عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,739
- مستوى التفاعل
- 2,771
- النقاط
- 113
الإسراف والتنعُّم
أَوشك الشاب فريد خوري على قرع جرس المنزل لكنه توقّف حين سمع صوت صاحبة البيت توبّخ خادمتها بقولها:
"لماذا أَتلفتِ عود الثقاب هذا؟"
ثم قال لحميه:
"دعنا من هذا البيت، يا عمّي، فإن كانت السيّدة تهتمّ بعود الثقاب، فكيف تدعم مشروع بناء الكنيسة؟"
لكن القس الجليل، إبراهيم عويس، أَصرّ على أَن يدخلا ذلك المنزل، فلا يمكن الحكم على الأُمور من الخارج.
*
وهكذا قرعا، فاستقبلتهما صاحبة المنزل بلطفٍ. وعندما عرضا عليها المساهمة في مشروع بناء كنيسة "يسوع نور العالم" في دمشق فوجئا بسخائها وكمية المال التي تبرَّعت بها.
وعندئذٍ سأَلها القس إبراهيم بحياء عمَّا وصل إلى أَسماعهما من توبيخ بشأْن عود الثقاب، فأَوضحت السيدة، قالت:
"كانت خادمتي تشعل عود الثقاب وتطفئه على سبيل اللعب، فوبّختها لأَنَّ هذا إسرافٌ وتبذير، ولكنَّ ما أَتيتم لأَجله يستحقُّ العطاء."
*
قــلّما نسمع عن موضوع التبذير والإسراف لكننا نجد في الكتاب المقدّس ما يعلّمنا عنه، وأَحيانًا نقرأُ بين السطور، فنرى مثلاً حرص مخلّصنا على جمع كسر الخبز بعد أَن أَشبع الآلاف مع أَنَّ هذا الخبز لم يتعب أَحدٌ في زراعة قمحه ولا حصاده ولا طحنه ولا عجنه ولا خبزه. المبدأُ هو تقدير بركة الله وعدم هدرها.
والآن، ما هي مظاهر الترف التي يذكرها الكتاب؟
*
أَولاً:
الثياب الفاخرة
خرجت جموع اليهود لرؤية يوحنا المعمدان، وتبعه الكثيرون بمعمودية التوبة. مدحه المسيح وقال فيه:
"مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟
أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟
هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ."
(لوقا 25:7)
وليس الملوك وحدهم من يتنعَّمون بالثياب الفاخرة، ولكنَّ معظم الأَغنياء يميلون لإظهار ثروتهم بشراء الثياب الغالية الثمن. روى يسوع قصة الغنيِّ ولعازر، وفي تعريفه للغنيِّ قال:
"كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا."
(لوقا 19:16)
ويطمئن المسيح تلاميذه بأَن الله يُلبِس زنابقَ الحقل حلَّةً أَجمل مما كان سليمان يلبس في كل مجده، ثم يقول:
"فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟"
(متى 30:6)
وتعليم كلمة الله صريح بأَن البذخ في الثياب يتنافى مع حياة الإيمان،
"لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ."
(1تيموثاوس 9:2-10)
والمؤمن الممتلئ بروح الله لا يستطيع أَن يتنعَّم بالثياب ويغضَّ طرفه عمن يعجزون عن تأْمين هذه الحاجة. قال أَيوب:
"إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي."
(أَيوب 19:3-20)
أَليس هذا ما كانت تفعله طابيثا حتى عندما ماتت بكتها الأرامل بحضور بطرس؟
"فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَابًا مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ."
(أَعمال 39:9)
*
ثانياً:
الأَطعمة الكثيرة
لا شكَّ أَن الإنسان يحبُّ أَن يتذوَّق الأَطعمة الشهية ويتناولها، وهناك ميلٌ طبيعي للإنفاق على الذات والتمتُّع بما لذَّ وطاب حين تتوافر القدرة المادية على ذلك. ومع أَنَّ الله خلق كل شيء للتمتع لكنَّ الخطأَ هو في أَن يعيش الإنسان لأَجل هذه المتع، وكأَنه يتشوَّق للوجبة القادمة، مثلما قال بطرس:
"الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ."
(2بطرس 13:2)
وبَّخ يعقوب الأَغنياء في رسالته، فكتب:
"قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ."
(5:5)
فكما أَنَّ الحيوانات تُسمَّن قبل ذبحها لكي تكسب شحمًا وتصبح أَطيب مذاقًا، هكذا الناس الذين يتنعمُّون بالأَطعمة، فهم يفعلون ذلك بأَجسادهم وكأَنهم يحضِّرونها للذبح، وهم فعلاً يفعلون ذلك بحسب إحصائيات الوفيات الناجمة عن الأَطعمة الدسمة والسكرية. ومن الغريب جدًّا أَننا نسمع دائمًا تعليمًا ضدَّ التدخين وشرب الكحول، ولكن قلَّما نسمع من منابر المسيح من يُعلِّم بتعليم كلمة الله الصريحة بشأْن العناية بأَجسادنا بشكلٍ عامٍ من ناحية الصحة، وهذا ما يتنافى مع المنطق البشري ومع المنطق الإلهيِّ في الوقت نفسه. أَلا تعلِّمنا كلمة الله،
"فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ."
(1كورنثوس 31:10)؟
أَليسَتْ فلسفة الملحد هي ما ذكره بولس عند حديثه عن قيامة المسيح:
"إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ، فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوت."
(1كورنثوس 32:15)؟
فمن لا يؤمن بالقيامة تصبح الحياة له متعًا أَهمها الأَكل والشرب. والله يدعونا لكي نهتمَّ بالجياع والفقراء، قال أَيوب:
"إِنْ كُنْتُ ... أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا الْيَتِيمُ."
(أَيوب 16:31-17)،
وهذا ما دعا يوحنا جموع التائبين إليه أَيضًا حين قال:
"مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هكَذَا."
(لوقا 11:3)
*
ثالثًا:
الموسيقى والحفلات
انغمس سليمان في ملذَّات الحياة، وأَحد مظاهر ترفه هو كثرة المغنِّين والمغنيات في قصره،
"اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَتَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ، سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ."
(جامعة 8:2)
ونحن نعيش في عصرٍ يؤلِّه فيه البشر المغنِّين والمغنِّيات، ويضعون صورهم في كل مكان، ويقتدون بهم، ويتابعون أخبارهم وتحرُّكاتهم في كل يوم. لا يرى بعض الناس ضيرًا في أَن ينفقوا معاش أُسبوعين من عملهم ليحضروا حفلة غنائية لأَحد المشاهير. ويتسرَّب هذا التوجّه الفكري إلى المؤمنين، ونحن مدعوُّون جميعًا للترنُّم لإلهنا، ومن الجميل أَن نسمع مرنِّمات ومرنِّمين يعظِّمون إلهنا بأَصواتٍ جميلة، ولكن لنحذر أَلاَّ نفعل كأَهل العالم، فالهدف ليس التمتُّع والطرب، وإنما العبادة والشكر.
*
رابعاً:
الراحة الشخصية والكسل
توجد وسائل كثيرة تخفِّف عنا متاعب الحياة، فمن السيّارات إلى الأَدوات الكهربائية والهواتف الخلوية. ولكننا بحاجة لكي نفكر أَحيانًا، هل كل ما نشتريه ضروري؟
أَليس بعض هذه الأَشياء تنعُّمًا لا ضرورة له. أَضحكني منظر البيض المسلوق في أَحد المتاجر الكبيرة، فعدا عن أَنه بيضٌ بارد غير شهيّ، يفكر المرء في نفسه، هل غدا سلق البيض أَمرًا شاقًّا؟
أَليس كل ما يتطلبّه هو وضع البيض في الماء على النار؟
ليس عليك أَن توقد الحطب ولا أَن تشعل الجمر، يا أَخي!
وماذا عن معلّبات الشاي البارد؟
صار الكثير من الناس يسعون وراء راحتهم الشخصية إلى درجةٍ غدا فيها الكسل واضحًا جدًّا. ويبدو أَن هذا ليس وليد قرننا الحادي والعشرين، فنرى في
( تثنية 56:28 )
وصفًا للمرأَة المترفة خلال الحصار، :
"وَالْمَرْأَةُ الْمُتَنَعِّمَةُ فِيكَ وَالْمُتَرَفِّهَةُ الَّتِي لَمْ تُجَرِّبْ أَنْ تَضَعَ أَسْفَلَ قَدَمِهَا عَلَى الأَرْضِ لِلتَّنَعُّمِ وَالتَّرَفُّهِ، تَبْخَلُ عَيْنُهَا عَلَى رَجُلِ حِضْنِهَا وَعَلَى ابْنِهَا وَبْنَتِهَا."
تجلّى الترف في الأَيام القديمة في استخدام العبيد والخدم، ولذلك فهو يقترن بالتسلّط،
"اَلتَّنَعُّمُ لاَ يَلِيقُ بِالْجَاهِلِ. كَمْ بِالأَوْلَى لاَ يَلِيقُ بِالْعَبْدِ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَى الرُّؤَسَاءِ!"
(أَمثال 10:19)
فالطبيعة البشرية الساقطة تسعى إلى تمجيد الذات وتعظيمها، ولو كان ذلك على حساب تعب الآخرين وشقائهم. هل نسعى في حياتنا لبناء مملكة النفس؟
أَم ننظر إلى الأَبدية وما سنجنيه؟
صحَّ ما قيل:
"بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذلِكَ أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا."
(رؤيا 7:18)
*
خامساً:
الإسراف
نحن مؤتمنون على موارد الله في الحياة، وكل تبذير هو خطية لأَنه تصريح بإنكار سلطة الله وملكيته. عندما أَخذ الابن الضال ميراثه من أَبيه،
"بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ."
(لوقا 13:15)
ولكن أَخاه يحتجّ أَمام والده ويقول في الآية 30:
"أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي."
فالفكرة هي أَن ما لدينا هو بالحقيقة ملكٌ للآب حتى ولو كان في أَيدينا، فهل نتصرّف بهذه الطريقة؟
أَلا نرى هذه المشكلة في حياة المراهقين هذه الأَيام؟
فعندما يأْخذون مصروفهم يشعرون بأَن لديهم الحق في شراء ما يعجبهم والإنفاق حسب رغبتهم منكرين أَنهم لا يزالون تحت سلطة والديهم، وأَن الكل قد حصلوا عليه هبة وليس بفضل جدِّهم. ولا يتوقّف الإسراف على المال، بل نحن نسرف أَحيانًا في وقتنا وفي طاقتنا البشرية. أَنفق سليمان الكثير من السنين لبناء بيتٍ لزوجته، ابنة فرعون ...
أَين نحن من نظرة أَبينا إبراهيم إلى الحياة، ذاك الذي كان يسكن في خيام مع أَنّ الله أَعطاه الأَرض لأَنه كان ينظر المدينة التي لها الأَساسات. هل نبذّر في هذه الحياة وكأَن لنا الحق المطلق في التصرّف فيما لدينا من مال ووقت وصحة وطاقة. يحدّد بولس مواصفات الأَرملة التي ينبغي أَن تعيلها الكنيسة، ويستثني الأَرملة المتنعّمة،
"وَلكِنَّ الَّتِي هِيَ بِالْحَقِيقَةِ أَرْمَلَةٌ وَوَحِيدَةٌ، فَقَدْ أَلْقَتْ رَجَاءَهَا عَلَى اللهِ، وَهِيَ تُواظِبُ الطِّلِبَاتِ وَالصَّلَوَاتِ لَيْلاً وَنَهَارًا. وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ"
(1تيموثاوس 5:5-6)
خلاصة الكلام، سوف يعطي كل إنسان حسابًا أَمام الله، فلنعشْ حياة الأَمانة متذكرين أَن الله اشترانا لنفسه ونحن له، وكل ما لنا هو له، فلنجعل هذا واضحًا في حياة مكرسة لا مترفة متنعّمة.
(الدكتورة لميس جرجور معلوف )
* * *
يارب أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين
أَوشك الشاب فريد خوري على قرع جرس المنزل لكنه توقّف حين سمع صوت صاحبة البيت توبّخ خادمتها بقولها:
"لماذا أَتلفتِ عود الثقاب هذا؟"
ثم قال لحميه:
"دعنا من هذا البيت، يا عمّي، فإن كانت السيّدة تهتمّ بعود الثقاب، فكيف تدعم مشروع بناء الكنيسة؟"
لكن القس الجليل، إبراهيم عويس، أَصرّ على أَن يدخلا ذلك المنزل، فلا يمكن الحكم على الأُمور من الخارج.
*
وهكذا قرعا، فاستقبلتهما صاحبة المنزل بلطفٍ. وعندما عرضا عليها المساهمة في مشروع بناء كنيسة "يسوع نور العالم" في دمشق فوجئا بسخائها وكمية المال التي تبرَّعت بها.
وعندئذٍ سأَلها القس إبراهيم بحياء عمَّا وصل إلى أَسماعهما من توبيخ بشأْن عود الثقاب، فأَوضحت السيدة، قالت:
"كانت خادمتي تشعل عود الثقاب وتطفئه على سبيل اللعب، فوبّختها لأَنَّ هذا إسرافٌ وتبذير، ولكنَّ ما أَتيتم لأَجله يستحقُّ العطاء."
*
قــلّما نسمع عن موضوع التبذير والإسراف لكننا نجد في الكتاب المقدّس ما يعلّمنا عنه، وأَحيانًا نقرأُ بين السطور، فنرى مثلاً حرص مخلّصنا على جمع كسر الخبز بعد أَن أَشبع الآلاف مع أَنَّ هذا الخبز لم يتعب أَحدٌ في زراعة قمحه ولا حصاده ولا طحنه ولا عجنه ولا خبزه. المبدأُ هو تقدير بركة الله وعدم هدرها.
والآن، ما هي مظاهر الترف التي يذكرها الكتاب؟
*
أَولاً:
الثياب الفاخرة
خرجت جموع اليهود لرؤية يوحنا المعمدان، وتبعه الكثيرون بمعمودية التوبة. مدحه المسيح وقال فيه:
"مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟
أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟
هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ."
(لوقا 25:7)
وليس الملوك وحدهم من يتنعَّمون بالثياب الفاخرة، ولكنَّ معظم الأَغنياء يميلون لإظهار ثروتهم بشراء الثياب الغالية الثمن. روى يسوع قصة الغنيِّ ولعازر، وفي تعريفه للغنيِّ قال:
"كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ وَكَانَ يَلْبَسُ الأَرْجُوانَ وَالْبَزَّ وَهُوَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَفِّهًا."
(لوقا 19:16)
ويطمئن المسيح تلاميذه بأَن الله يُلبِس زنابقَ الحقل حلَّةً أَجمل مما كان سليمان يلبس في كل مجده، ثم يقول:
"فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟"
(متى 30:6)
وتعليم كلمة الله صريح بأَن البذخ في الثياب يتنافى مع حياة الإيمان،
"لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ."
(1تيموثاوس 9:2-10)
والمؤمن الممتلئ بروح الله لا يستطيع أَن يتنعَّم بالثياب ويغضَّ طرفه عمن يعجزون عن تأْمين هذه الحاجة. قال أَيوب:
"إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي."
(أَيوب 19:3-20)
أَليس هذا ما كانت تفعله طابيثا حتى عندما ماتت بكتها الأرامل بحضور بطرس؟
"فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَابًا مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ."
(أَعمال 39:9)
*
ثانياً:
الأَطعمة الكثيرة
لا شكَّ أَن الإنسان يحبُّ أَن يتذوَّق الأَطعمة الشهية ويتناولها، وهناك ميلٌ طبيعي للإنفاق على الذات والتمتُّع بما لذَّ وطاب حين تتوافر القدرة المادية على ذلك. ومع أَنَّ الله خلق كل شيء للتمتع لكنَّ الخطأَ هو في أَن يعيش الإنسان لأَجل هذه المتع، وكأَنه يتشوَّق للوجبة القادمة، مثلما قال بطرس:
"الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ."
(2بطرس 13:2)
وبَّخ يعقوب الأَغنياء في رسالته، فكتب:
"قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ."
(5:5)
فكما أَنَّ الحيوانات تُسمَّن قبل ذبحها لكي تكسب شحمًا وتصبح أَطيب مذاقًا، هكذا الناس الذين يتنعمُّون بالأَطعمة، فهم يفعلون ذلك بأَجسادهم وكأَنهم يحضِّرونها للذبح، وهم فعلاً يفعلون ذلك بحسب إحصائيات الوفيات الناجمة عن الأَطعمة الدسمة والسكرية. ومن الغريب جدًّا أَننا نسمع دائمًا تعليمًا ضدَّ التدخين وشرب الكحول، ولكن قلَّما نسمع من منابر المسيح من يُعلِّم بتعليم كلمة الله الصريحة بشأْن العناية بأَجسادنا بشكلٍ عامٍ من ناحية الصحة، وهذا ما يتنافى مع المنطق البشري ومع المنطق الإلهيِّ في الوقت نفسه. أَلا تعلِّمنا كلمة الله،
"فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ."
(1كورنثوس 31:10)؟
أَليسَتْ فلسفة الملحد هي ما ذكره بولس عند حديثه عن قيامة المسيح:
"إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ، فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوت."
(1كورنثوس 32:15)؟
فمن لا يؤمن بالقيامة تصبح الحياة له متعًا أَهمها الأَكل والشرب. والله يدعونا لكي نهتمَّ بالجياع والفقراء، قال أَيوب:
"إِنْ كُنْتُ ... أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا الْيَتِيمُ."
(أَيوب 16:31-17)،
وهذا ما دعا يوحنا جموع التائبين إليه أَيضًا حين قال:
"مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هكَذَا."
(لوقا 11:3)
*
ثالثًا:
الموسيقى والحفلات
انغمس سليمان في ملذَّات الحياة، وأَحد مظاهر ترفه هو كثرة المغنِّين والمغنيات في قصره،
"اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَتَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ، سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ."
(جامعة 8:2)
ونحن نعيش في عصرٍ يؤلِّه فيه البشر المغنِّين والمغنِّيات، ويضعون صورهم في كل مكان، ويقتدون بهم، ويتابعون أخبارهم وتحرُّكاتهم في كل يوم. لا يرى بعض الناس ضيرًا في أَن ينفقوا معاش أُسبوعين من عملهم ليحضروا حفلة غنائية لأَحد المشاهير. ويتسرَّب هذا التوجّه الفكري إلى المؤمنين، ونحن مدعوُّون جميعًا للترنُّم لإلهنا، ومن الجميل أَن نسمع مرنِّمات ومرنِّمين يعظِّمون إلهنا بأَصواتٍ جميلة، ولكن لنحذر أَلاَّ نفعل كأَهل العالم، فالهدف ليس التمتُّع والطرب، وإنما العبادة والشكر.
*
رابعاً:
الراحة الشخصية والكسل
توجد وسائل كثيرة تخفِّف عنا متاعب الحياة، فمن السيّارات إلى الأَدوات الكهربائية والهواتف الخلوية. ولكننا بحاجة لكي نفكر أَحيانًا، هل كل ما نشتريه ضروري؟
أَليس بعض هذه الأَشياء تنعُّمًا لا ضرورة له. أَضحكني منظر البيض المسلوق في أَحد المتاجر الكبيرة، فعدا عن أَنه بيضٌ بارد غير شهيّ، يفكر المرء في نفسه، هل غدا سلق البيض أَمرًا شاقًّا؟
أَليس كل ما يتطلبّه هو وضع البيض في الماء على النار؟
ليس عليك أَن توقد الحطب ولا أَن تشعل الجمر، يا أَخي!
وماذا عن معلّبات الشاي البارد؟
صار الكثير من الناس يسعون وراء راحتهم الشخصية إلى درجةٍ غدا فيها الكسل واضحًا جدًّا. ويبدو أَن هذا ليس وليد قرننا الحادي والعشرين، فنرى في
( تثنية 56:28 )
وصفًا للمرأَة المترفة خلال الحصار، :
"وَالْمَرْأَةُ الْمُتَنَعِّمَةُ فِيكَ وَالْمُتَرَفِّهَةُ الَّتِي لَمْ تُجَرِّبْ أَنْ تَضَعَ أَسْفَلَ قَدَمِهَا عَلَى الأَرْضِ لِلتَّنَعُّمِ وَالتَّرَفُّهِ، تَبْخَلُ عَيْنُهَا عَلَى رَجُلِ حِضْنِهَا وَعَلَى ابْنِهَا وَبْنَتِهَا."
تجلّى الترف في الأَيام القديمة في استخدام العبيد والخدم، ولذلك فهو يقترن بالتسلّط،
"اَلتَّنَعُّمُ لاَ يَلِيقُ بِالْجَاهِلِ. كَمْ بِالأَوْلَى لاَ يَلِيقُ بِالْعَبْدِ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَى الرُّؤَسَاءِ!"
(أَمثال 10:19)
فالطبيعة البشرية الساقطة تسعى إلى تمجيد الذات وتعظيمها، ولو كان ذلك على حساب تعب الآخرين وشقائهم. هل نسعى في حياتنا لبناء مملكة النفس؟
أَم ننظر إلى الأَبدية وما سنجنيه؟
صحَّ ما قيل:
"بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذلِكَ أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا."
(رؤيا 7:18)
*
خامساً:
الإسراف
نحن مؤتمنون على موارد الله في الحياة، وكل تبذير هو خطية لأَنه تصريح بإنكار سلطة الله وملكيته. عندما أَخذ الابن الضال ميراثه من أَبيه،
"بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ."
(لوقا 13:15)
ولكن أَخاه يحتجّ أَمام والده ويقول في الآية 30:
"أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي."
فالفكرة هي أَن ما لدينا هو بالحقيقة ملكٌ للآب حتى ولو كان في أَيدينا، فهل نتصرّف بهذه الطريقة؟
أَلا نرى هذه المشكلة في حياة المراهقين هذه الأَيام؟
فعندما يأْخذون مصروفهم يشعرون بأَن لديهم الحق في شراء ما يعجبهم والإنفاق حسب رغبتهم منكرين أَنهم لا يزالون تحت سلطة والديهم، وأَن الكل قد حصلوا عليه هبة وليس بفضل جدِّهم. ولا يتوقّف الإسراف على المال، بل نحن نسرف أَحيانًا في وقتنا وفي طاقتنا البشرية. أَنفق سليمان الكثير من السنين لبناء بيتٍ لزوجته، ابنة فرعون ...
أَين نحن من نظرة أَبينا إبراهيم إلى الحياة، ذاك الذي كان يسكن في خيام مع أَنّ الله أَعطاه الأَرض لأَنه كان ينظر المدينة التي لها الأَساسات. هل نبذّر في هذه الحياة وكأَن لنا الحق المطلق في التصرّف فيما لدينا من مال ووقت وصحة وطاقة. يحدّد بولس مواصفات الأَرملة التي ينبغي أَن تعيلها الكنيسة، ويستثني الأَرملة المتنعّمة،
"وَلكِنَّ الَّتِي هِيَ بِالْحَقِيقَةِ أَرْمَلَةٌ وَوَحِيدَةٌ، فَقَدْ أَلْقَتْ رَجَاءَهَا عَلَى اللهِ، وَهِيَ تُواظِبُ الطِّلِبَاتِ وَالصَّلَوَاتِ لَيْلاً وَنَهَارًا. وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ"
(1تيموثاوس 5:5-6)
خلاصة الكلام، سوف يعطي كل إنسان حسابًا أَمام الله، فلنعشْ حياة الأَمانة متذكرين أَن الله اشترانا لنفسه ونحن له، وكل ما لنا هو له، فلنجعل هذا واضحًا في حياة مكرسة لا مترفة متنعّمة.
(الدكتورة لميس جرجور معلوف )
* * *
يارب أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين