إن مما يخشاه الإنسان ويرهبه أن يطبق عليه الظلام الحالك بسواده القاتم في مكان مهجور
فتجده تائه متخبط يكاد أن يجن الجنون يمني نفسه ولو بعود ثقاب يشعله ليبصر به وجهته
وطريقه ولو أن رجلا تائه في واد موحش وجن عليه الليل بسواد ظلامه ووحشة صمته
ورهبة سكونه الذي لا يقطعه إلا عواء ذئب أو فحيح الثعابين , واد تحاصره الجبال الشاهقة
وتملأه الحشائش الشائكة وقد ضل هذا المسكين طريقه فيه فشدة الظلمة حجبت عنه رؤية
ممرات الوادي وعدم معرفته بالوادي أعجزه عن تحسس طرقاته , ولنا أن نتخيل حال ذلك
الرجل وما سيتملكه من خوف ورهبة وفزع ووحشة , فهو تائه في واد موحش وظلام دامس
فهل في هذه الحالة سيطمئن ويخلد للنوم حتى تشرق عليه شمس الصباح أم سيجافيه النوم من
شدة الخوف , وإن ما تخيلناه يعد حالة مؤقتة تنتهي بمجرد شروق الشمس , فكيف إذا دام الحال
وساد الظلام قلب الإنسان وحال بينه وبين النور , إن المعاصي تنصب على قلب الإنسان بقعا
سوداء فكلما تمادى في المعاصي زادت تلك البقع وتراكمت عليه وغطته بالرّان الأسود القاتم
الذي يجعل الإنسان تائها في ظلمات المعاصي والذنوب منغمسا في وحل الشهوات والمنكرات
أسيرا لنزوة النفس وتسلط الشيطان , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
صلى الله عليه وسلم : { إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن هو نزع واستغفر
وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه , وهو الرّان الذي ذكر الله { كلا بل ران
على قلوبهم ما كانوا يكسبون } رواه الترمذي وقال الألباني أنه صحيح حسن
أن العبد إذا اتبع هواه وارتكب المعاصي دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة ، وإذا صار كذلك
افتتن وزال عنه نور الإسلام وإن تاب قبل منه ، وإن عاد زيد له في الظلمة ولم يدخل النور بعد ذلك.
إلا أن يتغمد الله العبد بتوبة صادقة تمحو الخطايا والذنوب وتكسو القلب بنور اليقين والهدي القويم
فيا أيها التائهون في الظلام اجعلوا لقلوبكم متنفسا ليتسرب إليها النور اسمحوا لأنفسكم برهة أن
تقتبسوا قبسا من نور الإيمان وآيات القرآن عسى أن يجعل الله لكم بها نورا يضيء دنياكم وأخراكم
أخي الحبيب لا تغتر بنور بصرك وقد عميت بصيرتك فالمبصر الحقيقي هو مبصر البصيرة
يقول الله تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى *
قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى }( طه )
أيها التائهون في الظلام المسرفون في ظنون الأحلام والأوهام إن النور الذي يهدي إلى الطريق وينقذ
الغريق هو نور الله يقول الله تعالى : { أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه
سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور }(النور)
فكيف يتصور الإنسان نفسه بدون نور يهدي به في حياته الدنيا وكيف يكون حاله بدون نور في القبر
وإن ظلمة القبر ليعجز المجاز عن وصفها , أو كيف يتصور الإنسان نفسه بدون نور إذا ضرب الله
بالصراط على جهنم في ظلمة لا يعلمها إلا الله صراط أدق من الشعرة وأحد من السيف في ظلمة
لا تقاس بظلمة الدنيا الله وحده العليم بها ثم نؤمر بالعبور فكيف سنجتاز ذلك الصراط إن لم يكرمنا
الله بنور يرشدنا وينجينا , ذلك اليوم الذي يكرم الله فيه أولياءه الصالحين المؤمنين بالنور التام الذي
يسعى بين أيديهم وبأيمانهم , ويخزي الله ما دونهم من المنافقين والكافرين يقول الله تعالى { يوم ترى
المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها النهار
ذلك الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا
وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب *
ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء
أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم
وبئس المصير } ( الحديد ) , فتصوروا ذلك الموقف الرهيب عندما يمنع النور فهل من منقذ
أيها التائهون في الظلام إن الصلاة نور والقرآن الكريم نور والصدقة نور وبر الوالدين نور
وكل عمل صالح يرجى به وجه الله نور فلا تحرموا أنفسكم من نور ينقذكم و يهديكم سبلكم
ربنا اجعل لنا نورا في الدنيا والآخرة , ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
