فتنةة العصر
رئيسة اقسام الصور 🌹شيخة البنات 🌹
- إنضم
- 7 أغسطس 2015
- المشاركات
- 1,313,711
- مستوى التفاعل
- 176,126
- النقاط
- 113
- الإقامة
- السعودية _ الأحساء ♥️
بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم صل على محمد وال محمد
لاشك ان الانسان - وخصوصا الانسان المؤمن - قد سخر له كل ما في السموات والارض من الكائنات الحية وغير الحية في خدمته وتحت امرته ، والدليل على ذلك هو اطلاق الاية في قوله تعالى : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الجاثية / أية 13.
الا ان بعض المفسرين قد قصر اللحاظ على ان الاشياء التي ينتفع فيها الانسان المؤمن هي المقصودة في الاية ، اما الاشياء التي لاينتفع بها المؤمن كالملائكة مثلا فغير مقصودة في الاية . الا اننا نرد على هذا الرأي هذا الساذج بتقديم هذه المقدمة للقراء الكرام وبعدها ندخل في صلب الموضوع الرئيسي أعلاه .
المقدمة :
1- علاقة الانسان بالجمادات :
قال - سبحانه وتعالى - في قصة سيدنا داود : ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ﴾ [ص : 18] ، ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ : 10] ، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ﴾ [الأنبياء : 79].
هذه الآيات تدلُّ على أن الجبال تسبِّح ، هكذا بصريح الآية ودون تأويل أو تفسير، وقد اعتدنا أن التسبيح يكون باللسان ، فكيف تسبح الجبال ؟ وهل للجبال ألسنة ؟
ويقول - تعالى - في بني إسرائيل الذين زعموا أن المسيح ابن الله : ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ [مريم : 90 ، 91].
وتأمَّل هذه الآية ، سماء تتفطر وتنقطع أسفًا ، وأرض تتشقَّق وتتقلَّص وتتذلل خجلاً ، وجبال تخرُّ وتتصدَّع ، والإنسان لا يبالي ، فهل شعرَتِ الجبالُ بضلال بني الإنسان ؟ وكيف علمتْ ؟
ويقول - تعالى - في آية جامعة شاملة : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحج: 18].
لقد تكلَّمت الآية عن سبع عوالم ساجدة لله - تعالى - طوعًا أو كرهًا ، أربعة من هذه العوالم من الجمادات على سبيل الرمز، والخامسة من النبات ، والسادسة من الحيوان ، والسابعة والأخيرة من عالم الإنس ، كلُّ هذه العوالم الساجدة من عالم الشهادة ، أمَّا المخلوقات الساجدة لجلال الله - سبحانه - من عالم الغيب في السموات والأرض ، فالله أعلم بهم ، والآية أشارت إليها فقط ضمنًا.
فالكلُّ من حولنا مخلوقات ساجدة ، الشمس بنورها ، والقمر بنوره ، والنجوم في ارتفاعها ، كلها ساجدة ، ثم الجبال كذلك والشجر والدواب ، نراها أمامنا ولا نشعر بشيء إلا إذا تعلَّمنا شيئًا من علاَّم الغيوب ، ومهما نتعلَّم فلا ولن نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء - سبحانه - وإذا كان سجودنا نحن بني البشر هو أن نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض ؛ تعظيمًا وإجلالاً لله - سبحانه - فكيف تسجد هذه المخلوقات ؟ وفي بدء الخليقة حينما عرض الله - سبحانه وتعالى - الأمانة على السموات والأرض والجبال ، وأشفقن من حملها، أدركتِ الجبال ما لم يدركْه الإنسان من صعوبة حمل الأمانة ، فهل هي أعقل منَّا نحن ؟
إذًا لم يبقَ لنا إلا أن نخشع لربنا ونسبح بحمده ، ولا نؤذي مَن حولنا من مخلوقات .
ولذلك يجب على الإنسان ألاَّ يكون سطحيًّا في التعامل والتفاعل مع الجمادات، فقد وردت آية توضِّح لنا كيف أن جدارًا كان مكلَّفًا من دون الناس بحماية كنز الأيتام حتى يبلغوا أشدَّهم بأمر الله - سبحانه - ولما تقادم الجدار، وأوشك على الانهيار قبل أن يكبر الأيتام ويبلغوا أشدهم، وكأنما ناجَى ربَّه - ولِمَ لا؟ - فأرسل الله مَن يقيمه مرة ثانية؛ ليمتدَّ به الزمان حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه ، وهذا بعض ما جاء في مدلولات قوله - تعالى -: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82].
ويبدو أن الجدار كان أكثر أمنًا من الإنسان في ذلك الزمان وفي تلك المدينة ، ولا أقول في كلِّ الأزمان وكل الأماكن ؛ تأدُّبًا ، وصلاح الأب كان كفيلاً وسببًا كافيًا لتنفعل الجمادات - بإذن الله - لصالح الأيتام.
وهذا هو ترتيب الله - سبحانه - قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج: 18].
إذًا نحن في العوالم الساجدة ترتيبُنا الأخير؛ ولذلك ننظر بعين الإعجاب والاعتبار في قصة الشجرة التي آمنتْ برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – وقالت : "أشهد أنك رسول الله".
ومريم العذراء - عليها السلام - لجأت إلى شجرة حينما أجاءها المخاض إلى جذع نخلة بوحي الله - سبحانه – والنبي يونس - عليه السلام - حينما لفظه الحوت بالشاطئ أوى إلى شجرة من يَقْطِين.
ولا ننس أن النبات هو القاسم المشترك مع الإنسان في هذا الهواء الذي نتنفَّسه بالإيجاب وليس بالسلب ، فهو يأخذ منا ما نستغني عنه من ثاني أكسيد الكربون، ولولا النبات لما استطعنا تصريف هذا الكم الهائل من ثاني أكسيد الكربون، ويعطينا ما نحتاجه من أوكسجين ، وأيضًا لولا أن سخَّر الله لنا النبات ليقوم بهذه المهمة ، لتأزَّم الموقف.
2- علاقة الانسان بالحيوانات :
وعلى قَدرِ سمو إنسانيَّة الإنسان يكون اهتمامه بالعلاقات مع ما حوله ، وكلما ارتقتْ أخلاقيات الإنسان ، ارتقى في أسلوب التعامل مع الآخرين ، وجمعيات الرِّفق بالحيوان التي نسمع عنها في بلاد الغرب ، كنا نحن أولى بها ، نعم هم يهتمُّون بالحيوان في نفس الوقت الذي يُهدرون فيه حقَّ الإنسان، وهذا دِينُهم والعيبُ فينا، عمومًا ، نحن بدِيننا وقرآننا كنَّا أولى برعاية حقوق الخلائق التابعة والرِّفق بها، أو على الأقلِّ جدير بنا أن نحذوَ حذوهم؛ حتى تبطلَ مقولة أن الغربَ فيه إسلامٌ بلا مسلمين ، وأنَّ بلادنا فيها مسلمون بلا إسلام ، نريد أن نصحِّحَ المعادلة ؛ لتكون بلادنا بلاد إسلام ومسلمين ، ولا شأن لنا بالمنبَهِرين بغيرنا إلاَّ في حدود.
والعلاقة التي أرادها الله - سبحانه وتعالى - للناس مع الحيوان نظمها الله بشكلٍ ، وتناولها الناس بشكلٍ آخر، نعم تجاهلها البعض نهائيًّا لدرجة أنهم سخَّروها واستعملوها فيما لم تخلق له ، وبالذات في بلاد الغرب التي يزعمون أنَّ فيها إسلامًا بلا مسلمين ، كمصارعة الثيران ، من أناسٍ نزعَ الله من قلوبهم الرحمة ، والغريب أن ذلك يتمُّ وسط هتافات الإعجاب من الآلاف المحتشدة لرؤية دماء تسيلُ من ظهر حيوانٍ بريء ، ليس له ذنبٌ إلاَّ أنَّ الله سخَّره للإنسان ، وكنت أتمنى من قيادات المسلمين أن يعملوا على وَقْفِ هذه المهازل ، أو على الأقل إعلام من يهمُّه الأمر أن هذا العبثَ مخالف للشرائع السماوية.
وكذلك في السيرك ، وإن كان الأمرُ أخفَّ كثيرًا من مصارعة الثيران ، إلا أنَّ فيه استهزاءً وإذلالاً للحيوان الذي يرميه سوءُ حظه مع لاعب السيرك.
هذا عن البعض الذي تجاهل نظامَ الله في العلاقة بينه وبين الحيوانات ، وهناك صنفٌ آخر من الناس تعلَّقوا بالحيوان لدرجة الإجلال ، مثل بعض القبائل التي تعبدُ من الحيوانات كلَّ ما يُرجى نفعها أو يُخشى ضررها ، كعَبَدَة الأبقار والأغنام ، أو العقارب والحيَّات ، وهذا وذاك في ضلالٍ بعيدٍ ، ولله في خلقه شؤون ، والمطلوب علاقة متوازِنة بدون تفريط أو إفراط ، علاقة وسط ؛ لأن الفرقَ بينك أنت - أيها الإنسان - وبين الحيوان هو التكليف الإلهي ، والتكريم الإلهي أيضًا ، وكلاهما من عند الله - سبحانه وتعالى - بقدرته وحكمته ، فإن انسلختَ من أيٍّ منهما ، أصبحتَ لا تساوي حيوانًا ولا شيئًا إطلاقًا ، وبدون تكليف وتكريم يتساوى الإنسان والحيوان في شكل التَّواجد والتَّكاثر؛ فكلاهما يحيا حياةَ النَّماء وحياة الحركة ، وهذا هو معنى (الحيوان) ، وكلُّ المخلوقات التي تعيش معنا على الأرض أو داخل البحار من حيواناتٍ ، وطيورٍ ، وحشراتٍ ، تشترك معنا في صفة الحيوان بمعناه اللفظي ، إلاَّ أنَّ النبات له حياة نماء فقط ، على هذا الأساس ننظر إلى الحيوانات التي تشاركنا الحياة ، وهي مُسخَّرة لنا ، ومخلوقة لنفعنا.
وقد بدأت علاقةُ الحيوان بالإنسان في أول مِحنةٍ قابلت الإنسانَ على وجه الأرض ، حينما قام أحدُ ابنَي آدمَ بقَتْل أخيه ، عندها كان الدرس الأول للإنسان من غُرابٍ بعثه الله - سبحانه وتعالى - ليعلِّمَ ابن آدم ومن بعده البشرَ كيف نواري سوءاتنا حين الوفاة ، وقد شعر ابن آدم بعجزه حينئذٍ، وتبًّا للأمم التي تقومُ بإحراق الجثثِ، أو اتِّباع أيِّ وسيلةٍ أخرى في مواراة الموتى، فالدفنُ في التراب هو الأصل، إلا في الضرورات التي تبيح المحظورات، والدفن هو الصحيح، وهو السُّنة المؤكَّدة للبشر عمومًا ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].
واستمرَّت هذه العلاقة بين الحيوان والإنسان - ولا تنسَ أنَّ الطيور حيوانات - مع الأيام.
ففي قصة سيدنا نوح - عليه السلام - عندما كذَّبه قومه ، وقالوا عنه : مجنون وازدُجِر، أمره الله - سبحانه - أن يصنعَ سفينةً ، وأوحى إليه أن يأخذ معه في السفينة من الحيوانات الموجودة معه على الأرض ﴿ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [هود: 40] ، هذا أولاً ثم ﴿ وَأهْلَكَ ﴾ ، وهذا الترتيب في كلمات الآية ترتيبٌ إلهي مقصود، ومؤكد أن له معنًى ومغزًى ، وبعد ذلك عندما أراد سيدنا نوح - عليه السلام - التأكُّد من جفاف الأرض بعد الطوفان قبل أن يفتح السفينة ويخرج منها ، أرسل حمامةً ، فعادت بغصنِ زيتون في منقارها كدليل على استقرار الأحوال على الأرض ، وعودة الأمور إلى طبيعتها ، وأصبح الحمام وغصنُ الزيتون بذلك رمزًا للسلام .
وفي قصة سيدنا صالح - عليه السلام - عندما كذَّبته ثمود ، واستنفد كلَّ الطُّرق لهداية قومه ، فطلَب من الله آيةً لعلَّ قومه يهتدون ، فأرسل الله إليهم ناقةً ؛ لتكونَ هذه الناقة آيةً وفِتْنةً.
وفي قصة سيدنا موسى - عليه السلام - حين أرسله الله إلى فرعون الذي يقول للناس: أنا ربُّكم الأعلى، أعطاه الله آيتين :
الآية الأولى : عصا في يده تتحوَّل إلى ثُعبان عند اللزوم.
والآية الثانية : يده نفسها ، وكانت هذه الحَيَّة ، التي في أصلها هي عصا موسى ، كانت الورقة الرابحة عندما اجتمع الناس يوم الزِّينة ، قال - تعالى -: ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ﴾ [طه: 69].
وفي رحلة سيدنا سليمان - عليه السلام - في وادي النمل ، كان سيدنا سليمان بجيشه المكوَّن من جنود الجن والإنس والطير، وفي هذا الحشد العظيم ، وهذا الموكب الذي يجمع من كلِّ الإمكانيات أصحابَها ، كان الخبر اليقين عن قومِ بلقيس من الهدهد الذي وجد ﴿ امْرَأةً تَمْلِكُهُمْ وَأوتِيتْ مِن كُلِّ شَيءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل : 23] ، ذلك الهدهد استنكرَ سجودَ الملكة وقومها للشمس من دون الله، وساءه ذلك الفعلُ القبيح من بعض الناس ، ثم أصبح الهدهد رسولَ سيدنا سليمان إلى بلقيس بالكتاب ، كلُّ هذا في حضور الجن والإنس وباقي الجنود.
وفي قصة أصحاب الفيل نجد أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل طيرًا أبابيل؛ لحماية الكعبة الشريفة من أَبْرهة الأشرم وجنوده، وكان ذلك في العام الذي وُلِدَ فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتواكُب الحدثين له دلالة .
وفي هجرة الرسول عندما أوى الرسول (ص) إلى غار ثور، كلَّف الله - سبحانه - أضعفَ مخلوقاته لصدِّ كُفَّار قريش الذين كانوا يزعمون أنهم أقوى الأقوياء ، عنكبوت وحمامة قاما بحماية الغار، مع أنه - سبحانه - عنده من الجنود المجنَّدة ما لا حصرَ له.
ونجد أنَّ رحلة البشرية سارتْ بين الهدى والضلال ، فإمَّا أن يهتدي الناس ويتساموا في أخلاقهم ، وإمَّا أن يخلدوا إلى الأرض ويصبحوا كالأنعام ؛ بل أضل ، أو يُعرضوا عن الهدى بجهلهم مثل الحمير المذعورة أمام وحشٍ ضارٍ، كما يقول - تعالى - مشبِّهًا حالهم: ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 50، 51]، وضرب الله أمثلةً كثيرةً عن الكفار والمشركين بالعنكبوت ، أو الكلب الذي يلهثُ في كلِّ أحواله.
وكلُّ هذه الأمور تجعل الحيوان دائمًا في بؤرة الشعور - لا هامش الشعور - لدى الإنسان.
ومن الآيات التي أمرَنا الله - سبحانه وتعالى - أن ننظرَ إليها بعين الاعتبار آيةُ (الإبل) في هيئتها وتكوينها العجيب وجوهرها، يقول - تعالى -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17].
وسور القرآن الكريم نجد أنَّ بعضها عُرفت بأسماء حيوانات ، مثل : سورة البقرة ، وسورة الأنعام ، وسورة النحل ، والعنكبوت ، والنمل ، والفيل .
ورُوي أنَّ كلَّ الحيوانات ستبعثُ يوم القيامة للقصاص ، فتأتي العصفورة وتقول للملك الدَّيان : يا ربِّ ، سَلْ عبدك فلانًا ، لماذا قتلني من غير منفعة ؟ وتأتي البقرة لتدافع عن نفسها من أولئك الذين اتخذوها للعبادة ، وتقول : يا رب ، سَلْ عبدك فلانًا ، لماذا استخدمني في غير ما خُلقتُ له ؟
وبعد بيان العلاقة بين الانسان المؤمن وبين الجملدات والحيوانات في المقدمة نقول :
ان من أبشع الجرائم التي ارتكبها بنو أمية في كربلاء يوم عاشوراء هي استعمال كافة وسائل الظلم والقتل على ابن بنت رسول الله (ص) سيدي ومولاي الامام الحسين (ع) ومنها رشقه (ع) بمطر وابل من السهام .
وقد اختلفت عبارات المؤرخين ، والأرقام التي ذكروها لعدد الجراحات التي أصابت جسد أبي عبد الله الحسين (ع) ، وفي بعض تلك العبارات روايات عن الأئمة الاطهار (ع) ، وهي كالتالي :
* ففي الرواية عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (ع) أنَّهُ قَالَ : "أُصِيبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَوُجِدَ بِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعٌ وَعِشْرُونَ طَعْنَةً بِرُمْحٍ ، أَوْ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ ، فَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي مُقَدَّمِهِ لِأَنَّهُ (ع) كَانَ لَا يُوَلِّي" . المصدر : بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 45 / 82 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
* وفي رواية الإمام السجاد (ع) :
أنّ عدد جراحاته بلغت 40 بين ضربة بسيف ورمية بسهم . القاضي النعمان المغربي ، دعائم الإسلام ، ج 2 / ص 154 .
* وفي رواية أبي جعفر (ع) : « قتل الحسين بن علي (ع) ، و عليه جبة خز دكناء، فوجدوا فيها ثلاثة و ستين من بين ضربة بالسيف ، و طعنة بالرمح ، أو رمية بالسهم » . الكليني ، الكافي ج 6 / ص 452 / ح 9 .
* وعنه أيضا (ع) : « أصيب الحسين بن علي عليه السلام ووجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرين طعنة برمح ، أو ضربة بسيف ، أو رمية بسهم » . الصدوق القمي ، الأمالي ، المجلس 31 / ص228 / ح 1 ـ الفتال النسابوري ، روضة الواعظين ص 189 ـ الطبرسي ، تاج المواليد ص31 ـ ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب ج 4 / ص 120 .
* وفي رواية الإمام جعفر الصادق (ع) :
أنّ به 33 طعنة برمح و34 ضربة بسيف . الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، ج 4 ص346 ـ الخوارزمي ، مقتل الحسين ج 2 / ص 42 ـ ابن شهرآشوب ، مناقب آل أبي طالب ج 4 / ص 120 ـ ابن نما الحلي مثير الأحزان ص 58 ـ السيد ابن طاووس ، اللهوف ص76 .
* وروي أيضاً : أنّ به 33 طعنة برمح و 44 ضربة بسيف وسهم . القاضي النعمان المغربي ، شرح الأخبار ج 3 / ص 164 ـ الطبري ، دلائل الامامة ص 178 .
* وفي رواية أخرى : أصيب بأكثر من 70 ضربة بسيف . الشيخ الطوسي ، الأمالي ص 677 / ح 10 .
* وذُكر أيضاً : أنّه عليه السلام أصيب بـ 110 جراحة بين رمية بسهم وضربة بسيف كانت على جسد الإمام عليه السلام أو على لباسه . القاضي النعمان المغربي ، شرح الأخبار ج 3 / ص 164 ـ الطبري الإمامي ، دلائل الإمامة ص 178 ـ الخوارزمي ، مقتل الحسين ج 2 / ص 42 ـ ابن الجوزي ، الرد على المتعصّب العنيد ص 39 ـ ابن نما الحلي ، مثير الأحزان ص57 ـ 58 .
* وذُكر أيضاً أنها كانت 70 جرحاً . حميد بن احمد المحلي ، الحدائق الورديه في مناقب أئمة الزيديه ج 1 / ص 213 . السيد ابن طاووس ، اللهوف ص 71 .
* وذكر ابن طاووس أنها كانت 72 جرحاً . الطبرسي ، إعلام الورى ج 1 / ص 469 ـ ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب ج 4 / ص 120.
* ويٌرجّح أنها تخطّت الـ 100 جرح بناءً على ما نُقل أنّ السهام أخذت تنهمر عليه كرشق المطر فأصابت جسده . البلاذري ، أنساب الأشراف ج 3 / ص 412 .
ومن بين تلك السهام العديدة الكثيرة السهم المثلث الذي وقع في كبد سيدي ومولاي الامام الحسين (ع) .
ولم يكن هذا السهم ليخرج الا بعد ان عالجه الامام الحسين ليخرج من القفا .لانه سهم مثلث ، سهم له ثلاث شعب ، سهم مسموم قد أنقعه حرملة عليه لعنة الله في السم لعدة ايام .
ما أفظعها من جريمة أتى بها حرمله ، انها احدى جرائمه القبيحة ، ومن أبرز
الجرائم التي استخدم فيها السهم هي ثلاثة جرائم بثلاثة سهام :
فالسهم الاول قد وقع في عين العباس عليه السلام ........ وآآآعباسااااه .
والسهم الثاني قد وقع في نحر عبد الله الرضيع ........... وآآآرضيعااااه .
والسهم الثالث هو السهم الذي تزلزلت له السماوات والارضين السهم الذي وقع في كبد الامام الحسين (ع) ........... وآآآحسينااااه .
لقد خرج ذلك السهم من ظهر الامام الحسين (ع) ليقع بعيداَ عن ارض
المعركة ، اذ وقع في أحد بساتين كربلاء . وبعد زمن طويل من واقعة الطف
وجد أحد المزارعين ذلك السهم عندما كان يحرث أرضه .
وحين وجده كان السهم لا يزال طرياَ عليه دم الامام الحسين (ع) ولم تغير الارض معالمه.
وقد وجد ذلك الفلاح السهم مكتوب على ريشه هذا الابيات الثلاثة :
لا تعجبوا من تراب لا يغيرني ***** بل اعجبوا من عظيم الخطب والمحن
وحمرة قد كستني من محاسنها ***** كسبتها من غريب الدار والوطن
اني وقعت على قلب الحسين بسم ***** فليت الدهر أعدمني .
نعم ان السهم المثلث وان كان جمادا الا انه تكلم لاظهار حزنه وجزعه على ما جرى على ولي الله سيد الشهداء الامام الحسين (ع) من قتل وظلم .
ونفس هذا السهم المثلث سيشكو الى الله تعالى في يوم القيامة من استخدامه لقتل الامام الحسين (ع) .
ونفس هذا السهم المثلث سيكون شاهدا على جرائم بني أمية عليهم لعنة الله تعالى وعذابه الاليم .
لاشك ان الانسان - وخصوصا الانسان المؤمن - قد سخر له كل ما في السموات والارض من الكائنات الحية وغير الحية في خدمته وتحت امرته ، والدليل على ذلك هو اطلاق الاية في قوله تعالى : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الجاثية / أية 13.
الا ان بعض المفسرين قد قصر اللحاظ على ان الاشياء التي ينتفع فيها الانسان المؤمن هي المقصودة في الاية ، اما الاشياء التي لاينتفع بها المؤمن كالملائكة مثلا فغير مقصودة في الاية . الا اننا نرد على هذا الرأي هذا الساذج بتقديم هذه المقدمة للقراء الكرام وبعدها ندخل في صلب الموضوع الرئيسي أعلاه .
المقدمة :
1- علاقة الانسان بالجمادات :
قال - سبحانه وتعالى - في قصة سيدنا داود : ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ﴾ [ص : 18] ، ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ : 10] ، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ﴾ [الأنبياء : 79].
هذه الآيات تدلُّ على أن الجبال تسبِّح ، هكذا بصريح الآية ودون تأويل أو تفسير، وقد اعتدنا أن التسبيح يكون باللسان ، فكيف تسبح الجبال ؟ وهل للجبال ألسنة ؟
ويقول - تعالى - في بني إسرائيل الذين زعموا أن المسيح ابن الله : ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ [مريم : 90 ، 91].
وتأمَّل هذه الآية ، سماء تتفطر وتنقطع أسفًا ، وأرض تتشقَّق وتتقلَّص وتتذلل خجلاً ، وجبال تخرُّ وتتصدَّع ، والإنسان لا يبالي ، فهل شعرَتِ الجبالُ بضلال بني الإنسان ؟ وكيف علمتْ ؟
ويقول - تعالى - في آية جامعة شاملة : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحج: 18].
لقد تكلَّمت الآية عن سبع عوالم ساجدة لله - تعالى - طوعًا أو كرهًا ، أربعة من هذه العوالم من الجمادات على سبيل الرمز، والخامسة من النبات ، والسادسة من الحيوان ، والسابعة والأخيرة من عالم الإنس ، كلُّ هذه العوالم الساجدة من عالم الشهادة ، أمَّا المخلوقات الساجدة لجلال الله - سبحانه - من عالم الغيب في السموات والأرض ، فالله أعلم بهم ، والآية أشارت إليها فقط ضمنًا.
فالكلُّ من حولنا مخلوقات ساجدة ، الشمس بنورها ، والقمر بنوره ، والنجوم في ارتفاعها ، كلها ساجدة ، ثم الجبال كذلك والشجر والدواب ، نراها أمامنا ولا نشعر بشيء إلا إذا تعلَّمنا شيئًا من علاَّم الغيوب ، ومهما نتعلَّم فلا ولن نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء - سبحانه - وإذا كان سجودنا نحن بني البشر هو أن نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض ؛ تعظيمًا وإجلالاً لله - سبحانه - فكيف تسجد هذه المخلوقات ؟ وفي بدء الخليقة حينما عرض الله - سبحانه وتعالى - الأمانة على السموات والأرض والجبال ، وأشفقن من حملها، أدركتِ الجبال ما لم يدركْه الإنسان من صعوبة حمل الأمانة ، فهل هي أعقل منَّا نحن ؟
إذًا لم يبقَ لنا إلا أن نخشع لربنا ونسبح بحمده ، ولا نؤذي مَن حولنا من مخلوقات .
ولذلك يجب على الإنسان ألاَّ يكون سطحيًّا في التعامل والتفاعل مع الجمادات، فقد وردت آية توضِّح لنا كيف أن جدارًا كان مكلَّفًا من دون الناس بحماية كنز الأيتام حتى يبلغوا أشدَّهم بأمر الله - سبحانه - ولما تقادم الجدار، وأوشك على الانهيار قبل أن يكبر الأيتام ويبلغوا أشدهم، وكأنما ناجَى ربَّه - ولِمَ لا؟ - فأرسل الله مَن يقيمه مرة ثانية؛ ليمتدَّ به الزمان حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه ، وهذا بعض ما جاء في مدلولات قوله - تعالى -: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82].
ويبدو أن الجدار كان أكثر أمنًا من الإنسان في ذلك الزمان وفي تلك المدينة ، ولا أقول في كلِّ الأزمان وكل الأماكن ؛ تأدُّبًا ، وصلاح الأب كان كفيلاً وسببًا كافيًا لتنفعل الجمادات - بإذن الله - لصالح الأيتام.
وهذا هو ترتيب الله - سبحانه - قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج: 18].
إذًا نحن في العوالم الساجدة ترتيبُنا الأخير؛ ولذلك ننظر بعين الإعجاب والاعتبار في قصة الشجرة التي آمنتْ برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – وقالت : "أشهد أنك رسول الله".
ومريم العذراء - عليها السلام - لجأت إلى شجرة حينما أجاءها المخاض إلى جذع نخلة بوحي الله - سبحانه – والنبي يونس - عليه السلام - حينما لفظه الحوت بالشاطئ أوى إلى شجرة من يَقْطِين.
ولا ننس أن النبات هو القاسم المشترك مع الإنسان في هذا الهواء الذي نتنفَّسه بالإيجاب وليس بالسلب ، فهو يأخذ منا ما نستغني عنه من ثاني أكسيد الكربون، ولولا النبات لما استطعنا تصريف هذا الكم الهائل من ثاني أكسيد الكربون، ويعطينا ما نحتاجه من أوكسجين ، وأيضًا لولا أن سخَّر الله لنا النبات ليقوم بهذه المهمة ، لتأزَّم الموقف.
2- علاقة الانسان بالحيوانات :
وعلى قَدرِ سمو إنسانيَّة الإنسان يكون اهتمامه بالعلاقات مع ما حوله ، وكلما ارتقتْ أخلاقيات الإنسان ، ارتقى في أسلوب التعامل مع الآخرين ، وجمعيات الرِّفق بالحيوان التي نسمع عنها في بلاد الغرب ، كنا نحن أولى بها ، نعم هم يهتمُّون بالحيوان في نفس الوقت الذي يُهدرون فيه حقَّ الإنسان، وهذا دِينُهم والعيبُ فينا، عمومًا ، نحن بدِيننا وقرآننا كنَّا أولى برعاية حقوق الخلائق التابعة والرِّفق بها، أو على الأقلِّ جدير بنا أن نحذوَ حذوهم؛ حتى تبطلَ مقولة أن الغربَ فيه إسلامٌ بلا مسلمين ، وأنَّ بلادنا فيها مسلمون بلا إسلام ، نريد أن نصحِّحَ المعادلة ؛ لتكون بلادنا بلاد إسلام ومسلمين ، ولا شأن لنا بالمنبَهِرين بغيرنا إلاَّ في حدود.
والعلاقة التي أرادها الله - سبحانه وتعالى - للناس مع الحيوان نظمها الله بشكلٍ ، وتناولها الناس بشكلٍ آخر، نعم تجاهلها البعض نهائيًّا لدرجة أنهم سخَّروها واستعملوها فيما لم تخلق له ، وبالذات في بلاد الغرب التي يزعمون أنَّ فيها إسلامًا بلا مسلمين ، كمصارعة الثيران ، من أناسٍ نزعَ الله من قلوبهم الرحمة ، والغريب أن ذلك يتمُّ وسط هتافات الإعجاب من الآلاف المحتشدة لرؤية دماء تسيلُ من ظهر حيوانٍ بريء ، ليس له ذنبٌ إلاَّ أنَّ الله سخَّره للإنسان ، وكنت أتمنى من قيادات المسلمين أن يعملوا على وَقْفِ هذه المهازل ، أو على الأقل إعلام من يهمُّه الأمر أن هذا العبثَ مخالف للشرائع السماوية.
وكذلك في السيرك ، وإن كان الأمرُ أخفَّ كثيرًا من مصارعة الثيران ، إلا أنَّ فيه استهزاءً وإذلالاً للحيوان الذي يرميه سوءُ حظه مع لاعب السيرك.
هذا عن البعض الذي تجاهل نظامَ الله في العلاقة بينه وبين الحيوانات ، وهناك صنفٌ آخر من الناس تعلَّقوا بالحيوان لدرجة الإجلال ، مثل بعض القبائل التي تعبدُ من الحيوانات كلَّ ما يُرجى نفعها أو يُخشى ضررها ، كعَبَدَة الأبقار والأغنام ، أو العقارب والحيَّات ، وهذا وذاك في ضلالٍ بعيدٍ ، ولله في خلقه شؤون ، والمطلوب علاقة متوازِنة بدون تفريط أو إفراط ، علاقة وسط ؛ لأن الفرقَ بينك أنت - أيها الإنسان - وبين الحيوان هو التكليف الإلهي ، والتكريم الإلهي أيضًا ، وكلاهما من عند الله - سبحانه وتعالى - بقدرته وحكمته ، فإن انسلختَ من أيٍّ منهما ، أصبحتَ لا تساوي حيوانًا ولا شيئًا إطلاقًا ، وبدون تكليف وتكريم يتساوى الإنسان والحيوان في شكل التَّواجد والتَّكاثر؛ فكلاهما يحيا حياةَ النَّماء وحياة الحركة ، وهذا هو معنى (الحيوان) ، وكلُّ المخلوقات التي تعيش معنا على الأرض أو داخل البحار من حيواناتٍ ، وطيورٍ ، وحشراتٍ ، تشترك معنا في صفة الحيوان بمعناه اللفظي ، إلاَّ أنَّ النبات له حياة نماء فقط ، على هذا الأساس ننظر إلى الحيوانات التي تشاركنا الحياة ، وهي مُسخَّرة لنا ، ومخلوقة لنفعنا.
وقد بدأت علاقةُ الحيوان بالإنسان في أول مِحنةٍ قابلت الإنسانَ على وجه الأرض ، حينما قام أحدُ ابنَي آدمَ بقَتْل أخيه ، عندها كان الدرس الأول للإنسان من غُرابٍ بعثه الله - سبحانه وتعالى - ليعلِّمَ ابن آدم ومن بعده البشرَ كيف نواري سوءاتنا حين الوفاة ، وقد شعر ابن آدم بعجزه حينئذٍ، وتبًّا للأمم التي تقومُ بإحراق الجثثِ، أو اتِّباع أيِّ وسيلةٍ أخرى في مواراة الموتى، فالدفنُ في التراب هو الأصل، إلا في الضرورات التي تبيح المحظورات، والدفن هو الصحيح، وهو السُّنة المؤكَّدة للبشر عمومًا ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].
واستمرَّت هذه العلاقة بين الحيوان والإنسان - ولا تنسَ أنَّ الطيور حيوانات - مع الأيام.
ففي قصة سيدنا نوح - عليه السلام - عندما كذَّبه قومه ، وقالوا عنه : مجنون وازدُجِر، أمره الله - سبحانه - أن يصنعَ سفينةً ، وأوحى إليه أن يأخذ معه في السفينة من الحيوانات الموجودة معه على الأرض ﴿ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [هود: 40] ، هذا أولاً ثم ﴿ وَأهْلَكَ ﴾ ، وهذا الترتيب في كلمات الآية ترتيبٌ إلهي مقصود، ومؤكد أن له معنًى ومغزًى ، وبعد ذلك عندما أراد سيدنا نوح - عليه السلام - التأكُّد من جفاف الأرض بعد الطوفان قبل أن يفتح السفينة ويخرج منها ، أرسل حمامةً ، فعادت بغصنِ زيتون في منقارها كدليل على استقرار الأحوال على الأرض ، وعودة الأمور إلى طبيعتها ، وأصبح الحمام وغصنُ الزيتون بذلك رمزًا للسلام .
وفي قصة سيدنا صالح - عليه السلام - عندما كذَّبته ثمود ، واستنفد كلَّ الطُّرق لهداية قومه ، فطلَب من الله آيةً لعلَّ قومه يهتدون ، فأرسل الله إليهم ناقةً ؛ لتكونَ هذه الناقة آيةً وفِتْنةً.
وفي قصة سيدنا موسى - عليه السلام - حين أرسله الله إلى فرعون الذي يقول للناس: أنا ربُّكم الأعلى، أعطاه الله آيتين :
الآية الأولى : عصا في يده تتحوَّل إلى ثُعبان عند اللزوم.
والآية الثانية : يده نفسها ، وكانت هذه الحَيَّة ، التي في أصلها هي عصا موسى ، كانت الورقة الرابحة عندما اجتمع الناس يوم الزِّينة ، قال - تعالى -: ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ﴾ [طه: 69].
وفي رحلة سيدنا سليمان - عليه السلام - في وادي النمل ، كان سيدنا سليمان بجيشه المكوَّن من جنود الجن والإنس والطير، وفي هذا الحشد العظيم ، وهذا الموكب الذي يجمع من كلِّ الإمكانيات أصحابَها ، كان الخبر اليقين عن قومِ بلقيس من الهدهد الذي وجد ﴿ امْرَأةً تَمْلِكُهُمْ وَأوتِيتْ مِن كُلِّ شَيءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل : 23] ، ذلك الهدهد استنكرَ سجودَ الملكة وقومها للشمس من دون الله، وساءه ذلك الفعلُ القبيح من بعض الناس ، ثم أصبح الهدهد رسولَ سيدنا سليمان إلى بلقيس بالكتاب ، كلُّ هذا في حضور الجن والإنس وباقي الجنود.
وفي قصة أصحاب الفيل نجد أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل طيرًا أبابيل؛ لحماية الكعبة الشريفة من أَبْرهة الأشرم وجنوده، وكان ذلك في العام الذي وُلِدَ فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتواكُب الحدثين له دلالة .
وفي هجرة الرسول عندما أوى الرسول (ص) إلى غار ثور، كلَّف الله - سبحانه - أضعفَ مخلوقاته لصدِّ كُفَّار قريش الذين كانوا يزعمون أنهم أقوى الأقوياء ، عنكبوت وحمامة قاما بحماية الغار، مع أنه - سبحانه - عنده من الجنود المجنَّدة ما لا حصرَ له.
ونجد أنَّ رحلة البشرية سارتْ بين الهدى والضلال ، فإمَّا أن يهتدي الناس ويتساموا في أخلاقهم ، وإمَّا أن يخلدوا إلى الأرض ويصبحوا كالأنعام ؛ بل أضل ، أو يُعرضوا عن الهدى بجهلهم مثل الحمير المذعورة أمام وحشٍ ضارٍ، كما يقول - تعالى - مشبِّهًا حالهم: ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 50، 51]، وضرب الله أمثلةً كثيرةً عن الكفار والمشركين بالعنكبوت ، أو الكلب الذي يلهثُ في كلِّ أحواله.
وكلُّ هذه الأمور تجعل الحيوان دائمًا في بؤرة الشعور - لا هامش الشعور - لدى الإنسان.
ومن الآيات التي أمرَنا الله - سبحانه وتعالى - أن ننظرَ إليها بعين الاعتبار آيةُ (الإبل) في هيئتها وتكوينها العجيب وجوهرها، يقول - تعالى -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17].
وسور القرآن الكريم نجد أنَّ بعضها عُرفت بأسماء حيوانات ، مثل : سورة البقرة ، وسورة الأنعام ، وسورة النحل ، والعنكبوت ، والنمل ، والفيل .
ورُوي أنَّ كلَّ الحيوانات ستبعثُ يوم القيامة للقصاص ، فتأتي العصفورة وتقول للملك الدَّيان : يا ربِّ ، سَلْ عبدك فلانًا ، لماذا قتلني من غير منفعة ؟ وتأتي البقرة لتدافع عن نفسها من أولئك الذين اتخذوها للعبادة ، وتقول : يا رب ، سَلْ عبدك فلانًا ، لماذا استخدمني في غير ما خُلقتُ له ؟
وبعد بيان العلاقة بين الانسان المؤمن وبين الجملدات والحيوانات في المقدمة نقول :
ان من أبشع الجرائم التي ارتكبها بنو أمية في كربلاء يوم عاشوراء هي استعمال كافة وسائل الظلم والقتل على ابن بنت رسول الله (ص) سيدي ومولاي الامام الحسين (ع) ومنها رشقه (ع) بمطر وابل من السهام .
وقد اختلفت عبارات المؤرخين ، والأرقام التي ذكروها لعدد الجراحات التي أصابت جسد أبي عبد الله الحسين (ع) ، وفي بعض تلك العبارات روايات عن الأئمة الاطهار (ع) ، وهي كالتالي :
* ففي الرواية عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (ع) أنَّهُ قَالَ : "أُصِيبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَوُجِدَ بِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعٌ وَعِشْرُونَ طَعْنَةً بِرُمْحٍ ، أَوْ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ ، فَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي مُقَدَّمِهِ لِأَنَّهُ (ع) كَانَ لَا يُوَلِّي" . المصدر : بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 45 / 82 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
* وفي رواية الإمام السجاد (ع) :
أنّ عدد جراحاته بلغت 40 بين ضربة بسيف ورمية بسهم . القاضي النعمان المغربي ، دعائم الإسلام ، ج 2 / ص 154 .
* وفي رواية أبي جعفر (ع) : « قتل الحسين بن علي (ع) ، و عليه جبة خز دكناء، فوجدوا فيها ثلاثة و ستين من بين ضربة بالسيف ، و طعنة بالرمح ، أو رمية بالسهم » . الكليني ، الكافي ج 6 / ص 452 / ح 9 .
* وعنه أيضا (ع) : « أصيب الحسين بن علي عليه السلام ووجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرين طعنة برمح ، أو ضربة بسيف ، أو رمية بسهم » . الصدوق القمي ، الأمالي ، المجلس 31 / ص228 / ح 1 ـ الفتال النسابوري ، روضة الواعظين ص 189 ـ الطبرسي ، تاج المواليد ص31 ـ ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب ج 4 / ص 120 .
* وفي رواية الإمام جعفر الصادق (ع) :
أنّ به 33 طعنة برمح و34 ضربة بسيف . الطبري ، تاريخ الأمم والملوك ، ج 4 ص346 ـ الخوارزمي ، مقتل الحسين ج 2 / ص 42 ـ ابن شهرآشوب ، مناقب آل أبي طالب ج 4 / ص 120 ـ ابن نما الحلي مثير الأحزان ص 58 ـ السيد ابن طاووس ، اللهوف ص76 .
* وروي أيضاً : أنّ به 33 طعنة برمح و 44 ضربة بسيف وسهم . القاضي النعمان المغربي ، شرح الأخبار ج 3 / ص 164 ـ الطبري ، دلائل الامامة ص 178 .
* وفي رواية أخرى : أصيب بأكثر من 70 ضربة بسيف . الشيخ الطوسي ، الأمالي ص 677 / ح 10 .
* وذُكر أيضاً : أنّه عليه السلام أصيب بـ 110 جراحة بين رمية بسهم وضربة بسيف كانت على جسد الإمام عليه السلام أو على لباسه . القاضي النعمان المغربي ، شرح الأخبار ج 3 / ص 164 ـ الطبري الإمامي ، دلائل الإمامة ص 178 ـ الخوارزمي ، مقتل الحسين ج 2 / ص 42 ـ ابن الجوزي ، الرد على المتعصّب العنيد ص 39 ـ ابن نما الحلي ، مثير الأحزان ص57 ـ 58 .
* وذُكر أيضاً أنها كانت 70 جرحاً . حميد بن احمد المحلي ، الحدائق الورديه في مناقب أئمة الزيديه ج 1 / ص 213 . السيد ابن طاووس ، اللهوف ص 71 .
* وذكر ابن طاووس أنها كانت 72 جرحاً . الطبرسي ، إعلام الورى ج 1 / ص 469 ـ ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب ج 4 / ص 120.
* ويٌرجّح أنها تخطّت الـ 100 جرح بناءً على ما نُقل أنّ السهام أخذت تنهمر عليه كرشق المطر فأصابت جسده . البلاذري ، أنساب الأشراف ج 3 / ص 412 .
ومن بين تلك السهام العديدة الكثيرة السهم المثلث الذي وقع في كبد سيدي ومولاي الامام الحسين (ع) .
ولم يكن هذا السهم ليخرج الا بعد ان عالجه الامام الحسين ليخرج من القفا .لانه سهم مثلث ، سهم له ثلاث شعب ، سهم مسموم قد أنقعه حرملة عليه لعنة الله في السم لعدة ايام .
ما أفظعها من جريمة أتى بها حرمله ، انها احدى جرائمه القبيحة ، ومن أبرز
الجرائم التي استخدم فيها السهم هي ثلاثة جرائم بثلاثة سهام :
فالسهم الاول قد وقع في عين العباس عليه السلام ........ وآآآعباسااااه .
والسهم الثاني قد وقع في نحر عبد الله الرضيع ........... وآآآرضيعااااه .
والسهم الثالث هو السهم الذي تزلزلت له السماوات والارضين السهم الذي وقع في كبد الامام الحسين (ع) ........... وآآآحسينااااه .
لقد خرج ذلك السهم من ظهر الامام الحسين (ع) ليقع بعيداَ عن ارض
المعركة ، اذ وقع في أحد بساتين كربلاء . وبعد زمن طويل من واقعة الطف
وجد أحد المزارعين ذلك السهم عندما كان يحرث أرضه .
وحين وجده كان السهم لا يزال طرياَ عليه دم الامام الحسين (ع) ولم تغير الارض معالمه.
وقد وجد ذلك الفلاح السهم مكتوب على ريشه هذا الابيات الثلاثة :
لا تعجبوا من تراب لا يغيرني ***** بل اعجبوا من عظيم الخطب والمحن
وحمرة قد كستني من محاسنها ***** كسبتها من غريب الدار والوطن
اني وقعت على قلب الحسين بسم ***** فليت الدهر أعدمني .
نعم ان السهم المثلث وان كان جمادا الا انه تكلم لاظهار حزنه وجزعه على ما جرى على ولي الله سيد الشهداء الامام الحسين (ع) من قتل وظلم .
ونفس هذا السهم المثلث سيشكو الى الله تعالى في يوم القيامة من استخدامه لقتل الامام الحسين (ع) .
ونفس هذا السهم المثلث سيكون شاهدا على جرائم بني أمية عليهم لعنة الله تعالى وعذابه الاليم .