عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,739
- مستوى التفاعل
- 2,771
- النقاط
- 113
نرى ونسمع في هذا الزمن أفكارا ونداءات تدعو الى طمس معالم الماضي العراقي بأصالته وعذوبة تقاليده وطبائع أهله الجميلة، تقود هذه الأفكارعقول غير راشدة تربت أو نمت بإشراف أمريكي، كنباتات هجينة جذورها مهلهلة ونواتجها أشواك مؤذية، راضين بأمن منفلت وإقتصاد تبعي وسرقات علنية ومؤسسات ذات طابع طائفي مقيت، لهذ نحن بحاجة الى كل شيء يذكرنا بالعراق ذي التاريخ الجغرافي المتنوع، وتعايش سكانه التناغمي، نستمر نفتش بذكرياتنا عن أي شيء في حياتنا كان له الأثر بحقيقة إن وحدة العراق تأريخياَ وجغرافياَ وأقتصادياَ ومجتمعياَ باقية.
لهذا سنتطرق في مقالتنا لحالة جامعة لمجتمعنا من خلال ابراز رمز من رموز ملبس العراقيين التراثي في الزمن الماضي الجميل الا وهي إعتمار السدارة ومدلولاتها الوطنية والأجتماعية.
بدايات ارتدائها
عندما بويع فيصل الأول ملكا للمملكة العراقية عام 1921 كان يرتدي الزي العربي الثوب والعباءة والعقال المقصب، وفي ذلك الوقت كان شعب العراق يلبس نوعين من الأزياء، الزي العربي، والزي الأفندي (البدلة) مع الطربوش العثماني الأحمر -فضلا عن الزي الكردي وأزياء أخرى للتركمانيين و المسيحيين والأيزيديين- وبما أن الملك كان يطمح لبناء دولة عراقية مدنية تساير التطور وبعيدة عن الطوائفية والعنصرية المنغلقة، وأراد أن يكون هناك زي موحد يكون أشبه بميزة عراقية تدل على الهوية الوطنية، فرسم تصميم السدارة وأعطاه الى مستشاره رستم حيدر ليتم تنفيذها من قبل أحد الخياطين المعتمدين، حيث نفذ ذلك. وفي أجتماع لمجلس الوزراء حضر الملك وهو يلبس زي الأفندي (البدلة) وعلى رأسه السدارة وكذلك المستشار رستم حيدر، وقام المستشار بتوزيع السدارات على أعضاء الحكومة فأعتمروها. ولهذا سميت بالسدارة الفيصلية وهي عراقية 100%. فبإعتمار الملك فيصل لها مع البدلة (القاط)، كأنها تعلن عراقية المظهر للأنسان في أجمل صوره وأصبحت موضة فأخذت مكانها من خلال نشوء طبقة أجتماعية جديدة عابرة للأنتماءات الدينية والأثنية والعشائرية والطائفية. وأصبحت رمزاً عراقيا بلا طوائف وأعراق وديانات، فأعتمرها رؤساء الوزارات والوزراء والأعيان والسياسيون وذوو المكانة الأجتماعية والشعراء، إذ بدأت السدارة تعطي وجاهةَ وزهوا وتحضرا. وإنتشرت عند الكبار والشباب وأصبحت موضة للكشخة والابهة ورمزاَ للهوية الوطنية وثقافتها وتراثها، وأخذت طريقها الى سلك الشرطة والجيش وأعتمرها العسكري والشرطي وقادتهم الى بداية الستينيات، فأزدهرت صناعتها وتعددت ألوانها وهي الأسود والقهوائي والرصاصي والكحلي ولا يكتمل الزي الرجالي (القاط) إلا بها. وترى من الرجال في أبهته وحسن ملبسه وبيده السبحة الكهرب أو الكرمان أو اليسر أو البيزهر أو السندلوس كل حسب مكانته الأجتماعية والوظيفية والسياسية، حتى إن بعض النسوة بدأن يتندرن ببعض من كلمات الأعجاب مستخدمين السدارة كمثل للرجولة والوقار، بالكلمات الجميلة غير المخلة بالأدب. وبعد ثورة تموز 1958 بدأ إلانحسار لدى الشباب بأعتمار السدارة، الأ أن جيل الأباء ظل محتفظاَ بأعتمارها. وفي أواخر الثمانينيات شجعت الحكومة أقتناء السدارة حيث أعتمرها الوزراء، فجرت العودة اليها وأنتشرت مرة أخرى بألوانها المتعددة مذكرة بذلك الزمن الجميل المفعم بالتآخي الذي ترك بصماته وذكرياته وتناغم مجتمعه التعايشي الموحد.
أنواعها
كلمة السدارة كلمة فصيحة عربية ليست أجنبية يأتي معناها من كلمة (سدر الشعر) أي سدله، ولأن الشعر ينسدل تحتها أو هي تسدر الشعر، وتتميز بشكلها النصف مقوس والمدبب تقريباً من الوسط وتكون عادة مطوية الى طيتين للداخل ويغلب عليها اللون الاسود وهو اللون الرسمي، ولها عدة انواع اشهرها سدارة الچبن (الصوف المضغوط) وعرفت بحجمها الكبير، وتميزت بأرتدائها الشخصيات المهمة في المجتمع من امثال ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في العهد الملكي ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي، وبعدهم العلامة مصطفى جواد وعالم الاجتماع الدكتور علي الوردي، وكان لها معمل في بغداد اسس بامر من ياسين الهاشمي. والنوع الثاني يسمى وسدارة السكوجية، وهي تصنع من القماش، وأول من خيطها هو (إبراهيم السدايري) في سوق السراي في الشارع التراثي البغدادي العريق المشهور بالكتب والأقمشة وكبة السراي، وتفصل من نفس قماش الملابس، حيث بعد تفصيل البدلة الرجالية (القاط) تؤخذ قطعة من ذات القماش لغرض تفصيل سدارة، وكان حجمها اصغر من سدارة الجبن، واغلب من كان يرتدي هذا النوع من السدائر هم افراد الشرطة والجيش في العهد الملكي وكذلك في العهد الجمهوري لغاية عقد السبعينيات من القرن الماضي. حيث استبدلت بالبيرية لاغلب صنوف الجيش والشرطة. ومن امهر صناع السدارة السكوجية شخص اسمه جاسم محمد وكان محله يقع في سوق السراي عند مدخل خان الصاغة، حيث توجد عدة محلات عمال قالب السداير الذين يقومون بتنظيف السدارة وقلب الوجه الخارجي الى الداخل عندما يتقادم وتذهب لمعته, وكان اغلبهم من اليهود, ولكن السدارة المقلوبة واضحة للعيان حيث الجزء الداخلي للجوخ خشن وغير لماع. وقد بدأت السداير الاجنبية (الايطالية والانكليزية) تغزو العراق في الثلاثينيات وكانت تصنع من مادة الچوخ اللماع، ومن ابرز مستوريدها (مهدي قنبر وصيون شمعون). والى يومنا هذه مازالت السدارة محل اعتزاز الكثيرين من اهل بغداد ومازالوا يعتمرونها في مناسباتهم وزياراتهم، على الرغم من انتشار العديد من أغطية الرأس بمودلاتها الأجنبية الصنع.