أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

إطلالةٌ على المشاعر

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

Noor Aldeen

:: القلم المميز ::
إنضم
21 مايو 2012
المشاركات
3,768
مستوى التفاعل
38
النقاط
48
الإقامة
ام الربيعين
يا لَروعة المنظر الذي يُسبي الروح، ويا لطهر الروابي التي ترسم على الوجوه ملامح الدهشة، وتؤجج في النفس مَيّت الطموح، ويا لقداسة الربوع التي رقت من عرفها العلوي كلمات تبوح بأصدق العبر، ويا لهيبة الجبال الضخمة التي بدت كحارس أشوسَ يدافع عن وديعة الله - سبحانه وتعالى -، أيّةُ جاذبية تلك التي تمتلكها هذه الأماكن ؟! وأيّةُ كنوز حوت حتى جاءها الناس رجالاً وركباناً من كل فج عميق؟!

جاءها الغني والفقير، الكبير والصغير، إنها المواطنُ ذاتُ التراب البكر ـ الذي يحمل بصمةَ الإله ـ وقد تَشرفَ أول الأمر بِخُطا النبي القادم من حضن الفردوس والمضمخ بأريج الجنة وبخورها، إنه آدم - عليه السلام -، وهي مواطن خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - الذي أودع في الرمال السمراء بذور التوحيد وسقاها بقطر إيمانه، وصدق عبوديته ومنعة إرادته ولم يخرجه كل ذلك عن أدبه الجمّ وبره الرفيع الذي تمثل في قوله لأبيه، الذي أبى إلا أن يسير مع قافلة غير الموحدين "سلام عليك سأستغفر لك ربي" الآية *

إن أرضاً شهدت موقف إبراهيم - عليه السلام - وقد استسلم لأمر الله، وأقر بتنفيذ الأمر السماوي الذي يقضي بذبح ولده الوحيد وفلذة كبده حريٌّ بها أن تضوع، وإنّ جبالاً رأت هذا المشهد الفريد حريٌّ بها أن تذوب لتتحول إلى أكوام من العشب الطرية.

كيف لا يبذل المسلمون الغالي والنفيس لنيل شرف زيارتها وقد ارتضاها الإله أن تضم في حجرها بيته، وروضة تحلق فوق أفنانها ملائكته الكرام مسبحين، ذاكرين.

نور يتلألأ، ورحمات تتنزل، وغمامة تُظلُّ، قمر ينشق، وجذع تئنُّ.

هذه هي حال مكة وقد هللت نساؤها، وهتفت حمائمها، وتنفس رقيقها الصعداء بإطلالة المبعوث رحمة للعالمين: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" الآية *

كما أن ثغر حراء الباسم الذي لا يزال يفيض طوال الوقت عبقاً يندي الأرض، ويملأ الأفق برجع تعبد النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد من هيبة مكة ـ وهي المكتملة هيبة ـ في النفوس.

لقد ملأ النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الأرض بصور مشرقة، ومواقف نبيلة، تتوقد إنسانية ونبلاً وجلالاً تمثلت في علاج القلوب، وتزكية النفوس التي غمرها صدأ الجهل ودخان الشرك.

صورٌٌٌٌ عنوانها نصرة الحق ورفع الظلم والجور وتأكيد الإخاء وغرس بذور الحب في الله ونبذ الكراهية والظلم.

نعم لقد تنزلت الرحمات وظهرت المعجزات ولشدة حب الملائكة لما كان يحدث في الأرض أبَوْا إلا أن ينالوا شرف المشاركة الذي تجلى في غزوة بدر وغيرها.

وماذا عن كلام الله - سبحانه - الذي أودعَهُ في صدرِِ من لا ينطِقُ عن الهوى والذي ما إن عالجَهُ لسانه الطاهر وأضفى عليه شيئاً من رحمته، وبعضاً من حنانه ليخرج من مشكاة النقاء معطراً ـ وهو أسمى من العطر ـ مفهوماً ـ وهو نهاية الفهم ـ حتى وجدت نجومَ الزمان النّيرة تحتضنُهُ، وتحفظه، وتخبئُهُ في سويداء قلوبها وتلفّهُ بصدورها لتتلذذ بطعمه، ووقعه، وجرسه، وطهره فأصبح المبدأ، والديدن، والدأب، والرفيق، والمؤنس، والمرشد.

لقد هذَّبت هذه الآيات التي أهداها الخالق إلى خير أمة مع خير سفرائه إلى الأرض ـ جبريل - عليه السلام - ـ ما غَلُظ من الطباع، وما نبا من الكلام، وما خالف من القول، وما خرج عن مدى الأدب، وأفق الإنسانية، والفطرة السليمة.

كُلُّ ما ذكرت من أحداث كانت تتخذ أرض مكة وطاءً لها، أما مظلتها وسماؤها كانت عرش الرحمن - عز وجل - وعندما ضاق أفق مكة عن أن يضم فوح تلك الرسالة، أقدمت يثرب مرحبة فاتحة ذراعيها وصدرها وقلبها ولم يبخل أبو أيوب الأنصاري بفتح صالته الرحبة لاستقبال أكرم الضيوف في مركز المدينة بيثرب.

لذلك شُدّت إلى مسجدها الرحال، وتعلقت فيه أغلى الأماني والآمال.

أما بيت الله بمكة فإن رؤيته حلم كل مسلم فتُقطع في سبيل لقياه في البراري وفي البحار آلاف الأميال وسط الصعاب والنصب الذي يعتور رحلتهم والتي تبدو مع كل مصاعبها رائعة وجميلة لأن نبل المقصد ينسي آلام التعب والنصب.

إنه بيت الله الذي يصل إليه المجروحون، فيطوفون ويبكون ويلوذون بأعتاب بيت الله ويقابلون الملتزم ليبثوا لواعجهم إلى الخالق - عز وجل - ويستجاب لهم، ويصل إليه كبراء الناس والموسرون فيقرون بضعفهم ويشعرون بعبوديتهم أمام جلال تلك المشاعر وقداستها.

ومن ثم يثقب دفء الرحمة شغاف قلوبهم وتُفكُّ قيودُ مآقيهم فتنهمر الدموعُ أمطاراً تغسل شحوب الدنيا وصدأ مادية الحياة ليعودوا وقد تحرروا من رق الدرهم والمنصب مغفوراً لهم.

حقاً إنها ليست أفضل البقاع فحسب بل وأفضل الأيام يوم من أيامها ـ إنه يوم عرفة ـ وأفضل الجهات في ربوعها حيث تتجه إليها أنظار جميع المسلمين ـ وهم أقرب ما يكونون فيه إلى الخالق - عز وجل - وخير الثرى ثراها حيث سما وعبق من طهر من مشوا عليه من الأنبياء، وأفضل ماء إنما يجري فيها إنه ماء زمزم الذي هو لما شرب له، فهنيئاً لمن شم الأريج وزاحم بالمنكبين الحجيج، هنيئاً لمن وقف في عرفات وقد فاز بالحسنات والمكرمات، وهنيئاً لمن قبله الله وأعد له عالي الدرجات لأن جزاء الحج المبرور إنما هو فردوس وجنات.
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )