الطائر الحر
Well-Known Member
حدود المجموعة الشمسية توسعت كثيرا مع تطور الاكتشافات الفلكية (بكساباي)
لا تزال المجموعة الشمسية تزخر بالمعلومات التي تذهلنا يوما بعد يوم، فكلما تطورت أجهزة الرصد الفلكي، بانت حقائق لم تكن معلومة من قبل، وربما تأكدت بيانات كانت مجرد نظرية أو فرضية.
فالمجموعة الشمسية هي أقرب المكونات الفضائية للأرض، ففيها الشمس والكواكب والأقمار والمذنبات والكويكبات، وكل ذلك يساعد على فهم أشمل للكون، فنجمنا -الشمس- نموذج لبقية النجوم، أو قل للنجوم ذات العمر المتوسط التي تعيش في أكثر أحوالها قرابة 12 ألف مليون سنة.
وبالطبع فإن دراسة المذنبات على سبيل المثال هي سبيل مباشر لفهم كيف نشأت المجموعة الشمسية، لأن المذنبات تشكلت منذ ذلك الوقت، أي قبل قرابة 4.6 مليارات سنة، ولا تزال تهيم سابحة في الفضاء تحمل تلك البصمات التي يمكن أن تكشف للعلماء سر بداية الحياة، ولماذا ظهرت على الأرض؟ وهل يمتنع ظهورها في مكان آخر من المجرة؟
فقد ظل الإنسان يعتقد بأن الأجرام السبعة -بما فيها الشمس والقمر- هي حافة هذا الكون الذي تترصع على جدرانه النجوم البعيدة. وبقي هذا الاعتقاد سائدا حتى عهد قريب من تاريخ البشرية، حين بدأ عصر التلسكوبات والتحليل الضوئي قبل حوالي أربعمئة عام من الآن، فاكتشف كواكب جديدة، وتبين للعلماء أن النجوم تتحرك في السماء، وأنها مختلفة في أبعادها، إضافة إلى أنها مختلفة في الألوان والأحجام والأعمار.
الكواكب القزمة
وبمراقبة الكواكب واكتشاف أورانوس أولا في عام 1781، ومن ثم نبتون في عام 1846، وأخيرا بلوتو في عام 1930؛ اتسع قطر المجموعة الشمسية أضعافا مضاعفة. ثم توقفت هذه الاكتشافات قرابة ستين سنة، حتى أعلن فريق أميركي في عام 1992 عن اكتشاف كويكب اسمه "كيو بي ون"، وهو ما فتح العيون على ما وراء بلوتو، بل فتح أبوبا كادت تكون موصدة.
يعد سيريس أكبر كويكب في حزام الكويكبات الرئيسي (رويترز)
فقد كان الفضل لتلسكوب هابل الفضائي الذي أطلق في عام 1990 واشتغل فعليا في عام 1992، في أن ينظر في أعماق الفضاء البعيد في حدود المجموعة الشمسية، بل النجوم والمجرات. فكانت حصيلة ما كشفه هذا العملاق الفضائي -الذي يتخذ مدارا حول ألأرض ارتفاعه 400 كيلومتر فقط- في غضون سنوات قلائل يفوق ما كشفه علم الفلك منذ فجر التاريخ.
ثم توالت الكشوف باستخدام المراصد الأرضية أيضا عن أجرام أخرى تزيد بعدا عن بلوتو، وبلغ أوج تلك الاكتشافات في عام 2005، حين تم الإعلان من مرصد جيل بالومار بكاليفورنيا عن العثور على كويكب يدعى زينا يفوق بلوتو قطرا، ويبعد عن الشمس ضعف ما يبعده بلوتو نفسه. وبه تم إعلان وجود حزام كوكبي آخر هو حزام كايبر، كثاني حزام كويكبات في المجموعة الشمسية بعد حزام الكويكبات الذي بين المريخ والمشتري.
ثم في عام 2006 جاء قرار إعادة تسمية هذه الكواكب الجديدة بالكواكب القزمة، وكان بلوتو وزينا -الذي أصبح اسمه فيما بعد إيريس- من هذا النوع من التصنيف الكوكبي، وأضيف إليهما كويكب سيريس أكبر كويكب في حزام الكويكبات، وكويكبا هوميا وميكي ميك اللذان أعلن عن اكتشاف أحدهما -وهو ميكي ميك- في نفس يوم إعلان اكتشاف كويكب إيريس، وأعلن عن اكتشاف هوميا قبل ذلك بيومين فقط.
فوياجر وزميلاتها
وبعد أقل من عشرين سنة من بداية عصر الفضاء 1957، تم إطلاق مجموعة من مركبات الفضاء القادرة على أن تجوب المجموعة الشمسية بل أن تتعداها، فقد أطلقت بايونير 1 وبايونير 2 اللتان غادرتا الأرض في عام 1972، تبعتهما مركبتا فوياجر 1 وفوياجر 2 في عام 1977، وقد تجاوزت المركبات الأربع اليوم حدود كواكب المجوعة الشمسية المعروفة، لتكمل مسيرها إلى فضاء ما بين النجوم.
فوياجر 1 أصبحت أول مركبة من صنع الإنسان تدخل الفضاء بين النجوم، وأصبحت تبعد عن الشمس 21 مليار كيلومتر (رويترز)
لكن أبعد تلك المركبات اليوم هي فوياجر 1 التي أصبحت تبعد عن الشمس منذ أطلقت وحتى يومنا مسافة تزيد على 142 وحدة فلكية (الوحدة الفلكية هي المسافة بين الأرض والشمس= 150 مليون كيلومترا)، أي ما يزيد على عشرين مليار كيلومتر عن الشمس.
وربما بدا الرقم المذكور مهولا في مقاييس الأرض، لكن إذا علمنا بأن أقرب نجوم السماء إلى الشمس يبعد أكثر من أربعين ألف مليار كيلومتر، فإن ما قطعته مركبة فوياجر هي مسافة خارج نطاق المقارنة، إذ يلزمها إن أرادت الوصول إلى ذلك النجم تسعين ألف سنة.
وعلى الرغم من تلك التكنولوجيا القديمة نسبيا التي أرسلت بها فوياجر، فإنها لا تزال ترسل لنا إشارات بموقعها وما يثبت أنها لا تزال على قيد الحياة حتى بعد مرور 41 عاما من سفرها في عام 1977.
ومن بين هذه الأشياء التي أرسلتها المركبة أنها كشفت عن مكانها بالنسبة للمجال المغناطيسي للشمس، وأنها قد عبرت الحافة القصوى (هيليوبوز) التي لا يمكن العثور بعدها على أية آثار للرياح الشمسية، فهذا هو الفاصل بينها وبين الغبار بين النجمي.
إنها اليوم على بعد 21 مليار كيلومتر من الشمس، مما يعني ظاهريا أنها عبرت حدود المجموعة الشمسية! لكن، مهلا، إنها لم تفعل بعد، ولا حتى جزءا يسيرا من ذلك. فبحسب ما يقدره العلماء، فإنها لا يزال أمامها مئات أضعاف المسافة التي قطعتها حتى اليوم كي تبلغ حافة المجموعة الشمسية المتأثرة بجاذبية الشمس، أي سيكون عليها أن تتجاوز سحابة أوورت.
سحابة أوورت
تعد سحابة أوورت مزرعة مذنبات المجموعة الشمسية، فهي تحيط بالمجموعة الشمسية على شكل كرة سميكة جدا، إذ منها تأتي المذنبات الطويلة الأمد التي تستغرق دورتها حول الشمس مئات وألوف السنين وربما لا تعود مرة أخرى، وهذا يعني أنها جميعا تقبع تحت تأثير جاذبية الشمس التي تمتد كما جاذبية النجوم الأخرى إلى مسافات شاسعة، غير أن قوة جذبها تخبو كلما ابتعدت المسافة.
رسم توضيحي للسحابة التي تحيط بالمجموعة الشمسية على بعد سحيق منها، وهي تعتبر مصدرا للمذنبات الطويلة الدورات
ويتراوح بعد سحابة أوورت عن الشمس بين ألف ومئة ألف وحدة فلكية، وهي أبعد مكونات المجموعة الشمسية، متفوقة على جميع الكواكب. ووفقا لتلسكوب هابل الفضائي، فهي أبعد حواف المجموعة الشمسية دون منازع، إلى أن يظهر اكتشاف آخر ينفي ذلك.
وتتميز المذنبات المتفلتة من تلك السحابة بأنها أكبر نسبيا من المذنبات القريبة، إذ يزيد قطرها عادة على عشرة كيلومترات. ولا تصل الشمس إلا بعد أن تكون غادرت سحابتها الأم قبل ألوف وأحيانا ملايين السنين.
ولأنها تقع على الحد الأقصى للمجموعة الشمسية، فإن العلماء يجزمون بأن مادتها شبيهة بالمادة الأولى التي تكونت منها الشمس والكواكب، وبدراستها يمكن الوصول إلى فهم أوضح وأعمق عن نشوء المجموعة الشمسية وغيمتها السديمية الأولى، ولهذا يحرص العلماء على إرسال مركبات ومسبارات فضائية لملاقاة المذنبات وأخذ عينات منها، تماما كما حدث مع عدة مذنبات سابقة كمذنب وايلد الذي قابلته مركبة ستار دست، ومذنب تمبل1 الذي قابلته مركبة ديب إمباكت، ومذنب تشوري بي67 الذي قابلته مركبة روزيتا، وغيرها.
ويقدر عدد الجسيمات المكونة لهذه السحابة بحوالي تريليوني جسيم، أكثرها من الجليد. فهل يعيش الإنسان حتى يبلغ ذلك الحد من أطراف الكون القريب، أم أن مستقبل التطور العلمي لا يزال في بداياته التي ستجعل السفر في الفضاء حقيقة مستقبلية لطالما ظلت خيالا علميا نراه ونتابعه في الأفلام فقط؟