الطائر الحر
Well-Known Member
الحفر القمرية خلّفتها البراكين الخامدة، فحفرت لها مدخلا يظهر على السطح كدائرة (ناسا)
يتميز سطح القمر بتضاريسه الجميلة والغريبة والكثيرة، فقبل اكتشاف المنظار (التلسكوب) كان الناظرون إليه يعتقدون أن مناطقه الداكنة بحار منتشرة على سطحه، فأطلقوا عليها أسماء اتخذت من مصطلحات الأرصاد الجوية قائمة لها كبحر الرحيق والهدوء والعواصف والأبخرة والرطوبة وغيرها.
وكذلك يتميز بالفوهات الصدمية التي خلّفتها على شكل دوائر كبيرة تلك النيازك التي استمرت ترتطم بسطح القمر بُعيد تشكله وإلى أن استقر به الحال، ولا تزال بعضها تعمل على ذلك حتى اليوم ولكن بأعداد قليلة جدا وأحجام صغيرة.
ولأنها المعالم الأكثر عددا والأجمل من حيث إلقاء الظلال، فقد اتخذ الفلكيون لكل واحدة منها اسم عالم ساهم في العلم بغض النظر عن تخصصه، إذ إن بعضهم كان سياسيا أو مشهورا من المشاهير أمثال ديكارت وليوناردو دافنشي وألفريد نوبل وألفونسو الخامس والممثل الهندي الشهير شاه روخ خان وغيرهم.
وقد حظي 28 عالما عربيا ومسلما بفوهات سميت بأسمائهم أمثال الصوفي والبيروني والمأمون والحسن بن الهيثم وعمر الخيام وآخرين.
وقد صُورت على سطح القمر معالم أخرى كالسهول الكبيرة والأخاديد والوديان الممتدة والسلاسل الجبلية الطويلة والفوهات البركانية كذلك.
قواعد انطلاق لاستكشاف الفضاء
غير أن أغرب معالم القمر الواعدة مستقبلا هي تلك المعالم التي عُرفت بالحفر القمرية، فظاهرها فوهات نيزكية، لكنها في الحقيقة حفر خلّفتها البراكين الخامدة، فحفرت لها مدخلا يظهر على السطح كدائرة.
بيد أن بعضها عميق وممتد من جوانبه تحت السطح، فهي تصلح لأن تكون ملاجئ يحتمي فيها مستوطنو القمر مستقبلا.
فبدلا من بناء مستوطنات فوق سطح القمر، معرضة مباشرة للإشعاعات الكونية والشمسية ومعرّضة لفروقات حادة جدا في درجات الحرارة بين الليل والنهار (بين 100 تحت الصفر نهارا و175 تحت الصفر ليلا)، فإن هذه الملاجئ ستعمل أولا كدرع طبيعي واق من الأشعة الكونية وأشعة الشمس فوق البنفسجية والسينية القاتلة، وكذلك ستحتفظ بداخلها على حرارة بفروقات قليلة لا تنخفض كثيرا ولا ترتفع.
يعتقد أن الحفر القمرية بوابات لأنفاق الحمم البركانية الممتدة تحت سطح القمر (ناسا-يوتيوب)
فقد زُودت مركبة "ريكونيسانس" القمرية المدارية (Lunar Reconnaissance Orbiter LRO) منذ إطلاقها من قبل وكالة الطيران والفضاء الأميركية "ناسا" (Nasa) في عام 2009 بكاميرتين، إحداهما ذات حقل رؤية واسع تسمح بتصوير المعالم العامة وسطح القمر بصور شمولية، والأخرى صغيرة الحقل لكنها ترى لمسافات بعيدة لتصوير التفاصيل الصغيرة على سطح القمر، فكانت التضاريس الجميلة للفوهات والبحار القمرية من نصيب الكبيرة، وكانت الاكتشافات الجديدة من نصيب الصغيرة.
مغارات محتملة لاستيطان القمر
وقد كشفت الكاميرا الصغيرة عن وجود أكثر من 200 حفرة قمرية تتراوح أقطار (فوهاتها) بين 5 و900 متر يوجد أكثرها في مناطق السهول المعروفة بالبحار القمرية ذات اللون الداكن والتي تمتلئ سهولها بالحمم البركانية التي ثارت في العهود الأولى من تشكل القمر ثم خمدت بعد ذلك، وربما كان لها نشاط داخلي تحت القمر، لكنها لم تعد نشطة اليوم.
وبمقارنة هذه الحفر بما يعرف بالأنابيب البركانية الأرضية (أنفاق تحت الأرض كانت تسير الحمم فيها قبل خروجها إلى السطح)، يعتقد العلماء بوجود تشابه كبير بينهما، مما يعني أن ثمة أنفاقا كثيرة تحتجب تحت سطح القمر يمكن استعمالها كملاذات آمنة للبشر المستوطنين لسطح القمر في المستقبل غير البعيد.
رسم تخيلي للحفرة القمرية من الداخل على شكل كهف وأخاديد ممتدة تحت سطح القمر (ناسا)
لماذا القمر وليس المريخ؟
يتميز القمر بصغر كتلته، وهذا يستلزم صغر جاذبيته أيضا، فهي تبلغ سدس جاذبية الأرض، أي أن الجسم بوزن 600 نيوتن (وليس كيلوغرام) على الأرض، سيزن على القمر 100 نيوتن فقط، وهذا يعني أن التخلص منه إلى الفضاء سيكون أسهل بـ6 مرات.
فسرعة الإفلات من سطح الأرض تبلغ 11.2 كيلومترا في الثانية (أي أن علينا أن نقذف الشيء إلى أعلى بسرعة يقطع فيها مسافة 11.2 كيلومترا في ثانية واحدة، وهذا أمر مستحيل)، لكن هذه السرعة تصبح على القمر 2.38 كيلومتر في الثانية فقط.
رسم توضيحي للكاميرات على متن مركبة القمر المدارية (ناسا-مركبة ريكونيسانس القمرية المدارية)
وعليه، سيكون بالإمكان مستقبلا أن تُبنى محطات الإطلاق إلى الفضاء الخارجي على سطح القمر لأنها ستكون أقل كلفة في الوقود اللازم لمقاومة الجاذبية.
وسيكون كوكب المريخ أول تلك الوجهات التي تتجه إليها رحلات القمر، فهو الكوكب الأول من حيث المناخ، والأكثر زيارة من مركبات الفضاء (حطت على سطحه حتى عام 2020 ثماني مركبات فضاء)، ولكون الرحلة إليه تستغرق بين 6 و8 أشهر، فمن الصعب أن يكون بديلا للقمر، خصوصا وأن القمر قريب لا تستغرق الرحلة إليه سوى ثلاثة أيام على أبعد تقدير.
فهل سيستغل المغامرون حفر القمر هذه كملاجئ ومنصات انطلاق مستقبلية نحو الفضاء؟