ظل آليآسمين
Well-Known Member
- إنضم
- 9 نوفمبر 2012
- المشاركات
- 2,626
- مستوى التفاعل
- 10
- النقاط
- 38
إذًا لا يضيعنا !
إنَّ المسلم في وقتِ الأزمات، واشتداد وطْأَتها عليه، وتكالُب أعدائه عليه، والتضييق عليه في دعوته، إنه في هذا الوقت
بالذات بحاجة إلى شحنة كبيرة وجبَّارة من الثِّقة بالله - عز وجل - في نَصْر دينه وأوليائه المؤمنين؛
حتى يستطيعَ أن يكون سَدًّا وحاجزًا منيعًا أمام سَيْل الأزمات، فلا ينجرف مع التيار مَهْمَا كانتْ قوَّتُه،
وخاصَّة إذا استشعر أنَّ هذا التكالُب ما هو إلا سُنَّة من سُنن التدافُع الكونيَّة والمكابَدة في هذه الدنيا؛
لأن الأرحام لا تزال تدفعُ بشياطين الإنس ممن جعَل نفسَه مشروعًا لمحاربة هذه الدعوة والصَّدِّ عنها.
ومَهْمَا عَظُمَ هذا المكر الكُبَّار، فإنه لا يزيدنا إلا ثِقة في ربِّنا،
وثباتًا على دينِنا، وإصرارًا على السَّيْر والْمُضِي قُدمًا في هذا الطريق؛ حتى يُعلي الله دينَه أو نموت دونَه، وإذا اشتدَّ أذى أعدائك عليك لا لشيءٍ إلا لتمسُّكك بهذا المنهج الرشيد،
فهي علامة على سلامة طريقك؛ لأنهم لا يرون العدوَّ الحقيقي لهم إلاَّ مَن كان يسير على نفْس نَهج السلف - رضوان الله عليهم -
وإنَّا لنعلم ما بين كثيرٍ من الفِرَق الضالَّة وبين الأعداء من التقارُب والتعاون، الذي لم يَعُدْ مستورًا أو مخفيًّا.
وقد علَّمنا القرآن الكريم أن اشتداد الأزمات ووصولَها إلى ذِروتها، هو بداية زوالها وزوال مَن يقف وراءها،
وأنَّ النصر والتمكين للمؤمنين، ومَن تَتَبَّع قَصص الأنبياء في القرآن عَلِم مِصداق هذا القول؛
لأنَّ النصرَ والتمكين مِنْحة ربَّانيَّة، وعَطيَّة إلهيَّة، لا تتنزَّل إلا بعد اشتداد المكابدة والمحاربة؛
يقول ابن كثير:
"وكما تكون الشدَّة ينزل من النصر مثلُها "؛ ولهذا قال - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ .
وفي حديث أبي رَزِين:
"عَجب ربُّك من قُنُوط عباده، وقُرْب غَيثه، فينظر إليهم قَنطين، فيظل يضحك، يعلم أنَّ فرجَهم قريب"؛ .
ومِن فضْل الله ومَنِّه وكَرَمه على المسلم أنَّه لم يتركْه في الدنيا متخبِّطًا تائهًا لا يميِّز بين حقٍّ وباطل، وصديق وعدوٍّ،
فقد جعل الله - تعالى - سبيل الأعداء واضحًا بيِّنًا لا لبس فيه ولا غموض؛
قال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ .
ويقول ابن القَيِّم:
"والله - تعالى - قد بيَّن في كتابه سبيلَ المؤمنين مُفَصَّلة، وسبيل المجرمين مُفَصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة"،
ومن هذه الحيثيَّة فإن المسلم مُزوَّد بما يُشبه جهاز استشعار ربَّانيًّا؛ يستبق الأحداثَ، ويتوقَّع حدوثَها،
فتتكوَّن لَدَيه ردَّة الفعل المناسبة، فلا يُصْدَم بهول الأحداث ولا جسامتها؛ لأنه في ارتباط وثيق مع خالقه - جل في علاه -
الذي كشَفَ له حقيقة العداء مع خصومه وسَببه؛ ولهذا باتَ من المعلوم يقينًا عند المسلم حقيقةُ المعركة بينه وبين أعدائه؛
يقول - تعالى -:
﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ ،
ويقول - أيضًا -:
﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا ﴾ .
فهاتان الآيتان وغيرهما - وكذلك الأحاديث النبوية - كوَّنتْ لَدَى المسلم حِسَّ التوقُّعات لكلِّ ما يَخبَؤه له الزمن في مشوار حياته الدَّعَوية؛
فلهذا لا نتفاجَأ بحماقات عَدوِّنا ومُحاربته.
إنَّ المسلم لا يعيش أزمة دائمة مستمرَّة غير قابلة للرفع أو الدفع؛
لأنه يملك من الخيارات الشرعيَّة ما يجعله يتخطَّى الأزمات والنكبات، بل ويستثمرها الاستثمار الجيد والمناسب،
والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول -
كما في حديث صهيب - رضي الله عنه -:
((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ صبَرَ، فكان خيرًا له))،
وليس في هذا دعوى للركون إلى الزوايا، وترديد الأذكار في حالة من الانهزاميَّة والخور، وإنَّما مُجابهة الأزمات يأخذ شِقَّين متوازيين؛
هما: التهيئة النفسيَّة، والتهيئة الماديَّة، فهو بحاجة إلى إحياء الدوافع الذاتية؛ للتغلُّب على الضَّعف النفسي الداخلي،
وذلك باللجوء إلى الله - تعالى - في الاستعانة به، وإظهار الرضا النفسي،
ثم يتوجَّه بعد ذلك لمقاومة الأزمة، ومدافعتها بالسُّبل الماديَّة بعد أن كسَر حاجزها النفسي، وهذا هو ثمرة الأذكار والأدعية الشرعيَّة التي يردِّدها المسلم عند الأزمات والنَّكَبات،
وهو عين المسلك الذي يسلكُه الطبيب النفسي في معالجة المرضى، وهو إحياء رُوح مقاومة المرض في نفسيَّة المريض؛ حتى يستفيدَ جسمُه من العلاج الحِسي والمادي.
وليس من الإسلام الركون إلى الأزمة، والاستسلام لحبائلها؛ فقد ذَكَر لنا القرآن الكريم موقفَ امرأة ضعيفة وحيدة في وادٍ خالٍ بين الجبال الموحِشة،
لا تملك سوى سِقاءٍ فيه ماء، وجرابٍ فيه تمرٌ، تركهما لها زوجها إبراهيمُ - عليه السلام -
وقَفَا منطلقًا، تبعتْه أُمُّ إسماعيل فقالتْ: يا إبراهيم، إلى من تتركنا ها هنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟!
وهو لا يجيبها ولا يلتفت إليها، حتى قالتْ: آلله أمرَك بهذا؟ قال: نعم، قالتْ: إذًا لا يضيِّعنا.
"وهذا غاية التوكُّل الذي قد يعجز عنه فحول الرجال، وأراد الله أن يجعلَ من تلك الأسرة العظيمة الإيمان،
الكبيرة المعنى، القوية التوكُّل ذِكْرى لعباده".
فأدعو كلَّ مسلم قد أنشبَتِ الأزمةُ مَخالبها حوله، أو ضُيِّق عليه في دعوته،
وأُغلقتْ قنواته ونوافذه التي يطلُّ من خلالها على الإنسان أيًّا كان هذا الإنسان - أن يتمعَّنَ في هذه العبارة العظيمة،
وأن يتَّخِذَ من هذه المرأة الفَذَّة قُدوةً له في معالجة أزمته،
والله الموفِّق
منصور باوادي
إنَّ المسلم في وقتِ الأزمات، واشتداد وطْأَتها عليه، وتكالُب أعدائه عليه، والتضييق عليه في دعوته، إنه في هذا الوقت
بالذات بحاجة إلى شحنة كبيرة وجبَّارة من الثِّقة بالله - عز وجل - في نَصْر دينه وأوليائه المؤمنين؛
حتى يستطيعَ أن يكون سَدًّا وحاجزًا منيعًا أمام سَيْل الأزمات، فلا ينجرف مع التيار مَهْمَا كانتْ قوَّتُه،
وخاصَّة إذا استشعر أنَّ هذا التكالُب ما هو إلا سُنَّة من سُنن التدافُع الكونيَّة والمكابَدة في هذه الدنيا؛
لأن الأرحام لا تزال تدفعُ بشياطين الإنس ممن جعَل نفسَه مشروعًا لمحاربة هذه الدعوة والصَّدِّ عنها.
ومَهْمَا عَظُمَ هذا المكر الكُبَّار، فإنه لا يزيدنا إلا ثِقة في ربِّنا،
وثباتًا على دينِنا، وإصرارًا على السَّيْر والْمُضِي قُدمًا في هذا الطريق؛ حتى يُعلي الله دينَه أو نموت دونَه، وإذا اشتدَّ أذى أعدائك عليك لا لشيءٍ إلا لتمسُّكك بهذا المنهج الرشيد،
فهي علامة على سلامة طريقك؛ لأنهم لا يرون العدوَّ الحقيقي لهم إلاَّ مَن كان يسير على نفْس نَهج السلف - رضوان الله عليهم -
وإنَّا لنعلم ما بين كثيرٍ من الفِرَق الضالَّة وبين الأعداء من التقارُب والتعاون، الذي لم يَعُدْ مستورًا أو مخفيًّا.
وقد علَّمنا القرآن الكريم أن اشتداد الأزمات ووصولَها إلى ذِروتها، هو بداية زوالها وزوال مَن يقف وراءها،
وأنَّ النصر والتمكين للمؤمنين، ومَن تَتَبَّع قَصص الأنبياء في القرآن عَلِم مِصداق هذا القول؛
لأنَّ النصرَ والتمكين مِنْحة ربَّانيَّة، وعَطيَّة إلهيَّة، لا تتنزَّل إلا بعد اشتداد المكابدة والمحاربة؛
يقول ابن كثير:
"وكما تكون الشدَّة ينزل من النصر مثلُها "؛ ولهذا قال - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ .
وفي حديث أبي رَزِين:
"عَجب ربُّك من قُنُوط عباده، وقُرْب غَيثه، فينظر إليهم قَنطين، فيظل يضحك، يعلم أنَّ فرجَهم قريب"؛ .
ومِن فضْل الله ومَنِّه وكَرَمه على المسلم أنَّه لم يتركْه في الدنيا متخبِّطًا تائهًا لا يميِّز بين حقٍّ وباطل، وصديق وعدوٍّ،
فقد جعل الله - تعالى - سبيل الأعداء واضحًا بيِّنًا لا لبس فيه ولا غموض؛
قال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ .
ويقول ابن القَيِّم:
"والله - تعالى - قد بيَّن في كتابه سبيلَ المؤمنين مُفَصَّلة، وسبيل المجرمين مُفَصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة"،
ومن هذه الحيثيَّة فإن المسلم مُزوَّد بما يُشبه جهاز استشعار ربَّانيًّا؛ يستبق الأحداثَ، ويتوقَّع حدوثَها،
فتتكوَّن لَدَيه ردَّة الفعل المناسبة، فلا يُصْدَم بهول الأحداث ولا جسامتها؛ لأنه في ارتباط وثيق مع خالقه - جل في علاه -
الذي كشَفَ له حقيقة العداء مع خصومه وسَببه؛ ولهذا باتَ من المعلوم يقينًا عند المسلم حقيقةُ المعركة بينه وبين أعدائه؛
يقول - تعالى -:
﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ ،
ويقول - أيضًا -:
﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا ﴾ .
فهاتان الآيتان وغيرهما - وكذلك الأحاديث النبوية - كوَّنتْ لَدَى المسلم حِسَّ التوقُّعات لكلِّ ما يَخبَؤه له الزمن في مشوار حياته الدَّعَوية؛
فلهذا لا نتفاجَأ بحماقات عَدوِّنا ومُحاربته.
إنَّ المسلم لا يعيش أزمة دائمة مستمرَّة غير قابلة للرفع أو الدفع؛
لأنه يملك من الخيارات الشرعيَّة ما يجعله يتخطَّى الأزمات والنكبات، بل ويستثمرها الاستثمار الجيد والمناسب،
والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول -
كما في حديث صهيب - رضي الله عنه -:
((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ صبَرَ، فكان خيرًا له))،
وليس في هذا دعوى للركون إلى الزوايا، وترديد الأذكار في حالة من الانهزاميَّة والخور، وإنَّما مُجابهة الأزمات يأخذ شِقَّين متوازيين؛
هما: التهيئة النفسيَّة، والتهيئة الماديَّة، فهو بحاجة إلى إحياء الدوافع الذاتية؛ للتغلُّب على الضَّعف النفسي الداخلي،
وذلك باللجوء إلى الله - تعالى - في الاستعانة به، وإظهار الرضا النفسي،
ثم يتوجَّه بعد ذلك لمقاومة الأزمة، ومدافعتها بالسُّبل الماديَّة بعد أن كسَر حاجزها النفسي، وهذا هو ثمرة الأذكار والأدعية الشرعيَّة التي يردِّدها المسلم عند الأزمات والنَّكَبات،
وهو عين المسلك الذي يسلكُه الطبيب النفسي في معالجة المرضى، وهو إحياء رُوح مقاومة المرض في نفسيَّة المريض؛ حتى يستفيدَ جسمُه من العلاج الحِسي والمادي.
وليس من الإسلام الركون إلى الأزمة، والاستسلام لحبائلها؛ فقد ذَكَر لنا القرآن الكريم موقفَ امرأة ضعيفة وحيدة في وادٍ خالٍ بين الجبال الموحِشة،
لا تملك سوى سِقاءٍ فيه ماء، وجرابٍ فيه تمرٌ، تركهما لها زوجها إبراهيمُ - عليه السلام -
وقَفَا منطلقًا، تبعتْه أُمُّ إسماعيل فقالتْ: يا إبراهيم، إلى من تتركنا ها هنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟!
وهو لا يجيبها ولا يلتفت إليها، حتى قالتْ: آلله أمرَك بهذا؟ قال: نعم، قالتْ: إذًا لا يضيِّعنا.
"وهذا غاية التوكُّل الذي قد يعجز عنه فحول الرجال، وأراد الله أن يجعلَ من تلك الأسرة العظيمة الإيمان،
الكبيرة المعنى، القوية التوكُّل ذِكْرى لعباده".
فأدعو كلَّ مسلم قد أنشبَتِ الأزمةُ مَخالبها حوله، أو ضُيِّق عليه في دعوته،
وأُغلقتْ قنواته ونوافذه التي يطلُّ من خلالها على الإنسان أيًّا كان هذا الإنسان - أن يتمعَّنَ في هذه العبارة العظيمة،
وأن يتَّخِذَ من هذه المرأة الفَذَّة قُدوةً له في معالجة أزمته،
والله الموفِّق
منصور باوادي