عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,740
- مستوى التفاعل
- 2,758
- النقاط
- 113
الرسالة الأخيرة
كتب هذه الرسالة أدناه شاب هولندي في الثانية والعشرين من عمره، قبل أن يعدم مع ثلاثة من رفاقه، في 27 شباط سنة 1942، تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة ألمانية بتاريخ 13 شباط 1942، لأجل محاولتهم الهرب من هولندا للالتحاق بالقوات الهولندية الحرة في بريطانيا العظمى.
والدي العزيز،
إنه لمن الصعب، أن أكتب إليك هذه الرسالة. ولكن علي أن أحطيك علماً بأن المحكمة العسكرية الألمانية، قد لفظت ضدنا عقوبة شديدة جداً.
تفضل اقرأ رسالتي هذه، لوحدك أولاً. ثم بعد ذلك اقرأها لوالدتي، بعد اتخاذ الكثير من الاحتياطات. لما كتبت لك في 14 شباط، كنت أعلم مسبقاً بأنه محكوم علينا بالموت. ولكن لم تكن لي الشجاعة لكي أخبرك، وغايتي أن أجنبك هذه الصدمة. أو على الأقل، أن أخفف من وطأتها على قلبك المحب.
أستطيع أن أقول لك بإخلاص، بأنني صليت كثيراً. وعندي التأكيد الجازم، بأنني سأقابل الموت بنظرة كلها ود. ولي سند مجيد في يسوع المسيح، الذي أضع فيه ثقتي الكاملة مرة أخرى.
أبي العزيز،
بعد هنيهة سينفذ فينا حكم الموت!
فالوقت الباقي لي في الحياة قصير جداً. ولكنني أتمتع بسلام مجيد، أُرسل لي من الله.
إنه سلام عميق جداً، وقد ملأ كياني. ألم تقل كلمة الله:
«وَيَكُونُ ظ±لرَّبُّ مَلْجَأً لِلْمُنْسَحِقِ. مَلْجَأً فِي أَزْمِنَةِ ظ±لضِّيقِ. وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ ظ±لْعَارِفُونَ ظ±سْمَكَ. لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ»
(مزمور 9: 9-10).
عندي شعور قوي بحضوره فيّ، وأنا مستعد للموت، أرجو أن تكون شهادتي سبب تعزية لك. أنا أعلم جيداً أن الأمر رهيب، ولكن امتيازنا أننا في فجر الحياة، والله يعلم أن قضيتنا حق. أظن أن المناسبة بالنسبة لك، أكثر سوء مما هي لي. فقد اعترفت للرب بكل خطاياي، ولي ملء اليقين بأنه قد غفرها لي، لأجل دم المسيح. وأيضاً أنا في أتم الهدوء والراحة الكاملة. يا أبي العزيز، لا تبك، ولتكن لك الثقة في الله، كما لي أنا. وأسأله القوة، لكي تتحمل هذا الرزء الأليم.
يا أمي، أمي الحنون،
دعيني أعانقك. اصفحي عني، ان كنت قد ارتكبت بعض الأخطاء. لا تبكي يا حبيبتي، كوني قوية وشجاعة. بقي لك أولاد آخرون. أنت لست وحيدة كالسيدة لورا. سنتقابل في الأبدية، لأننا جميعاً في العائلة من أولاد الله. أيضاً قبلة حارة من ولدك كيس.
أبي سامحني أيضاً. تقوّ في الإيمان الذي يسكن في صدرك، كما يسكن في صدر أمي. أشكر الله لأننا نستطيع الإيقان، بأن نعمته تشملنا، وأن التأكيد التام أنه غفر لنا. لتكن مشيئته!
وأنتم يا جان، وبيب، وايل، وفيان، احييكم جميعاً. كونوا أنتم أيضاً أقوياء، وصلوا لكي تنالوا الشجاعة. آمنوا دائماً، وانموا في النعمة، وفي معرفة ربنا يسوع. وثقوا في الرب بأنه يعمل كل شيء حسناً. كونوا بارين بالوالدين، وتقبلوا تحيات وقبلات أخيكم كيس الحارة. لاطفوا الإخوة الصغار، وعلموهم أيضاً أن يؤمنوا بيسوع. تحيات لكل واحد منكم، من قِبَلنا نحن الأربعة الراحلين. إنني أشكر رفاقي، لأجل عطفهم علي. نحن كل شجعان، فكونوا أنتم أيضاً هكذا. إن قضاتنا لا يستطيعون أن يأخذوا منا سوى الأجساد، أما نفوسنا فهي وديعة بين يدي الله المقتدر. هذه الحقيقة يجب أن تكون تعزية كافية، لكم أنتم المؤمنون بالله. لا يكن حقد في قلوبكم، فأنا أموت بدون حقد، عالماً أن الله سيدين الجميع بالعدل.
محبكم الى المنتهى، كيس.
أيها القارىء الكريم،
إن هذا الشاب الشجاع، قد أظهر للعالم كيف يموت المسيحي. فقبيل تنفيذ حكم الموت فيه، كانت نفسه مملوءة بسلام الله. ولا بد أن أبواب السماء، تفتحت له لكي تريه ثواب الأبدية. وهذه تبدت له بكل روعتها، في الساعة الأخيرة من حياته على الأرض. لقد حدث له تحول مجيد، لأنه كان منطلقاً ليكون مع المسيح، وذلك أفضل.
(فيلبي 1: 23).
إنه لم يشعر بشوكة الموت، التي هي الخطية. لذلك يستطيع أن يهتف مع رسول الجهاد العظيم بولس:
«أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟»
(1كورنثوس 15: 55).
إنه في السماوات، صعيد البركة، صعيد المجد.
وذووه لن ينسوه، لأنهم لا يستطيعون أن ينسوه، والله لا يريد أن ينسوه. قد يضعون هذه الرسالة التي بعث بها إليهم في محفوظاتهم. ولكنهم سيخرجونها بين آونة وأخرى، ليقرأوها بكل فخر. لعلهم سيبكون في كل مرة. ولكن عيون إيمانهم، تنظر إلى فوق، منتظرة ذلك اليوم، الذي فيه سيلتقي الجميع في منازل الآب، مكان السعداء، حيث لن يكون فراق في ما بعد.
أن يكون الإنسان مخلصاً، فيا له من أمر عظيم !
ويا لها من نعمة !
يا أصدقائي الأعزاء، هبوا أنكم تموتون في سن الشباب !
وماذا يكون بعدئذ ؟
هبوا أن هذا اليوم هو آخر أيامكم على الأرض !
وماذا يكون بعدئذ ؟
هبوا أنكم تموتون في هذه الساعة !
وماذا يكون بعدئذ ؟
انني أسألكم برأفة الله، أن تجعلوا الأبدية موضوعاً لأفكاركم.
نقرأ في الكتاب المقدس هذه العبارات:
«فِي تِلْكَ ظ±لأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ ظ±لنَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: هظ°كَذَا يَقُولُ ظ±لرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلا تَعِيشُ»
(أشعياء 38: 1).
تذكروا أن الرب مستعد أن يخلصكم، لهذا يجب أن تخلصوا، لكي تقدروا أن تذهبوا إلى السماء.
قدموا الشكر والحمد لله، لأنه ليس عليكم أن تبحثوا لتعرفوا الطريق. لأنه يوجد طريق للخلاص، وهذا الطريق قد أُعلن في الإنجيل. إنه يسوع الذي قال:
«أَنَا هُوَ ظ±لطَّرِيقُ وَظ±لْحَقُّ وَظ±لْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ظ±لآبِ إِلا بِي»
( يوحنا 14: 6).
وليس عليكم أن تجتهدوا، لتعرفوا الباب المؤدي إلى الحياة. لأنه يوجد باب واحد، وهو يسوع، الذي قال:
« أنَا هُوَ ظ±لْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعىً »
( يوحنا 10: 9).
وليس عليكم أن تجدّوا في البحث عن الوسيط، لأنه مكتوب:
«أَنَّهُ يُوجَدُ إِلظ°هٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ظ±للّظ°هِ وَظ±لنَّاسِ: ظ±لإِنْسَانُ يَسُوعُ ظ±لْمَسِيحُ، ظ±لَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ظ±لْجَمِيعِ»
(تيموثاوس الثانية 2: 5).
ويعلمنا الكتاب المقدس، بأنه يوجد كفّارة وحيدة للخطية، وهي ذبيحة المسيح. هكذا نقرأ في الكتاب العزيز:
«وَأَمَّا هظ°ذَا (أي يسوع) فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ ظ±لْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى ظ±لأَبَدِ عَنْ يَمِينِ ظ±للّظ°هِ... أَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى ظ±لأَبَدِ ظ±لْمُقَدَّسِينَ»
(عبرانيين 10: 12-14).
وبكلمة أخرى أن يسوع المسيح أكمل الفداء بذبيحة نفسه، التي قدمها على الصليب وأرضى عدل الله. لذلك يمكنه وحده أن يخلص إلى التمام، ويمنح كل من يؤمن به الحياة الأبدية.
لقد أعطى دمه الثمين لأجل فدائكم وفقاً للشريعة الإلهية القائلة:
«وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ ظ±لنَّامُوسِ بِظ±لدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَة»
(عبرانيين 9: 22)
... «وَدَمُ يَسُوعَ ظ±لْمَسِيحِ ظ±بْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ»
(رسالة يوحنا الأولى 1: 7).
اقبلوا يسوع المسيح كفادٍ ومخلص، فتكون السماء منزلاً لكم.
في أثناء وجوده في ساحة الحرب، يحلم الجندي ببيته. على البحر الصاخب بالأمواج، يفكر البحار بالمنزل. والطيار المحلق بالجو، يفكر بعائلته بكل حنين. ولكن أهم ما يفكر به المؤمن، هو الانطلاق ليكون مع المسيح.
تذكر يا أخي، إن الموت قريب. قد تموت اليوم، قد تموت وأنت تقرأ هذه السطور. فهل أنت مستعد للقاء إلهك؟
لعلك تتململ أمام ذكر الموت، أو لعل ذكر الموت يملأ قلبك رعباً، فلماذا ؟
لو لم يكن هناك شيء غير الموت، أو أن كل شيء ينتهي بالموت، ما كان لك أن تخشى شيئاً. ولكم كلمة الله تقول:
«وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذظ°لِكَ ظ±لدَّيْنُونَةُ»
(عبرانيين 9: 27).
إنها دينونة رهيبة، لا شفقة فيها. هكذا نقرأ:
«مُخِيفٌ هُوَ ظ±لْوُقُوعُ فِي يَدَيِ ظ±للّظ°هِ ظ±لْحَيِّ»
(عبرانيين 10: 31).
أين هي الشعوب التي كانت تتألف منها الإمبراطوريات الأربع. بابل، ومادي وفارس، واليونان والرومان؟
إنهم جميعاً في الأبدية !
أين جحافل البربر، الذين دحروا الإمبراطورية الرومانية ؟
أين تكتلات الأمم الأوروبية الكبيرة، التي خلفتها الأجيال الحاضرة ؟
إنهم جميعاً في الأبدية !
أين هم الذين غابوا عن مسرح هذا العالم ؟
إنهم جميعاً في الأبدية !
وهؤلاء الذين يملاؤن الأرض الآن، إلى أين هم ذاهبون؟
إلى الأبدية !
إن كل لحظة تمر، تقربهم من الأبدية. ولكن الذين يدخلون الأبدية،
هم إما هالكون، وإما مخَلصون.
وأنت إن مت الآن، فأين ستقضي أبديتك؟