Banned *
Banned
- إنضم
- 30 يونيو 2012
- المشاركات
- 296
- مستوى التفاعل
- 7
- النقاط
- 18
علي السابعي
كَتَـــــبَ شـاعرٌ سـومريٌ مجهولٌ علـى لوح ٍعُمْرُهُ أكثرَ من ستةِ آلافِ سنة ، وُجِدَ في أور :- "حياتُنا أقصرُ من فتيلةِ قنديلِ المعبد لِنُعانقَ جديلةَ الشمس ِ الطويلةَ / وأحلامَ الناس ِالضائعة َ/ ونُسافرُ بها إلى الأبدِ”.
لاشيءَ في الدنيا بدون ِ قولٍ، ولاشيءَ يعادلُ الكلمة َلأَّنها الأصلُ، ولاشيءَ يُعادلُ جمالَها حين تكونُ إشارّية ً، موحية ً، متخفية ً، وراءَ كُوَم ٍ من القصص ِ والحكاياتِ وما خُبِّئَ بين السطور، حتى لا أهرمُ تحت وقع ِ أقدام ٍ مُسنَّنةٍ ، مستاءةٍ . أيقظتني دفعة ً واحدة ً على سوادِ يومي:- الكلمة ُ الصادقة ُ. ففزعتُ ، ففزعتُ، ففزعتُ من قسوةِ السماءِ الرماديةِ الشاسعةِ في حياتِنا ، فتركتُ الضوء، ضوءها بأنامِلِهِ الناحلةِ البيضاءِ يُضيءُ عُتمتي الداخلية َ بحزن ٍساكن ٍ كنتُ يقظاً أكتُبُ عن وَجَعي ، كتبتُ أَوّلَ قِصّةٍ في حياتي عن وجعِنا العراقيُ، منذ ُ كتابتِها وقفتُ صغيراً أتطلّعُ بعيون ٍ مبهورةٍ في أضواءِ هذا الكون ِ وظلماتهِ .. أيضاً كنتُ مشدوداً إلى مشاعرَ وتيّاراتٍ مُختلفةٍ حوليَ تتضاربُ وتتفاعلُ ، وأنا أكادُ أرى . كنتُ أرى لأنني كنتُ أقفُ على تُراثٍ قديمٍ أمُدُّ يَدي إلى نارِ المستقبل ِ، وأكادُ أن اسقُطَ وأنا في مكاني أرى هذا هو : علي السباعي . وَقَفَ منذ ُ أن كَتَبَ أوّلَ قِصّةٍ قصيرةٍ لهُ ، ومازالَ يُلِحُّ على الكلمةِ مثلُ طارقَ النُحاس ِ يطرقُ كَلَمَتَهُ فتطرقُ أصابُعهُ في الوقتِ نفسِهِ ويحاول أن يكونَ لصوتِهِ انعكاسٌ وان يكونَ لايقاعاتِهِ تأَثيرٌ وصدىً . نحنُ شعبُ مغلوبٌ على أمرِهِ ، شعبٌ منخورٌ ، نَخَرَتْهُ عصابة ٌ ، شعبٌ جعلوه بلا ... ذاتٍ ، هذا واقعُنا ، شعبٌ متهرّئٌ ، كيانُهُ متَهرّئٌ ، كُلُّهُ متَهرّئٌ ، شعبٌ مبنيٌ على السلّبِ ، هذا تاريخهُ أَلَيَسَ هذا بكَافٍ بأن يجعلَنا نتعذّبُ ، فنكتبُ . كتبتُ ، فكتبتُ ، فنُكبتُُ ، فكتبتُ، لأنَّ النوافذ َ كانتْ كلُّها مغلقة ً، والأسلاكِ المُلتهمةِ قد قَضَمَت مّنا الكثير، ساعَتَها تعلّمتُ كيفَ أقاومُها، فكان أن قاومتَها بالكتابةِ ، ولعلَّ هذا ما كنتُ أنا أحملهُ درعاً لي : الكتابة ُ، الكتابة ُ ذلك الترياقُ الذي لم يستطّع أن يقتلني بل زاد من صلابةِ عودي. كثيرةٌ هي الأحداثُ التي جَرَتْ وتجري لمجتمِعنا، وهناك شخصياتٌ تعيشُ على هامش ِ الحياةِ ، وتمتلكُ خصوصية ً في أفعالِها تبدو شاّذة ًفي عرفِ الأسوياءِ فكتبتُها لأُنصفَها. في داخلي ألمٌ ، ألمٌ . لكّنه كبيرٌ ، كبيرٌ حتى إنني لا اعرفُ كيف أكتبُه ؟ الكتابة ُ تمثّل محورَ حياتي كلَّها وجَوهرَها ، وأعتقدُ أنَّ الكاتبَ هو : حاملُ مصباح ِ ديوجينيس الذي يُنيرُ به عُتمة َ المجتمع ِ وإضاءة ُ وجوهِ الهامشيّين من أبناءِ هذا الشعبِ، فكانتْ قصصي دعوة ً للتعاطفِ مع المظلومين ومنَحِهَم حرارة َ المشاركةِ في المأساةِ. الآن سأفكُّ عقالَ هذه الروح ِ، روح ِ علي السباعي وأتوكّل، لأنّ هذهِ الجذوة أنفقتْ نارَها معي متأجّجة ً ولم تخفُتْ، لذا سأكتُبُ عن : الأعمق ِ والأفدح ِ في نفسي. في البدءِ تساءلتُ : إن كنتُ مبدعاً حقاً أم هو مجرّد وهمٍ؟ تُرى كيفَ سأعيدُ نفسي إلى الحياةِ لو لمْ أكنْ كاتباً؟ فكان بدون ِ أذن ٍ منّي يترَّبعُ المنسيّون من أبناءِ شعبي المظلومِ على هياكل ِ كتاباتي، ويدخلونَ قصصي بلا وَجَل وكأنهم يمارسون ما اعتادوه في أيامِهِم وساعاتِهم المنسيّةِ كما هم . لكن! كنتُ بكلِّ موَّدةٍ أقتنصُ انشغالاتِهِم بحياتِهم ، وتأملَهُم لحالِهِم . لكَنَ ! تمعُّني بومضاتِ حياتِهم طالَبتْني بالإشفاق ِعليهمِ مِنهُم، لأن هؤلاء من مَنَحني فرصة َاحتمال ِالحياة، طوبى لهم، لقد تركوني أتلّذذ ُبالكتابةِعن آهاتِهم، وتدوين ِمراراتِهم، وصغتُ هواجسُهم بحزن ٍ شفيف. لقد كنتُ منهم، فلهذا لا يؤاخذونني على ما اقترفتُه من محبّةٍ وألفةٍ تجاهَ عصْفِ الحياة ِ بهم، لقد تجشموا عناءَ الامتثال ِ لقلمي وأنا - الآنَ - مكبلٌ بمحبتهم. بفرحةٍ غامرةٍ كتبتُ قصّصي كلَّها، إنني انتفضَتُ انتصاراً لكرامتي الجريحةِ ولكبريائي المهدورةِ، فلقد حددَّتُ الخَلاصَ خلاصيَ الفرديَّ بالكتابة. أن الأدبَ يُعيننا على أن نكونَ بشراً صالحين، وعلى الاحتفاظِ بإنسانيتِنا، وقلتُ في نفسي : عَلَيَّ بالمقاومةِ والكتابةِ للذاتِ بدون ِخوفٍ، وهكذا كتبتُ قصّصي كلَّها التي صَوَّرتُ فيها ما كنتُ اعتقده. أدب المقاومةِ حفاظاً على الحياةِ. أدبٌ غير نفعي، منقذ ٌ روحيٌ للذات، ولتفادي الاختناق ِ وسطَ المجتمعِ. كلُّ شيء يبدأ بمأساةٍ، هكذا بدأتْ حياتي "قصصي" بمأساةٍ، بمأساةٍ لم تَتَوقَّفْ ولم تنتهِ هذه المأساة ُالحياةُ. كتبتُ عن أحداثٍ سودٍ عشناها، كتاباتٌ مُقِلقَة ٌ، قَلقة ٌ، تُعبّرُ عن الحزن ِ. حُزنِنا، حزنِنا العراقيِّ، كتبتُ عن الطريقةِ التي أُحسُّ بها الحياة، حياتُنا بتناقُضاتِها المستّمرة. كتبتُ عن:عالم ٍكريهٍ، قذرٍ، ومرعبٍ قد عشناه. أننا نفهمُ كلامَ اللغة التي نتكلّمُ بها. لكن! كيف نبتكرُ كلاماً للغةِ القلبِ العميقة؟
كلامُ القلبِ كونهُ تجسيداً لمأساةِ الفردِ الذي يقفُ وحيداً في وجهِ التيار. فكانتْ تجربة ُالكتابةِ لا تصلحُ لشيءٍ وأنّها لم تكنْ أبداً طريقة ً للعيش ِ، تلكَ هي تجربتي ولم يَدُرْ ببالي أنّها تقّدمُ أجوبة ً عن أسئلةِ الحياةِ الكبيرةِ. لكنَّ هذه القصص أثبتُّ بها لنفسي أنني موجودٌ. عندما بدأتُ أكبر. بدأتُ أفكرُ بألاّ تكونَ لي وظيفة ٌرسمية ٌمعيَّنة ٌ، كنت أريدُ الاستمرارَ في القراءةِ وأحلام ِاليقظةِ. يقظتي عندما تقرأون قصصي لن تجدوا في هذه النصوص ِأجوبة ً كبيرة ً، بل ستجدوَنَ حياة ً كبيرة ً وأسئلة ً أكبرَ. أسئلة ً بلا ............. أجوبة. كان ثباتي كبيراً على محاربةِ العَماءِ و السكونيةِ والموتِ بالكتابةِ، الكتابةِ الواعيةِ، والكتابةِ الواعيةِ دفعَتْ بقصصي التي أكتبها إلى النضج ِ الأبداعي. قلت لنفسي:- علي السباعي. حافظْ على توازِنِكَ، وأحذرْ من أن تكونَ الكتابة ُهيَ الشيءُ الوحيدُ في حياتِك، فكانتْ هيَ الشيءُ الوحيدُ في حياتي. تتوالى الأيامُ عَلينا، أيامُ هبل وسنينهُ، يومَ َكانَ الزمنُ زمنَ هُبَلَ ولعبِتِه، لنجدَ أنفُسَنا رافضين لكلِّ شيءٍ رغبة ًمنا أنَّ ذلكَ سيخلصنا في النهايةِ لنرى النورَ أخيراً في حياتنا. تَحَطَمَ هُبل، وصرنا نرى:- الدمَ أيضا ً بدلَ أن نرى النور!!!
ترى هل نستطيعُ أن نرى النورَ في حياتِنا ثانية ً؟ كتبتُ القصّة َ القصّيرة َ لأُثبت لنفسي أنَّ الحبَّ في العالمِ مازالَ ميّتاً. أن قصصّي تُعَتَبرُ حقيقة ًموجعة ًمُنشّدة ً باتجاهِ الهمومِ والمكابدات لأوضحَ للناس ِيوماً ما. بأنني سأكوَنُ حرّاً. حرّاً بها. حرّاً بقصصّي إذا بي خلالَ ما مرَّ من سنين ٍعجافٍ إنني كنتُ أتعذّبُ بالكلماتِ والقصص، وبالزمن ِ ونفسي، وكنتُ أسألُ نفسي دائماً وأنا أكتبُ القصة:- ماذا أردتُ القولَ من خلال ِهذه القصّةِ؟ وبقيَ هذا السؤالُ لي سؤالاً صادماً وفاضحاً بدرجةٍ كبيرةٍ. كنتُ أعرفُ لماذا أكتبُ ولِمَنْ كتبتُ قصصي تلكَ؟ أَمامَ هذا السؤال ترتعدُ فرائصي فَرِقْاً، أنّهُ سؤالٌ جبّارٌ. جبّارٌ. رغم أنّهُ سؤالٌ في الكتابة؟ فكانتْ الكتابة ُ ببساطةٍ:- هي تجربة ٌ ذاتّية ٌ لاكتشافِ العالم. فإذا لم يكنْ هنالك من غايةٍ للكتابةِ لكانتْ عملية ُ كتابتها مضيعة ً للوقتِ ليسَ إلاّ. أذكرُ جيّداً وأنا أكتبُ كنتُ أبكي، فكانَ بكائِي، بكاء قاص، كان بُكاءً إنسانياً ، أنه انفعالٌ أنسانيُّ، أنهُ امتدادٌ لأحزان ٍعراقيةٍ لا تعرفُ الصمتَ، فبكائي كان نوعاً من المقاومةِ للحياةِ و للعيش ِبكرامةٍ، ومن الإمساكِ بآخِرِ أمنيةٍ تفاوتَ الزمن في تجسيدِها وضياعِها أيامَ يدِ هُبَل الحديدية. سأستمرَّ معانقاً الكلماتِ بشكل ٍ جنونيٍّ جنوبيٍّ، فالكلماتُ مازالَتْ ملاذيَ الوحيدَ، وليسَ بوسْعي التراجعُ، التراجعُ عَنْ مشروعيَ الأبداعي، وكيفَ أتراجعُ وقد فتحَتْ لي الكلماتُ أبوابَ أسرارِها كلِّها؟!!
لقد منحتني الكلمات عالمها ومنحتني أيضا:- نبوءتها. نبوءتها النابعة من شغافِ القلب. الكلمة ُهي:- حياتي، وقضّيتي، وخلاصي، ولأثِرِهِا منحتني الكلمةُ سّـرَ اليقظةِ، اليقظةِ الواعيةِ، ومكَّنتني الكلمة ُمن فتح ِ محَّارةِ الأسرارِ، والكتابة ُهي:- التواصلُ وكـانَ التواصـلُ بالنسبــةِ لـ(علــي الســباعــي) ولادة ً، وكانت الــولادة ُ نهوضا ً، ثم فَرَحاً.
لاشيءَ في الدنيا بدون ِ قولٍ، ولاشيءَ يعادلُ الكلمة َلأَّنها الأصلُ، ولاشيءَ يُعادلُ جمالَها حين تكونُ إشارّية ً، موحية ً، متخفية ً، وراءَ كُوَم ٍ من القصص ِ والحكاياتِ وما خُبِّئَ بين السطور، حتى لا أهرمُ تحت وقع ِ أقدام ٍ مُسنَّنةٍ ، مستاءةٍ . أيقظتني دفعة ً واحدة ً على سوادِ يومي:- الكلمة ُ الصادقة ُ. ففزعتُ ، ففزعتُ، ففزعتُ من قسوةِ السماءِ الرماديةِ الشاسعةِ في حياتِنا ، فتركتُ الضوء، ضوءها بأنامِلِهِ الناحلةِ البيضاءِ يُضيءُ عُتمتي الداخلية َ بحزن ٍساكن ٍ كنتُ يقظاً أكتُبُ عن وَجَعي ، كتبتُ أَوّلَ قِصّةٍ في حياتي عن وجعِنا العراقيُ، منذ ُ كتابتِها وقفتُ صغيراً أتطلّعُ بعيون ٍ مبهورةٍ في أضواءِ هذا الكون ِ وظلماتهِ .. أيضاً كنتُ مشدوداً إلى مشاعرَ وتيّاراتٍ مُختلفةٍ حوليَ تتضاربُ وتتفاعلُ ، وأنا أكادُ أرى . كنتُ أرى لأنني كنتُ أقفُ على تُراثٍ قديمٍ أمُدُّ يَدي إلى نارِ المستقبل ِ، وأكادُ أن اسقُطَ وأنا في مكاني أرى هذا هو : علي السباعي . وَقَفَ منذ ُ أن كَتَبَ أوّلَ قِصّةٍ قصيرةٍ لهُ ، ومازالَ يُلِحُّ على الكلمةِ مثلُ طارقَ النُحاس ِ يطرقُ كَلَمَتَهُ فتطرقُ أصابُعهُ في الوقتِ نفسِهِ ويحاول أن يكونَ لصوتِهِ انعكاسٌ وان يكونَ لايقاعاتِهِ تأَثيرٌ وصدىً . نحنُ شعبُ مغلوبٌ على أمرِهِ ، شعبٌ منخورٌ ، نَخَرَتْهُ عصابة ٌ ، شعبٌ جعلوه بلا ... ذاتٍ ، هذا واقعُنا ، شعبٌ متهرّئٌ ، كيانُهُ متَهرّئٌ ، كُلُّهُ متَهرّئٌ ، شعبٌ مبنيٌ على السلّبِ ، هذا تاريخهُ أَلَيَسَ هذا بكَافٍ بأن يجعلَنا نتعذّبُ ، فنكتبُ . كتبتُ ، فكتبتُ ، فنُكبتُُ ، فكتبتُ، لأنَّ النوافذ َ كانتْ كلُّها مغلقة ً، والأسلاكِ المُلتهمةِ قد قَضَمَت مّنا الكثير، ساعَتَها تعلّمتُ كيفَ أقاومُها، فكان أن قاومتَها بالكتابةِ ، ولعلَّ هذا ما كنتُ أنا أحملهُ درعاً لي : الكتابة ُ، الكتابة ُ ذلك الترياقُ الذي لم يستطّع أن يقتلني بل زاد من صلابةِ عودي. كثيرةٌ هي الأحداثُ التي جَرَتْ وتجري لمجتمِعنا، وهناك شخصياتٌ تعيشُ على هامش ِ الحياةِ ، وتمتلكُ خصوصية ً في أفعالِها تبدو شاّذة ًفي عرفِ الأسوياءِ فكتبتُها لأُنصفَها. في داخلي ألمٌ ، ألمٌ . لكّنه كبيرٌ ، كبيرٌ حتى إنني لا اعرفُ كيف أكتبُه ؟ الكتابة ُ تمثّل محورَ حياتي كلَّها وجَوهرَها ، وأعتقدُ أنَّ الكاتبَ هو : حاملُ مصباح ِ ديوجينيس الذي يُنيرُ به عُتمة َ المجتمع ِ وإضاءة ُ وجوهِ الهامشيّين من أبناءِ هذا الشعبِ، فكانتْ قصصي دعوة ً للتعاطفِ مع المظلومين ومنَحِهَم حرارة َ المشاركةِ في المأساةِ. الآن سأفكُّ عقالَ هذه الروح ِ، روح ِ علي السباعي وأتوكّل، لأنّ هذهِ الجذوة أنفقتْ نارَها معي متأجّجة ً ولم تخفُتْ، لذا سأكتُبُ عن : الأعمق ِ والأفدح ِ في نفسي. في البدءِ تساءلتُ : إن كنتُ مبدعاً حقاً أم هو مجرّد وهمٍ؟ تُرى كيفَ سأعيدُ نفسي إلى الحياةِ لو لمْ أكنْ كاتباً؟ فكان بدون ِ أذن ٍ منّي يترَّبعُ المنسيّون من أبناءِ شعبي المظلومِ على هياكل ِ كتاباتي، ويدخلونَ قصصي بلا وَجَل وكأنهم يمارسون ما اعتادوه في أيامِهِم وساعاتِهم المنسيّةِ كما هم . لكن! كنتُ بكلِّ موَّدةٍ أقتنصُ انشغالاتِهِم بحياتِهم ، وتأملَهُم لحالِهِم . لكَنَ ! تمعُّني بومضاتِ حياتِهم طالَبتْني بالإشفاق ِعليهمِ مِنهُم، لأن هؤلاء من مَنَحني فرصة َاحتمال ِالحياة، طوبى لهم، لقد تركوني أتلّذذ ُبالكتابةِعن آهاتِهم، وتدوين ِمراراتِهم، وصغتُ هواجسُهم بحزن ٍ شفيف. لقد كنتُ منهم، فلهذا لا يؤاخذونني على ما اقترفتُه من محبّةٍ وألفةٍ تجاهَ عصْفِ الحياة ِ بهم، لقد تجشموا عناءَ الامتثال ِ لقلمي وأنا - الآنَ - مكبلٌ بمحبتهم. بفرحةٍ غامرةٍ كتبتُ قصّصي كلَّها، إنني انتفضَتُ انتصاراً لكرامتي الجريحةِ ولكبريائي المهدورةِ، فلقد حددَّتُ الخَلاصَ خلاصيَ الفرديَّ بالكتابة. أن الأدبَ يُعيننا على أن نكونَ بشراً صالحين، وعلى الاحتفاظِ بإنسانيتِنا، وقلتُ في نفسي : عَلَيَّ بالمقاومةِ والكتابةِ للذاتِ بدون ِخوفٍ، وهكذا كتبتُ قصّصي كلَّها التي صَوَّرتُ فيها ما كنتُ اعتقده. أدب المقاومةِ حفاظاً على الحياةِ. أدبٌ غير نفعي، منقذ ٌ روحيٌ للذات، ولتفادي الاختناق ِ وسطَ المجتمعِ. كلُّ شيء يبدأ بمأساةٍ، هكذا بدأتْ حياتي "قصصي" بمأساةٍ، بمأساةٍ لم تَتَوقَّفْ ولم تنتهِ هذه المأساة ُالحياةُ. كتبتُ عن أحداثٍ سودٍ عشناها، كتاباتٌ مُقِلقَة ٌ، قَلقة ٌ، تُعبّرُ عن الحزن ِ. حُزنِنا، حزنِنا العراقيِّ، كتبتُ عن الطريقةِ التي أُحسُّ بها الحياة، حياتُنا بتناقُضاتِها المستّمرة. كتبتُ عن:عالم ٍكريهٍ، قذرٍ، ومرعبٍ قد عشناه. أننا نفهمُ كلامَ اللغة التي نتكلّمُ بها. لكن! كيف نبتكرُ كلاماً للغةِ القلبِ العميقة؟
كلامُ القلبِ كونهُ تجسيداً لمأساةِ الفردِ الذي يقفُ وحيداً في وجهِ التيار. فكانتْ تجربة ُالكتابةِ لا تصلحُ لشيءٍ وأنّها لم تكنْ أبداً طريقة ً للعيش ِ، تلكَ هي تجربتي ولم يَدُرْ ببالي أنّها تقّدمُ أجوبة ً عن أسئلةِ الحياةِ الكبيرةِ. لكنَّ هذه القصص أثبتُّ بها لنفسي أنني موجودٌ. عندما بدأتُ أكبر. بدأتُ أفكرُ بألاّ تكونَ لي وظيفة ٌرسمية ٌمعيَّنة ٌ، كنت أريدُ الاستمرارَ في القراءةِ وأحلام ِاليقظةِ. يقظتي عندما تقرأون قصصي لن تجدوا في هذه النصوص ِأجوبة ً كبيرة ً، بل ستجدوَنَ حياة ً كبيرة ً وأسئلة ً أكبرَ. أسئلة ً بلا ............. أجوبة. كان ثباتي كبيراً على محاربةِ العَماءِ و السكونيةِ والموتِ بالكتابةِ، الكتابةِ الواعيةِ، والكتابةِ الواعيةِ دفعَتْ بقصصي التي أكتبها إلى النضج ِ الأبداعي. قلت لنفسي:- علي السباعي. حافظْ على توازِنِكَ، وأحذرْ من أن تكونَ الكتابة ُهيَ الشيءُ الوحيدُ في حياتِك، فكانتْ هيَ الشيءُ الوحيدُ في حياتي. تتوالى الأيامُ عَلينا، أيامُ هبل وسنينهُ، يومَ َكانَ الزمنُ زمنَ هُبَلَ ولعبِتِه، لنجدَ أنفُسَنا رافضين لكلِّ شيءٍ رغبة ًمنا أنَّ ذلكَ سيخلصنا في النهايةِ لنرى النورَ أخيراً في حياتنا. تَحَطَمَ هُبل، وصرنا نرى:- الدمَ أيضا ً بدلَ أن نرى النور!!!
ترى هل نستطيعُ أن نرى النورَ في حياتِنا ثانية ً؟ كتبتُ القصّة َ القصّيرة َ لأُثبت لنفسي أنَّ الحبَّ في العالمِ مازالَ ميّتاً. أن قصصّي تُعَتَبرُ حقيقة ًموجعة ًمُنشّدة ً باتجاهِ الهمومِ والمكابدات لأوضحَ للناس ِيوماً ما. بأنني سأكوَنُ حرّاً. حرّاً بها. حرّاً بقصصّي إذا بي خلالَ ما مرَّ من سنين ٍعجافٍ إنني كنتُ أتعذّبُ بالكلماتِ والقصص، وبالزمن ِ ونفسي، وكنتُ أسألُ نفسي دائماً وأنا أكتبُ القصة:- ماذا أردتُ القولَ من خلال ِهذه القصّةِ؟ وبقيَ هذا السؤالُ لي سؤالاً صادماً وفاضحاً بدرجةٍ كبيرةٍ. كنتُ أعرفُ لماذا أكتبُ ولِمَنْ كتبتُ قصصي تلكَ؟ أَمامَ هذا السؤال ترتعدُ فرائصي فَرِقْاً، أنّهُ سؤالٌ جبّارٌ. جبّارٌ. رغم أنّهُ سؤالٌ في الكتابة؟ فكانتْ الكتابة ُ ببساطةٍ:- هي تجربة ٌ ذاتّية ٌ لاكتشافِ العالم. فإذا لم يكنْ هنالك من غايةٍ للكتابةِ لكانتْ عملية ُ كتابتها مضيعة ً للوقتِ ليسَ إلاّ. أذكرُ جيّداً وأنا أكتبُ كنتُ أبكي، فكانَ بكائِي، بكاء قاص، كان بُكاءً إنسانياً ، أنه انفعالٌ أنسانيُّ، أنهُ امتدادٌ لأحزان ٍعراقيةٍ لا تعرفُ الصمتَ، فبكائي كان نوعاً من المقاومةِ للحياةِ و للعيش ِبكرامةٍ، ومن الإمساكِ بآخِرِ أمنيةٍ تفاوتَ الزمن في تجسيدِها وضياعِها أيامَ يدِ هُبَل الحديدية. سأستمرَّ معانقاً الكلماتِ بشكل ٍ جنونيٍّ جنوبيٍّ، فالكلماتُ مازالَتْ ملاذيَ الوحيدَ، وليسَ بوسْعي التراجعُ، التراجعُ عَنْ مشروعيَ الأبداعي، وكيفَ أتراجعُ وقد فتحَتْ لي الكلماتُ أبوابَ أسرارِها كلِّها؟!!
لقد منحتني الكلمات عالمها ومنحتني أيضا:- نبوءتها. نبوءتها النابعة من شغافِ القلب. الكلمة ُهي:- حياتي، وقضّيتي، وخلاصي، ولأثِرِهِا منحتني الكلمةُ سّـرَ اليقظةِ، اليقظةِ الواعيةِ، ومكَّنتني الكلمة ُمن فتح ِ محَّارةِ الأسرارِ، والكتابة ُهي:- التواصلُ وكـانَ التواصـلُ بالنسبــةِ لـ(علــي الســباعــي) ولادة ً، وكانت الــولادة ُ نهوضا ً، ثم فَرَحاً.