غيمة مطر
وإن تباعدت الخُطا ... بيننا حرفان وحلمٌ وقصيدة
- إنضم
- 28 أبريل 2018
- المشاركات
- 74,578
- مستوى التفاعل
- 49,258
- النقاط
- 113
الرقص حتى الموت؛ ليس تعبيرًا مجازيا، بل هو الحادثة التي وقعت في يوليو من العام 1518م بساحة عامة بستراسبورغ،
لم يحدث الرقص والموت لشخص أو اثنين، بل لمئات الناس، إنه الوباء الراقص، أو عدوى الرقص،
ما القصة؟ وما الأسباب وهل للأمر علاقة بالفلك أو الجن؟!
في صيف أوروبا الباهت وبينما الطاعون يعقر الأرواح ويشيع الموتى، شوهدت إحدى النساء في ساحة عامة بستراسبورغ ترقص بطريقة غير اعتيادية، بعد قليل انضم إليها أناس آخرون دون إرادة منهم، ثم أخذت وتيرة الرقص والعدد في التصاعد.
تتمايل فراوتروفيا بشدة ولا تغفو قدماها عن الحركة، تستمر في أداء رقصتها الأسطورية دون توقف، وجه شاحب مشحون بالموت، تبدو في حالتها كأن جنًا ما قد تلبسها، واللاحقون بها رقصًا يسيرون على نفس الطريق
الساحة لا تتوقف عن الضجة، والراقصون دومًا في زيادة، حتى أنهم قد تجاوزا الـ 400 فرد، استمر الأمر يومين وثلاثة وعشرة حتى فاق الشهر، أمور أثارت استنفار السلطات، وأجبرتهم على البحث عن تفسير طبي أو حتى ميتافيزيقي.
كانت ستراسبورغ الفرنسية تابعة آنذاك للإمبراطورية الرومانية، حيث استشارت السلطات بعض الموثوقين لديها من أجل معالجة الموقف، انصب تفكيرهم جميعا تجاه الأجرام السماوية كسبب رئيس لكل ما يحدث، لكن بعض ممن يفترض بهم العلم ربطوا الأمر بسبب طبي يتعلق بزيادة حادة في الدماء الحارة في الجسد.
في العادة كانت زيادة الدماء الحارة في جسد أحدهم -كما كانوا يصفون الأمر- تستدعي الاحتجام التقليدي، لكن لصعوبة السيطرة على الأعداد وتفلت حركات المصابين، نصح الأطباء بمزيد من الرقص حيث رأوا في ذلك علاجًا، وهو ما دفع السلطات لتخصيص أماكن وفرق موسيقية مساعدة.
للأسف دفعت هذه المعالجة الخاطئة مزيد من الناس إلى الوقوع في براثن هذه الحمى المشتعلة، حيث ازداد العدد أكثر، وازدادت معه حدة الرقص إلى ذلك الحد الذي سقط معه الراقصين في أوقات متفرقة موتى بسبب الإرهاق الشديد والسكتات الدماغية والأزمات القلبية
لم تكن حادثة مدينة ستراسبورغ الفرنسية هي الأولى من نوعها فقد سُبِقت بأحداث أخرى وقعت في مدن أوروبية عدة، لعل أبرزها ما وقع عام 1237 لمجموعة من الأطفال ساروا نحو 12 ميلًا راقصين من مدينة إرفورت إلى أرنشتات الألمانية، فضلًا عن حوادث تاريخية أخرى شبيهة مسجلة
طاعون الرقص أو جنون الرقص أو رقص سانت جون، جميعها مسميات اختارها العلماء لهذه الظاهرة التي انتشرت بشدة في قلب أوروبا وراحت تنتقل من مدينة لأخرى وذلك بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر الميلاديين، ظاهرة غامضة تم توثيقها وراح ضحيتها كثير من الناس.
لقرون عديدة وقف كثير من العلماء والأطباء عاجزين عن تفسير هذه الظواهر الموثقة تاريخيًا، والتي أرجعها العامة لأسباب غيبية مثل السحر وغيره كما في حادثة ساحرات سالم، لكن كثير من المتخصصين في عصرنا الحالي توقفوا بالدراسة والتحليل لتلك الظواهر ووضعوا تفسيرات وافتراضات.
ترجح إحدى التفسيرات فرضية عفن الإرغوت أو العاكوب، وهو فطر طفيلي من المتسلقات، ينمو على سيقان الشعير والغلال المختلفة، حيث كان يتم جمعه وطحنه ضمن محاصيل القمح والشعير ومن ثم يتم تناوله في الخبز دون انتباه، ومعروف أن هذا الفطر له تأثيرات عنيفة ويسبب تشنجات وأوهام.
يرى بعض علماء الاجتماع الحادثة من زاوية مختلفة، فالرقص الكائن في هذه الحوادث ما هو إلا تعبير عن الخوف واليأس والهلع الذي أصاب الجميع في تلك الفترات بسبب انتشار الأوبئة والمجاعات والتي حصدت حينذاك مئات الآلاف، اعتلال نفسي ولد رغبة وإحساسا عارما في تحدي كل هذا بالرقص الجنوني.
يفسر بعض المؤرخين الحادثة من زاوية ثالثة، حيث يرون أن حوادث الرقص الجنوني مرتبطة بتقاليد كنسية، إذ كان مسيحيو تلك الفترة يحجون إلى كنائس بعيدة، وعلى طول طريقهم يرقصون في جنون، فيما يرى آخرون أن الأمر ربما يعود للتأثر الثقافي بتقاليد طقسية لشعوب أخرى.
افتراضات كثيرة ومتنوعة فسرت حالات الرقص الجنوني التي واتت البشرية في فترات مختلفة من التاريخ، وليس لنا حيالها سوى التأمل والنظر، والسؤال الأهم
هل يمكن لمثل هذه حوادث أن تتكرر مجددًا في عصرنا الحالي؟!
لم يحدث الرقص والموت لشخص أو اثنين، بل لمئات الناس، إنه الوباء الراقص، أو عدوى الرقص،
ما القصة؟ وما الأسباب وهل للأمر علاقة بالفلك أو الجن؟!
في صيف أوروبا الباهت وبينما الطاعون يعقر الأرواح ويشيع الموتى، شوهدت إحدى النساء في ساحة عامة بستراسبورغ ترقص بطريقة غير اعتيادية، بعد قليل انضم إليها أناس آخرون دون إرادة منهم، ثم أخذت وتيرة الرقص والعدد في التصاعد.
تتمايل فراوتروفيا بشدة ولا تغفو قدماها عن الحركة، تستمر في أداء رقصتها الأسطورية دون توقف، وجه شاحب مشحون بالموت، تبدو في حالتها كأن جنًا ما قد تلبسها، واللاحقون بها رقصًا يسيرون على نفس الطريق
الساحة لا تتوقف عن الضجة، والراقصون دومًا في زيادة، حتى أنهم قد تجاوزا الـ 400 فرد، استمر الأمر يومين وثلاثة وعشرة حتى فاق الشهر، أمور أثارت استنفار السلطات، وأجبرتهم على البحث عن تفسير طبي أو حتى ميتافيزيقي.
كانت ستراسبورغ الفرنسية تابعة آنذاك للإمبراطورية الرومانية، حيث استشارت السلطات بعض الموثوقين لديها من أجل معالجة الموقف، انصب تفكيرهم جميعا تجاه الأجرام السماوية كسبب رئيس لكل ما يحدث، لكن بعض ممن يفترض بهم العلم ربطوا الأمر بسبب طبي يتعلق بزيادة حادة في الدماء الحارة في الجسد.
في العادة كانت زيادة الدماء الحارة في جسد أحدهم -كما كانوا يصفون الأمر- تستدعي الاحتجام التقليدي، لكن لصعوبة السيطرة على الأعداد وتفلت حركات المصابين، نصح الأطباء بمزيد من الرقص حيث رأوا في ذلك علاجًا، وهو ما دفع السلطات لتخصيص أماكن وفرق موسيقية مساعدة.
للأسف دفعت هذه المعالجة الخاطئة مزيد من الناس إلى الوقوع في براثن هذه الحمى المشتعلة، حيث ازداد العدد أكثر، وازدادت معه حدة الرقص إلى ذلك الحد الذي سقط معه الراقصين في أوقات متفرقة موتى بسبب الإرهاق الشديد والسكتات الدماغية والأزمات القلبية
لم تكن حادثة مدينة ستراسبورغ الفرنسية هي الأولى من نوعها فقد سُبِقت بأحداث أخرى وقعت في مدن أوروبية عدة، لعل أبرزها ما وقع عام 1237 لمجموعة من الأطفال ساروا نحو 12 ميلًا راقصين من مدينة إرفورت إلى أرنشتات الألمانية، فضلًا عن حوادث تاريخية أخرى شبيهة مسجلة
طاعون الرقص أو جنون الرقص أو رقص سانت جون، جميعها مسميات اختارها العلماء لهذه الظاهرة التي انتشرت بشدة في قلب أوروبا وراحت تنتقل من مدينة لأخرى وذلك بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر الميلاديين، ظاهرة غامضة تم توثيقها وراح ضحيتها كثير من الناس.
لقرون عديدة وقف كثير من العلماء والأطباء عاجزين عن تفسير هذه الظواهر الموثقة تاريخيًا، والتي أرجعها العامة لأسباب غيبية مثل السحر وغيره كما في حادثة ساحرات سالم، لكن كثير من المتخصصين في عصرنا الحالي توقفوا بالدراسة والتحليل لتلك الظواهر ووضعوا تفسيرات وافتراضات.
ترجح إحدى التفسيرات فرضية عفن الإرغوت أو العاكوب، وهو فطر طفيلي من المتسلقات، ينمو على سيقان الشعير والغلال المختلفة، حيث كان يتم جمعه وطحنه ضمن محاصيل القمح والشعير ومن ثم يتم تناوله في الخبز دون انتباه، ومعروف أن هذا الفطر له تأثيرات عنيفة ويسبب تشنجات وأوهام.
يرى بعض علماء الاجتماع الحادثة من زاوية مختلفة، فالرقص الكائن في هذه الحوادث ما هو إلا تعبير عن الخوف واليأس والهلع الذي أصاب الجميع في تلك الفترات بسبب انتشار الأوبئة والمجاعات والتي حصدت حينذاك مئات الآلاف، اعتلال نفسي ولد رغبة وإحساسا عارما في تحدي كل هذا بالرقص الجنوني.
يفسر بعض المؤرخين الحادثة من زاوية ثالثة، حيث يرون أن حوادث الرقص الجنوني مرتبطة بتقاليد كنسية، إذ كان مسيحيو تلك الفترة يحجون إلى كنائس بعيدة، وعلى طول طريقهم يرقصون في جنون، فيما يرى آخرون أن الأمر ربما يعود للتأثر الثقافي بتقاليد طقسية لشعوب أخرى.
افتراضات كثيرة ومتنوعة فسرت حالات الرقص الجنوني التي واتت البشرية في فترات مختلفة من التاريخ، وليس لنا حيالها سوى التأمل والنظر، والسؤال الأهم
هل يمكن لمثل هذه حوادث أن تتكرر مجددًا في عصرنا الحالي؟!