- إنضم
- 31 يناير 2017
- المشاركات
- 2,289,069
- مستوى التفاعل
- 47,673
- النقاط
- 113
التكوين المهني للمدرسين و تطور طرق تدريس اللغات الأجنبية
يمكن أن نعتبر هذا العمل عملية تحسيس للتطور الذي شهده ميدان تدريس اللغات الأجنبية منذ نهاية الخمسينيات إلى يومنا هذا. و إذا كنا ركزنا على هذه الفترة، نهاية الخمسينات و بداية الستينيات، فهذا يعود إلى أنها شهدت ظهور أول طرق تدريس سمعية وبصرية. و رافق تأليف هذه المناهج الدراسية عملية تضمين مواد تدخل في إطار ميدان علم النفس التربوي في برنامج تأهيل المدرسين.
إذا أخذنا مثالا لذلك كلية التربية بجامعة طرابلس (ليبيا)، يمكن القول أن هذه الكلية كانت تقوم بتأهيل المدرسين على مستوى:
التكوين اللغوي: كان التركيز ينصب فيه على إكساب المتعلم الكفاءة اللغوية و يدخل هذا النوع من التأهيل في إطار ما يسمى ” ماذا ندرس؟ “.
التكوين المهني أو التربوي: كان يهدف إلى تزويد المدرسين بالمعارف و المهارات الضرورية لتدريس المنهج الدراسي، و يدخل هذا النوع من التكوين في إطار ما يسمى ” كيف ندرس ؟”.
إن ما يمكن قوله في هذا الخصوص، هو أن التكوين التربوي الذي كان يتلقاه المدرسون و هم لا يزالون تحت التدريب، يمثل في تلك الفترة – الستينيات – نوعا من التطور، لأن التفكير السائد في ذلك الوقت هو أن التحدث باللغة الأجنبية يعتبر كافيا لتدريسها. و بتعبير آخر، لم تكن المواد التربوية تدرس لتأهيل المدرسين و بالتالي فالسؤال المطروح الذي سنحاول الإجابة عليه من خلال هذا العمل: هل التكوين الذي كانت تشرف عليه المراكز أو الكليات لتأهيل المدرسين في تلك الفترة لا يزال صالحا لتدريس المناهج الدراسية التي ظهرت في السنوات الأخيرة؟
إننا لا نرمي من تساؤلنا هذا إنكار أهمية ذلك التكوين أو التقليل منها، بل على العكس من ذلك، فدور كلية التربية كان مهما و يدخل في إطار ” التكوين الأولي و الأساسي “، فقد مكن المدرسين من استيعاب الأسس النظرية التي ترتكز عليها طرق التدريس السمعية و البصرية فاستطاع المدرسون بفضله تأدية مهامهم التدريسية بنجاح.
للإجابة على السؤال المطروح و الذي يدور حول مدى فعالية المناهج الدراسية التي كانت تدرس في الستينيات، سيتم التركيز على ما يسمى ” أولا ماذا ندرس؟ “ أي على محتوى المنهج الدراسي و سنقوم بعرض مختلف طرق التدريس التي ظهرت منذ نهاية الخمسينات إلى يومنا هذا.
1- طريقة التدريس السمعية – البصرية
اعتمد مؤلفو مناهج طرق التدريس السمعية – البصرية على أربعة معايير هي:
مستوى اللغة المستهدف من العملية التعليمية.
محتوى المنهج الدراسي.
النظرية اللغوية التي تشكل الأساس اللغوي المرجعي لطريقة التدريس.
النظرية المرجعية لآلية حدوث عملية التعلم.
تبنى مؤلفو المناهج الدراسية ما يسمى ” اللغة المتداولة ” la langue standard بكل قواعدها، و ذلك حين تحديدهم لمستوى اللغة أو نوعيتها التي يجب تبنيها عند تأليف المنهج الدراسي. و يعتبر هذا المستوى من اللغة إحدى المستويات الثلاثة الرئيسة و هي اللغة الفصحى la langue soutenue واللغة المتداولة la langue standard و اللغة العامية la langue familière .
بعد أن تم تحديد مستوى اللغة التي سيتعلمها الطلبة، تساءل مؤلفو المناهج حول محتوى المناهج الدراسية، فتم تكليف لجنة من اللغويين من أجل تجميع المفردات الأكثر استعمالا و الأكثر جاهزية في اللغة الفرنسية لتأليف كتاب و هو ما يسمى الآن باللغة الفرنسية الأساسية le français fondamental و يشكل هذا الكتاب المرجع الوحيد لتأليف طرق التدريس السمعية – البصرية.
بعد عمليتي تحديد مستوى اللغة المستهدفة من عملية التعلم و محتوى المنهج الدراسي من حيث المفردات، انتقل مؤلفو المناهج الدراسية إلى المرحلة الثالثة و هي التفكير في طريقة التأليف. فتم تبني نظرية علم اللغة البنيوي
la linguistique structurale كنظرية مرجعية. و لم يكن اعتماد هذه النظرية في الحقيقة خيارا لأنها كانت النظرية اللغوية الوحيدة التي كانت تهتم بدراسة اللغة المتداولة.
يمكن أن نضيف في هذا الخصوص، أن طريقة التدريس السمعية – البصرية توصف بطريقة التدريس البنيوية و ذلك لأنها ترتكز على علم اللغة البنيوي. و حيث أن طريقة دراسة اللغويين قد انحصرت في وصف شكل الجملة و بنيتها، فقد تبنى مؤلفو طرق التدريس السمعية – البصرية هذه النظرية، و عملوا على جعل الطالب في المرحلة الأولى من التعليم، قادرا على تكوين جمل صحيحة من ناحية القاعدة، و هو ما يسمى بالكفاءة اللغوية. و لبلوغ هذا الهدف اعتمدوا في التدريس طريقة مستقاة من ميدان علم النفس السلوكي، باعتباره نظرية مرجعية لعملية التعلم، و التي من شأنها خلق نوع من الآلية القواعدية لدى الفرد لتجعله قادرا على تكوين جمل متوافقة مع مختلف تراكيب جمل اللغة الأجنبية.
ترتكز نظرية علم النفس السلوكي على مفهومين أساسيين و هما: المثير و الاستجابة. و أنه لكل مثير استجابة واحدة. بتعبير آخر، يقابل كل موقف تواصلي (مثير) استجابة واحدة، و كما قلنا فيما يتعلق بتوصيف طريقة التدريس السمعية – البصرية بالبنيوية فقد تم توصيفها أيضا بالسلوكية لأنها ترتكز على علم النفس السلوكي. و هذا يقودنا إلى القول أن طريقة التدريس السمعية – البصرية هي نفسها طريقة التدريس البنيوية – السلوكية و ذلك للأسباب التي أتينا على ذكرها.
انطلاقا من هذه المعطيات يمكن القول أن طرق التدريس السمعية – البصرية ترتكز على أربعة مراجع أساسية و هي:
مستوى اللغة: اللغة المتداولة.
محتوى المنهج: اللغة الفرنسية الأساسية.
الأساس النظري اللغوي المرجعي: نظرية علم اللغة البنيوي.
النظرية المرجعية لآلية حدوث عملية التعلم: نظرية علم النفس السلوكي.
قبل أن ننهي هذا الجزء من العمل الذي تطرقنا فيه إلى طريقة التدريس السمعية – البصرية التي تركز و تعطي الأسبقية في التعليم إلى إكساب الدارس قواعد اللغة الأجنبية، يمكن القول أن السواد الأعظم من الذين درسوا اللغة الفرنسية في فترة طرق التدريس السمعية – البصرية غالبا ما يجدون أنفسهم غير قادرين على التحدث باللغة الأجنبية. و للتغلب على هذه الإشكالية، قامت مراكز و كليات تكوين المدرسين بإدراج برنامج دورات لغوية يقضيها المتعلم في الخارج. و لا يمكن اعتبار مثل هذه الدورات ميزة لدارسي اللغات الأجنبية و لكنها ضرورية لأنه من خلال هذه الدورات، يضع المتعلم ما تعلمه من قواعد داخل الفصول الدراسية، موضع التطبيق و ذلك في المواقف التواصلية التي يعيشها في البلد الأجنبي. و قد أصبحت هذه الدورات ـ اليوم، جزءا لا يتجزأ من عملية التكوين اللغوي للمتعلمين و بدونها تبقى عملية التكوين هذه ناقصة.
2- طريقة التدريس التواصلية
شهد ميدان تعليم اللغات الأجنبية اعتبارا من السبعينات ظهور تصور جديد يتمثل في المقاربة التواصلية. ومن خلال هذه التسمية، يمكن أن نستشف أن هذه المقاربة تهدف إلى تزويد المتعلم بالأدوات اللغوية التي تسمح له بالتواصل مع أصحاب هذه اللغة. و هي تنطلق من المبدأ القائل: نكتسب كفاءة التواصل اللغوي عن طريق التواصل اللغوي.
للتعرف على ما يميز طريقة التدريس السمعية – البصرية عن طريقة التدريس التواصلية، سنقوم بعرض خصائص طريقة التدريس التواصلية، كما ذكرها (فرنسوا ديبيزر François Debyser 1970 ، ص 15) في مقال له بعنوان تعليم اللغة الفرنسية في المستوى الثاني:
تعميق التفكير في الأهداف التعليمية.
توجيه التفكير إلى جانب المتعلم.
تبني طريقة تدريس أكثر نشاطا.
تنمية التفكير الحر و الإبداع.
وضع كفاءة لغوية حقيقية موضع التنفيذ.
الانفتاح على التنوعات المختلفة على مستوى اللغة و الخطاب.
استعمال اللغة الحقيقية (المستعملة فعلا من قبل الفرنسيين).
التنويع الواسع في استعمال الوسائل التعليمية.
بعد عرض هذه الخصائص، سنقوم بالبحث في محتواها منطلقين من الخاصية الأولى و الثانية و الخامسة و هي:
تعميق التفكير في الأهداف التعليمية: لم يعر مؤلفو طرق التدريس السمعية – البصرية موضوع أهداف عملية التعلم اهتماما بالغا و ذلك لاعتبارهم أن اللغة هي بكل بساطة وسيلة اتصال، فتم تأليف مناهج تعليمية ذات صبغة عامة تهدف إلى اكتساب ” اللغة الفرنسية العامة ” Le français général و كانت هذه المناهج موجهة إلى كل الدارسين للغة الفرنسية. لكن مع ظهور طريقة التدريس التي ترتكز على المقاربة التواصلية، أصبح هناك نوعان أو قسمان من المتعلمين للغات الأجنبية. القسم الأول يهتم بدراسة اللغة الفرنسية العامة Le français général وآخر يدرس الفرنسية لأهداف مهنية le français professionnel .
توجيه التفكير إلى جانب المتعلم: اعتمد مؤلفو طرق التدريس السمعية – البصرية على نظرية علم النفس السلوكي التي تعرف العملية التعليمية بأنها عملية تعلم لمعارف و مهارات جديدة تنتج عن طريق خلق أنواع من ردود الأفعال الآلية لدى المتعلمين. مع تبني المقاربة التواصلية في التعليم و التخلي عن نظرية علم النفس السلوكي لتحل محلها نظرية علم النفس المعرفي ، أصبحت هذه النظرية ، التي تهتم بدراسة العمليات الذهنية التي يقوم بها المتعلم ، تشكل مواضيع بحث و دراسة من قبل المتخصصين. و قد اهتم التربويون بالإضافة إلى الجانب الذهني، بدراسة خصائص المتعلمين حتى تكون عملية التعليم متوافقة مع تلك الخصائص.
وضع كفاءة لغوية حقيقية موضع التنفيذ: لتوضيح هذه الفكرة علينا أن نتساءل لماذا استعمل فرانسوا ديبيزر François Debyser François Debyser )1970، ص 15 ) كلمة حقيقية؟
للإجابة على هذا السؤال، نقول أن محتوى المنهج التعليمي في طرق التدريس السمعية – البصرية لا يتطابق مع اللغة المستعملة فعلا من قبل الفرنسيين في مختلف المواقف التواصلية، و ذلك لأن المقرر الدراسي تم وضعه لأهداف تعليمية وتتمثل في إكساب المتعلم كفاءة لغوية تمكنه من تكوين جمل صحيحة من الناحية النحوية. لكن واعتبارا من السبعينيات و مع ظهور طريقة التدريس التواصلية، لم نعد نتحدث عن الكفاءة اللغوية بل نتحدث عن الكفاءة التواصلية. بعد أن كانت الكفاءة اللغوية تمثل الهدف من العملية أصبحت تشكل إحدى مكونات الكفاءة التواصلية التي تتكون من:
الكفاءة اللغوية: قدرة الفرد على تكوين جمل صحيحة من الناحية النحوية.
الكفاءة الاجتماعية – الثقافية: قدرة الفرد على فهم الخطاب بطريقة صحيحة و تكييف خطابه وفقا للمواقف التواصلية.
الكفاءة في استخدام اللغة: قدرة الفرد على تكوين نص متناسق على مستوى الجمل.
الكفاءة المرجعية: تدخل هذه الكفاءة في إطار المعلومات العامة و خاصة تلك التي لها علاقة بخصائص وعادات المجتمع الذي نقوم بدراسة لغته.
الكفاءة العملية: قدرة الفرد على حسن إدارة عملية التواصل في الحياة اليومية.
تتكون الكفاءة التواصلية إذن من مجموعة من الكفاءات التي من بينها الكفاءة اللغوية. و هذا لا يعني أن الكفاءة اللغوية قد فقدت أهميتها، لأنها تشكل جزءا أساسيا في الكفاءة التواصلية و لكنها غير كافية لتمكين المتعلم من التواصل باللغة الأجنبية بطريقة فعالة.
لذا نقول أننا قد انتقلنا من طرق التدريس السمعية – البصرية إلى طرق التدريس التواصلية. و أدى هذا الانتقال إلى اتساع اهتمام مؤلفي مناهج تدريس اللغات الحية ليشمل مجموعة من الميادين اللغوية بعد أن كان علم اللغة البنيوي العلم الوحيد الذي يعتمد عليه عند تأليف مناهج تعليم اللغة الفرنسية. تقول إيفالين بيرار (Evelyne Bérard 1991, p. 17 ) في هذا الخصوص: « يحدث هذا التنوع في وقت لم يعد فيه علم اللغة البنيوي هو العلم المسيطر على ميدان علم اللغة. لقد ظهرت مجموعة من الميادين تهتم بدراسة اللغة و هي ذات أهداف محددة: علم اللغة الاجتماعي، علم اللغة النفسي، علم اللغة الثقافي التواصلي، تحليل الخطاب، البراجماتية… الخ».
لم نعد نفكر إذن، في استعمال مجموعة من الكلمات المستقاة من كتاب الفرنسية الأساسية، لتأليف مناهج تعليمية، و لم نعد نعطي الأولوية في التعليم لشكل الجملة و بنيتها، و أصبحنا نعمل على إكساب المتعلم المهارات و الأحداث اللغوية التي سيقوم بتنفيذها فيما بعد في مختلف المواقف التواصلية. بتعبير آخر، أقول أننا قد انتقلنا من طريقة تدريس تقدم للمتعلم، كما يقول هنري بوايي و ميشال ريفيرا ( Henri Boyer et Michel River 1979 ، ص 39 ) : « لغة لا تشبه اللغة المستعملة من قبل الفرنسيين و غالبا ما تكون لغة بعيدة جدا عن لغة التواصل الحقيقية بين الفرنسيين لأنها لا تترجم الواقع الاجتماعي و الثقافي للحياة في فرنسا»، إلى طريقة تدريس تقدم للدارس لغة تشتمل على مختلف المستويات المستعملة في مختلف مواقف التواصل.
تقودنا النقطة التي نتحدث عنها “وضع كفاءة لغوية حقيقية موضع التنفيذ” إلى الخاصية السادسة التي ذكرناها و هي: “الانفتاح على التنوعات المختلفة على مستوى اللغة و الخطاب”، أي أن لغة التعبير و التخاطب اليومية المستعملة والتي كانت تعتبر لغة مرجعية وحيدة في طرق التدريس السمعية – البصرية و التي تم تأليف المناهج الدراسية على منوالها، لا تمثل مختلف مستويات اللغة المستعملة في مختلف المواقف التواصلية. ومع تبني المقاربة التواصلية في التعليم، اعتمد مؤلفو مناهج اللغة المسماة بالحقيقية أو الأصلية. La langue authentique أي أن مستوى اللغة الذي يتم تضمينه في المقرر الدراسي يختلف وفقا للمواقف التواصلية. يتوافق هذا الإجراء مع الخاصية السابعة من الخواص المذكورة أعلاه: “استعمال اللغة الحقيقية” ( المستعملة فعلا من قبل الفرنسيين).
و تنطوي التنوعات المختلفة على مستوى اللغة و الخطاب على إمكانية استعمال المدرس لمختلف الوسائل التعليمية التي تجعل الطالب ملما باللغة المستعملة فعلا من قبل أصحاب اللغة في مختلف المواقف التواصلية، فمثلا يمكن اعتبار جهاز التسجيل وسيلة تعليمية يمكن استعمالها لعرض جزء من أغنية، و جهاز العرض المرئي لعرض حوار أو جزء من مسرحية و يمكننا أيضا الاستعانة بالصحف للتعرف مثلا على طريقة كتابة الإعلانات. يدخل كل ذلك في إطار التنوع الواسع في استعمال الوسائل التعليمية، و هو ما يتوافق مع المبدأ الثامن المذكور أعلاه: “التنوع الواسع في استعمال الوسائل التعليمية”. علما بأن هذه التسمية لا يقصد بها أن هذه الوسائل هي في الأساس تعليمية و لكن تم الاستفادة منها في ميدان التعليم.
ينبع التصور الجديد لمحتوى المنهج الدراسي و الوسائل التعليمية المستعملة في تدريس اللغات، من طبيعة الهدف من العملية التعليمية، و هو تزويد المتعلم بالأدوات التي تسمح له باكتساب كفاءة تواصلية، ولهذا تم اعتماد المقاربة التواصلية في التعليم l’approche communicative. وترتب على ذلك استبدال الكتاب المرجعي لتأليف الكتب المنهجية. فبعد أن كان مؤلفو المناهج يستعملون كتاب اللغة الفرنسية الأساسية كمرجع رئيسي لتأليف طرق التدريس السمعية – البصرية، أصبحوا يستعملون كتاب مستوى الاستخدام الذاتي للغة Le niveau – Seuil لتأليف طرق التدريس الفعلية. ويحتوي كتاب مستوى الاستخدام الذاتي للغة على ما يسمى الأحداث اللغوية. ( les actes de parole ) و هو ما يقوم به المتحدث من أفعال عندما يقوم بعملية التواصل مثل: التحية، الاعتذار، طلب معلومة، التهديد… يحتوي الكتاب أيضا على مختلف الجمل أو الأساليب التي يمكن استعمالها و ذلك وفقا لطبيعة المواقف أو الوضعيات التواصلية. يقابل كل حدث لغوي مختلف طرق القيام به مثلا: اقفل الشباك! هل تستطيع إقفال الشباك؟ اقفل الشباك من فضلك! ألا تجد الطقس باردا…
و لم ينحصر التطور الذي شهده ميدان تعليم اللغات الأجنبية على مستوى ” ماذا ندرس؟” فقط، و لكنه شمل أيضا “كيفية حدوث عملية التعلم “. فقد انتقلنا من طريقة التدريس التي ترتكز على نظرية علم النفس السلوكي و التي يشكل فيها مفهوما: المثير والاستجابة عناصر أساسية في طريقة التدريس التواصلية التي ترتكز على نظرية علم النفس المعرفي و التي تهتم بالعمليات الذهنية التي تجري بين المفهومين السابقين. يقول جاك ترديف Tardif Jacques ( 1992 ، ص 5 ) عن ميدان علم النفس المعرفي: « يركز علم النفس المعرفي على تحليل كيفية حدوث عملية التعلم وفهم طريقة معالجة المعلومات من قبل الفرد(…)، و يسمح علم النفس المعرفي للفرد بفهم، -بطريقة أفضل- كيفية تكوين و بناء المعارف و بالتالي القيام بعملية تخطيط للعمليات التعليمية ليس فقط الأكثر ملاءمة لتسهيل عملية التعلم و كذلك تحفيزها، دون إعطاء أهمية لعاملي السن والمستوى الدراسي للمتعلم».
و ما نريد الإشارة إليه هو أن اعتماد طرق التدريس السمعية – البصرية على علم النفس السلوكي يرمي إلى تبني المبدأ القائل بوجود علاقة وطيدة بين المثير والاستجابة، أي بوجوب وجود استجابة معينة والتي – إن صح القول– محددة مسبقا لكل موقف تواصلي معين، في حين يرى علماء النفس المعرفيون (علم النفس المعرفي) أن الذي يحدد طبيعة الاستجابة ليس المثير فقط، بل أيضا الظروف التي تحيط بعملية التواصل. بتعبير آخر، نقول أن عملية الاستجابة أصبحت تحدث وفقا لظروف الموقف التواصلي بعد أن كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمثير.
3 – طريقة التدريس الفعلية
شهد ميدان تعليم اللغات الأجنبية – منذ السنوات 2000 – مقاربة جديدة. حيث انتقلنا من المقاربة التواصلية إلى المقاربة الفعلية. السؤال المطروح إذن: ما هو الفرق بين طرق التدريس التواصلية و طرق التدريس الفعلية؟ أجابت إيفالين روزن على هذا السؤال قائلة: « كنا نعد المتعلمين، في إطار المقاربة التواصلية للتعليم، كي يتمكنوا من التواصل باللغة الأجنبية عند تواجدهم في بلد أجنبي لمدة قصيرة (عند السفر – التبادل التربوي… )، في حين أنه يتم إعداد الدارسين، في المقاربة الفعلية، بطريقة تعليم تعتمد على إنجاز المهام حتى يستطيعوا الاندماج في البلد الأوروبي الذي سيقيمون فيه لمدة ليست بالقصيرة من أجل الدراسة أو العمل لمدة معينة…».
إننا لا نكتفي بإعداد المتعلم للقيام بعملية التواصل باللغة الأجنبية في مواقف تعليمية محددة مسبقا باعتبار إقامته في بلد أجنبي مدة قصيرة، و لكننا نعمل على مساعدته في أن يصبح مستعملا للغة الأجنبية بفعالية وقادرا على الاندماج في بلد آخر.
ترتكز المقاربة الفعلية في التعليم على كتاب تم تأليفه من قبل المجلس الأوروبي بعنوان الإطار الأوروبي المشترك للغات. و ما يميز هذا الكتاب عن بقية المراجع التي تم الاستعانة بها لتأليف طريقة التدريس السمعية و البصرية و طريقة التدريس التواصلية هو أن هذا الإطار، لا يلزم مستعمليه بتبني طريقة معينة في التدريس.
و لإعطاء فكرة واضحة و موجزة حول كتاب الإطار الأوروبي المشترك للغات، نقوم بعرض ثلاثة اقتباسات: الاقتباس الأول هو جزء من محاضرة ألقاها فرنسيس جويي Francis Goulier بمناسبة اليوم الأوروبي للغات بتاريخ 26/9/2009 بعنوان: هل يجب أن نطبق الإطار الأوروبي المشترك للغات؟ يقول جويي: « إن الإطار المرجعي الأوروبي المشترك هو في الحقيقة، صندوق أدوات متماسك، و يتناول هذا الصندوق فيما يتعلق باللغات، وصف وضعية الأفكار السائدة في أوروبا بالنسبة للغات. كما أنه موجه للفاعلين و المؤسسات و المدرسين و الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي»، ويضيف: «إن كان لديكم مشاكل أو أسئلة حول تعليم اللغات في مدارسكم أو بلدانكم، فابحثوا في الصندوق المقترح و ستجدون الأداة التي يمكن أن تساعدكم».
أما كلير بورجينيون Claire Bourguinon فتقول في محاضرة ألقتها في جامعة تولوز 2 بفرنسا في سنة 2008: « إن الإطار المرجعي بالنسبة لي، هو دليل يحتوى على مجموعة من الأفكار التي تساعد المدرسين على حسن إدارة العملية التعليمية و تشكل الإطار الذي ينظم عملية التفكير. وقد تم ذكر ذلك بصورة واضحة في الكتاب. و من الممكن بواسطة هذه الأداة، جمع المدرسين لكي يضعوا طرق ممارساتهم اليومية للعملية التعليمية موضع تساؤل، وأعتقد أنه نجح في ذلك».
لم يحدث التطور الذي شهده ميدان تعليم اللغات الأجنبية فقط على مستوى طريقة التدريس، بل أيضا على مستوى التصور الذي تم تكوينه عن عملية استخدام اللغة و تعلمها. يقول كتاب الإطار المرجعي الأوروبي المشترك في هذا الخصوص: « إن استخدام اللغة – وهذا يتضمن أيضا دراسة اللغة – يشتمل على تصرفات يأتي بها أفراد يقومون بتطوير عدد كبير من الكفاءات بوصفهم أفرادا و أشخاصا فاعلين اجتماعيا و لا سيما الكفاءات العامة و الكفاءات اللغوية الاتصالية بصورة خاصة. و هم يعتمدون على تلك الكفاءات في مختلف السياقات و تحت شروط و قيود مختلفة عند أداء أنشطة لغوية على عمليات لغوية و ذلك لكي يتمكنوا من إنتاج نصوص أو استقبالها حول موضوعات معينة. و يستخدمون من أجل ذلك استراتيجيات تعد هي الأنسب لأداء تلك المهام. و تستطيع تلك الخبرات التي يكتسبها المشاركون في الأنشطة الاتصالية أن تؤدي بدورها إلى تقوية الكفاءات أو تغييرها».
يقدم لنا مؤلفو الإطار المرجعي الأوروبي المشترك من خلال هذا الاقتباس، الطريقة التي يتصورون بها عملية استخدام و تعلم لغة أجنبية. و يركز هذا التصور على تنمية الكفاءات لدى المتعلمين. و قد أشار فرنسيس جويي إلى هذا الهدف عندما تطرق في محاضرته إلى دور المدرس في العملية التعليمية قائلا: « يتمثل دور المدرس في تنمية الكفاءة اللغوية لدى المتعلمين».
تدخل فكرة تنمية الكفاءات اللغوية في إطار ما يسمى بعملية “التقييم الإيجابي” لمستوى المتعلم. يترجم هذا المفهوم التصور الجديد للعملية التعليمية من خلال ما كتبته كلير بورجينيون Claire Bourguignon ( 2007 ، ص ) في مقال لها بعنوان عملية التقييم في طريقة التدريس الفعلية: « تمثل قدرة الفرد على إبراز كفاءته اللغوية من خلال استعمالها في مواقف تواصلية موضوع عملية التقييم في طريقة التدريس الفعلية، بعد أن كانت هذه العملية تركز على معرفة اللغة كأداة. و تعتبر عملية التقييم إيجابية لأنها تركز على إبراز ما يستطيع المتعلم القيام به قبل أن تشير إلى ما لا يستطيع فعله. فعملية التقييم لا تهتم بمحتوى المقرر الدراسي و لكنها تستند على مرجعية référentiel تم بناؤها على أساس أهداف عملية».
نستطيع أن نفهم من خلال هذا الاقتباس، أن التصور الجديد لعملية تعليم اللغات الأجنبية يعترف دائما بامتلاك المتعلم لمستوى كفاءة لغوية معين وأن العملية التعليمية تتمثل في تنمية ذلك المستوى. وهذا يعني أيضا أن تحديد مستوى درجة الكفاءة المطلوب بلوغه من خلال العملية التعليمية، يتم وفقا لمستوى كفاءة المتعلم اللغوية عند انطلاق العملية التعليمية. في هذا الإطار، يمكن أن نضيف أن نجاح العملية التعليمية أو فشلها قد يكون ناتجا عن طبيعة و مستوى الأهداف التي تم تحديدها قبل بدء العملية التعليمية، لأن غياب التناسق بين مستوى الأهداف و مستوى الطالب عند بداية العملية التعليمية قد يكون مسؤولا عن فشل تلك العملية.
تعتبر عملية التقييم الإيجابي مجرد مثال على الطريقة التي نتصور بها المقاربة الفعلية لعملية التعليم والتعلم. نكتفي بذكر ذلك المثال لأنه سبق وأن تناولنا موضوع إسهامات الإطار المرجعي الأوروبي في ميدان تعليم اللغات الحية في بحث سابق بعنوان: «هل ينحصر تطبيق الإطار المرجعي الأوروبي المشترك لتعليم اللغات على الدول الأوروبية»، يمكن للقارئ الاطلاع عليه.
الخاتمة:
حاولنا من خلال هذا العمل عرض طبيعة ودرجة التطور الذي شهده ميدان تعليم اللغة الفرنسية و معرفة ما إذا كان التكوين الذي كانت توفره مراكز وكليات تأهيل المدرسين – في الستينات و السبعينات – لازال صالحا لتدريس المناهج الدراسية الحديثة.
و انطلاقا من المعطيات التي قمنا بعرضها، نقول أن التطور الذي شهده ميدان تدريس اللغات الأجنبية هام جدا لدرجة أن المدرسين الذين لا يزالون يعتمدون في ممارستهم اليومية للعملية التعليمية على التكوين الذي تلقوه في الستينيات و السبعينيات، و الذي كان يمثل كما ذكرنا، أساسا جيدا آنذاك لتعليم اللغة الفرنسية، اكتشفوا بمجرد اطلاعهم على طريقة عرض محتوى المنهج، التغير الذي حدث على مستوى عرض المنهج الدراسي و الذي قد يدفعهم إلى و ضع تصورهم لكيفية حدوث العملية التعليمية موضع تساؤل.
يمكن لنا القيام بعملية حوصلة لمظاهر التطور الذي شهده ميدان تعليم اللغات الحية في النقاط التالية :
على مستوى الأسس النظرية – النفسية – الانتقال من علم النفس السلوكي إلى علم النفس المعرفي.
على مستوى محتوى المناهج الدراسية، الانتقال من كتاب اللغة الفرنسية الأساسية إلى كتاب مستوى الاستخدام الذاتي للغة و منه إلى كتاب الإطار الأوروبي المشترك للغات.
على مستوى النظرية المرجعية في علم اللغة، الانتقال من نظرية علم اللغة البنيوي و التي كانت تشكل النظرية اللغوية المرجعية الوحيدة إلى مجموعة من النظريات اللغوية.
على مستوى الهدف من عملية التعليم و التعلم، الانتقال من اكتساب الكفاءة اللغوية إلى اكتساب كفاءة لغوية تواصلية.
على مستوى محتوى المناهج الدراسية، الانتقال من تدريس مقرر تم إعداده لأهداف تعليمية إلى مقرر دراسي يمثل لغة التواصل الحقيقية أي المستعملة من قبل أصحاب اللغة في مختلف المواقف التواصلية.
على مستوى مناهج تكوين المدرسين، أصبح ميدان علوم التربية جزءا أساسيا في مناهج تأهيل المدرسين.
كما سبق و ذكرنا، فالتطور الذي شهده ميدان تعليم اللغات لم يحدث فقط على المستوى النظري و لكن يمكن ملاحظته أيضا على مستوى المناهج التعليمية. فعلى سبيل المثال، غياب التمارين البنيوية و الحوارات التي كانت تحتل مكان الصدارة في طرق التدريس السمعية – البصرية كما نلاحظ وجود مجموعة من النصوص و الحوارات في نفس الوحدة الدراسية و التي تترجم مختلف مستويات اللغة .
إن موضوع التطور الذي شهده ميدان تعليم اللغات الحية يقودنا إلى القول أن استعمال طرق التدريس الفعلية يجب أن يسبقها أو يرافقها عملية رفع الكفاءة المهنية للمدرسين حتى يتمكن هؤلاء من التعرف على الأسس النظرية التي ترتكز عليها طرق التدريس الحديثة لأنه و كما قال جان بيير روبيرت Jean. Pierre Robert : « إنه من الوهم فرض تدريس المناهج التعليمية التي ترتكز على الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات على مدرسين ليست لهم دراية بمحتوى هذا الكتاب و يجهلون الأسس النظرية لطريقة التدريس الفعلية ».
نختم هذا العمل مركزين و مؤكدين على أهمية تطبيق برنامج التأهيل المستمر للمدرسين. و لا يمكن اعتبار هذا البرنامج خيارا يعتمد تطبيقه أو عدم تطبيقه على الظروف المادية و لكنه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها بل و يجب أن تكون من ضمن مشاغل السلطات المعنية إذا ما أردنا فعلا نجاح العملية التعليمية. فلا فائدة من وراء اعتماد آخر ما ظهر من مناهج دراسية إذا لم سبق ذلك رفع لكفاءة المدرسين المهنية.