ظل آليآسمين
Well-Known Member
- إنضم
- 9 نوفمبر 2012
- المشاركات
- 2,626
- مستوى التفاعل
- 10
- النقاط
- 38
بسم الله الرحمن الرحيم
في بيت يعبق بطيوب الإيمان، ويفيض بالكرم والبركات، ويتّسم بالصدق والوفاء. نشأت أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فهي خِرّيجة المدرسة العُمرية الراشدة. والحديث عنها شائق وجميل، فقد عُرفت بالصّوامة القوّامة، ويكفيها شرفًا أنها كانت حارسة للقرآن. وقد عرف الصحابة الكرام والتابعون الأخيار فضائلها الكثيرة، ويكفيها من الفضل القول الفصل الذي وَصفتها به أمُّ المؤمنين عائشة بقولها”: إنها ابنةُ أبيها”، وفي هذا القول تنبيه على مكانتها وفضلها رضي الله عنها وعن أبيها.
مَن هي؟
هي بنت عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي.
فأبوها الفاروق غنيّ عن التعريف، ويكفيه من الفضل العظيم أنه بمنزلة الوزير الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر رضي الله عنه، ويكفيه من الذكر الحسن أن لقّبه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاروق وما قالته أم المؤمنين عائشة ابنة الصِّديق رضي الله عنهما فيه: إذا شئتم أن يطيب المجلس فعليكم بذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأمّها زينب بنت مظعون بن حبيب، أخت الصحابي الجليل عثمان بن مظعون رضي الله عنه، أحد سادة المهاجرين، ومن أولياء الله الصالحين، الذين فازوا بوفاتهم في حياة نبيّهم، فصلّى عليهم، وهو أول مَن دُفن بالبقيع.
وأخوها عبد الله بن عمر الصحابي الجليل رضي الله عنه، الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقوى وصلاح الحال، فقد كان يصوم نهاره ويقوم ليله. وعمّها زيد بن الخطاب رضي الله عنه المجاهد الشهيد، قال عنه سيدنا عمر”: أسْلَم قَبْلي واستُشهد قبلي”وقال أيضًا”:ما هبّت الصَّبا إلا وأنا أجدُ ريح زيد” وعمّتها فاطمة بنت الخطاب إحدى السابقات إلى الإيمان، ولا يكاد يُذكر عمر رضي الله عنه إلا ذكرت معه أخته، لأنها كانت السبب في إسلامه، وهي مع زوجها سعيد بن زيد رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين، من أوائل الثُلّة المباركة التي شقّت طريق الإيمان وسط أشواك الكفر والشرك، وتحمّلت في سبيل ذلك الضرب والإهانة والعذاب.
ومن مكارم أم المؤمنين حفصة أن سبعة من أهلها شهدوا بدرًا وأبلوا فيها بلاءً حسنًا، وهم: أبوها عمر، وعمها زيد، وزوجها خُنيس، وأخوالها عثمان وعبد الله وقدامة والسائب بن عثمان ابن خالها.
النشأة الصالحة
وُلدت أم المؤمنين حفصة بنت عمر في مكة. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:وُلدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.
نشأت حفصة رضي الله عنها على حبّ المعرفة، ونهلت من عيون الأدب والعلم ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، حتى عُرفت كإحدى فصيحات النّساء في قريش، وتعلمت الكتابة من الشِّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية.
ولما شبّت وبلغت أشدها تزوجها خُنَيْس بن حذافة بن قيس بن عدي القرشي السَّهمي أخو سيدنا عبد الله بن حذافة. وكان خُنيس رضي الله عنه أحد السابقين الأولين، إذ أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ابن أبي الأرقم، وذلك على يدي سيدنا أبي بكر الصّديق رضي الله عنه.
فضائلها
لما اشتد أذى قريش للمؤمنين في مكة، هاجر نفر منهم إلى الحبشة وكان فيهم خُنيس، ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة ومعه حفصة زوجه، فنزل على رفاعة بن عبد المنذر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عَبْس ابن جبر، فخنيس رضي الله عنه من أصحاب الهجرتين.
وحينما كانت غزوة بدر الكبرى شهدها خنيس، ولم يشهد من بني سَهْم بدرًا غيره، فكان من أبطالها المجاهدين الشجعان، وأُصيب بالجراح في مواضع عديدة من جسده، لكنه بقي صابرًا على القتال حتى انتهت المعركة ونصر الله المؤمنين. ولما عادوا إلى المدينة مات خُنيس رضي الله عنه متأثرًا بجراحه، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ودُفن بالبقيع إلى جانب قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
زواجها
ترمّلت حفصة بنت عمر وهي ما تزال في ريعان الشباب في الثامنة عشرة من عمرها، وحزنت لفراق زوجها حزنًا شديدًا، ولكنها تدرعت بالصبر والإيمان. وكان أبوها يزورها ليخفف عنها أحزانها ويواسيها.
فنظر عمر رضي الله عنه من حوله نظرة شاملة فاحصة، فوجد أحد الصحابة السابقين إلى الإيمان وهو عثمان بن عفّان رضي الله عنه وحيدًا بعد وفاة رقيّة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ففكر في الأمر، فأراد أن يعرض ابنته حفصة على عثمان. وقد ذكر هذه القصة الإمام البخاري في صحيحه حيث أخرج عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قوله:
حين تأيمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب الهجرتين، وهاجرت معه، ومات عنها بعد غزوة بدر، وقيل بعد أحد، قال عمر رضي الله عنه: أتيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا... قال عمر: فلقيتُ أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئتَ زوجتك حفصة، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئًا.
وروى ابن سعد في الطبقات وابن عبد البر في الاستيعاب هذه الحادثة وكيف أن الفاروق تأثر من هذين الموقفين، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاله. وأدرك النبي العظيم صلى الله عليه وسلم ما يعانيه عمر رضي الله عنه، فأجابه بجواب شافٍ كان بردًا وسلامًا على عمر رضي الله عنه حيث قال له”:يتزوج حفصة مَن هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان مَن هي خير مِن حفصة”.
فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، وزوّج ابنته أم كلثوم من عثمان رضي الله عنه. وسعد عمر رضي الله عنه بهذا النسب الشريف.
وبعد أن تزوجت حفصة مرّ عمر بأبي بكر رضي الله عنهما فقال له: لعلك وَجدتَ عَليَّ “غضبت “حين عرضتَ عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك في ما عرضت علي إلا أنّي كنتُ علمتُ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها قبِلتُها.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة في شعبان سنة ثلاث من الهجرة قبل غزوة أحد، وأصدقها أربعمائة درهم.
ونودّ هنا أن نشير إلى جواز أن يعرض الرجل ابنته على الأكفاء من أهل الخير والصلاح. فقد كانت هذه سابقة خير من عمر، وباب بركة وسُنة طيبة. لهذا نرى أن الإمام البخاري رحمه الله قد عقد في صحيحه بابًا في كتاب النكاح تحت عنوان:باب عَرْض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير.
في بيت النبوة
حظيت حفصة أم المؤمنين بمكانة لائقة بين زوجات النبي الطاهرات. وقالت عنها أم المؤمنين عائشة: هي التي كانت تُساميني مِن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم . وحفصة هي إحدى زوجاته الخمس من قريش وهُنّ: عائشة، حفصة، أم حبيبة، أم سلمة، وسودة بنت زمعة، رضي الله عنهن جميعًا.
وعُرفت حفصة رضوان الله عليها بكثرة الصيام والقيام، وكانت تحرص على مرضاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتُسابق عائشة أم المؤمنين في هذا المجال. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل زوجاته بالحسنى، وكان معهن كما وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها: كان إذا خلا بنسائه ألين الناس وأكرم الناس ضحاكًا بسّامًا.
حارسة القرآن
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن بعدما كثر استشهاد القراء والحفظة في حروب الردة. فأوعز أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أحد كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتتبع القرآن ويجمعه.
ثم في خلافة عمر رضي الله عنه جمعه زيد رضي الله عنه في صحيفة واحدة فكانت عنده. وعهد عمر رضي الله عنه بهذه الأمانة العظيمة إلى أم المؤمنين حفصة لتصونها وتحفظها. ولما تولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة أرسل إلى حفصة وطلب الصُحف التي جُمع فيها القرآن، ثم نسخها في عدة مصاحف، وبعثها إلى سائر الأمصار. لهذا فإن لأم المؤمنين حفصة فضلًا عظيمًا في حفظ القرآن. كما أنها رضي الله عنها كانت تحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد ذكر ابن الجوزي في المجتبى أنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين حديثًا، ومن مروياتها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن أخته حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة.
توفيت حفصة سنة خمس وأربعين للهجرة بالمدينة، ودُفِنت في البقيع، رضي الله عن الصوامة القوامة، وجمعنا بها في الجنة.