ابو مناف البصري
المالكي
⋱‿⁀
قًـــــصّـــــةِ وَْعــــبّــــرَةِ
للإمام الباقر ( عليه السلام ) مواقف كثيرة تَدلُّ على سعة علمه ، وغزارة معرفته .
ومنها حينما اجتمع القسيسون والرهبان ، وكان لهم عالم يقعد لهم كل سنة مرة يوماً واحداً يستفتونه فَيُفتيهم .
عند ذلك لَفَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) نفسه بفاضل ردائه ، ثم أقبل نحو العالِم وقعد ، ورفع الخبر إلى هشام .
فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع ، فينظر ما يصنع الإمام ( عليه السلام ) .
فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بالإمام ( عليه السلام ) ، وأقبل عالِم النصارى وقد شَدَّ حاجبيه بخرقه صفراء حتى توسطهم ، فقام إليه جمع من القسيسين والرهبان يُسَلِّمون عليه .
ثم جاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه والإمام ( عليه السلام ) بينهم ، وكان مع الإمام ولده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) .
فأدار العالِم نظره وقال للإمام ( عليه السلام ) : أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( من هذه الأمة المرحومة ) .
فقال العالِم : من أين أنت ، أَمِنْ علماءها أم من جهالها ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لَستُ من جُهَّالها ) .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال للإمام ( عليه السلام ) : أسألك ؟
فقال (عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال : من أين ادَّعَيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ، ولا يُحدِثون ولا يبولون ؟ وما الدليل على ذلك من شاهدٍِ لا يجهل ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( الجَنِين في بطن أمه يأكل ولا يحدث ) .
فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً ، ثم قال : هلا زَعمتَ أنَّك لست من علمائها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( وَلستُ من جُهَّالها ) . وأصحاب هشام يسمعون ذلك .
ثم قال : أسألك مسألة أخرى .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال النصراني : من أين ادَّعيتم أن فاكهة الجنة غضَّة ، طريَّة ، موجودة غير معدومة عند أهل الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( دَليلُ ما نَدَّعيه أن السِّراج أبداً يكون غضاً ، طرياً ، موجوداً غير معدوم عند أهل الدنيا ، لا ينقطع أبداً ) .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال : هَلاَّ زعمتَ أنَّك لستَ من علماءها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ولستُ من جُهَّالها ) .
فقال النصراني : أسألك مسألة أخرى .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل )
فقال : أخبرني عن سَاعَة لا من ساعات اللَّيل ولا من ساعات النهار ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هي الساعة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يَهدَأ فيها المُبتَلى ، ويرقد فيها السَّاهر ، ويَفيقُ المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا دليلاً للراغبين ، وفي الآخرة دليلاً للعالمين ، لها دلائل واضحة ، وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين الناكرين لها ) .
فصاح النصراني صيحة عظيمة ، ثم قال : بقيت مسألة واحدة ، والله لأسألنَّكَ مسألة لا تهتدي إلى رَدِّها أبداً .
قال الإمام ( عليه السلام ) : ( سَل ما شِئت ، فإنَّك حانِثٌ في يمينك ) .
فقال : أخبرني عن مولودين ، وُلِدا في يوم واحد ، وماتا في يوم واحد ، عُمْر أحدهما خمسين سنة ، والآخر عُمرُه مِائة وخمسين سنة .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( ذلك عُزير وعُزيرة ، وُلِدا في يوم واحد ، فلمَّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين سنة مَرَّ عُزير على حماره وهو راكبه على بلد اسمُهَا ( انطاكية ) ، وهي خاوية على عروشها .
فقال : أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مِائة عام ، ثم بعثه على حماره بعينه ، وطعامه وشرابه لم يتغير ، وعاد إلى داره ، وأخوه عُزيرة وَوِلْدَه قد شاخوا ، وعُزير شاب في سِن خمسة وعشرين سنة ، فلم يزل يذكر أخاه وولده وهم يذكرون ما يذكره ، ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنين والشهور .
وعُزيرة يقول له وهو شيخ كبير ابن مِائَة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شاباً ، أعلم بما كان بيني وبين أخي عُزير أيام شبابي منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض ؟
فقال يا عُزيرة : أنا عُزير أخوك ، قد سخط الله عليّ بقول قلتُهُ بعد أن اصْطفاني الله وهداني ، فأماتني مِائة سنة ثم بعثني بعد ذلك لتزدادوا بذلك يقيناً ، أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وهذا حماري ، وطعامي ، وشرابي ، الذي خرجت به من عندكم ، أعاده الله تعالى كما كان ، فعند ذلك أيقنوا ، فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله تعالى وأخاه في يوم واحد ) .
فنهض عالِم النصارى عند ذلك قائماً ، وقام النصارى على أرجلهم ، فقال لهم عالمهم : جِئْتموني بأعلم منّي ، وأقعدتموه معكم ، حتى هَتَكني وفضحني ، وأعلم المسلمين بأنه أحاط بعلومنا ، وأن عنده ما ليس عندنا .
والله لا كلمتكم من كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت بعد هذه ، فتفرقو
قًـــــصّـــــةِ وَْعــــبّــــرَةِ
للإمام الباقر ( عليه السلام ) مواقف كثيرة تَدلُّ على سعة علمه ، وغزارة معرفته .
ومنها حينما اجتمع القسيسون والرهبان ، وكان لهم عالم يقعد لهم كل سنة مرة يوماً واحداً يستفتونه فَيُفتيهم .
عند ذلك لَفَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) نفسه بفاضل ردائه ، ثم أقبل نحو العالِم وقعد ، ورفع الخبر إلى هشام .
فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع ، فينظر ما يصنع الإمام ( عليه السلام ) .
فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بالإمام ( عليه السلام ) ، وأقبل عالِم النصارى وقد شَدَّ حاجبيه بخرقه صفراء حتى توسطهم ، فقام إليه جمع من القسيسين والرهبان يُسَلِّمون عليه .
ثم جاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه والإمام ( عليه السلام ) بينهم ، وكان مع الإمام ولده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) .
فأدار العالِم نظره وقال للإمام ( عليه السلام ) : أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( من هذه الأمة المرحومة ) .
فقال العالِم : من أين أنت ، أَمِنْ علماءها أم من جهالها ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لَستُ من جُهَّالها ) .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال للإمام ( عليه السلام ) : أسألك ؟
فقال (عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال : من أين ادَّعَيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ، ولا يُحدِثون ولا يبولون ؟ وما الدليل على ذلك من شاهدٍِ لا يجهل ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( الجَنِين في بطن أمه يأكل ولا يحدث ) .
فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً ، ثم قال : هلا زَعمتَ أنَّك لست من علمائها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( وَلستُ من جُهَّالها ) . وأصحاب هشام يسمعون ذلك .
ثم قال : أسألك مسألة أخرى .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل ) .
فقال النصراني : من أين ادَّعيتم أن فاكهة الجنة غضَّة ، طريَّة ، موجودة غير معدومة عند أهل الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( دَليلُ ما نَدَّعيه أن السِّراج أبداً يكون غضاً ، طرياً ، موجوداً غير معدوم عند أهل الدنيا ، لا ينقطع أبداً ) .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال : هَلاَّ زعمتَ أنَّك لستَ من علماءها ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ولستُ من جُهَّالها ) .
فقال النصراني : أسألك مسألة أخرى .
فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل )
فقال : أخبرني عن سَاعَة لا من ساعات اللَّيل ولا من ساعات النهار ؟
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هي الساعة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يَهدَأ فيها المُبتَلى ، ويرقد فيها السَّاهر ، ويَفيقُ المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا دليلاً للراغبين ، وفي الآخرة دليلاً للعالمين ، لها دلائل واضحة ، وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين الناكرين لها ) .
فصاح النصراني صيحة عظيمة ، ثم قال : بقيت مسألة واحدة ، والله لأسألنَّكَ مسألة لا تهتدي إلى رَدِّها أبداً .
قال الإمام ( عليه السلام ) : ( سَل ما شِئت ، فإنَّك حانِثٌ في يمينك ) .
فقال : أخبرني عن مولودين ، وُلِدا في يوم واحد ، وماتا في يوم واحد ، عُمْر أحدهما خمسين سنة ، والآخر عُمرُه مِائة وخمسين سنة .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( ذلك عُزير وعُزيرة ، وُلِدا في يوم واحد ، فلمَّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين سنة مَرَّ عُزير على حماره وهو راكبه على بلد اسمُهَا ( انطاكية ) ، وهي خاوية على عروشها .
فقال : أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مِائة عام ، ثم بعثه على حماره بعينه ، وطعامه وشرابه لم يتغير ، وعاد إلى داره ، وأخوه عُزيرة وَوِلْدَه قد شاخوا ، وعُزير شاب في سِن خمسة وعشرين سنة ، فلم يزل يذكر أخاه وولده وهم يذكرون ما يذكره ، ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنين والشهور .
وعُزيرة يقول له وهو شيخ كبير ابن مِائَة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شاباً ، أعلم بما كان بيني وبين أخي عُزير أيام شبابي منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض ؟
فقال يا عُزيرة : أنا عُزير أخوك ، قد سخط الله عليّ بقول قلتُهُ بعد أن اصْطفاني الله وهداني ، فأماتني مِائة سنة ثم بعثني بعد ذلك لتزدادوا بذلك يقيناً ، أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وهذا حماري ، وطعامي ، وشرابي ، الذي خرجت به من عندكم ، أعاده الله تعالى كما كان ، فعند ذلك أيقنوا ، فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله تعالى وأخاه في يوم واحد ) .
فنهض عالِم النصارى عند ذلك قائماً ، وقام النصارى على أرجلهم ، فقال لهم عالمهم : جِئْتموني بأعلم منّي ، وأقعدتموه معكم ، حتى هَتَكني وفضحني ، وأعلم المسلمين بأنه أحاط بعلومنا ، وأن عنده ما ليس عندنا .
والله لا كلمتكم من كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت بعد هذه ، فتفرقو