"هيبه ملكـ "
Well-Known Member
- إنضم
- 16 يونيو 2012
- المشاركات
- 7,341
- مستوى التفاعل
- 31
- النقاط
- 48
- الإقامة
- العراق - الانبار - حديثة
- الموقع الالكتروني
- www.f-iraq.com
الانبطاح بعد مشقة الكفاح
جريدة المستقبل العراقي
كاظم فنجان الحمامي
مشوار طويل قطعته الأجيال العربية في مسيرة الصبر والكفاح, تعرضت خلاله الأمة إلى الاحتلال والتشريد والتمزيق والتفتيت والتقطيع والبهدلة, صفحات سود من مسلسل العثرات والويلات والمصائب, نكبات مؤلمة خضعت فيها عواصم العرب لمشاريع التضليل والتشويش والتغييب, لم يكن التطبيع من ضمنها, ولم تفكر فيه الدوائر الاستعمارية, ولم يطرأ على بالها إلا بعد عام 1969 عندما أتت النيران على الجناح الشرقي للمسجد الأقصى. .
وقعت تلك الفاجعة في اليوم الثامن من جمادي الآخرة 1389 هـ - 21 آب (أغسطس) 1969 من الميلاد, ولم تنم رئيسة وزراء الكيان المسخ (غولدا مائير) في سريرها تلك الليلة, لأنها كانت تتخيل إن العرب سيقتحمون إسرائيل من كل الجبهات, ويدخلونها أفواجاً أفواجاً بعدتهم وعتادهم, لكنها اكتشفت صباح اليوم التالي إنهم لم يحركوا ساكناً, ولم يتأثروا بهذا الحدث الجلل, فأدركت أنها قادرة على فعل ما يحلو لها من دون أن تخشى النيام والأموات, فالنزاعات القبلية والطائفية والسياسية, هي الحروب التي انشغل بها عرب النفط والشفط واللغط, فجاءت أولى خطوات التطبيع بعد حرب أكتوبر 1973 عندما تحولت الشعارات السياسية العربية من (حرب التحرير) إلى (حرب التحريك) باتجاه السلام المزعوم, وكان الاعتراف بإسرائيل أول ثمرة من ثمار التطبيع الذي سبق التركيع, ثم جاءت معاهدة (كامب دبفيد) لتوجه ضربة مباشرة لحركات التحرير. .
وسقطت العرب العاربة والمستعربة في وادي عربة عندما وقعت الحكومة الأردنية اتفاقية (وادي عربة) مع إسرائيل في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1994 فتغيرت بوصلة الكفاح, وتوجهت القوافل العربية نحو مضارب تل أبيب, ومنحت تأييدها المطلق للمشاريع الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط, وسارعت لإقامة القواعد العسكرية الأجنبية على أرضها ومياهها, وسمحت للقاصفات والمقاتلات الغربية بالتحليق في فضاءاتها المفتوحة لطائرات البنتاغون والناتو, ولم تعد القوة العسكرية هي الأدوات التي لجأت إليها القوى الغاشمة لفرض هيمنتها على العواصم العربية, فقد دخلت حيز التطبيق عدة آليات لبناء علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية مع الأنظمة العربية الراضخة لمشاريع التسوية. .
وجاء الانبطاح الأكبر على يد قادة منظمة التحرير (فتح), عندما تنازلوا عن مبدأ الكفاح المسلح, وانجرفوا مع تيارات التسوية, فانخرطوا في دوامة المهادنة والمداهنة, وانخدعوا بمتوالية المفاوضات العبثية من دون أن يخرجوا بنتيجة ملموسة. .
وتوسعت رقعة الانبطاح عندما وقفت معظم الأقطار العربية مع أمريكا وحلفائها, في خنادق الهجوم على العواصم العربية الرافضة لسياسة الانبطاح, فسقطت آخر قلاع الرفض القاطع للاستعمار والصهيونية, وعادت عقارب الساعة من جديد إلى زمن الخنوع والخضوع والذل, ولم يعد (التطبيع) مطلبا إسرائيليا, بل صار ترنيمة يومية ثابتة ترددها الأقطار المنضوية تحت لواء التحالف الأمريكي الإسرائيلي. .
ربما كان (شمعون بيريز) أكثر واقعية عندما فسر التطبيع والانبطاح بطريقته الخاصة, فقال: ((إنه الثمرة الحقيقية لتوظيف ريع النفط الخليجي في تشغيل المهارات العربية لخدمة العبقرية الإسرائيلية)), وقال أيضاً: ((أنها الخطوة المكملة لبناء إسرائيل الكبرى عن طريق التركيع والتطويع بدلا من الحرب والترويع)). .
وهكذا تطور حجم التبادل التجاري بين تل أبيب والعواصم العربية التي أدمنت الخنوع, فحققت التوجهات الانبطاحية أرقاماً فلكية مع بعض الأقطار الخليجية والأردن ومصر وتونس والمغرب, ثم ظهر التطبيع الثقافي واضحا جلياً في برامج الفضائيات العربية, التي شرعت باستضافة محللين ومتحاورين وخبراء في أحاديث مباشرة مع مكاتبها المنتشرة في المدن الإسرائيلية, وظهرت صورة الصهيوني (الطيب) في الأعمال التلفزيونية التونسية والمغربية, وتعاقدت بعض العواصم مع المصانع الإسرائيلية لتزويدها بشحنات من الأسلحة الخفيفة, وطائرات التدريب, والمعدات الحربية الأخرى, وانتشرت وحدات تخصصية من جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في المدن العربية الرئيسة, حتى وصلوا إلى شمال العراق, وتغلغلوا هناك متسترين بعناوين وهمية لشركات استثمارية, وصارت العلاقات بين الدول العربية والدولة العبرية (دهن ودبس), و(سمن على عسل). .
والله يستر من الجايات
ماذا أقولُ لأعرابٍ تًحَرِّكُهم
كفُّ العمالةِ والأحقادُ والبَطَرُ
كمْ قبَّلوا كَفَّ جَزارٍ يُقَتِّلنا
وفوقَ أشلائنا يا ويْحَهم سَكِروا
لو ذرَةٌ مِنْ حياءٍ في وُجُوهِهِمُ
لأشعلوا النارَ في الإسْطبل وانتحروا
يا ربُ عفوكَ أنْقِذنا بمعجزةٍ
تُزلزلُ الأرضَ فيهم إنَّهم فجَروا
جريدة المستقبل العراقي
كاظم فنجان الحمامي
مشوار طويل قطعته الأجيال العربية في مسيرة الصبر والكفاح, تعرضت خلاله الأمة إلى الاحتلال والتشريد والتمزيق والتفتيت والتقطيع والبهدلة, صفحات سود من مسلسل العثرات والويلات والمصائب, نكبات مؤلمة خضعت فيها عواصم العرب لمشاريع التضليل والتشويش والتغييب, لم يكن التطبيع من ضمنها, ولم تفكر فيه الدوائر الاستعمارية, ولم يطرأ على بالها إلا بعد عام 1969 عندما أتت النيران على الجناح الشرقي للمسجد الأقصى. .
وقعت تلك الفاجعة في اليوم الثامن من جمادي الآخرة 1389 هـ - 21 آب (أغسطس) 1969 من الميلاد, ولم تنم رئيسة وزراء الكيان المسخ (غولدا مائير) في سريرها تلك الليلة, لأنها كانت تتخيل إن العرب سيقتحمون إسرائيل من كل الجبهات, ويدخلونها أفواجاً أفواجاً بعدتهم وعتادهم, لكنها اكتشفت صباح اليوم التالي إنهم لم يحركوا ساكناً, ولم يتأثروا بهذا الحدث الجلل, فأدركت أنها قادرة على فعل ما يحلو لها من دون أن تخشى النيام والأموات, فالنزاعات القبلية والطائفية والسياسية, هي الحروب التي انشغل بها عرب النفط والشفط واللغط, فجاءت أولى خطوات التطبيع بعد حرب أكتوبر 1973 عندما تحولت الشعارات السياسية العربية من (حرب التحرير) إلى (حرب التحريك) باتجاه السلام المزعوم, وكان الاعتراف بإسرائيل أول ثمرة من ثمار التطبيع الذي سبق التركيع, ثم جاءت معاهدة (كامب دبفيد) لتوجه ضربة مباشرة لحركات التحرير. .
وسقطت العرب العاربة والمستعربة في وادي عربة عندما وقعت الحكومة الأردنية اتفاقية (وادي عربة) مع إسرائيل في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1994 فتغيرت بوصلة الكفاح, وتوجهت القوافل العربية نحو مضارب تل أبيب, ومنحت تأييدها المطلق للمشاريع الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط, وسارعت لإقامة القواعد العسكرية الأجنبية على أرضها ومياهها, وسمحت للقاصفات والمقاتلات الغربية بالتحليق في فضاءاتها المفتوحة لطائرات البنتاغون والناتو, ولم تعد القوة العسكرية هي الأدوات التي لجأت إليها القوى الغاشمة لفرض هيمنتها على العواصم العربية, فقد دخلت حيز التطبيق عدة آليات لبناء علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية مع الأنظمة العربية الراضخة لمشاريع التسوية. .
وجاء الانبطاح الأكبر على يد قادة منظمة التحرير (فتح), عندما تنازلوا عن مبدأ الكفاح المسلح, وانجرفوا مع تيارات التسوية, فانخرطوا في دوامة المهادنة والمداهنة, وانخدعوا بمتوالية المفاوضات العبثية من دون أن يخرجوا بنتيجة ملموسة. .
وتوسعت رقعة الانبطاح عندما وقفت معظم الأقطار العربية مع أمريكا وحلفائها, في خنادق الهجوم على العواصم العربية الرافضة لسياسة الانبطاح, فسقطت آخر قلاع الرفض القاطع للاستعمار والصهيونية, وعادت عقارب الساعة من جديد إلى زمن الخنوع والخضوع والذل, ولم يعد (التطبيع) مطلبا إسرائيليا, بل صار ترنيمة يومية ثابتة ترددها الأقطار المنضوية تحت لواء التحالف الأمريكي الإسرائيلي. .
ربما كان (شمعون بيريز) أكثر واقعية عندما فسر التطبيع والانبطاح بطريقته الخاصة, فقال: ((إنه الثمرة الحقيقية لتوظيف ريع النفط الخليجي في تشغيل المهارات العربية لخدمة العبقرية الإسرائيلية)), وقال أيضاً: ((أنها الخطوة المكملة لبناء إسرائيل الكبرى عن طريق التركيع والتطويع بدلا من الحرب والترويع)). .
وهكذا تطور حجم التبادل التجاري بين تل أبيب والعواصم العربية التي أدمنت الخنوع, فحققت التوجهات الانبطاحية أرقاماً فلكية مع بعض الأقطار الخليجية والأردن ومصر وتونس والمغرب, ثم ظهر التطبيع الثقافي واضحا جلياً في برامج الفضائيات العربية, التي شرعت باستضافة محللين ومتحاورين وخبراء في أحاديث مباشرة مع مكاتبها المنتشرة في المدن الإسرائيلية, وظهرت صورة الصهيوني (الطيب) في الأعمال التلفزيونية التونسية والمغربية, وتعاقدت بعض العواصم مع المصانع الإسرائيلية لتزويدها بشحنات من الأسلحة الخفيفة, وطائرات التدريب, والمعدات الحربية الأخرى, وانتشرت وحدات تخصصية من جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في المدن العربية الرئيسة, حتى وصلوا إلى شمال العراق, وتغلغلوا هناك متسترين بعناوين وهمية لشركات استثمارية, وصارت العلاقات بين الدول العربية والدولة العبرية (دهن ودبس), و(سمن على عسل). .
والله يستر من الجايات
ماذا أقولُ لأعرابٍ تًحَرِّكُهم
كفُّ العمالةِ والأحقادُ والبَطَرُ
كمْ قبَّلوا كَفَّ جَزارٍ يُقَتِّلنا
وفوقَ أشلائنا يا ويْحَهم سَكِروا
لو ذرَةٌ مِنْ حياءٍ في وُجُوهِهِمُ
لأشعلوا النارَ في الإسْطبل وانتحروا
يا ربُ عفوكَ أنْقِذنا بمعجزةٍ
تُزلزلُ الأرضَ فيهم إنَّهم فجَروا