بأن احتمال إصابة المركبة لشخص ما يساوي 1 إلى 152%.
وفي 12 يوليو/تموز 1979، تفككت مكونات المختبر الفضائي الأميركي "سكاي لاب" التي كان وزنها 77 طنا وتناثرت أجزاؤها فوق غرب أستراليا حول مدينة "إسبرانس" على الساحل الجنوبي لأستراليا.
وقوبل ذلك الخبر حينها بالحماس والمرح، والعديد من هذه القطع الساقطة من الفضاء التقطها هواة الفضاء. وبالتأكيد قبل 40 عاما كان سقوط قطع تكنولوجية من الفضاء أمرا نادرا.
قطع من المختبر الفضائي "سكاي لاب" معروضة بمتحف محلي في أستراليا الغربية (جيمز شريمبتون – وسائل التواصل الاجتماعي)
جائزة مالية
ومن الطريف حينها أن سقوط سكاي لاب قد أحيط بنفس الأجواء المشحونة بالترقب والإثارة على مستوى العالم الذي حبس أنفاسه، حتى إن جريدة "سان فرانسيسكو إكزامينر" (San Francisco Examiner) قد عرضت جائزة قيمتها 10 آلاف دولار (وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الوقت) لأول شخص يحضر إلى مكتبها ومعه قطعة من المحطة.
وعندما علم الفتى ستان ثورنتون ذو الـ17 عاما بهذه الجائزة، استقل أول طائرة إلى الولايات المتحدة مع حقيبة مليئة بالمخلفات الفضائية التي سقطت في ساحة منزله الأمامية. والطريف أن تكلفة رحلته كانت بتمويل من محطة بيرث الإذاعية وبالكاد تمكن من استخراج جواز سفر والحصول على الفيزا، حتى إنه لم يحمل معه أي ملابس.
ومن الحكايات الشهيرة المرتبطة بحادث سقوط سكاي لاب أن مجلس بلدية "إسبرانس" أصدر غرامة بقيمة 400 دولار بحق وكالة ناسا بسبب "القمامة" التي سببتها مخلفات المحطة، وقامت محطة إذاعة أميركية حينها بجمع المال الكافي لسداد الغرامة التي أصبحت من الطرائف المحيطة بسقوط سكاي لاب.
خزان أكسجين من مكونات محطة "سكاي لاب" عثر عليه الزوجان بولين وجيف جريوار في 1993 (جيف جريوار – وسائل التواصل الاجتماعي)
الأقمار الصناعية النووية
لكل قمر صناعي يدور حول الأرض عمر افتراضي، وبعد أن تنجز عملها أو مهمتها يتم إخراجها من مدارها بشكل متعمد ومحكوم لتصعد إلى مدارات أعلى تحترق في طبقات الغلاف الجوي العليا، وأجزاء صغيرة منها هي التي تصطدم بالأرض.ومثل الصاروخ الصيني الذي خرج عن السيطرة، هناك أقمار صناعية تتعطل وتسقط على الأرض على نحو غير متوقع يهدد حياة البشر والحيوانات ويسبب تلوث البيئة. تخيل لو أن أحد هذه الأقمار الصناعية كان يحوي داخله مفاعلا نوويا نشطا!
خلال فترة الحرب الباردة، أطلقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (روسيا الآن) عشرات الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة النووية في الفضاء.
وخلال الفترة من 1959 حتى 1988 أطلقت الولايات المتحدة 41 قمرا صناعية تدور حول الأرض لتشكل نظام "ترانزيت" الذي كان أول نظام للملاحة بالأقمار الصناعية قبل "جي بي إس"، وعدد قليل منها كان يعمل بالطاقة النووية.
صورة مرسومة لأحد أقمار "نيمبس" (ناسا)
ومما يثير القلق أن هذه الأقمار رغم أنها لم تعد تعمل لكنها ما زالت في مداراتها تجوب سماء الأرض وهي لا تزال تحمل داخلها مفاعلاتها النووية، ولك أن تتخيل لو أن الصاروخ الصيني أو أي قطعة فضائية أخرى مثلا اصطدم بأحدها أو أن إحداها خرجت عن مسارها وسقطت على الأرض لأي سبب.
وقد قامت الولايات المتحدة خلال الفترة من عام 1964 حتى 1978 بإطلاق 7 أقمار صناعية أخرى تعمل بالطاقة النووية ضمن برنامج "نيمبس" (Nimbus)، لمساعدة علماء المناخ والطقس على دراسة مناخ الأرض والتغير المناخي وطبقة الأوزون والجليد البحري، ومن هذه الأقمار السبعة ما زال هناك قمران في مداريهما حول الأرض.
وبدأ الاتحاد السوفياتي بدوره في إطلاق أقمار صناعية نووية بالفضاء في عام 1965، وعلى مدار الـ22 عاما التالية تم إطلاق ما يزيد على 30 قمرا صناعيا كل منها يحوي داخله مفاعلا نوويا لتشغيل آلاته ومكوناته المختلفة.
أغلب هذه الأقمار الصناعية كانت بهدف الاستطلاع أو بالأحرى التجسس على سفن وغواصات الأسطول البحري الأميركي. ولما كانت هذه الأقمار تستخدم الرادار لرصد حركة الملاحة البحرية، ولأن إشارة الرادار تفقد طاقتها سريعا مع طول المسافة، كان يجب وضع هذه الأقمار الصناعية في مدار منخفض.
البحث عن المخلفات الفضائية النووية (الأمن الوطني في ولاية نيفادا – وسائل التواصل الاجتماعي)
لكن ذلك كان يعني بدوره وجود مقاومة الهواء أثناء دوران الأقمار الصناعية حول الأرض، وهذه المقاومة بدورها تحول دون استخدام ألواح شمسية كبيرة، لتصبح الطاقة النووية تقريبا الخيار العملي الوحيد.
وأغلب المفاعلات النووية في هذه الأقمار الصناعية النووية تعمل بوقود شديد التخصيب من يورانيوم 235، وهو مستوى من التخصيب يماثل الأسلحة النووية، وذلك حتى تكون المفاعلات سريعة وفعالة وقوية.
ورغم أن المفاعلات النووية كانت بوحدة منفصلة يتم قذفها في مدارات الغلاف الجوي العليا عند انتهاء عمل القمر الصناعي حتى لا تسبب تلوثا مشعا، فإن الرياح لا تأتي دوما بما تشتهيه السفن، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتخطيط المهام الفضائية، كما أن الاتحاد السوفياتي -مثل الصين- له سمعة غير طيبة في الإخفاقات النووية.
القنبلة النووية التي سقطت من السماء
أطلق الاتحاد السوفياتي القمر الصناعي "كوزموس 954" (Cosmos 954) في 18 سبتمبر/أيلول 1977، ليدور حول الأرض على ارتفاع يتراوح ما بين 259 و277 كيلومترا كل 90 دقيقة، حاملا على متنه 50 كيلوغراما من يورانيوم 235.
قطعة من القمر الصناعي الروسي كوزموس 954 وسط الجليد (المكتبة والأرشيف الوثائقي في كندا – وسائل التواصل الاجتماعي)
لم تمر أسابيع حتى بدأ القمر الصناعي يهتز في مداره، منذرا بفشله، وعلم الجميع أن نهاية عمره القصير أصبحت محتومة. وبينما كان المشغلون السوفيات يحاولون السيطرة على القمر الصناعي الذي بدأ رحلة السقوط أسرع من المتوقع، ازدادت الأمور سوءا بتعطل النظام الذي كان يفترض أن يقذف بالمفاعل النووي إلى مدار آمن.
وفي بادرة نادرة من تحمل المسؤولية، أسرع الاتحاد السوفياتي بإخطار الولايات المتحدة الأميركية وجميع الأمم التي تقع مباشرة على مسار القمر الصناعي بشأن التلوث الإشعاعي المحتمل.
وفي سلسلة من الاجتماعات السرية مع الولايات المتحدة، قدم مسؤولو الاتحاد السوفياتي جميع التفاصيل المتعلقة بالمفاعل النووي داخل كوزموس 954. وبدورها حذرت الولايات المتحدة شركاءها في حلف الناتو وعرضت المساعدة لإزالة أي تلوث إشعاعي محتمل.
وفي 24 يناير/كانون الثاني 1978، دخل كوزموس 954 الغلاف الجوي وتحطم فوق كندا، وتناثرت المخلفات في منطقة غير مأهولة على امتداد مسار طوله 600 كيلومتر من بحيرة "جريت سليف" إلى بحيرة "باكر"، ومنها أجزاء من الأقاليم الشمالية الغربية. وقد أسفرت عملية البحث والتنظيف عن العثور على 65 كيلوغراما من قطع القمر الصناعي، جميعها كانت مشعة باستثناء قطعة واحدة كبيرة.
قطعة من القمر الصناعي الروسي كوزموس 954 (متحف كندا للعلوم والتكنولوجيا – وسائل التواصل الاجتماعي)
وكلفت عملية البحث والتنظيف التالية كندا ما يقرب من 14 مليون دولار كندي، وأنفقت الولايات المتحدة الأميركية بدورها 2.5 مليون دولار، ليصبح الإجمالي نحو 16.5 مليون دولار ونصف. ورغم أن كندا لم تطلب من الاتحاد السوفياتي سوى دفع 6 ملايين دولار كندي فإن الاتحاد السوفياتي لم يدفع سوى نصفها فقط.
ومن لطائف الأقدار أن كوزموس 954 لم يسقط على مدينة تورنتو أو كيبيك، وإلا كانت المخلفات المشعة ستضطر الحكومة الكندية إلى عمليات إجلاء واسعة النطاق للسكان من هذه المدن.
آلاف المخلفات الفضائية تدور حول الأرض وبعضها قد يسقط في أي لحظة (آي ستوك فوتو)
بينما يجوب الصاروخ الصيني التائه الفضاء مثيرا موجة من الترقب والسخرية، ربما لا يعلم الكثيرون أن العالم في الـ50 عاما الماضية شهد حوادث مماثلة مثل سقوط محطة "سكاي لاب" (Skylab) في أستراليا والقمر الصناعي السوفيتي "كوزموس 945" (Kosmos 945) بكندا الذي كان يحوي مفاعلا نوويا شديد الخطورة.
وبينما يسخر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الصاروخ الصيني، خرج بعضهم يتمنى سقوطه فوق سد النهضة لحل مشكلة مصر والسودان.
ورغم طرافة الأمنية، فإن احتمالات سقوط المكونات الفضائية على منشآت حيوية أو مناطق سكنية مأهولة أو التسبب في وفيات -حتى وإن كانت طفيفة- تزداد يوما بعد يوم كلما أطلق الإنسان قمرا صناعيا أو صاروخا أو محطة فضائية لتدور حول الأرض.
كلما زادت المكونات السباحةَ في الفضاء زادت احتمالية سقوط مخلفاتها فوق رؤوسنا (شترستوك)
الصواريخ الصينية سيئة السمعة
ورغم أن الصاروخ الصيني هو أحدث المكونات الفضائية التي أثارت القلق العالمي بسبب خروجه عن السيطرة، لكنه ليس الأول ولن يكون الأخير. ومبعث الزخم المحيط به هو وزنه الثقيل الذي يبلغ 20 طنا وعدم القدرة على التنبؤ بمكان سقوطه.
وربما يجدر بنا أن نقارن بين تكنولوجيا الصواريخ الصينية وسمعتها السيئة في السقوط وشرودها في الفضاء قبل سقوطها وبين صواريخ "سبيس إكس" (SpaceX) التي تعود إلى قواعدها سالمة وبدقة بالغة دون أن تثير أدنى أزمة. ولا شك أن الصين تعاني من قصور تكنولوجي فادح في مجال التحكم بالصواريخ، ولها سمعة سيئة معروفة في هذا المجال.
فقبل أقل من عام تقريبا وفي سيناريو شبه متطابق، سقط الصاروخ نفسه -"لونغ مارش 5 ب" (Long March 5)- على الأرض في 13 مايو/أيار 2020 بعد أن مر مباشرة فوق لوس أنجلس والحديقة المركزية في مدينة نيويورك قبل أن يهبط بالمحيط الأطلنطي، لكن بعض أجزائه سقطت في ساحل العاج غرب أفريقيا.
والمثير للسخرية أن ذلك الصاروخ الذي بلغ وزنه 18 طنا وصف بأنه أكبر قطعة من مخلفات الفضاء تسقط على الأرض، لأن الوصف نفسه أطلق على نسخة الصاروخ لهذا العام التي يبلغ وزنها هذه المرة 20 طنا.
الموقع التقريبي لسقوط الصاروخ الصيني بالقرب من نيوزيلندا وفقا للتوقعات (هيئة الفضاء الجوي)
سقوط سكاي لاب في أستراليا
بالتأكيد لن يكون الصاروخ الصيني هو آخر المكونات الفضائية التي تخرج عن السيطرة وتسبب حالة من الترقب؛ فقد سبقت حادثة الصاروخ الصيني العديد من الحوادث التاريخية التي سقطت فيها مخلفات فضائية على الأرض، لكنها لم تكن بخطورة أو وزن الصاروخ الصيني.
وكما يشير تقرير لموقع "ذا كونفرسيشن"(The Conversation) فإن من أشهر هذه الحوادث سقوط محطة المختبر الفضائي الأميركي "سكاي لاب" (Skylab) التي تم إطلاقها في 1973 بهدف استكشاف الكون وكمنصة للبحوث والتجارب العلمية في الفضاء.
وبعد 6 سنوات من التحليق في مدارها حول الأرض خرجت عن مسارها وبدأت هبوطا سريعا وغير متوقعا نحو الأرض، حاز اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام الدولية في جميع أنحاء العالم.
محطة سكاي لاب في الفضاء قبل سقوطها (ناسا)
وكما هو الحاصل مع حالة الترقب الحالية إزاء إرهاصات مكان ووقت سقوط الصاروخ الصيني، أحاط بسقوط "سكاي لاب" زخم إعلامي كبير، حتى إن أحد مسؤولي ناسا شهد في الكونغرس الأميركي بأن احتمال إصابة المركبة لشخص ما يساوي 1 إلى 152%.
وفي 12 يوليو/تموز 1979، تفككت مكونات المختبر الفضائي الأميركي "سكاي لاب" التي كان وزنها 77 طنا وتناثرت أجزاؤها فوق غرب أستراليا حول مدينة "إسبرانس" على الساحل الجنوبي لأستراليا.
وقوبل ذلك الخبر حينها بالحماس والمرح، والعديد من هذه القطع الساقطة من الفضاء التقطها هواة الفضاء. وبالتأكيد قبل 40 عاما كان سقوط قطع تكنولوجية من الفضاء أمرا نادرا.
قطع من المختبر الفضائي "سكاي لاب" معروضة بمتحف محلي في أستراليا الغربية (جيمز شريمبتون – وسائل التواصل الاجتماعي)
جائزة مالية
ومن الطريف حينها أن سقوط سكاي لاب قد أحيط بنفس الأجواء المشحونة بالترقب والإثارة على مستوى العالم الذي حبس أنفاسه، حتى إن جريدة "سان فرانسيسكو إكزامينر" (San Francisco Examiner) قد عرضت جائزة قيمتها 10 آلاف دولار (وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الوقت) لأول شخص يحضر إلى مكتبها ومعه قطعة من المحطة.
وعندما علم الفتى ستان ثورنتون ذو الـ17 عاما بهذه الجائزة، استقل أول طائرة إلى الولايات المتحدة مع حقيبة مليئة بالمخلفات الفضائية التي سقطت في ساحة منزله الأمامية. والطريف أن تكلفة رحلته كانت بتمويل من محطة بيرث الإذاعية وبالكاد تمكن من استخراج جواز سفر والحصول على الفيزا، حتى إنه لم يحمل معه أي ملابس.
ومن الحكايات الشهيرة المرتبطة بحادث سقوط سكاي لاب أن مجلس بلدية "إسبرانس" أصدر غرامة بقيمة 400 دولار بحق وكالة ناسا بسبب "القمامة" التي سببتها مخلفات المحطة، وقامت محطة إذاعة أميركية حينها بجمع المال الكافي لسداد الغرامة التي أصبحت من الطرائف المحيطة بسقوط سكاي لاب.
خزان أكسجين من مكونات محطة "سكاي لاب" عثر عليه الزوجان بولين وجيف جريوار في 1993 (جيف جريوار – وسائل التواصل الاجتماعي)
الأقمار الصناعية النووية
لكل قمر صناعي يدور حول الأرض عمر افتراضي، وبعد أن تنجز عملها أو مهمتها يتم إخراجها من مدارها بشكل متعمد ومحكوم لتصعد إلى مدارات أعلى تحترق في طبقات الغلاف الجوي العليا، وأجزاء صغيرة منها هي التي تصطدم بالأرض.ومثل الصاروخ الصيني الذي خرج عن السيطرة، هناك أقمار صناعية تتعطل وتسقط على الأرض على نحو غير متوقع يهدد حياة البشر والحيوانات ويسبب تلوث البيئة. تخيل لو أن أحد هذه الأقمار الصناعية كان يحوي داخله مفاعلا نوويا نشطا!
خلال فترة الحرب الباردة، أطلقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (روسيا الآن) عشرات الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة النووية في الفضاء.
وخلال الفترة من 1959 حتى 1988 أطلقت الولايات المتحدة 41 قمرا صناعية تدور حول الأرض لتشكل نظام "ترانزيت" الذي كان أول نظام للملاحة بالأقمار الصناعية قبل "جي بي إس"، وعدد قليل منها كان يعمل بالطاقة النووية.
صورة مرسومة لأحد أقمار "نيمبس" (ناسا)
ومما يثير القلق أن هذه الأقمار رغم أنها لم تعد تعمل لكنها ما زالت في مداراتها تجوب سماء الأرض وهي لا تزال تحمل داخلها مفاعلاتها النووية، ولك أن تتخيل لو أن الصاروخ الصيني أو أي قطعة فضائية أخرى مثلا اصطدم بأحدها أو أن إحداها خرجت عن مسارها وسقطت على الأرض لأي سبب.
وقد قامت الولايات المتحدة خلال الفترة من عام 1964 حتى 1978 بإطلاق 7 أقمار صناعية أخرى تعمل بالطاقة النووية ضمن برنامج "نيمبس" (Nimbus)، لمساعدة علماء المناخ والطقس على دراسة مناخ الأرض والتغير المناخي وطبقة الأوزون والجليد البحري، ومن هذه الأقمار السبعة ما زال هناك قمران في مداريهما حول الأرض.
وبدأ الاتحاد السوفياتي بدوره في إطلاق أقمار صناعية نووية بالفضاء في عام 1965، وعلى مدار الـ22 عاما التالية تم إطلاق ما يزيد على 30 قمرا صناعيا كل منها يحوي داخله مفاعلا نوويا لتشغيل آلاته ومكوناته المختلفة.
أغلب هذه الأقمار الصناعية كانت بهدف الاستطلاع أو بالأحرى التجسس على سفن وغواصات الأسطول البحري الأميركي. ولما كانت هذه الأقمار تستخدم الرادار لرصد حركة الملاحة البحرية، ولأن إشارة الرادار تفقد طاقتها سريعا مع طول المسافة، كان يجب وضع هذه الأقمار الصناعية في مدار منخفض.
البحث عن المخلفات الفضائية النووية (الأمن الوطني في ولاية نيفادا – وسائل التواصل الاجتماعي)
لكن ذلك كان يعني بدوره وجود مقاومة الهواء أثناء دوران الأقمار الصناعية حول الأرض، وهذه المقاومة بدورها تحول دون استخدام ألواح شمسية كبيرة، لتصبح الطاقة النووية تقريبا الخيار العملي الوحيد.
وأغلب المفاعلات النووية في هذه الأقمار الصناعية النووية تعمل بوقود شديد التخصيب من يورانيوم 235، وهو مستوى من التخصيب يماثل الأسلحة النووية، وذلك حتى تكون المفاعلات سريعة وفعالة وقوية.
ورغم أن المفاعلات النووية كانت بوحدة منفصلة يتم قذفها في مدارات الغلاف الجوي العليا عند انتهاء عمل القمر الصناعي حتى لا تسبب تلوثا مشعا، فإن الرياح لا تأتي دوما بما تشتهيه السفن، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتخطيط المهام الفضائية، كما أن الاتحاد السوفياتي -مثل الصين- له سمعة غير طيبة في الإخفاقات النووية.
القنبلة النووية التي سقطت من السماء
أطلق الاتحاد السوفياتي القمر الصناعي "كوزموس 954" (Cosmos 954) في 18 سبتمبر/أيلول 1977، ليدور حول الأرض على ارتفاع يتراوح ما بين 259 و277 كيلومترا كل 90 دقيقة، حاملا على متنه 50 كيلوغراما من يورانيوم 235.
قطعة من القمر الصناعي الروسي كوزموس 954 وسط الجليد (المكتبة والأرشيف الوثائقي في كندا – وسائل التواصل الاجتماعي)
لم تمر أسابيع حتى بدأ القمر الصناعي يهتز في مداره، منذرا بفشله، وعلم الجميع أن نهاية عمره القصير أصبحت محتومة. وبينما كان المشغلون السوفيات يحاولون السيطرة على القمر الصناعي الذي بدأ رحلة السقوط أسرع من المتوقع، ازدادت الأمور سوءا بتعطل النظام الذي كان يفترض أن يقذف بالمفاعل النووي إلى مدار آمن.
وفي بادرة نادرة من تحمل المسؤولية، أسرع الاتحاد السوفياتي بإخطار الولايات المتحدة الأميركية وجميع الأمم التي تقع مباشرة على مسار القمر الصناعي بشأن التلوث الإشعاعي المحتمل.
وفي سلسلة من الاجتماعات السرية مع الولايات المتحدة، قدم مسؤولو الاتحاد السوفياتي جميع التفاصيل المتعلقة بالمفاعل النووي داخل كوزموس 954. وبدورها حذرت الولايات المتحدة شركاءها في حلف الناتو وعرضت المساعدة لإزالة أي تلوث إشعاعي محتمل.
وفي 24 يناير/كانون الثاني 1978، دخل كوزموس 954 الغلاف الجوي وتحطم فوق كندا، وتناثرت المخلفات في منطقة غير مأهولة على امتداد مسار طوله 600 كيلومتر من بحيرة "جريت سليف" إلى بحيرة "باكر"، ومنها أجزاء من الأقاليم الشمالية الغربية. وقد أسفرت عملية البحث والتنظيف عن العثور على 65 كيلوغراما من قطع القمر الصناعي، جميعها كانت مشعة باستثناء قطعة واحدة كبيرة.
قطعة من القمر الصناعي الروسي كوزموس 954 (متحف كندا للعلوم والتكنولوجيا – وسائل التواصل الاجتماعي)
وكلفت عملية البحث والتنظيف التالية كندا ما يقرب من 14 مليون دولار كندي، وأنفقت الولايات المتحدة الأميركية بدورها 2.5 مليون دولار، ليصبح الإجمالي نحو 16.5 مليون دولار ونصف. ورغم أن كندا لم تطلب من الاتحاد السوفياتي سوى دفع 6 ملايين دولار كندي فإن الاتحاد السوفياتي لم يدفع سوى نصفها فقط.
ومن لطائف الأقدار أن كوزموس 954 لم يسقط على مدينة تورنتو أو كيبيك، وإلا كانت المخلفات المشعة ستضطر الحكومة الكندية إلى عمليات إجلاء واسعة النطاق للسكان من هذه المدن.