Ms. Houda
أميرة الشمال
التوبة تُحتِّم إنسانيَّة البشر على ذَواتهم استعجالَ الخير وحُبَّ الدُّنيا والتعلُّقِ بشهواتها، وطبعُ الآدميِّ خطَّاءٌ يميلُ إلى الأمور الممنوعة، ومهما يكن من أمرهِ صِدقُ التزام الخير والترغُّبِ فيهِ فإنَّه لا يَنفي عن ابنِ آدمَ استِحبابُ المعاصي، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَوَّابونَ)،[١] ومن رَحمةِ اللهِ بِعبادهِ أن تَركَ لهم باباً للتّوبة مفتوحاً لا يُغلقُ حتَّى ترجعَ الرُّوح إلى خالِقها، وطريقاً للعودةِ إلى طريق الله مُمَهّداً مهما بلغَت النَّفسُ من الذُّنوب والآثام.[٢]
كيفية التوبة وشروطها
للتَّوبةِ أحكامٌ وشروط تستَلزمُ من المُسلم تحقيقها وبذل السِّعة في إنفاذها؛ مصداقاً لنيَّته، وتفسيراً لعودته، وصفاءً لسريرتهِ، والمُسلِمُ إذا قَصَدَ الله بتوبَتِهِ فتح الله له من الخير والتَّوفيقِ أبواباً شتَّى؛ حتى إنَّه يفرحُ بتوبتهِ ويُعينه عليها ويَجزيهِ بها، وفي الحديث الشّريف قال رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام: (للهُ أشدُّ فرحاً بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليه من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامُه وشرابُه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، قد أيس من راحلتِه، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامِها ثم قال من شدةِ الفرحِ: اللهمّ أنت عبدي وأنا ربُّك؛ أخطأ من شدّةِ الفرحِ).[٧] جعَلَ الله أمر التَّوبةِ هيِّناً للمُسلِم، فعَلّمه من أمورِ التَّوبةِ ما يَجُبُّ الذُّنوبَ ويمحقها ويُبدِلها خيراً وإحساناً، واشترط في التَّوبةِ مسالِكَ تأديبيَّةٍ تَقتَضي التَّحقيق والاتِّباع[٥]، منها: الاعتراف بالذّنب، والإقراربه، والشُّعور بِعِظَمه، وإظهار الحسِّ بالخجل منه، دون تبريرٍ أو إنكارٍ، ومراتبُ الاعتذار ثلاثةٌ: الإنكارُ، والتَّبريرُ، والاعترافُ مع التماسِ الصَّفحِ، فأمَّا الإنكارُ فإنَّه يهدم التَّوبة ويُناقضُها ويخرقُ شُروطها فلا تصحُّ معه، قال تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)،[٨] في تفسير الآية يُوضّح الإمامُ الطَبريّ بأنَّ الخطيئة والإثم مُختلفانِ؛ فأمَّا الخطيئة فهي الذَّنبُ المُرتَكبُ على وجهِ التعمُّدِ أو الإصابةِ بغير قصدٍ، وأمَّا الإثمُ فهو ما لا يَحلُّ من المَعصِيةِ، والمعصيةُ لا تكونُ إلاَّ بوجهٍ واحدٍ مَقصودٍ، فإذا أنكرَ المُقترِفُ أحدَهما أو كلاهما ممّا أتى على وجهِ التعمُّدِ والقصدِ وادَّعى البراءة منها فإنَّه كَذَبَ على نفسِه وعلى ربِّهِ، وتجرَّأَ عليهِ بالكَذب والافتِراء، فيكون أصابَ من الإثمِ أعظَمه.[٩] استشعار النَّدمِ على ارتكابِ الذّنبِ، وإظهار الحَسرَةِ على ما تقدَّمَ من خطايا، والعزيمة على تركها جميعاً، وعدم العودة إليها.[١٠] مُحاسَبَةُ النَّفسِ وتَهذيبها ومُناصحتها بالخيرِ والإقبالِ على الطَّاعاتِ، ومراجعتها وتحريضها ضدَّ الذّنوبِ والمُنكرات.[١١] إبراءُ الذِمَّةِ إلى الله بالاعترافِ لأصحابِ الحقوقِ والمَظالمِ، والاستِعدادِ للمُحاسَبةِ الدُّنيويَةِ، وإبراء الذمّة ما أمكن، والسَّعيُ لردُّ الحُقوقِ واجتذاب المُسامَحة.[١٢] أن تكونَ التَّوبةُ خالصةً لوجهِ الله تعالى لا رياءَ فيها ولا مصلحةً ولا تفريطَ ولا خِداع، واستحضار النيَّةِ وسلامتها، وأن لا يُراد بالتَّوبةِ أمرٌ غير الله، والسَّلامةُ من عقابه والطَّمع في إحسانه.[١٠] مُجاهدة النّفس ومُصارعتها لترك المعصية، والإقلاع عنها والابتعاد عن بيئاتها، ومُهيِّئاتها، ومُسبّباتها، ودوافعها، ومن يُعينُ عليها.[١٠] طلبُ العونِ من الله على التَّوبةِ تسخيراً وقبولاً واستغفاراً ودعاءً.[١٠] إدراك الوقتِ المَخصوص لقبولِ التَّوبة قبل بُلوغِ الغَرغَرَةِ مِن الموتِ أو قِيامِ السَّاعةِ؛ لخصوصيَّة هذهِ المراحل الزَمنيَّة المُتَّصفةِ بالعَجزِ والضَّعفِ وتيقُّنِ الهلاكِ، قال الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ).[١٣] رُوي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بيومٍ قَبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا آخرَ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: أنتَ سمِعتَ ذلك ؟ قلتُ: نعَم قال: أشهدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بنصفِ يومٍ قبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتَ سمِعتَه ؟ قال: قلتُ: نعَم فقال: أشهدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بضحوةٍ قبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا آخرَ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتَ سمِعتَ ذلك ؟ قلتُ: نعَم قال: فأشهَدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن تاب إلى اللهِ قبلَ أن يُغَرغِرَ قبِل اللهُ منه)[١٤]
أنواع التَّوبة من حيث مضمونُها تُقسم التَّوبة من حيث مضمونُها إلى نوعين، هما:[٦] توبة إنابةٍ: وتعني الرُّجوع إلى الله تعالى؛ خوفاً منه لقوَّته وقدرته -سبحانه وتعالى- على الإنسان. توبة استجابةٍ: وتعني الرجوع إلى الله تعالى؛ حياءً منه -سبحانه وتعالى- لقربه من الإنسان. أنواع التَّوبة من حيث صحَّتُها تُقسم التَّوبة من حيث صحَّتُها إلى ثلاثة أنواعٍ، هي:[٦] توبةٌ صحيحةٌ: وهي الرُّجوع عن الذَّنب إلى الله تعالى بصدقٍ في الحال عند اقترافه للذنب. توبةٌ أصحُّ: وتعرف بالتَّوبة النَّصوح، وتعني أن يرجع المُذنِب عن ذنبه عازماً على تركه، كارهاً ومستقبحاً له، ولا يَرِدُ في خاطره أو يفكرِّ به. توبةٌ فاسدةٌ: وهي التَّوبة المُقتصِرة على اللسان دون أن تتجاوزه؛ أي بالكلام فقط أمَّا القلب فيبقى متعلِّقاً بالذَّنب ويستذكر لذَّته.
فوائد التَّوبة وثمراتها
إنَّ للتَّوبة والرجوع إلى الله تعالى فوائد وثمراتٍ يجنيها التائب ويُحصِّلها لقاء توبته، إن كانت صادقةً خالصةً، ومن هذه الفوائد والثَّمرات:[١١] نيل رضوان الله تعالى والفوز بمحبته؛ فالله تعالى يحبُّ التَّوابين، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[١٢] تحقُّق رحمة الله تعالى بالتَّائب وبقائه في كنف رحمة الله الواسعة؛ إذ من رحمته تعالى أن أرشد العباد للتَّوبة عقب الذَّنب وقبوله لتوبتهم. ذهاب الضِّيق والهمِّ والحزن الذي يكتنف الإنسان نتيجة ذنبه، وزوالهم وانجلائهم بالتَّوبة والرجوع إلى الله تعالى. إرجاع كلِّ ما تعلَّق بحقوق العباد، وهو من مُتلازمات التَّوبة -إن تعلَّق الذَّنب بحقوق الآخرين-، ما يعني زوال المُشاحنة والبغضاء وقطع الطَّريق أمامها. وقد جاءت الآيات الكريمة والأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة حاثَّةً على التَّوبة ومرغِّبةٍ بها، وذاكرةٍ لكثيرٍ من فضلها، كما في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،[١٣] كما أنَّ التَّوبة دأب الصَّالحين ومقامٌ من مقاماتهم، وهي حالهم دوماً، ومن ذلك قول ابن القيِّم عن التَّوبة ومنزلتها: (لتّوبة من أفضل مقامات السّالكين لأنّها أوّل المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أبداً ولا يزال فيها إلى الممات، وإن ارتحل السّالك منها إلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به، فهي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النّهاية ضروريّة، كما حاجته إليها في البداية كذلك).[١٤]
كيفية التوبة وشروطها
للتَّوبةِ أحكامٌ وشروط تستَلزمُ من المُسلم تحقيقها وبذل السِّعة في إنفاذها؛ مصداقاً لنيَّته، وتفسيراً لعودته، وصفاءً لسريرتهِ، والمُسلِمُ إذا قَصَدَ الله بتوبَتِهِ فتح الله له من الخير والتَّوفيقِ أبواباً شتَّى؛ حتى إنَّه يفرحُ بتوبتهِ ويُعينه عليها ويَجزيهِ بها، وفي الحديث الشّريف قال رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام: (للهُ أشدُّ فرحاً بتوبةِ عبدِه حين يتوبُ إليه من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامُه وشرابُه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، قد أيس من راحلتِه، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامِها ثم قال من شدةِ الفرحِ: اللهمّ أنت عبدي وأنا ربُّك؛ أخطأ من شدّةِ الفرحِ).[٧] جعَلَ الله أمر التَّوبةِ هيِّناً للمُسلِم، فعَلّمه من أمورِ التَّوبةِ ما يَجُبُّ الذُّنوبَ ويمحقها ويُبدِلها خيراً وإحساناً، واشترط في التَّوبةِ مسالِكَ تأديبيَّةٍ تَقتَضي التَّحقيق والاتِّباع[٥]، منها: الاعتراف بالذّنب، والإقراربه، والشُّعور بِعِظَمه، وإظهار الحسِّ بالخجل منه، دون تبريرٍ أو إنكارٍ، ومراتبُ الاعتذار ثلاثةٌ: الإنكارُ، والتَّبريرُ، والاعترافُ مع التماسِ الصَّفحِ، فأمَّا الإنكارُ فإنَّه يهدم التَّوبة ويُناقضُها ويخرقُ شُروطها فلا تصحُّ معه، قال تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)،[٨] في تفسير الآية يُوضّح الإمامُ الطَبريّ بأنَّ الخطيئة والإثم مُختلفانِ؛ فأمَّا الخطيئة فهي الذَّنبُ المُرتَكبُ على وجهِ التعمُّدِ أو الإصابةِ بغير قصدٍ، وأمَّا الإثمُ فهو ما لا يَحلُّ من المَعصِيةِ، والمعصيةُ لا تكونُ إلاَّ بوجهٍ واحدٍ مَقصودٍ، فإذا أنكرَ المُقترِفُ أحدَهما أو كلاهما ممّا أتى على وجهِ التعمُّدِ والقصدِ وادَّعى البراءة منها فإنَّه كَذَبَ على نفسِه وعلى ربِّهِ، وتجرَّأَ عليهِ بالكَذب والافتِراء، فيكون أصابَ من الإثمِ أعظَمه.[٩] استشعار النَّدمِ على ارتكابِ الذّنبِ، وإظهار الحَسرَةِ على ما تقدَّمَ من خطايا، والعزيمة على تركها جميعاً، وعدم العودة إليها.[١٠] مُحاسَبَةُ النَّفسِ وتَهذيبها ومُناصحتها بالخيرِ والإقبالِ على الطَّاعاتِ، ومراجعتها وتحريضها ضدَّ الذّنوبِ والمُنكرات.[١١] إبراءُ الذِمَّةِ إلى الله بالاعترافِ لأصحابِ الحقوقِ والمَظالمِ، والاستِعدادِ للمُحاسَبةِ الدُّنيويَةِ، وإبراء الذمّة ما أمكن، والسَّعيُ لردُّ الحُقوقِ واجتذاب المُسامَحة.[١٢] أن تكونَ التَّوبةُ خالصةً لوجهِ الله تعالى لا رياءَ فيها ولا مصلحةً ولا تفريطَ ولا خِداع، واستحضار النيَّةِ وسلامتها، وأن لا يُراد بالتَّوبةِ أمرٌ غير الله، والسَّلامةُ من عقابه والطَّمع في إحسانه.[١٠] مُجاهدة النّفس ومُصارعتها لترك المعصية، والإقلاع عنها والابتعاد عن بيئاتها، ومُهيِّئاتها، ومُسبّباتها، ودوافعها، ومن يُعينُ عليها.[١٠] طلبُ العونِ من الله على التَّوبةِ تسخيراً وقبولاً واستغفاراً ودعاءً.[١٠] إدراك الوقتِ المَخصوص لقبولِ التَّوبة قبل بُلوغِ الغَرغَرَةِ مِن الموتِ أو قِيامِ السَّاعةِ؛ لخصوصيَّة هذهِ المراحل الزَمنيَّة المُتَّصفةِ بالعَجزِ والضَّعفِ وتيقُّنِ الهلاكِ، قال الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ).[١٣] رُوي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بيومٍ قَبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا آخرَ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: أنتَ سمِعتَ ذلك ؟ قلتُ: نعَم قال: أشهدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بنصفِ يومٍ قبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتَ سمِعتَه ؟ قال: قلتُ: نعَم فقال: أشهدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن تاب إلى اللهِ قبل أن يموتَ بضحوةٍ قبِل اللهُ منه قال: فحدَّثتُ بذلك رجلًا آخرَ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتَ سمِعتَ ذلك ؟ قلتُ: نعَم قال: فأشهَدُ لَسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن تاب إلى اللهِ قبلَ أن يُغَرغِرَ قبِل اللهُ منه)[١٤]
أنواع التَّوبة من حيث مضمونُها تُقسم التَّوبة من حيث مضمونُها إلى نوعين، هما:[٦] توبة إنابةٍ: وتعني الرُّجوع إلى الله تعالى؛ خوفاً منه لقوَّته وقدرته -سبحانه وتعالى- على الإنسان. توبة استجابةٍ: وتعني الرجوع إلى الله تعالى؛ حياءً منه -سبحانه وتعالى- لقربه من الإنسان. أنواع التَّوبة من حيث صحَّتُها تُقسم التَّوبة من حيث صحَّتُها إلى ثلاثة أنواعٍ، هي:[٦] توبةٌ صحيحةٌ: وهي الرُّجوع عن الذَّنب إلى الله تعالى بصدقٍ في الحال عند اقترافه للذنب. توبةٌ أصحُّ: وتعرف بالتَّوبة النَّصوح، وتعني أن يرجع المُذنِب عن ذنبه عازماً على تركه، كارهاً ومستقبحاً له، ولا يَرِدُ في خاطره أو يفكرِّ به. توبةٌ فاسدةٌ: وهي التَّوبة المُقتصِرة على اللسان دون أن تتجاوزه؛ أي بالكلام فقط أمَّا القلب فيبقى متعلِّقاً بالذَّنب ويستذكر لذَّته.
فوائد التَّوبة وثمراتها
إنَّ للتَّوبة والرجوع إلى الله تعالى فوائد وثمراتٍ يجنيها التائب ويُحصِّلها لقاء توبته، إن كانت صادقةً خالصةً، ومن هذه الفوائد والثَّمرات:[١١] نيل رضوان الله تعالى والفوز بمحبته؛ فالله تعالى يحبُّ التَّوابين، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[١٢] تحقُّق رحمة الله تعالى بالتَّائب وبقائه في كنف رحمة الله الواسعة؛ إذ من رحمته تعالى أن أرشد العباد للتَّوبة عقب الذَّنب وقبوله لتوبتهم. ذهاب الضِّيق والهمِّ والحزن الذي يكتنف الإنسان نتيجة ذنبه، وزوالهم وانجلائهم بالتَّوبة والرجوع إلى الله تعالى. إرجاع كلِّ ما تعلَّق بحقوق العباد، وهو من مُتلازمات التَّوبة -إن تعلَّق الذَّنب بحقوق الآخرين-، ما يعني زوال المُشاحنة والبغضاء وقطع الطَّريق أمامها. وقد جاءت الآيات الكريمة والأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة حاثَّةً على التَّوبة ومرغِّبةٍ بها، وذاكرةٍ لكثيرٍ من فضلها، كما في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،[١٣] كما أنَّ التَّوبة دأب الصَّالحين ومقامٌ من مقاماتهم، وهي حالهم دوماً، ومن ذلك قول ابن القيِّم عن التَّوبة ومنزلتها: (لتّوبة من أفضل مقامات السّالكين لأنّها أوّل المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أبداً ولا يزال فيها إلى الممات، وإن ارتحل السّالك منها إلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به، فهي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النّهاية ضروريّة، كما حاجته إليها في البداية كذلك).[١٤]