- إنضم
- 26 يونيو 2023
- المشاركات
- 107,526
- مستوى التفاعل
- 105,981
- النقاط
- 2,003

بر على الورق ....وعقوق على الأرصفة ....
"أين نحن من أمهاتنا؟"
سؤال بسيط، كطلق النار.
سؤال يبدأ كهمسة في الوجدان، ثم يتضخم… حتى يصير صرخة.
نحبّ أن نقول إننا صالحون،
نحبّ أن نُشبّه أنفسنا بالأنبياء، بالأبرار، بالذين يضعون الطُهر في جيوبهم كمناديل حريرية.
ثم نمشي في الشوارع…
فنرى امرأةً طاعنة في الوجع، تحمل وجهاً يشبه وجوه الأمهات،
تمد يدها لا لتشحذ، بل وكأنها تحاول أن تلمسنا… أن توقظ شيئًا نائمًا في ضمائرنا.
نسير سريعًا… نخفض رؤوسنا… نتظاهر بأننا لا نراها.
ثم نذهب إلى منبر، ونخطب عن برّ الوالدين، وننشر آية: "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"
لكننا لا نُكملها بصوتٍ مرتعش كما ينبغي.
أين نحن من أمهاتنا؟
اللواتي يُلقين في دور العجزة كأنهن أوراق من تقويم قديم.
اللواتي ينامن في ممرات المستشفيات لأن أبناءهن "مشغولون".
اللواتي يرفعن أكفّ الدعاء من أرصفةٍ لا تحفظ أسماء الأبناء.
نحن مجتمعٌ بارع في كتابة اللافتات:
الجنة تحت أقدام الأمهات.
نطبعها، نُعلّقها في المدارس، نضعها في الباصات، نرسمها فوق الجدران…
لكننا نخطئ الهدف.
نكتبها حيث لا تمشي أقدامهن.
نحن نحبّ الجنة،
لكننا لا نحبّ من تحت أقدامهن الطريق.
من أين جاء هذا الخلل؟
أهو من ضجيج العصر؟
من اقتصادٍ يُلغي العاطفة؟
من شاشاتٍ تقول إننا ناجحون لمجرد أننا سافرنا، وركبنا، وامتلكنا؟
أم هو من جفاف القلوب؟
لا أحد يعرف.
لكن المؤكد أن مجتمعات يُهان فيها الحنان الأول،
لا تستحق أن تتباهى بأي شيء.
التحليل النفسي يقول:
الأمومة هي أول مرآة نرى بها أنفسنا.
فحين نكسر المرآة، لا نرى بعد ذلك شيئًا بوضوح.
ومن لا يبرّ أمه، لا يبرّ ذاته.
وأنا أقول،
ببساطة:
لسنا بخير،
ما دامت الأم،
منفية على أطراف الحياة.