أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

التَّوافُقُ أَحَدُ مَظاهِرِ عَلاقَةِ عِلْمِ الْعَروضِ بِعِلْمِ الصَّرْفِ

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117
• نَشْأَةُ الْوَزْنِ وَشُيوعُه وَاسْتِحْداثُه
أَثَرُ الِانْتِباهِ إِلى بَديعِ التَّقْسيمِ
[25] نظر علماؤنا القدماء في مثل قول الشاعر :
" وَللّهِ عَيْنا مَنْ رَأى أَهْلَ قُبَّةٍ أَضَرَّ لِمَنْ عادى وَأَكْثَرَ نافِعا
وَأَعْظَمَ أَحْلامًا وَأَكْبَرَ سَيِّدًا وَأَفْضَلَ مَشْفوعًا إِلَيْه وَشافِعا "
فوجدوه قد جزأ البيت على حسب مواقف اللسان : أَضَرَّ لِمَنْ عادى = فعول مفاعيلن ، وَأَكْثَرَ نافِعا = فعول مفاعلن ، وَأَعْظَمَ أَحْلامًا = فعول مفاعيلن ، وَأَكْبَرَ سَيِّدًا = فعول مفاعلن ، وَأَفْضَلَ مَشْفوعًا = فعول مفاعيلن ، إِلَيْهِ وَشافِعا = فعول - أو فعولن إذا أشبعت الهاء - مفاعلن .
ونظروا في مثل قول الآخر :
" أَفادَ فَجادَ وَشادَ فَزادَ وَقادَ فَذادَ وَعادَ فَأَفْضَلْ "
فوجدوه قد زاد على مثل ما صنع الأول ، التزامَ سجع الأجزاء : أَفادَ = فعولُ ، فَجادَ = فعولُ ، وشادَ = فعولُ ، فَزادَ = فعولُ ، وَقادَ = فعولُ ، فَذادَ = فعولُ ، وَعادَ = فعولُ .
ولقد جعلوا ذلك كله من بديع التقسيم ، ثم ميزوا عمل الأول ؛ فسموه ( التَّقْطيع ) ، وعمل الآخر ؛ فسموه ( التَّرْصيع ) ؛ ففتحوا للمحدثين باب فهم نشأة الوزن العروضي العربي ، حتى قال جويار المستعرب الألماني ، كلمته السديدة : " قد اتضح إذن أصل البحور العربية ؛ فالعرب بدؤوا بالتعبير عن أنفسهم بالنثر خاصة ، ثم استجابة لدافع طبيعي لهذه الحاجة الفنية الجمالية الفطرية عند البشر (...) في إحداث لون من النظام ونوع من الانتظام فيما يأتونه - تَصَوَّروا أن يقطعوا حديثهم إلى جمل من نفس الطول ، ونزعوا إلى جعل هذه الجمل متشابهة فيما بينها أكبر قدر ممكن من التشابه . والوسيلة الوحيدة التي كانت بإمكانهم ، هي أن يحاكوا في الجملة نفس الصوت الذي سمعوه في الجملة قبلها ، وهكذا نشأ السجع . لكن نتج عن هذا الأمر نفسه ، القائم على محاكاة صيغ الكلمات وترتيبها بين الجمل ، نوع من الإيقاع أَطْرَبَ أسماعهم ، وكان عليهم أن يبحثوا عن طريقة لترتيب هذه الكلمات بشكل يحدث لهم التأثير الأكثر إمتاعا ؛ فتوصلوا إلى ذلك بأحد أمرين : إما باستخدام كلمات من نفس الصيغة من كل شطر ، وإما برصف كلمات مختلفة من شأن اجتماعها مع بعضها أن يولد مجموعات إيقاعية متشابهة ، وكانت البحور " ، ثم تلاه غير واحد من الباحثين العرب ، كالدكاترة عبد الله الطيب المجذوب ، وعبد المجيد عابدين ، ومحمد عوني عبد الرؤوف .
أَثَرُ الْوَزْنِ الصَّرْفيِّ فِي الْوَزْنِ الْعَروضيِّ
[26] لقد تولد وزن البيت إذن ، من وزن الكلمة المكرر ، ووضح أن الوزن العروضي توظيف للوزن الصرفي ، مما كان فيما أحسب ، وراء دعوة أستاذنا الدكتور محمد حماسة إلى كشف التفاعل الكامن في العبارة الشعرية ، بين الوزن العروضي وأبنية المفردات .
إن في هذه العلاقة التي اتضحت ، جوابا وتفسيرا لأسئلة وملاحظات عروضية تتكرر في مختلف الأمكنة والأزمنة ، على اختلاف اللغات ، كملاحظة ابن خلدون : " ليس كل وزن يتفق في الطبع ، استعملته العرب في هذا الفن ، وإنما هي أوزان مخصوصة يسميها أهل تلك الصناعة البحور " ، وكسؤال الباحث الأمريكي : " لماذا هذه الأشكال العروضية بالذات وليس غيرها ؟ " ؛ ففي كل لغة علاقة خاصة بين وزنها العروضي ووزنها الصرفي ، تُحَدِّدُ لها بحور شعرها .
وفي شهادة طريفة لبعض المشغولين بالتجديد من الشعراء ، جواب وتفسير آخران عمليّان خارجان من معاناة الإبداع نفسها ؛ إذ قال الشاعر المصري محمد سليمان : " اكتشفت أن اللغة ليست بريئة نغميا ، وأن الشاعر عليه أن يواجه سلطتها وتسلطها على المستويين : الدلالي والنغمي ؛ فكل مفردة هي في الغالب جزء من تفعيلة أو تفعيلة كاملة ( خَيْمَةٌ = فاعلن ، صَباحٌ = فعولن ، جُمَّيْزَةٌ = مستفعلن ، مَطَرٌ = فعلن أو متفا ... إلخ ) . العبارة الأولى في القصيدة وأحيانا المفردة الأولى تحدد الإطار النغمي ، ومجرد بروز تفعيلة معينة في مدخل القصيدة يحدث نوعا من الانتقاء اللغوي ، ويضيق بالتالي أُطُر الحرية ، ويقمع كل محاولة للإمساك بكامن إيقاعي خاص بالتجربة " .
إنه يقر بتلك العلاقة ويعترف بخضوعه لها مرغما أسيفا ، ولا فرق في هذا بين الصورة السالمة للوزن العروضي والصورة المغيرة ، في صدورها عن وزن الكلم الصرفي .
أَثَرُ الْوَزْنِ الْعَروضيِّ فِي الْوَزْنِ الصَّرْفيِّ
[27] تتبع ابن عصفور صيغ الكلمات ، فاستوعبها أولا بالقسمة العقلية السالفة الذكر في الفقرة العاشرة ، ثم مضى يعرض لأوزانها وزنا وزنا ، فأطال جدا ، حتى إنه استفرغ في هذا عُظْمَ كتابه . وقد وجدته في كثير من الأحيان يقف أمام الوزن كالمنكر ، يقطع مرة بأنه مما أخرجه الوزن العروضي ، ويصمت أخرى فتقوم طريقته في التفسير مقام ذلك القطع نفسه . فمن النمط الأول قوله : " زاد بعض النحويين في أبنية الخماسي ( فِعَّلِل ) نحو ( صِنَّبِر ) ، والصحيح أنه لم يجئ في أبنية كلامهم إلا في الشعر ، نحو قوله :
بِجِفانٍ تَعْتَري نادِيَنا مِنْ سَديفٍ حينَ هاجَ الصِّنَّبِرْ " .
ومنه كذلك أنه يرى وزن ( يَفْعَلّ ) الذي جاء منه ( يَهْيَرّ )، و( فِعْيَلّ ) الذي جاء منه ( قِشْيَبّ ) ، و( قِسْيَنّ ) ، و( عِظْيَمّ ) - حادثين بتشديد آخر الكلمة الصحيحة الآخر غير المهموزته ولا المسبوق آخرها بساكن ، عند الوقف الذي لا يتورع الشاعر عن استعماله في الوصل ، كما في قول راجزهم :
" مَحْضُ النِّجارِ طَيِّبُ الْعُنْصُرِّ " .
ومن النمط الآخر أنه يرى أن وزن ( فُعَلِل ) الذي جاء منه ( عُلَبِط ، وهُدَبِد ، وعُكَمِس ، وعُجَلِط ، وعُكَلِط ، ودُوَدِم ) ، ووزن ( فَعَلُل ) الذي جاء منه ( عَرَتُن ) ، ووزن ( فَعَلِل ) الذي جاء منه ( جَنَدِل ، وذَلَذِل ) - حادثة بحذف الألف تخفيفا ، بدليل أنها رويت أيضا بإثباتها . ومنه كذلك ما رأى فيه عكس ما سبق قائلا : " وكذلك ( خِلَفْناة ) : ( فِعَلْناة ) ، إلا أنه ليس ببناء أصلي ، لأنهم قد قالوا : ( خِلَفْنَة ) ، فيمكن أن يكون هذا مشبعا منه " .
إن لابن عصفور في علم الصرف وضرائر الشعر ، كتابين معدودين في أفضل ما خرج في هذين الشأنين جميعا ؛ ومن ثم تجد آراؤه فيهما دائما العنايةَ الملائمةَ ، ولست إلا واحدا ممن يعبؤون بها . لقد منعه علمه بالصرف من أن يجد تلك الأوزان الصرفية ولا يعرض لها ، ومنعه علمه بضرائر الشعر من أن يجدها من عمل الشعراء في شعرهم ولا ينبه على هذا فيها ، غير أنه صرَّح مرة ولمَّح أخرى ، فلم يكن تلميحه بأقل دلالة عندنا من تصريحه ؛ إذ قد علمنا من ملاحظة علاج الشاعر لشعره ، أنه لا يتورع عن تغيير وزن الكلمة الصرفي ، تسليما للوزن العروضي ، دون أن يفسده ، وليس أسهل عليه من مثل ما ذكره ابن عصفور .
لدي تجربة طريفة ذكرها لنفسه الدكتور نجيب البهبيتي - رحمه الله ! - عانى فيها النظر في شعر طرفة بن العبد ، ثم قال : " شعرت شعورا واضحا أنه يُكَيِّف الألفاظ ، ويُطَوِّعها لوزن شعره ، وختام بيته . ومن ذلك قوله في جمع ( فَرِح ) : ( فُرُح ) ، و( هاذِر ) : ( هُذُر ) ، و( فاخِر ) : ( فُخُر ) ، و( بِكْر ) : ( بُكُر ) ، و( إِزار ) : ( أُزُر ) ، و( وَقور ) : ( وُقُر ) ، و( أَشْقر ) : ( شُقُر ) ، وغيرها (...) ومن هذا القبيل أيضا تخفيف الحرف المتحرك في وسط الكلمة ، بإبدال حركته سكونا ، كـ( مَلْك ) في ( مَلِك ) ، وعكس ذلك ، كقوله في ( شُقْر ) : ( شُقُر ) ؛ فهذه فيما أظن ، عمليات قد أكسبها الشعر للكلمة " .
إن في كون أكثر ضرائر الشعر ، من تغيير الوزن الصرفي ، بيانا لعلاقته بالوزن العروضي ، ثم إنه بالإلحاح على تغييرات بعينها ، تنشأ أوزان صرفية جديدة ، ويتأصل استعمالها عرفا ، فلا يملك علماء الصرف إلا أن يضيفوها إلى مادتهم ويراعوها في عرض علمهم ، وإن كان منهم العالم بالشعر الذي يفطن إلى تلك النشأة ، وغيره الذي يكتفي بالإضافة .
ظاهِرَةُ الْمُلْحَقِ أَقْوى آثارِ الْوَزْنِ الْعَروضيِّ فِي الْوَزْنِ الصَّرْفيِّ
[28] ولقد صار لـ( الملحق ) باب مستقل أصيل في علم الصرف ، يعرض فيه علماؤه لأوزان صرفية نشأت لغرض لفظي ( صوتي ) ، بتغيير أوزان صرفية أولى ، ربما لم تعد مستعملة ، تغييرا يجعلها بزيادة حرف أو حرفين ، على وفق أوزان معينة ، من نوع مقاطعها وعددها وترتيبها ، " ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة ، مثل كلمة أخرى في عدد الحروف وحركاتها المعينة والسكنات ، كل واحد في مثل مكانه في الملحق بها ، وفي تصاريفها : من الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول - إن كان الملحق به فعلا رباعيا - ومن التصغير والتكسير ، إن كان الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا . وفائدة الإلحاق أنه ربما يُحْتاج في تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب في شعر أو سجع " .
ما ( المُلْحَقُ ) فيما أرى ، إلا ظاهرة وزنية صرفية ، من آثار الوزن العروضي ونتائج علاج الشاعر لإبداع شعره ، صارت سنة لغوية اتبعه فيها غيره من مستعملي اللغة . ومن قديم ينهج الشعراء لغيرهم مناهج اللغة .
كذلك أرى أن الإلحاق كان في أَوَّليَّته لفظيا ( صوتيا ) فقط ، ثم صار وسيلة إلى توسيع المعنى أو تضييقه أو التعبير عن معنى جديد . إن لدينا نماذج باقية من تلك المرحلة السابقة ، تؤكدها وتبينها ، قال ابن منظور : " جَهَرَ بكلامه ودعائه وصوته وصلاته وقراءته (...) وأَجْهَرَ وجَهْوَرَ : أعلن به وأظهره " ، وقال : " شَمَلَ الرجل وانْشَمَلَ وشَمْلَلَ : أسرع وشمَّر " ، فقدم لنا فيهما ( جَهْوَرَ ) الذي على وزن ( فَعْوَلَ ) ، الملحق بـ( فَعْلَلَ ) ، بتغيير ( جَهَرَ = فَعَلَ ) ، و( شَمْلَلَ ) الذي على وزن ( فَعْلَلَ ) ، الملحق بـ( فَعْلَلَ ) كذلك ، بتغيير ( شَمَلَ = فَعَلَ ) - اللذين لم يتغير المعنى فيهما عنه فيما غُيِّرا عنه . ولا نحتاج إلى نماذج للمراحل اللاحقة ( كسَيْطَرَ = فَيْعَلَ ، وشَرْيَفَ ، بمعنى قطع ورق الزرع الجاف = فَعْيَلَ ) ، الملحقين كذلك بـ( فَعْلَلَ ) ، بتغيير ( سَطَرَ = فَعَلَ ، شَرُفَ = فَعُلَ ) ؛ فهي الآن المستولية على الملحق ، حتى لقد صار ملجأ المحدثين كلما احتاجوا إلى التعبير عن معنى جديد ، ولا سيما إذا ترجموا فعجزوا عن مقابلة الكلمة بمثلها من العربية ، فأخرجوا لنا كلما لا أستطيع الآن حصرها - بل لم أعلم أحدا قام بهذا - وفقوا في بعضها وأخفقوا في بعضها ، كما في مثل : عَلْمَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير عَلِمَ = فَعِلَ ، وعَمْلَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير عَمِلَ = فَعِلَ ، وجَمْعَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير جَمَعَ = فَعَلَ ، وشَعْرَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير شَعَرَ = فَعَلَ ، وبَنْيَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير بَنى = فَعَلَ ، ومَعْجَنَ = مَفْعَلَ ، بتغيير عَجَنَ = فَعَلَ ، ومَعْجَمَ = مَفْعَلَ ، بتغيير عَجَمَ = فَعَلَ ، ومَفْصَلَ = مَفْعَلَ ، بتغيير فَصَلَ = فَعَلَ ، ومَنْطَقَ = مَفْعَلَ ، بتغيير نَطَقَ = فَعَلَ ، ومَذْهَبَ = مَفْعَلَ ، بتغيير ذَهَبَ = فَعَلَ ، وبعضها أشبه بالنحت منه بالإلحاق . وكما اضطر علماؤنا القدماء إلى الإقرار بباب الملحق ، قبل مجمع اللغة العربية بعض ما ابتكره المحدثون .
الْتِباسُ كَثْرَةِ الْبُحورِ بِكَثْرَةِ الصِّيَغِ
[29] في خلال دراسته لاستعمال الأوزان الصرفية في اللغة العربية ، استحضر الدكتور الأب هنري فليش الأوزان العروضية ؛ فنم عن اعتقاده أن بينهما العلاقة التي ذكرت . لقد قسم الأوزان الصرفية على قسمين :
1 صيغ ذات إيقاع صاعد ، وهي التي تبدأ بمقطع قصير يليه مقطع طويل ، كما في : ( فَعالٌ ، وفِعالٌ ، وفُعالٌ ، وفُعَيْلٌ ، وفَعيلٌ ، وفَعولٌ ، وفُعولٌ ) .
2 صيغ ذات إيقاع عكسي ( هابط ) ، وهي التي تبدأ بمقطع طويل يليه مقطع قصير ، كما في : ( فاعَلٌ ، وفاعِلٌ ، وفَيْعَلٌ ، وفَوْعَلٌ ) .
وقد لاحظ إيثار العربية القديمة التي وصفها بالصحراوية ، استعمال القسم الأول ، على استعمال القسم الآخر ، مما أنتج للأول كثيرا من الأوزان ، وأفضى إلى إهمال كثير من إمكانات الآخر .
وهو يسرع ليوضح أن صيغة ( فاعَل ) من القسم الآخر ، لم يتعد ما جاء منها ثماني كلمات ، كانت أعجمية الأصل ، كـ( خاتَم ) ، وأن كثرة كلم صيغة ( فاعِل ) ، إنما يرجع إلى وَظيفيَّتها الصرفية ( اسم فاعل ) ، لا إلى طبيعتها الإيقاعية .
ثم هو يطلع على ما قام به بعض الباحثين في عروض الشعر العربي ، من إحصاء للأوزان المستعملة ، فيكتشف أن شعر العربية القديمة ( الصحراوية ) ، كان يؤثر بحر الطويل ( وتفاعيل بيته " فعولن مفاعيلن " أربع مرات ) ، والكامل ( وتفاعيل بيته " متفاعلن " ست مرات ) ، والوافر ( وتفاعيل بيته " مفاعلتن " ست مرات ) ، والبسيط ( وتفاعيل بيته " مستفعلن فاعلن " أربع مرات ) ، وأغلبها يميل في تفاعيله إلى ذلك الإيقاع الصاعد ، " وعنصر إيقاع الوتد المجموع المذكور ، هو صانع الإيقاع الصاعد : فيبدأ الصوت بمقطع قصير ، ثم يمتد إلى مقطع طويل . إحساس بالاجتذاب إلى أمام ، وشعور بوثبة واندفاعة ، يحتمل تعزيزها بارتفاع الصوت على هذا المقطع الطويل من أجل النبر الموسيقي ، مع كثير أو قليل من تردد الصوت بحسب الأوزان . ألا يمكن أن يكون هذا هو السبب ، أو أحد أسباب تلك الجاذبية الخفية لوزن الطويل " ؟ وكأنما يومئ إلى ملاءمة الإيقاع الصاعد لفضاء الصحراء ، الذي لا يتضح فيه الإيقاع الهابط .
إنه تناول واع جدا لطبيعة اللغة العربية ، غير أنني لا أرى لواحد فقط دون غيره ، من الوزنين العروضي والصرفي كما رأى هو ، فضل تأثير في نسبة استعمال الآخر ، بل كل منهما مؤثر ومتأثر ، بادئ مرة ومبدوء أخرى .
وَهْمُ اطِّراحِ الْأَوْزانِ وَاسْتِحْداثُها
[30] لو استطاع مستعمل اللغة العربية ، أن يعبر عن اسم الفاعل من ( ضرب ) ، بكلمة مفردة غير ( ضارب ) ، لاستطاع أن يأتي بشعر عربي ذي وزن عروضي لا علاقة له بأوزان الشعر العربي في تاريخه الطويل . هذا ما أراده ابن عبد ربه ، ببيت أرجوزته :
" وَإِنّه لَوْ جازَ في الْأَبْيات خِلافُها لَجازَ في اللُّغات " .
أي لما لم يكن للمتكلم بالعربية أن يعبر عما يريد بأوزان صرفية جديدة ، لم يكن للشاعر أن ينظم على أوزان عروضية جديدة ، لأنه لا يفهم مراد الأول ولا يشعر بوزن الثاني ، متلقٍّ عربي .
من ثم يكون في تفريق الزمخشري بين اللفظ ( الأصوات والوزن الصرفي ) ، والوزن ( العروضي ) ، نظر ؛ إذ قال : " حد الشعر ( لَفْظٌ ، مَوْزونٌ ، مُقَفًّى ، يَدُلُّ على مَعْنًى ) ؛ فهذه أربعة أشياء : اللفظ ، المعنى ، الوزن ، القافية . فاللفظ وحده هو الذي يقع فيه الاختلاف بين العرب والعجم ؛ فإن العربي يأتي به عربيا ، والعجمي يأتي به عجميا . وأما الثلاثة الأخر فالأمر فيها على التساوي بين الأمم قاطبة " .
إن الحقيقة أن مجرد اللفظ ( الأصوات ) ، هو المشترك بين الأمم غالبا ، وأن موطن الاختلاف ، إنما يكمن في الوزن الصرفي الذي يوظفه الوزن العروضي ، فيخرج هذا مطبوعا بطابع لغته .
ولهذا لا يمكننا أن نسلم بقول بعض الدارسين : إن الأندلسيين حطموا عمود الشعر العربي القديم وأصابوا اللغة القرشية في صميمها ؛ فإنهم إنما تصرفوا في الوزن العروضي ، دون أن يخرجوا عن فلكه ، ولو كانوا قد حطموه لكانوا قد حطموا عمود اللغة كذلك . وكل ما لم يكن بهذه المثابة من كلامهم الفني ، كان كغيره في كل زمان ومكان ، ينبغي ألا يدعي له أحد وزنا عروضيا ؛ فما الموشح إلا محاولة من محاولات سابقة ولاحقة ، للتصرف في الوزن العروضي ، وإن كان من أشدها ظهورا ونجاحا.
طَبْعُ الْفَنّانينَ أَسْلَمُ مِنْ نَظَرِ الْعُلَماءِ
[31] ولقد كان الشاعر حسب الشيخ جعفر - صاحب محاولة تصرف في الوزن العروضي - أكثر إنصافا من نفسه حين قال : " هناك تفعيلة ، متى ما هشمت هذه التفعيلة ، واكتشفنا تفعيلات جديدة ، نكون أمام اجتهاد آخر . ولكننا ما زلنا في التفعيلة نفسها ، وبالطبع فنحن ندور في الشعرية العربية بعامة . ويمكن أن يطرح هذا السؤال عند اللغويين ، وبخاصة في ما يحدث الآن في الكتابات عن البنيوية مثلا : هل هناك في المستقبل تصور عن تهشيم التفعيلة لاكتشاف تفعيلة جديدة ، أم أن هذه التفعيلة الجديدة هي من لفظ اللغة العربية نفسها ، فإذا ما هشمت هذه التفعيلة ، فينبغي أن تهشم من أسس أخرى في التكوين اللغوي أصلا . وبالطبع فإن هذه المسألة مسألة شائكة " .
إنه يطمح إلى أن يستبدل بالوزن العروضي الموروث ، غيره ، ليقدم اجتهاده الخاص كما قدم السلف اجتهادهم ، ولاسيما أنه يتفقد محاولات التجديد فيجدها تدور في فلك الوزن العروضي الموروث ، غير أنه يشعر بعلاقة هذا الوزن العروضي الذي يفكر في تهشيمه - إذا استعملت تعبيره المتأثر لمنهج تفجير الوزن واللغة - بالوزن الصرفي ، فيستعظم عندئذ هذا الطموح !
إننا حين نقرن تجربة هذا الشاعر ، بتجربة الشاعر محمد سليمان السابق عرضها ومناقشتها في الفقرة السادسة والعشرين ، يتجلى لنا الشعراء أكثر وعيا لهذا الأمر وأدق نظرا ، من بعض النقاد الذين يتجملون باستنفار هِمَمِهم إلى استحداث تفعيلات جديدة " تكون قادرة على استيعاب مشاعرهم المتجددة ، ورؤاهم المتغيرة ، وأدواتهم النامية " ، ونتذكر كلمة البحتري في تفضيل أبي نواس على مسلم ، بعدما قيل له : " إِنَّ أَبا الْعَبّاسِ ثَعْلَبًا لا يُوافِقُكَ عَلى هذا . فَقالَ : لَيْسَ هذا مِنْ شَأْنِ ثَعْلَبٍ وَذَويه ، مِنَ الْمُتَعاطينَ لِعِلْمِ الشِّعْرِ دونَ عَمَلِه ، إِنَّما يَعْلَمُ ذلِكَ مَنْ دُفِعَ في مَسْلَكِ طَريقِ الشِّعْرِ إِلى مَضايِقِه وَانْتَهى إِلى ضَروراتِه "
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117

التَّوافُقُ أَحَدُ مَظاهِرِ عَلاقَةِ عِلْمِ الْعَروضِ بِعِلْمِ الصَّرْفِ​

 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,314
مستوى التفاعل
3,187
النقاط
113
ابدااااع راقي..
وفي منتهى الروعه والجمااال
كلمااااااااات من ذهب..
ومعطرة بعطور ساحرة..
لاعدمنا كل مايخطه قلمك لنا
تحياتي وعبير ودي
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير
 

عبد الرحمن

Well-Known Member
إنضم
20 أغسطس 2022
المشاركات
314,268
مستوى التفاعل
2,242
النقاط
113
محمد شمس
طرح جميل
ربي يعطيك العافيه
 

عبد الرحمن

Well-Known Member
إنضم
20 أغسطس 2022
المشاركات
314,268
مستوى التفاعل
2,242
النقاط
113
محمد شمس
طرح جميل
ربي يعطيك العافيه
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,301,033
مستوى التفاعل
48,273
النقاط
117
يسعدني ويشرفني مروووووورك العطر
لك مني اجمل باقات الشكر والتقدير
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 2 ( الاعضاء: 0, الزوار: 2 )