سما العراق
Well-Known Member
- إنضم
- 28 يونيو 2020
- المشاركات
- 13,633
- مستوى التفاعل
- 52
- النقاط
- 48
إن القرآن الكريم يقول: بعث النبي لهدفٍ واحد، هو الرحمة، كما تقول الآية الكريمة: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)
إن قيمة الرحمة تُعد إحدى القيم المحورية في الإسلام، وهذه القيمة غدت إحدى المحاور الأساسية في فكر الإنسان المعاصر، ومما يُؤسف له أن الأخرين تبنّوا هذه القيمة بشكل نظري وعملي، أما أن يكون هذا التبني واقعياً أو كاذباً أو إنه تبنٍّ حقيقيٌّ أو متاجرةٌ، فهو بحثٌ آخر.
لذا نلاحظ اليوم في وسائل الإعلام أنَّ المسيحيين يحاولون أن يلتهموا العالم بطرح هذه القيمة، حيث يقولون: (إن المسيح رحمة، وهو قد إفتدانا من لعنة الناموس، وأنه يتحمّل جميع الخطايا وجميع الآلام رحمةً بالبشر)[1]! كما نلاحظ أن القوى العظمى ترفع شعار حقوق الإنسان، على أنها شعبة من شعب الرحمة، بينما نجد أن تبنّينا لهذه القيمة ضعيفٌ جداً من الناحية النظرية والعملية، إذ ليس ثمة من يدافع عن حقوق الأطفال في العالم، أو عن المرأة المهضومة والمظلومة، أو عن حقوق السجناء في العالم، كأن يكون السجين من ديننا أو من معتقد آخر، فالامام علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: ( الإنسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)[2].
يقول الشيخ بهلول أنه تعرض للسجن في إحدى المعتقلات الأفغانية سنين طوال من دون أن يعرف أحدٌ عنه شيئاً، فيقول ذات مرة أصيب أحد المعتقلين بمرض وهو من دين آخر، فإذا بلجان الدفاع عن حقوق الإنسان يضغطون على تلك الدولة بما لديهم من أدوات الضغط، فالكلام وحده لن يجدي نفعاً، فضغطوا وأطلقوا سراح ذلك المريض وأبقوا هذا السجين الذي كان من الموالين لأهل البيت عليهم السلام، وجاء في مذكرات الشيخ البهلول، أنه بقي في السجون الأفغانية أكثر من ثلاثين عاماً، وبحكم الصدفة وقع خلاف بين الدولة الافغانية ودولة أخرى حول قضية إتفاقية معينة، فأخذت الدولة الأخرى تفضح الدولة الأفغانية فاضطروا إلى إطلاق سراح المعتقلين، ولولا هذا الخلاف بين الدولتين ربما كان الشيخ بهلول الحي والحاضر حالياً، يعيش بقية أيام حياته في السجن.
هنالك آيات كثيرة حول الرحمة في النصوص الدينية، ففي اللحظة الأولى التي تفتحون فيها القرآن الكريم تجدون شعار الرحمة: (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهذا أول كتاب الله، كما انه مطلع كل سورة، وربما تكررت كلمة الرحمة ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من خمسمائة مرة، ولكن نكتفي هنا باستعراض آيتين كريمتين: الآية الأولى تتناول الجانب التكويني، والآية الثانية تتناول الجانب التشريعي:
الآية الأولى التي تتناول الجانب التكويني، تبين السبب من وراء خلق الإنسان... فهذا السؤال واللَّغِز حيّر العقول وحيّر المفكرين منذ آلاف الأعوام وإلى يومنا هذا، فلماذا خلقنا الله؟ وما هو الهدف من ذلك؟
القرآن الكريم يجيب بوضوح على هذا السؤال: بأن يا أيها البشر أنتم خلقتم للرحمة...، فالله تعالى يقول: (إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)[3]، بمعنى إن الله خلقنا ليرحمنا، وهذه هي العلة الغائية والفلسفة الوجودية للإنسان، إذن تمثّل الرحمة المحور في نظام التكوين، لأن الأشياء خلقت للإنسان والإنسان خلق للرحمة.
أما الآية الثانية؛ فترتبط بالجانب التشريعي، وتتناول بعثة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، والسؤال هو: لماذا بعث النبي صلى الله عليه وآله؟ إن القرآن الكريم يقول: بعث النبي لهدفٍ واحد، هو الرحمة، كما تقول الآية الكريمة: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)[4]، أي إن هدف البعثة الذي يتحدد بين (ما وإلا)، مُتمحّض في الرحمة، فإذن القيمة المحورية في نظام الخلقة هي قيمة الرحمة، كما أن القيمة المحورية في نظام البعثة هي الرحمة أيضاً.
رحمة لكل البشرية
هنا يوجد سؤالان حول الآية الثانية نتطرق لهما باختصار:
السؤال الأول: هل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بُعث رحمةً للمؤمنين فقط؟ الاجابة هي: إنه للإنسان بما هو إنسان، أي أنه رحمةٌ للبوذيين والمسيحيين والمشركين أيضاً، فالآية الكريمة تقول: (...رحمةً للعالمين)، لكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم ينتفع الكفار بهذه الرحمة؟ فكيف يكون رحمةً للعالمين في حين لم ينتفع الكفار بهذه الرحمة؟
هنالك قاعدة لامجال هنا للخوض فيها، وثمة عدة إجابات... نكتفي بإجابة واحدة باختصار شديد:
إن الرحمة لها مراتب، فهي حقيقة تشكيكية مثل جميع الحقائق التشكيكية الأخرى، ومرتبة من هذه المراتب شملت الجميع، وقد أكد الوالد[5] رحمه الله في الأيام الأخيرة وفاته، على هذه النقطة، وذلك خلال استقباله عدداً من العلماء، حيث قال لهم: لم يعد لدي وقت للكتابة؛ أكتبوا أنتم كتاباً ضخماً حول فضل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله على الحضارة البشرية، بمعنى أن كل هذه النعمة والخير الذي نجده في حضارة اليوم، إنما تم تحت ظل خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.
لاحظوا الغرب كيف كان يعيش في القرون الوسطى من الناحية الصحية؟ وكيف كانت مستشفياتهم عبارة عن إصطبلات للخيل وحضائر للحيوانات؟ وقد جاء ذلك في كتاباتهم، فقد كان العلماء يؤخذون ويُحرَقون، ولكم أن تذهبوا إلى متحف الشمع في لندن وتشاهدوا المقصلة هناك والتي كان يوضع فيها رأس العالم فتنزل عليه وتقطعه، كما كانت المرأة محتقرة في الشرق والغرب آنذاك، وإذا بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله يأتي ويوجد بحرا من النور في هذا العالم، ويوجد الحضارة وحقوق الإنسان والديمقراطية التي يتحدثون عنها، فبهذا المقدار الموجود عندهم هو على أثر الإحتكاك بالحضارة الإسلامية، إذن، في هذا اليوم، كل من ينام آمناً في هذا العالم إنما هو ببركة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وكل مقدار من الحرية في العالم، هو ببركة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، فقد حقق النبي نقلة نوعية، وقد أشارت الصديقة الطاهرة فاطمة صلوات الله عليها إلى بعض الجوانب من هذه النقلة النوعية في خطبتها المعروفة: (فأنقذكم الله بأبي محمد...).
السؤال الثاني: إذا كان النبي صلى الله عليه وآله رحمةً للعالمين فلماذا نظام العقوبات الجزائية؟ وهل إن قطع يد السارق رحمة؟!
بدايةً وقبل الإجابة نقول على نحو الفهرس السريع: إن نظام العقوبات لا يمثل الإسلام ككل، وإنما يمثل جزءاً محدوداً من نظام الإسلام، فحجم النظام الجزائي لايشغل حيزاً كبيراً في التشريع الاسلامي، ففي الفقه والشرائع العديد من الكتب بدءاً من كتاب الطهارة إلى كتاب الديّات، حجم النظام الجزائي كم يشغل من حيّز هذا التشريع؟ وهل إن كتاب الحدود وكتاب القصاص كل ما موجود في الفقه من كتب العبادات والمعاملات والعقود والإيقاعات والأحكام؟ الواضح أن نظام العقوبات لا يمثل الاسلام والأحكام الاسلامية كلها، ربما نتصور أنه اذا وصلنا إلى الحكم نقول: إن الإسلام يعني قطع يد السارق! ومثل هذا كمن ينتزع العين التي هي ألطف ما في الإنسان ويفصلها عن المجموع المركب، فتكون النتيجة شيء موحش وبشع وقبيح. كذلك الحال في بدن الانسان، فإذا لم يكن اللحم يكسو هذا البدن لكان منظر البدن بشعاً، كما يلاحظ منظر الهيكل العظمي للإنسان في بعض المتاحف.
وكان الوالد رحمة الله عليه يعتقد أن نظام العقوبات على تفصيل ذكره، لا يجري إلا إذا طُبق الإسلام ككل، فاذا طبق النظام الإقتصادي، وطبق النظام السياسي وطبق النظام الاجتماعي، حينئذ اقطعوا يد السارق، وإلا فان القضية تكون كما حصل لذلك الفقير الذي أعتقل بتهمة السرقة في عهد المأمون؛ فقال ذاك الرجل: سبحان الله سارق النهار يقطع يد سارق الليل[6]! أي إني فقير وقد أضطررت إلى السرقة لأني لا أملك شيئاً، فالتفت المأمون إلى الإمام الرضا صلوات الله عليه وقال ماذا تقول؟ قال: فلله الحجة البالغة، أي إن منهج الله هو منهج الحجة... إحتج عليك فردّه، وربما كان هذا الموقف من عوامل غيض المأمون؛ فالتكافل الإجتماعي مفقود، والتكافل الاقتصادي مفقود، والحرية السياسية مفقودة، والمشاركة السياسية مفقودة، أما السائد فقط هو قطع يد السارق! ولذلك عندما كان النظام الإسلامي مُطبّقاً إلى حدٍ ما، لم يكن القضاة يعرفون الحدود، وإلى هذه القضية يشير العم[7] حفظه الله في كتابه (العقوبات)، فقد تحيّر يحيى بن أكثم وهو قاضي القضاة كيف تُقطع يد السارق؟! إلى أن لجأوا إلى الإمام الجواد صلوات الله عليه.
لنستفيد من الرحمة الإلهية
بعد هذه الملاحظة نجيب بإجابة واحدة ومختصرة على السؤال الثاني الآنف الذكر، وهي أنه مع هذه الملاحظة التي ذكرناها فإن كل قانون يحتاج إلى ضمانة إجرائية، لذا لن ينجح أي قانون يكتبه مشرع في الشرق أو في الغرب إذا خلا من ضمانة إجرائية، مثل قوانين المرور من دون غرامة، وهناك بحث للمتكلمين في قاعدة (اللطف)، وهو بحث طويل، يقولون فيه: - حسب عباراتنا وإلا هم يستخدمون عبارات ثانية- إن الوعد والوعيد هو مُحركية القانون، فإذا لايكون هذا الوعد والوعيد لن يكون القانون محركاً أو لن تكون هناك باعثية، فإذا افترضنا في ظل هذا النظام وجود قاتل في المحلة التي نعيش فيها وليس له أي عذر، فإنه لن يترك وشأنه، لأن الجميع لن يكون قادراً على النوم باطمئنان، فيما الغرب اليوم يتركه وشأنه، وكذلك الحال بالنسبة لشخص يتعدى على الأعراض ويعيش في المحلة التي نعيش فيها، فإذا تركه القانون، لن يكن بمقدور انسان النوم باطمئنان بالليل في بيته، لذا لابد من وجود قانون العقوبات، فإذن قانون العقوبات هو رحمةٌ للمجتمع، وهذا يسمى باب التزاحم بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، والرحمة تقتضي بتقديم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد.
القسم الثاني:
إن أمامنا واجبات إزاء الرحمة المهداة، وهي النبي صلى الله عليه وآله، وإزاء هذا الدين الذي هو دين الرحمة، وإزاء هذا القانون الذي هو قانون الرحمة، لذا نذكر عدة وظائف وواجبات:
الوظيفة الأولى: العرض
وللعرض شعبتان: عرض النظرية أولاً، وعرض التطبيق ثانياً، ففي الواقع العملي، النظرية الإسلامية غير معروفة للناس، ففي الإسلام ثمة دقائق عجيبة؛ فالنبي صلى الله عليه وآله، والقانون الإسلامي ليس فقط رحمة للإنسان وإنما رحمةٌ للحيوان أيضاً، وفي كتب الروايات هناك روايات عجيبة في هذا الحقل، حيث توجد بعض مفردات الرحمة التي لم يتوصل اليها البشر حتى الآن، وقد كتب الوالد رحمه الله كتاباً حول حقوق الحيوان يبدو انه لم يطبع حتى الان – وقد نقل لي ولم أر الكتاب-، وجاء إن للحيوان حقوقاً عجيبة، فقد وردت في روايات النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وفي روايات الإمام الصادق عليه السلام بحث حقوق الحيوان، فكيف بالإنسان إذ يحتاج إلى بحث مستقل؛ فهذه الرواية مرويةٌ عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وجاءت في كتاب (المحاسن) لأحمد ابن محمد ابن خالد البرقي –الإبن- في الجزء الثاني صفحة 485 وهي حقاً رواية عجيبة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله: (نظّفوا مرابض الغنم)، أي يجب ان يكون مكان الغنم أو مربضه نظيفاً، فهذا من حقوق الحيوان، أما القطعة الثانية فهي أعجب: (وامسحوا رغامهنَّ)، وربما لا يفعل أحد هذا العمل... أي إذا خرج من أنف الشاة رُغام امسحوه بقطعة (كلينكس مثلا) أو بأي شيء آخر، وربما لا يشكو الحيوان من هذا الرغام، وكذلك الحال في أن يكون الحيوان جميلاً، وهو مطلوب شرعاً.
في رواية عن الإمام الصادق صلوات الله عليه، وهي مروية في كتاب (أمالي الصدوق) رحمة الله عليه صفحة 597 عن أبي عبد الله الصادق: (للدابة على صاحبها ستة حقوق، وهي حقوق الحيوان:
1-لا يحمّلها فوق طاقتها أكثر مما تحتمل.
2-ولا يتخذ ظهرها مجالس يتحدث عليها، أي اذا وصل شخص الى صاحبه وأراد التحدث اليه عليه أن ينزل من ظهر الدابة ولا يبقى على ظهرها، فهذه دقّة القانون الاسلامي.
3- ويبدأ بعلفها إذا نزل، وهو مثير للعجب، فقد كان الانسان فيما مضى من الزمن يقطع المسافة الشرعية وهي أربع وأربعين كيلو متراً تقريباً خلال بياض اليوم أي من الصبح حتى المساء، فيكون منهكاً مُتعباً، ولكن عليه أول ما ينزل أن يفكّر في علف الدابة قبل التفكير في طعامه وشرابه.
4-لا يسمها في وجهها، وهو الكيّ بالنار، حيث كانوا يضعون علامة على وجوه الدواب، وهو عمل منهيّ عنه لأنه يلحق الأذى بالحيوان، وهذا المقدار لا يرتضيه الإمام الصادق.
5-لا يضربها في وجهها فإنها تسبّح.
6- يعرض عليها الماء إذا مرّ به، أي إذا مرّ بماء نهر –مثلاً- يعرض عليها الماء لعلها عطشى.
-ومصدر هذه الرواية ليس (أمالي الصدوق) وإنما مذكورة في (الكافي) ج6 ص537، وأما (أمالي الصدوق) فيه رواية ثانية شبيهة بهذه الرواية - ولا يضربها على النفار، أي إذا نفرت الدابة أو هربت فلا تضربها، وهي الرواية المذكور في (أمالي الصدوق)، والروايات كثيرة في هذا الميدان عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الإمام الصادق وعن بقية الأئمة صلوات الله عليهم، ولا مجال لذكرها، ويكفينا قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (والله لو أعطيت الأقاليم السبع بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جُلب شعيرة ما فعلت)[8]، وهذه رحمة ما بعدها رحمة.
عرض الإسلام حقوقاً للنبات، ولمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب (النفقات من كتاب النكاح)، ولا أعلم ما إذا كان في العالم اليوم حقوق للنبات؟ لكن في الشريعة الاسلامية للنبات حقوق وبعضها واجبة، أي انها واجبة من الناحية الشرعية، ولـ (صاحب الحدائق)[9] رحمة الله عليه له بحث مطوّل حول حقوق الحيوان، وله بنود كثيرة أذكر بنداً واحداً جاء في كتاب (النفقات من كتاب النكاح):
دال: (...قد صرّحوا – أي الفقهاء- بأنه حيث إن ديدان القز إنما تعيش بالتوت فعلى مالكها القيام بكفايتها منه وحفظها من التلف، فإن عزّ الورق ولم يعتن بها المالك، يتدخل الحاكم الشرعي في القضية، للدفاع عن حقوق هذه الدودة)؛ فهذه الدودة والحشرة الصغيرة التي تتغذى على ورق التوت، لها كل هذا الاحترام والإلزام بأداء الواجب إزائها، ويقول (صاحب الحدائق): (صرّحوا –أي الفقهاء- أن الحاكم باع من ماله واشترى لها منه ما يكفيها) ، والظاهر ان (ماله) يعود الى مالك الحشرة فيأخذ منه ثمن طعام الحشرة.
بعد الأحداث التي حدثت والتي غيّرت وجه العالم – بغض النظر عما إذا ما كان مخططاً لها أو كانت عفوية-، سألت أحد الأخوة هناك وقد أتصل بي؛ فقلت له: ما كان أثر الحملة التي شُنت على الاسلام بأنه دين عنف وإرهاب؟ قال: لقد ولّدت هذه الحملة في المجتمع الغربي رغبة جامحة في التعرّف على هذا الدين، وأضاف – نقلاً عن شخص آخر- بان ثمة إقبال على تعلّم اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم، والبحث عماذا يقول القرآن الكريم، وقال لي شخص آخر أن المصاحف الشريفة المترجمة قد نفدت هناك، فسألته عما اذا كانت هذه مجرد معرفة أو إعتناق؟ فاجاب بكلام جميل وقال: ان المعرفة طريق إلى الإقتناع والاعتقاد.
إن القرآن كتاب عجيب لكن بشرط أن يُعرف؛ فالقرآن يبعث على الخوف لكن ليس بمعنى الإرهاب، كما أن الحق مخيف أيضاً؛ فبعد دخول الضياء الموجود إلى الحياة، تنحّت الشموع جانباً وكذلك المصابيح النفطية القديمة، وقد واجه صاحب هذا الإختراع المعارضة في حينه، فاذا أخفي المصباح لن يكون له أثر، أما اذا حضر فانه سيلغي جميع المصابيح القديمة.
إذن القرآن الكريم بحاجة الى عرض، وهذه مسؤوليتنا نحن الذين نعيش في أجواء القرآن وأجواء الإسلام وأجواء الأحاديث الشريفة؛ فعندما يسمع الواحد منّا تلاوة القرآن الكريم، يشعر أن ثمة حركة تدبّ في أعماقه، لاسيما إذا كان الانسان في أوقات لاتكون النفس فيها مشغولة، ولا تكون ملوّثة، مثل أوقات السحر، أو سماع المناجاة في المراقد المقدسة، كل ذلك يشحذ الروحية ويبعث الطاقة في النفوس، إذن يمكن القول بان الطاقة التي يوجدها القرآن الكريم في نفوسنا لا تضاهيها طاقة أخرى، لذا من الممكن عرض هذا القرآن على الآخرين، وكذلك أحاديث النبي الأعظم وأحاديث نهج البلاغة وأحاديث الإمام الصادق وغيرها.
في هذا المجال هناك قضية حصلت خلال احتفال أقيم لتكريم مخترع الدورة الدموية الصغرى، فارتقى ذلك المخترع المنصة وذكر إكتشافه، وكيف توصل الى هذا الكشف بعد آلاف الأعوام من الانتظار، فصفق له كل الحاضرين، وبعد ما انتهى التصفيق نهض أحد الحاضرين وكان من شيعة أهل البيت من مكانه وأخذ يصفق بمفرده، وهو رجلٌ معروف، فأخذوا ينظرون إليه مستغربين هذا العمل وسببه؟! فقال لهم: أنا لم أصفق لهذا المكتشف وكان اسمه (هارفي)، وإنما لرجلٍ عندنا عاش قبل ألف وأربعمئة عام تقريباً، وهو صاحب هذا الاكتشاف الجديد، فقالوا من هو؟ فتقدم أمامهم وشرح بان لنا إماماً هو الإمام الصادق قد ذكر هذا الكشف العلمي في كتاب (توحيد المفضل)، وبامكانكم مراجعة الكتاب، وذكر فيه الدورة الدموية الصغرى قبل حوالي ألف وأربعمائة عام، فيقول ذلك الرجل: بعد ما شرحت لهم القضية أخذ الحاضرون بأجمعهم بالتصفيق للإمام الصادق، وكان تصفيقاً أقوى وأعلى من التصفيق لذلك المكتشف، فالإمام الصادق موجود، كما
أن علومه موجودة، والإملاءات التي أملاها على جابر ابن حيان موجودة أيضاً، كل ذلك يعد تراثاً غنياً، لكن المشكلة أننا نضع هذا التراث في إطار ضيّق.
الوظيفة الثانية: الفرز والفصل
الوظيفة الثالثة: التنظير
الوظيفة الرابعة: التبني
الوظيفة الخامسة: المثل الأعلى
ذكر أحد الأخوة المؤمنين وكان في بلاد الغرب بعد هذه الحملة الشديدة على الإسلام وعلى شخص النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى القرآن الكريم، وقال: ذهبت إلى بقّال لأشتري منه بعض الأشياء فقال لي: لي عندك رجاءٌ واحد وهو أن لا تأتِ إلى متجري لأن رؤيتك تبعث على الخوف...! هكذا يعبئون الأدمغة والعقول، علماً إن الإرهاب نشأ من حكوماتهم؛ فإرهاب الحكومات ياتي قبل إرهاب الشعوب، وقبل إرهاب الجماعات.
وشخص آخر من المؤمنين التقى بأحد الشخصيات الغربية، حيث قال: عندما أرى مشاهد القتل والذبح والتمثيل والتعذيب عبر التلفاز في بلدٍ(8) قبل حوالي خمس أعوام، تأخذني القشعريرة، وأقول: هل هذا هو الإٍسلام؟ فأجابه بالقول: أولاً: إن هذه الجماعة – التي ترتكب الأعمال الاجرامية - لا تمثل الإسلام؛ فقد كان هتلر مسيحياً وصنع ما صنع في الحرب العالمية الثانية، وقتل وجرح الملايين من البشر؛ فهل يمكن أن نحمل فعله على المسيحية؟ ونقول أن عمل هتلر يمثل المسيحية، وثانياً: عليك بمطالعة تاريخ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، فأنتم إذا قُدر لكم أن تلقوا القبض على هتلر ماذا كنتم فاعلين به؟ فقد كان أمام النبي صلى الله عليه وآله هتلر آخر وهو أبو سفيان، الذي جيّش الجيوش وقاد الجبهة التي قاومت النبي صلى الله عليه وآله وقتلت وصادرت وعذبت، فما تتوقع أن يفعل النبي صلى الله عليه وآله بأبي سفيان عندما دخل مكة منتصراً؟ يقول الأخ المؤمن: كلما كنت أتحدث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، كان يتقدم نحوي منذهلاً؛ فقلت له إن النبي صلى الله عليه وآله عفا عنه، وقال: (لاتثريب عليكم إذهبوا فأنتم الطلقاء)[10]، وفوق هذا قال النبي صلى الله عليه وآله: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)[11]، وهو ما لا نظير له لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ الحديث ولن يحصل حتى إلى ألف عام... فكان ذلك الرجل يصغي مذهولاً وغير مصدِّقٍ ما يسمع.
من هنا يجب علينا أن نعرض الإسلام من الناحية النظرية أي من الناحية القانونية ومن الناحية التطبيقية، كما يجب أن نعرض سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقد جاء في حديث للإمام الرضا صلوات الله عليه يقول فيه: (...فإن الناس لو علموا محاسن أحاديثنا لاتبعونا)[12]، المقصود بالناس ليس الغربيين فقط، بل الشباب الذي يعيش في طهران أو في بغداد أو غيرها هو أيضاً معني بـ(فان الناس...).
منقووول