- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ))
كثير من المسلمين يفكرون وكأنه يوجد إلهان، إله منزل للقرآن وآخر خالق للكون، وهم مهتمون بطاعة الإله الأول، أما الإله الثاني فهذا إله لا شأن لهم بالسير على سننه الكونية.
{وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذوا إِلهَينِ اثنَينِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارهَبونِوَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلَهُ الدّينُ واصِبًا أَفَغَيرَ اللَّهِ تَتَّقونَ} [النحل: ٥١-٥٢] وللتوضيح فأنا أقصد أن كثيرا من المسلمين - نتيجة أن العلم الحديث منبعه من الغرب "الكافر" - ينظرون إليه نظرة الريبة، ويعادونه دون أن يشعروا، وحيث أن الغرب اهتمامهم كله بالحياة الدنيا بما فيها من علوم مادية وكونيات، فإنك تجد المسلم العامي في الغالب لديه حالة فصام. فهو مستمسك بالقرآن لأنه من لدن الله، أما هذه النواميس الكونية، فمصدرها مشبوه بالنسبة له، ومع الوقت، ومع سبق الغرب أكثر وأكثر في مضمار العلم و اتخاذه ذريعة للإلحاد، مع هذا أمسى هناك حالة سائدة بين المسلمين من "اتخاذ الكون مهجورا"، والتوهم بأن كل شيء إنما يتحقق بالدعاء والذكر و"خوارق النواميس"، وهم بذلك لا يدرون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، فالقرآن والدين منزلان من لدن الله والكون هو خلق الله! وكما أن للدين أحكام وقواعد فالكون كذلك، والأصل في المسلم أن يستخدم الطبيعة - وهذا هو معنى التسخير - وليس أن يتجنب المعتاد الخاضع للنواميس الإلهية [التي اكتشف بعضها - على وجه يزداد دقة مع الزمن - علماء معاصرون غير مسلمين]، ويعتمد على خوارق الطبيعة بالتدخل الإلهي المباشر حتى يكسر ما وضعه من نواميس! فكأن الأمر أنه يوجد إلهان اثنان في العقل الباطن لكثير من المسلمين، إله أنزل القرآن ووضع لنا الدين، وهو من نستعين به ليكسر قوانين،وإله آخر وهو الذي يسيِّر الكون على نواميس دقيقة لا يمكن أن يحصل المراد إلا باتباعها واحترامها. . وهكذا فتجد أن العقلية المسلمة - دون تعميم - أمست عقلية خرافية تعتمد على أن وجود الله مقابل لتدخله لخرق النواميس التي وضعها الله نفسه! عقلية تائهة، تتخذ موقفا طفوليا من الكون كالطفل الذي ذهب الروضة أول يوم ويبكي أن أمه قد تركته وسط هذا العالم المخيف الذي لا يفهم ماذا يحدث فيه، فيطلب أمه كي تسيِّر له أحواله باستمرار.
هذا الطفل إنما هو مقابل للإنسانية عندما كان آدم في جنة الإعداد والتربية، الإعداد لمهمة عظيمة وهي الخلافة، والأصل فيها أن يعتمد على نفسه ويستعين بالله، ولا يجد تناقضا بين هذه وتلك، فالاعتماد على النفس والتفكير بما سخره الله لنا من نواميس، لا علاقة له بيقيننا أن الله هو واضع هذه النواميس وهو من يستطيع خرقها، لكن ليس مطلوبا من الله أن يخرق السنن التي وضعها!، بل هو الحي القيوم الذي يحافظ على عمل هذه النواميس في العموم، وإن شاء خرقها بطلاقة قدرته. والإسلام يشكل غاية النضج الإنساني، فمعجزات (آيات) الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم كان بها عنصر تغيير أو كسر النواميس ماديا حتى يصدق الناس أنبياءهم، لكن الأمر تغير في رسالة محمد رسول الله صلى الله عليه، فكانت آيته الأساسية هي القرآن وهي آية فكرية، ليست مادية، وكأن بعثة محمد هي بداية التخرج الإنساني من الجامعة ليتعامل مع العالم كما هو ويستخدم تسخير الله العالم له، عابدا لله مستعينا به.
والاستعانة هنا هي إثبات الاعتقاد بأن كل ما يحدث هو بإذن الله وأنه لا حول لنا ولا قوة لنا إلا بالله تعالى، نستعين به حتى نفَعِّل التسخير ونستخدمه في الإصلاح ومحاربة الفساد وتقويم الأرض وتوجيه حرية إرادتنا لطاعة الله طوعا. هذا الموقف الجامع بين كل من الاستعانة والدعاء من جهة، وعدم هجر الكون ونواميسه - في الوقت ذاته - من جهة أخرى، يبدو لي الآن وكأنه موقف غريب على كثير من مسلمي اليوم. فالدعاء بالنسبة لجلهم ليس لطلب التقرب إلى الله، وطلب التوفيق منه بإدامة علينا نعمة التسخير، وليس لإثبات وتثبيت اعتقادنا أن القوة لله جميعا، بل الدعاء أضحى أغلبه هو طلب الاستغاثة [الخارقة] من الله! الاستغاثة من الله بالخوارق لينقذنا مما قدّره علينا من تعب وإرهاق واجب يجب أن نخوضه وإلا فقد ضللنا الطريق عن الجنة.
{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}
إن الأصل في الاستعانة والدعاء أن نعمل، فلا أحد يطلب إعانة أحد في عمل لا يعمله! وهذا هو المطلوب فهمه وهضمه، الاستعانة والدعاء ليسوا أسبابا لإنجاز أعمال الدنيا! لكنهما موقف قلبي بالاعتراف لله بالقوة والحول- وأنه لا شيء يحدث في كونه إلا بإذنه - وبطلب التوفيق والتسديد في السعي.
لكن ماذا لو فعل الإنسان كل ما يستطيعه وبذل كل جهد فكري ومادي، هل الدعاء هنا ليس له تأثير في العالم المادي؟
أقول إنها مشيئة الله المطلقة في كيفية استجابته لهذا الدعاء، فلا قاعدة هنا لأن الله يفعل ما يشاء، والخوارق هي من ضمن مشيئة الله، فلا أنفيها، وقد قدَّر الله أن يشق البحر لموسى وأن يحيي الموتى لعيسى، وأن يرسل طيرا أبابيل ترمي من أراد الضرر بقبلة المسلمين، ترميه بحجارة من سجيل.
فكلامي ليس نفيا للخوارق، لكن الأصل أن الله لم يضع النواميس ليخرقها!! الأصل هو التناسق والاطّراد في سير الكون على هذه النواميس، والاستثناء هو خرقها. فإذا تحول الاستثناء إلى الأصل والأصل إلى استثناء فإن هذا هو الجنون بعينه. . اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم وأعنا على فتن الدنيا، لاسيما تلك المتعلقة بالدين.
م ن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ))
كثير من المسلمين يفكرون وكأنه يوجد إلهان، إله منزل للقرآن وآخر خالق للكون، وهم مهتمون بطاعة الإله الأول، أما الإله الثاني فهذا إله لا شأن لهم بالسير على سننه الكونية.
{وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذوا إِلهَينِ اثنَينِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارهَبونِوَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلَهُ الدّينُ واصِبًا أَفَغَيرَ اللَّهِ تَتَّقونَ} [النحل: ٥١-٥٢] وللتوضيح فأنا أقصد أن كثيرا من المسلمين - نتيجة أن العلم الحديث منبعه من الغرب "الكافر" - ينظرون إليه نظرة الريبة، ويعادونه دون أن يشعروا، وحيث أن الغرب اهتمامهم كله بالحياة الدنيا بما فيها من علوم مادية وكونيات، فإنك تجد المسلم العامي في الغالب لديه حالة فصام. فهو مستمسك بالقرآن لأنه من لدن الله، أما هذه النواميس الكونية، فمصدرها مشبوه بالنسبة له، ومع الوقت، ومع سبق الغرب أكثر وأكثر في مضمار العلم و اتخاذه ذريعة للإلحاد، مع هذا أمسى هناك حالة سائدة بين المسلمين من "اتخاذ الكون مهجورا"، والتوهم بأن كل شيء إنما يتحقق بالدعاء والذكر و"خوارق النواميس"، وهم بذلك لا يدرون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، فالقرآن والدين منزلان من لدن الله والكون هو خلق الله! وكما أن للدين أحكام وقواعد فالكون كذلك، والأصل في المسلم أن يستخدم الطبيعة - وهذا هو معنى التسخير - وليس أن يتجنب المعتاد الخاضع للنواميس الإلهية [التي اكتشف بعضها - على وجه يزداد دقة مع الزمن - علماء معاصرون غير مسلمين]، ويعتمد على خوارق الطبيعة بالتدخل الإلهي المباشر حتى يكسر ما وضعه من نواميس! فكأن الأمر أنه يوجد إلهان اثنان في العقل الباطن لكثير من المسلمين، إله أنزل القرآن ووضع لنا الدين، وهو من نستعين به ليكسر قوانين،وإله آخر وهو الذي يسيِّر الكون على نواميس دقيقة لا يمكن أن يحصل المراد إلا باتباعها واحترامها. . وهكذا فتجد أن العقلية المسلمة - دون تعميم - أمست عقلية خرافية تعتمد على أن وجود الله مقابل لتدخله لخرق النواميس التي وضعها الله نفسه! عقلية تائهة، تتخذ موقفا طفوليا من الكون كالطفل الذي ذهب الروضة أول يوم ويبكي أن أمه قد تركته وسط هذا العالم المخيف الذي لا يفهم ماذا يحدث فيه، فيطلب أمه كي تسيِّر له أحواله باستمرار.
هذا الطفل إنما هو مقابل للإنسانية عندما كان آدم في جنة الإعداد والتربية، الإعداد لمهمة عظيمة وهي الخلافة، والأصل فيها أن يعتمد على نفسه ويستعين بالله، ولا يجد تناقضا بين هذه وتلك، فالاعتماد على النفس والتفكير بما سخره الله لنا من نواميس، لا علاقة له بيقيننا أن الله هو واضع هذه النواميس وهو من يستطيع خرقها، لكن ليس مطلوبا من الله أن يخرق السنن التي وضعها!، بل هو الحي القيوم الذي يحافظ على عمل هذه النواميس في العموم، وإن شاء خرقها بطلاقة قدرته. والإسلام يشكل غاية النضج الإنساني، فمعجزات (آيات) الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم كان بها عنصر تغيير أو كسر النواميس ماديا حتى يصدق الناس أنبياءهم، لكن الأمر تغير في رسالة محمد رسول الله صلى الله عليه، فكانت آيته الأساسية هي القرآن وهي آية فكرية، ليست مادية، وكأن بعثة محمد هي بداية التخرج الإنساني من الجامعة ليتعامل مع العالم كما هو ويستخدم تسخير الله العالم له، عابدا لله مستعينا به.
والاستعانة هنا هي إثبات الاعتقاد بأن كل ما يحدث هو بإذن الله وأنه لا حول لنا ولا قوة لنا إلا بالله تعالى، نستعين به حتى نفَعِّل التسخير ونستخدمه في الإصلاح ومحاربة الفساد وتقويم الأرض وتوجيه حرية إرادتنا لطاعة الله طوعا. هذا الموقف الجامع بين كل من الاستعانة والدعاء من جهة، وعدم هجر الكون ونواميسه - في الوقت ذاته - من جهة أخرى، يبدو لي الآن وكأنه موقف غريب على كثير من مسلمي اليوم. فالدعاء بالنسبة لجلهم ليس لطلب التقرب إلى الله، وطلب التوفيق منه بإدامة علينا نعمة التسخير، وليس لإثبات وتثبيت اعتقادنا أن القوة لله جميعا، بل الدعاء أضحى أغلبه هو طلب الاستغاثة [الخارقة] من الله! الاستغاثة من الله بالخوارق لينقذنا مما قدّره علينا من تعب وإرهاق واجب يجب أن نخوضه وإلا فقد ضللنا الطريق عن الجنة.
{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}
إن الأصل في الاستعانة والدعاء أن نعمل، فلا أحد يطلب إعانة أحد في عمل لا يعمله! وهذا هو المطلوب فهمه وهضمه، الاستعانة والدعاء ليسوا أسبابا لإنجاز أعمال الدنيا! لكنهما موقف قلبي بالاعتراف لله بالقوة والحول- وأنه لا شيء يحدث في كونه إلا بإذنه - وبطلب التوفيق والتسديد في السعي.
لكن ماذا لو فعل الإنسان كل ما يستطيعه وبذل كل جهد فكري ومادي، هل الدعاء هنا ليس له تأثير في العالم المادي؟
أقول إنها مشيئة الله المطلقة في كيفية استجابته لهذا الدعاء، فلا قاعدة هنا لأن الله يفعل ما يشاء، والخوارق هي من ضمن مشيئة الله، فلا أنفيها، وقد قدَّر الله أن يشق البحر لموسى وأن يحيي الموتى لعيسى، وأن يرسل طيرا أبابيل ترمي من أراد الضرر بقبلة المسلمين، ترميه بحجارة من سجيل.
فكلامي ليس نفيا للخوارق، لكن الأصل أن الله لم يضع النواميس ليخرقها!! الأصل هو التناسق والاطّراد في سير الكون على هذه النواميس، والاستثناء هو خرقها. فإذا تحول الاستثناء إلى الأصل والأصل إلى استثناء فإن هذا هو الجنون بعينه. . اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم وأعنا على فتن الدنيا، لاسيما تلك المتعلقة بالدين.
م ن