عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,739
- مستوى التفاعل
- 2,771
- النقاط
- 113
استنارة قلب تحت جنح الظلام
كثيرًا ما يقف المركز الديني أو الاجتماعي حجر عثرة أمام من يريد أن يستنير بنور الإيمان!
يحدثنا يوحنا البشير عن شخص تتلمذ للمسيح سرًا لكنه أعلن تبعيّته بقوة، عندما صَلب بيلاطس الحاكم الروماني الرب يسوع المسيح بضغط من رؤساء كهنة اليهود.
لقد كان هو أحد هؤلاء الرؤساء، وكان عضوًا في مجمعهم الأعلى "السنهدريم"، إلا أنه لم يكن موافقًا لآرائهم ولا اشترك في تلك الجريمة الشنعاء. فقد قاوم على قدر تمكّنه، إلى أن أعلن انشقاقه كليًا عن تلك الفئة الباغية، دون احتساب للعواقب والصعوبات. فكان له مع "يوسف الرامي" شرف تكفين جسد سيّده بكل وقار واحترام، ودفنه في قبر الأخير الذي كان قد نحته لنفسه في الصخر، ولم يُدفن فيه أحد من الناس من قبل.
ذلك هو "نيقوديموس"، وقد كان ذا مركز ديني واجتماعي مرموقين، أما صفاته الأدبية فكانت أكثر أثرًا في حياته الخاصة. وفي قصة اهتدائه واستنارته بنور النعمة الإلهية، إذ حصل على معرفة الخلاص بكفارة دم المسيح يسوع والإيمان بعمله الفدائي الذي كان مزمعًا أن يتمّمه في صليب الجلجثة. فما هي مقومات استنارة ذلك التلميذ؟
•
-1-
كان نيقوديموس رجلاً منطقيًا
فهو لم يتمسك بالعوائد الموروثة كمسلّمات، ولم يتحيّز تحيّزًا أعمى لتقاليد أسلافه البالية، بل اعتمد على فهمه لحقيقة نصوص العهد القديم ونبوّاته، وقارنها بالواقع الذي تراه عيناه وتسمعه أذناه، وجاء إلى المعلم العظيم الذي وجد فيه تفسيرًا لتلك النبوات، وإن يكن مجيئه "ليلاً" بسبب خوفه من انكشاف أمره لدى رؤساء الكهنة، وذلك لعلمه بأن أحكامهم وقراراتهم شريرة غاشمة، نابعة من كبريائهم ومصالحهم الذاتية دون أي رادع أدبي أو أخلاقي. وذلك واضح في قوله للرب:
"يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ إيلوهيم مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ إيلوهيم مَعَهُ."
(يوحنا 2:3)
فهو بهذا يعلن إدراكه لحقيقة ثابتة مبرهنة عمليًا. لقد رأى وسمع ما رآه وسمعه آخرون، ولكنه أدرك بعقل مفتوح جميع الإشارات والإيحاءات التي تصدر من أعمال الرب يسوع، وقارنها مع أقواله وربطها بالنبوات، فوجد مفارقة رهيبة بين هذا المعلم السماوي وبين رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين حتى توصل إلى قناعة ثابتة وقرار سليم.
•
كان نيقوديموس رجلاً متواضعًا
لم يمنعه وضعه الديني والاجتماعي، ولا التعصب الذي كان مسيطرًا على معظم أترابه، من المجيء إلى المسيح، حيث كانت الفئة التي ينتمي إليها تعتبر المجيء إلى المسيح خيانة قومية، وتنازلاً عن أمجاد الأمة، وسلطة الناموس، وقدسية الهيكل. فالمستكبر ينظر إلى الأمور من خلال ذاته وأصله، تلك النظرة التي تمنعه من رؤية الحقائق أو الاعتراف بها. فهو يعتبر نفسه وقومه دائمًا على حق وأن الآخرين على ضلال. ويعتبر أنه حينما يؤمن بما يوحيه الآخرون يصبح بشكل من الأشكال تابعًا لهم فكريًا، وذلك بحسب رأي المستكبرين ينقّص من شأنهم ويجعلهم في درجة أدنى مما هم فيه. أما نيقوديموس، فجاء مظهرًا تواضعه وخضوعه للمسيح الذي كان يصغره سنًا، وذلك سبب آخر مهم عند الكثير من المتديّنين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر حكمة بسبب الأيام. وهذا ما قاله أليهو بن برخئيل البوزي لأصحاب أيوب الثلاثة:
" أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ. قُلْتُ:
الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينِ تُظْهِرُ حِكْمَةً."
(أيوب 6:32-7)
أما نيقوديموس فكان تواضعه حقيقيًا كاملاً.
•
-3-
كان نيقوديموس مطيعًا لدعوة النعمة الإلهية
لقد تنازل الرب يسوع من عرش عزّته إلى الأرض التي لُعنت بسبب الخطية، لكي ينفّذ خطة الآب القدوس الأزلية لفداء الجنس البشري، وقد تمم نبوات الأنبياء الذين أخبروا بكل وضوح عن صفاته، ومراحل حياته، وخدمته، وموته، وقيامته، وقوة خلاصه، وذلك ليس لكي يكون حدثًا من أحداث التاريخ ولكن لهدف عظيم هو خلاص الذين يؤمنون بكفارة دم المسيح. ولا شك أن نيقوديموس كان ضليعًا في معرفة تلك النبوات وأهميتها وضرورة معرفة غرض الرب بالطاعة لصوت الروح القدس الذي يدعو جميع الناس لقبول الخلاص بالإيمان بكفارة دم الفادي، حيث علم أن المعرفة وحدها لا تكفي.
•
-4-
كان نيقوديموس صادقًا مع نفسه حريصًا على حياته الأبدية
يكابر الكثيرون ضد دعوة يَهْوَه المبنية على محبته الإلهية لخلاص البشر، ويدّعون بأن الأمور المستقبلية غير المنظورة هي أمور غير يقينيّة ولا تستحق الاهتمام بها، ويخدعون أنفسهم متذرّعين بحجج واهية للتهرّب من تلك الدعوة البالغة الأهمية والتي ينجم عن رفضها هلاك أبدي رهيب!
وفي حديثه عن تلك الدعوة الفاضلة إلى ملكوت الرب، شبهها المسيح، له المجد، بدعوة :
"إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا وَدَعَا كَثِيرِينَ، وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ فِي سَاعَةِ الْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ:
تَعَالَوْا لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ الأَوَّلُ:
إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلاً، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. وَقَالَ آخَرُ:
إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. وَقَالَ آخَرُ:
إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ، فَلِذلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ."
(لوقا16:14-20)
قال أحدهم:
إن كل تلك الأعذار واهية وباطلة، فما المنفعة من تفقّد الحقل بعد أن تم شراؤه؟
وكذلك امتحان خمسة أفدنة بقر بعد شرائها، وما هي هذه الضرورة لفحصها ليلاً وذلك غير مجدٍ؟
وما هو المانع من مجيء ذلك العريس واصطحاب عروسه أيضًا إلى تلك الوليمة؟
فلا بد لهما من تناول طعامهما!
وقد شبّه البعض هذه المعوّقات :
بـ "شهوة الجسد، وشهوة العيون وتعظّم المعيشة"
التي هي جميعها من الشيطان الذي يريد صدّ الناس عن المجيء إلى الرب بالتوبة والإيمان لئلا يخلصوا. أما نيقوديموس فكان يبحث بكل إخلاص عن خلاص نفسه ولذلك فقد أعلن له الرب في خطابه الشهير عن أعظم الأمور أهمية لحياة كل إنسان وهي:
-1-
ضرورة الولادة من فوق، وهي تتم بالماء والروح. والماء يشير إلى كلمة يَهْوَه كما يقول الرسول بطرس:
"مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ يَهْوَه الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ."
(1بطرس 23:1)
-2-
سر عمل الروح القدس في الولادة الجديدة، حيث أنه العامل الخفيّ الفائق القدرة.
-3-
أعلن له عن رموز العهد القديم بخصوص النظر إلى الحية النحاسية التي رُفعت وترمز إلى المصلوب الذي سيُرفع.
-4-
وإن عمل الفداء الذي سيتمّمه المسيح على الصليب هو انعكاس لمحبة إيلوهيم العظيمة الهادفة لخلاص الجنس البشري من عقوبة الخطية ومن آثارها، لكي ينال الحياة الأبدية كل من يؤمن بالكفارة، متوّجًا كلامه بالآية الذهبية لإنجيل يوحنا:
" لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ إيلوهيم الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. "
(يوحنا 16:3)
وبناء على تلك الإعلانات العظيمة التي أظهرها له الرب بروحه القدوس، فقد استنارت أعماق ذلك المعلّم الناموسي، وانفتح قلبه لنور الإيمان رغم أنه كان يستقبل هذا النور ليس تحت شمس النهار ولكن في ظلمة الليل وحلكته، وأصبح نيقوديموس خليقة جديدة آمن بالرب يسوع المسيح فدافع عنه ولو بشكل خجول في البداية. حين أراد رؤساء الكهنة والفريسيون أن يقبضوا على يسوع وقد أرسلوا خدامًا ليقوموا بذلك ولم يفعلوا، ولما سألوهم:
لماذا لم تأتوا به؟
"أَجَابَ الْخُدَّامُ:
لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!."
(يوحنا 47:7)
ولما بدأوا بتوبيخهم
"قَالَ لَهُمْ نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ لَيْلاً، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ:
أَلَعَلَّ نَامُوسَنَا يَدِينُ إِنْسَانًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَوَّلاً وَيَعْرِفْ مَاذَا فَعَلَ؟"
(يوحنا 50:7-51)
ولكنه فيما بعد خلع جميع الأقنعة وأسفر عن حبه الصادق ليسوع، فأكرمه عند موته مظهرًا استعداده الكامل لإنكار ذاته وحمل صليبه واتباع المخلص!
•
عزيزي القارئ الكريم،
إن الرب يسوع يعلن أسرار ملكوته للمخلصين المتواضعين المطيعين ويسرّ بالذين في قلوبهم شوق، وفي نفوسهم صدق، وفي توجهاتهم استقامة وتصميم، فينير قلوبهم بنور الإيمان القويم. وأما المستكبرين والمتهاونين والمستهزئين، والذين يحتالون على كلمات الإنجيل فيحوّرونها أو يخرجونها عن سياقها بسبب تعصّبهم ورفضهم، فهم لا يخدعون إلا نفوسهم، وبسبب فسادهم يتركهم الرب لضلال طرقهم فينزلقون إلى أعماق الجحيم، وبالنهاية فإن :
"كل شاة برجلها تناط"،
فمن أراد معرفة الحق سيعلن له الرب ذلك بقوة روحه القدوس.
فلا ندعنّ ظلمة العوائد والتقاليد والخرافات والأفكار الدنسة تصدّنا وتمنعنا عن رؤية الحق الإلهي وعن المجيء بالتوبة الصادقة والإيمان الصريح إلى المسيح يسوع الحي الذي هو نور العالم. ليرفع عنا سلطان الخطية، ويهبنا نعمة الحياة الأبدية.
{ جوزيف عبدو }
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين
كثيرًا ما يقف المركز الديني أو الاجتماعي حجر عثرة أمام من يريد أن يستنير بنور الإيمان!
يحدثنا يوحنا البشير عن شخص تتلمذ للمسيح سرًا لكنه أعلن تبعيّته بقوة، عندما صَلب بيلاطس الحاكم الروماني الرب يسوع المسيح بضغط من رؤساء كهنة اليهود.
لقد كان هو أحد هؤلاء الرؤساء، وكان عضوًا في مجمعهم الأعلى "السنهدريم"، إلا أنه لم يكن موافقًا لآرائهم ولا اشترك في تلك الجريمة الشنعاء. فقد قاوم على قدر تمكّنه، إلى أن أعلن انشقاقه كليًا عن تلك الفئة الباغية، دون احتساب للعواقب والصعوبات. فكان له مع "يوسف الرامي" شرف تكفين جسد سيّده بكل وقار واحترام، ودفنه في قبر الأخير الذي كان قد نحته لنفسه في الصخر، ولم يُدفن فيه أحد من الناس من قبل.
ذلك هو "نيقوديموس"، وقد كان ذا مركز ديني واجتماعي مرموقين، أما صفاته الأدبية فكانت أكثر أثرًا في حياته الخاصة. وفي قصة اهتدائه واستنارته بنور النعمة الإلهية، إذ حصل على معرفة الخلاص بكفارة دم المسيح يسوع والإيمان بعمله الفدائي الذي كان مزمعًا أن يتمّمه في صليب الجلجثة. فما هي مقومات استنارة ذلك التلميذ؟
•
-1-
كان نيقوديموس رجلاً منطقيًا
فهو لم يتمسك بالعوائد الموروثة كمسلّمات، ولم يتحيّز تحيّزًا أعمى لتقاليد أسلافه البالية، بل اعتمد على فهمه لحقيقة نصوص العهد القديم ونبوّاته، وقارنها بالواقع الذي تراه عيناه وتسمعه أذناه، وجاء إلى المعلم العظيم الذي وجد فيه تفسيرًا لتلك النبوات، وإن يكن مجيئه "ليلاً" بسبب خوفه من انكشاف أمره لدى رؤساء الكهنة، وذلك لعلمه بأن أحكامهم وقراراتهم شريرة غاشمة، نابعة من كبريائهم ومصالحهم الذاتية دون أي رادع أدبي أو أخلاقي. وذلك واضح في قوله للرب:
"يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ إيلوهيم مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ إيلوهيم مَعَهُ."
(يوحنا 2:3)
فهو بهذا يعلن إدراكه لحقيقة ثابتة مبرهنة عمليًا. لقد رأى وسمع ما رآه وسمعه آخرون، ولكنه أدرك بعقل مفتوح جميع الإشارات والإيحاءات التي تصدر من أعمال الرب يسوع، وقارنها مع أقواله وربطها بالنبوات، فوجد مفارقة رهيبة بين هذا المعلم السماوي وبين رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين حتى توصل إلى قناعة ثابتة وقرار سليم.
•
كان نيقوديموس رجلاً متواضعًا
لم يمنعه وضعه الديني والاجتماعي، ولا التعصب الذي كان مسيطرًا على معظم أترابه، من المجيء إلى المسيح، حيث كانت الفئة التي ينتمي إليها تعتبر المجيء إلى المسيح خيانة قومية، وتنازلاً عن أمجاد الأمة، وسلطة الناموس، وقدسية الهيكل. فالمستكبر ينظر إلى الأمور من خلال ذاته وأصله، تلك النظرة التي تمنعه من رؤية الحقائق أو الاعتراف بها. فهو يعتبر نفسه وقومه دائمًا على حق وأن الآخرين على ضلال. ويعتبر أنه حينما يؤمن بما يوحيه الآخرون يصبح بشكل من الأشكال تابعًا لهم فكريًا، وذلك بحسب رأي المستكبرين ينقّص من شأنهم ويجعلهم في درجة أدنى مما هم فيه. أما نيقوديموس، فجاء مظهرًا تواضعه وخضوعه للمسيح الذي كان يصغره سنًا، وذلك سبب آخر مهم عند الكثير من المتديّنين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر حكمة بسبب الأيام. وهذا ما قاله أليهو بن برخئيل البوزي لأصحاب أيوب الثلاثة:
" أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ. قُلْتُ:
الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينِ تُظْهِرُ حِكْمَةً."
(أيوب 6:32-7)
أما نيقوديموس فكان تواضعه حقيقيًا كاملاً.
•
-3-
كان نيقوديموس مطيعًا لدعوة النعمة الإلهية
لقد تنازل الرب يسوع من عرش عزّته إلى الأرض التي لُعنت بسبب الخطية، لكي ينفّذ خطة الآب القدوس الأزلية لفداء الجنس البشري، وقد تمم نبوات الأنبياء الذين أخبروا بكل وضوح عن صفاته، ومراحل حياته، وخدمته، وموته، وقيامته، وقوة خلاصه، وذلك ليس لكي يكون حدثًا من أحداث التاريخ ولكن لهدف عظيم هو خلاص الذين يؤمنون بكفارة دم المسيح. ولا شك أن نيقوديموس كان ضليعًا في معرفة تلك النبوات وأهميتها وضرورة معرفة غرض الرب بالطاعة لصوت الروح القدس الذي يدعو جميع الناس لقبول الخلاص بالإيمان بكفارة دم الفادي، حيث علم أن المعرفة وحدها لا تكفي.
•
-4-
كان نيقوديموس صادقًا مع نفسه حريصًا على حياته الأبدية
يكابر الكثيرون ضد دعوة يَهْوَه المبنية على محبته الإلهية لخلاص البشر، ويدّعون بأن الأمور المستقبلية غير المنظورة هي أمور غير يقينيّة ولا تستحق الاهتمام بها، ويخدعون أنفسهم متذرّعين بحجج واهية للتهرّب من تلك الدعوة البالغة الأهمية والتي ينجم عن رفضها هلاك أبدي رهيب!
وفي حديثه عن تلك الدعوة الفاضلة إلى ملكوت الرب، شبهها المسيح، له المجد، بدعوة :
"إِنْسَانٌ صَنَعَ عَشَاءً عَظِيمًا وَدَعَا كَثِيرِينَ، وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ فِي سَاعَةِ الْعَشَاءِ لِيَقُولَ لِلْمَدْعُوِّينَ:
تَعَالَوْا لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُعِدَّ. فَابْتَدَأَ الْجَمِيعُ بِرَأْيٍ وَاحِدٍ يَسْتَعْفُونَ. قَالَ لَهُ الأَوَّلُ:
إِنِّي اشْتَرَيْتُ حَقْلاً، وَأَنَا مُضْطَرٌّ أَنْ أَخْرُجَ وَأَنْظُرَهُ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. وَقَالَ آخَرُ:
إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْسَةَ أَزْوَاجِ بَقَرٍ، وَأَنَا مَاضٍ لأَمْتَحِنَهَا. أَسْأَلُكَ أَنْ تُعْفِيَنِي. وَقَالَ آخَرُ:
إِنِّي تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ، فَلِذلِكَ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَجِيءَ."
(لوقا16:14-20)
قال أحدهم:
إن كل تلك الأعذار واهية وباطلة، فما المنفعة من تفقّد الحقل بعد أن تم شراؤه؟
وكذلك امتحان خمسة أفدنة بقر بعد شرائها، وما هي هذه الضرورة لفحصها ليلاً وذلك غير مجدٍ؟
وما هو المانع من مجيء ذلك العريس واصطحاب عروسه أيضًا إلى تلك الوليمة؟
فلا بد لهما من تناول طعامهما!
وقد شبّه البعض هذه المعوّقات :
بـ "شهوة الجسد، وشهوة العيون وتعظّم المعيشة"
التي هي جميعها من الشيطان الذي يريد صدّ الناس عن المجيء إلى الرب بالتوبة والإيمان لئلا يخلصوا. أما نيقوديموس فكان يبحث بكل إخلاص عن خلاص نفسه ولذلك فقد أعلن له الرب في خطابه الشهير عن أعظم الأمور أهمية لحياة كل إنسان وهي:
-1-
ضرورة الولادة من فوق، وهي تتم بالماء والروح. والماء يشير إلى كلمة يَهْوَه كما يقول الرسول بطرس:
"مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ يَهْوَه الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ."
(1بطرس 23:1)
-2-
سر عمل الروح القدس في الولادة الجديدة، حيث أنه العامل الخفيّ الفائق القدرة.
-3-
أعلن له عن رموز العهد القديم بخصوص النظر إلى الحية النحاسية التي رُفعت وترمز إلى المصلوب الذي سيُرفع.
-4-
وإن عمل الفداء الذي سيتمّمه المسيح على الصليب هو انعكاس لمحبة إيلوهيم العظيمة الهادفة لخلاص الجنس البشري من عقوبة الخطية ومن آثارها، لكي ينال الحياة الأبدية كل من يؤمن بالكفارة، متوّجًا كلامه بالآية الذهبية لإنجيل يوحنا:
" لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ إيلوهيم الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. "
(يوحنا 16:3)
وبناء على تلك الإعلانات العظيمة التي أظهرها له الرب بروحه القدوس، فقد استنارت أعماق ذلك المعلّم الناموسي، وانفتح قلبه لنور الإيمان رغم أنه كان يستقبل هذا النور ليس تحت شمس النهار ولكن في ظلمة الليل وحلكته، وأصبح نيقوديموس خليقة جديدة آمن بالرب يسوع المسيح فدافع عنه ولو بشكل خجول في البداية. حين أراد رؤساء الكهنة والفريسيون أن يقبضوا على يسوع وقد أرسلوا خدامًا ليقوموا بذلك ولم يفعلوا، ولما سألوهم:
لماذا لم تأتوا به؟
"أَجَابَ الْخُدَّامُ:
لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!."
(يوحنا 47:7)
ولما بدأوا بتوبيخهم
"قَالَ لَهُمْ نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ لَيْلاً، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ:
أَلَعَلَّ نَامُوسَنَا يَدِينُ إِنْسَانًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَوَّلاً وَيَعْرِفْ مَاذَا فَعَلَ؟"
(يوحنا 50:7-51)
ولكنه فيما بعد خلع جميع الأقنعة وأسفر عن حبه الصادق ليسوع، فأكرمه عند موته مظهرًا استعداده الكامل لإنكار ذاته وحمل صليبه واتباع المخلص!
•
عزيزي القارئ الكريم،
إن الرب يسوع يعلن أسرار ملكوته للمخلصين المتواضعين المطيعين ويسرّ بالذين في قلوبهم شوق، وفي نفوسهم صدق، وفي توجهاتهم استقامة وتصميم، فينير قلوبهم بنور الإيمان القويم. وأما المستكبرين والمتهاونين والمستهزئين، والذين يحتالون على كلمات الإنجيل فيحوّرونها أو يخرجونها عن سياقها بسبب تعصّبهم ورفضهم، فهم لا يخدعون إلا نفوسهم، وبسبب فسادهم يتركهم الرب لضلال طرقهم فينزلقون إلى أعماق الجحيم، وبالنهاية فإن :
"كل شاة برجلها تناط"،
فمن أراد معرفة الحق سيعلن له الرب ذلك بقوة روحه القدوس.
فلا ندعنّ ظلمة العوائد والتقاليد والخرافات والأفكار الدنسة تصدّنا وتمنعنا عن رؤية الحق الإلهي وعن المجيء بالتوبة الصادقة والإيمان الصريح إلى المسيح يسوع الحي الذي هو نور العالم. ليرفع عنا سلطان الخطية، ويهبنا نعمة الحياة الأبدية.
{ جوزيف عبدو }
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين