- إنضم
- 31 يناير 2017
- المشاركات
- 2,289,069
- مستوى التفاعل
- 47,673
- النقاط
- 113
السومريون ومجتمع ما بعد الطوفان
نظرية المجتمع الايماني (2)
مجتمع السومري قبل وبُعيد الطوفان
اننا لا نملك عن تأريخ ذلك المجتمع الكثير، لكن لا نُعدم اليسير، الذي يهيئ لنا الطريق لمعرفة بدايات تشكل (المجتمع الايماني).
ان الصراعات الايدلوجية بين معتنقي الاديان وكذلك بين معتنقي الافكار جعلت تزوير الحقائق التأريخية امراً مألوفا وخطيرا وشائعا. لذلك كان من اللازم على الباحث ان يتحلى بذوق وحس خاصين لرسم ملامح عامة للحقيقة.
التصوير القرآني لمجتمع ما قبل الطوفان
ان القرآن الكريم لم يتناول المجتمعات الانسانية من منظور آثاري، بل من منظور العبرة والموعظة، لذلك فهو لم يشرح الصورة الاجتماعية والسياسية والعمرانية بطريقة الآثاريين. لكننا يمكن ان نستشف من بعض الآيات الكريمة شيئا من ملامح ذلك المجتمع الذي عاشه نوح قبل الطوفان.
ان مجتمع نوح – حسب القرآن الكريم - كان رسميا كافرا لا يعبد الله، و يأتون اعمالا قرّبت العذاب منهم، وكان طبقيا، تحكمه النخبة، وتدير اموره مجموعة من الشخصيات، الا ان المعيار الطبقي كان يعتمد على النفوذ والقوة، و كانوا يجهلون المعاني التوحيدية حد العمى، وكانت اعمارهم طويلة نسبة لما نعرفه اليوم، تتجاوز الالف سنة.
التصوير الآثاري
ان من النصوص القديمة التي تشير الى تأريخ ما قبل الطوفان كانت – بالاضافة الى الكتب المقدسة – هي وثيقة (قائمة الملوك السومرية)، التي عثرت عليها بعثات التنقيب عن الآثار في العراق. والتي تفصل الدول التي حكمت قبل الطوفان، كما انها توضح بصورة جلية الاعمار الطويلة جدا للبشر حينذاك. وتؤكد الوثيقة حدوث الطوفان في زمن مملكة شوروباك. مما يؤكد ان نوح كان احد رعاياها. لتنتقل اعمار البشر بعدها نقلة نوعية، فتتناقص تدريجيا حتى تصل الى المعدلات التي نعرفها اليوم، وهذا يشير الى تسبيب الطوفان في تغييرات كبيرة على الطبيعة والبيئة، او ربما حدث رافق الطوفان.
السومريون والاكديون
ان السومريين هم قوم نوح وعشيرته، و ذراري من نجا معه في السفينة، اما الاكديون فهم ذرية نوح المباشرة، ومن هنا فانهم في الحقيقة مجتمع واحد، تميز فيه الاكديون بسبب انتسابهم السامي، فتزعموا هذه الحضارة بعد انتهاء اعداء نوح من طواغيت عصره (عصر ما قبل الطوفان). بعد ان شهد المؤمنون إحداث الطوفان حفظوا لأبناء نوح مكانتهم.
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم58
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}الحديد26
نوح والمجتمع الايماني الاول
قال العلامة (كريمر) وهو أشهر اختصاصي في هذا الميدان: {ولدينا من الأسباب المعقولة، ما
يحملنا على الاستنتاج، أنه ظهر في غضون الألف الثالث ق. م. طائفة من المفكرين والمعلمين السومريين، حاولوا أن يصلوا الى إجابات مرضية عن المسائل التي أثارتها تأملاتهم في الكون وأصل الأشياء فكونوا آراء وعقائد في أصل الكون والإلهيات، اتسمت بقدر عظيم من الإقناع العقلي، وأصبحت آراؤهم و معتقداتهم فيما بعد عقائد ومبادئ أساسية لكثير من شعوب الشرق الأدنى القديم).
ان ما تركه نوح من عقائد ساهم في خلق مجتمع يختلف كليا عن سابقه (قبل الطوفان)، ففي حين كان مجتمع ما قبل الطوفان كافرا وغير منطقي التفكير وبعيد عن وعي الحقائق الايمانية، وهذا ما صوره (العهد القديم) عندما ادعى بان سبب الطوفان هو غضب الرب على هذه الاقوام بسبب خطيئتها.
ان مجتمع ما قبل الطوفان – رغم غلبة الكفر عليه – لم يخلُ من مؤمنين صالحين، وان كانوا قليلين جدا، لعل اهمهم هو (لامك) والد نوح، والذي كان يتوقع نهضة تغيّر مجتمعه.
لكنَّ نوحاً اوجد اولى المجتمعات الايمانية الجلية، والتي ظهر فيها (التدين) كجزء اساسي في الحياة، بل ترتبط به كافة النشاطات الاخرى.
((فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ } (سورة يونس:73)
بعض العقائد السومرية نسخة اوليّة لعقائد الشيعة الامامية
قام العلماء الغربيون بدراسة العقائد الكونية ونظريات الخلق السومرية وهم واقعون تحت تأثير (ان السومريين شعب بدائي وثني)، لذلك كانت ترجماتهم للآثار السومرية قريبة جداً من جريمة (الابادة) لمعتقدات غاية في الدقة والتحضر.
كمثال على ذلك النص: (ان الآلهة اعطت لاتونابشتم – نوح – مرتبة الآلهة او قريبة من الآلهة)، وكما هو جلي ان المعنى لم يتعدَ (النبوة)، الا ان الباحثين الغربيين فسروها بمعنى الالوهية. وكلمة آلهة داخل النص اخذتها عن ترجمتهم هم.
في حين فسر (كريمر) فلسفة (المجمع الإلهي) السومرية بنحو من السذاجة، وقرَّر انها مقتبسة عن نظريات الادارة والارادة المدنية الارضية، وشبّهها برعاية البشر لتفاصيل حياتهم، لم تكن هي في الحقيقة سوى تمثيل اوّلي لنظريتي (العقل الاول) و(الولاية التكوينية) في المعتقدات الامامية، فقد افترضت النظرة السومرية ان مجموعة أعضاء المجمع الإلهي يمثلون الواسطة التكوينية والتشريعية بين الخالق والمخلوقين، وان لكل واحد منهم مستواه الخاص به.
لم يتجاوز اعتقاد السومريين في العصور التي اعقبت الطوفان ان هؤلاء (الآلهة) كانوا (بشرا) كباقي المخلوقات للرب الخالق، لكنهم كانوا اسمى من باقي المخلوقات، وهذا ما يؤكده (صموئيل نوح كريمر) في كتابه (السومريون)، رغم انه يحاول التوفيق بين الاحكام العنصرية والتصورات المسبقة للعلماء الغربيين وبين حقيقة الاكتشافات الآثارية المثيرة للتساؤل والاعجاب معا.
تحريف عقيدة الولاية التكوينية عند الحضارات الاخرى
المؤسف ان الشيطان لعنه الله حرّف ما علمه نوح للسومريين، فادخل على معتقداتهم فلسفة الولاية التكوينية على نحو آخر مشوّه. لقد تم ايجاد فلسفة شيطانية جديدة تقوم على اساس الاقانيم الثلاثة، وفكرة (ابن الرب) او شريك الرب) وكذلك (ابناء الآلهة). ورغم ان هذه العقائد الفلسفية لم تتوغل في ارض الرافدين لفترة طويلة، لكنها وجدت ارضا خصبة في الحضارات الفرعونية والهندية، وكذلك فيما بعد اليونانية والرومانية. فنشأ حينئذ مجموعة من الارباب الزائفة البديلة عن فكرة الولاية التكوينية. ففي الحضارة الهندية كان هناك (التريمورتي) الثلاثي.
ارتباط السومريين بالنبوات
السومريون اعتقدوا دائما ان كل ما لديهم هو هبة (الإله)، ولعل جميع ما عندهم من المعارف هي علوم زقها الانبياء في مجتمعاتهم. فان ذلك (الكُتيب الزراعي) الذي عُثر عليه يحمل ارشادات غاية في الدقة والروعة لكل فلاحي سومر، والذي يحمل عنوان (تقويم للمزارع)، والذي عثر عليه (وولي) في (اور)، ويبدأ بعبارة (في الازمان القديمة ارشد فلاح ابنه)، يدل دلالة واضحة على ارتباط المجتمع السومري بمرشدين ربانيين، خصوصا ان هذا (التقويم الزراعي) تضمن مبادئ انسانية لكفالة الصغار وغيرهم، ربطها (كريمر) بالتعاليم (التوراتية).
اما ما جاء في (نواميس وتعاليم انتقال المدنية من اريدو الى اوروك) الواردة في (اسطورة) (إينانا وأنكي) فهي جلية التعبير عن تعاليم سماوية، لا يمكن للعالم الغربي ان يدرك كنهها، لكن فلاسفة الامامية سيجمعون بين مفرداتها سريعا وادراك انها لا تتعدى (قوانين انشاء مجتمع عادل وسامي).
جاء في ملحمة (اينمر كار وارتا):
(البلد العظيم ذو النواميس المقدسة الخاصة بالإمارة
يا (سومر) أيها البلد العظيم
يا أعظم بلد في العالم
لقد غمرتك الأضواء المستديمة
والناس من مشرق الشمس الى مغربها
هم طوع شرائعك المقدسة
إن شرائعك سامية لا يمكن إدراكها
وقلبك عميق لا يمكن سبر أغواره
إيه يا دار (سومر))
وهذه المقاطع تتطابق مع نصوص اسلامية امامية كثيرة، حول ارض الكوفة، التي هي ذاتها ارض سومر.
الفلسفة السومرية وعلماء الغرب
ان علماء الآثار والتأريخ الغربيين اخفوا الكثير من المكتشفات السومرية، وغيبوا المهم من الحقائق، وهم ايضا ترجموا النصوص السومرية بشكل سمج، متأثر باعتقاداتهم وتصوراتهم الشخصية وبيئتهم المحيطة – يهودية او مسيحية). وربما ان هؤلاء العلماء لم يكشفوا الا اقل من ثلاثين بالمئة من آثارنا حسب الاستقراء.
ملحمة (جلجامش) ورسوخ عقائد نوح
ان المطلع على تفاصيل هذه الملحمة يدرك ان الاتجاه الى (أوتونابشتم = زيوسدرا = نوح) من قبل اعظم ملوك سومر، وهو جلجامش (ملك أوروك العظيمة)، يمثل تجذرا واضحا لقناعة مهمة في المجتمع السومري مفادها: ان ما جاء به نوح يمثل الدواء لادواء البشرية، وان الحكمة التي رافقت نوح ضرورة يحتاجها المجتمع السومري.
علة انحراف المجتمع الايماني الأول
كما هو واضح من الدراسات التأريخية والآثارية والاجتماعية ان تطور مفهوم (التقديس) للاشخاص المميزين ينتج في المجتمعات الميل نحو ظاهرة (الغلو)، التي تؤدي في بعض الاحيان وعند غياب الضابط الفكري القوي الى ظاهرة (التأليه).
(إبراهيم النبي) هو النتيجة الطبيعية
بعد هذا كله، لا يمكن ان يقبل المنطق السليم ظهور شخصية ناشطة وفاعلة كشخصية (إبراهيم النبي) في مجتمع غير المجتمع السومري الاكدي.
نحن كمعتنقين للمذهب الامامي الاثني عشري نلتزم طهارة مولد جميع الانبياء، وتسلسلهم عبر آباء موحدين. ذلك يقودنا – مع المؤيدات السابقة – الى بقاء ثلة صالحة داخل المجتمع السومري، كانت مرافقة لإبراهيم النبي في نهضته الكبيرة والمجددة.
نور المعرفة هدية سومر
يقول الباحث في علوم الحضارات القديمة "James Mellaart" في كتابه "E arliest Civilization Of The Near East": "في سومر وضمن حوض وادي الرافدين باشر الإنسان صنع الحضارة على قواعد أعمدة قوية يغمرها نور المعرفة والعلم، وكان ظهور الشكل الأول للتكوينات المدنية قد تم في سومر بوادي الرافدين ثم انتقل ذاك الإنجاز الحضاري إلى مصر وشرق الهند ثم إلى بقاع أخرى من العالم ".
نظرية المجتمع الايماني (2)
مجتمع السومري قبل وبُعيد الطوفان
اننا لا نملك عن تأريخ ذلك المجتمع الكثير، لكن لا نُعدم اليسير، الذي يهيئ لنا الطريق لمعرفة بدايات تشكل (المجتمع الايماني).
ان الصراعات الايدلوجية بين معتنقي الاديان وكذلك بين معتنقي الافكار جعلت تزوير الحقائق التأريخية امراً مألوفا وخطيرا وشائعا. لذلك كان من اللازم على الباحث ان يتحلى بذوق وحس خاصين لرسم ملامح عامة للحقيقة.
التصوير القرآني لمجتمع ما قبل الطوفان
ان القرآن الكريم لم يتناول المجتمعات الانسانية من منظور آثاري، بل من منظور العبرة والموعظة، لذلك فهو لم يشرح الصورة الاجتماعية والسياسية والعمرانية بطريقة الآثاريين. لكننا يمكن ان نستشف من بعض الآيات الكريمة شيئا من ملامح ذلك المجتمع الذي عاشه نوح قبل الطوفان.
ان مجتمع نوح – حسب القرآن الكريم - كان رسميا كافرا لا يعبد الله، و يأتون اعمالا قرّبت العذاب منهم، وكان طبقيا، تحكمه النخبة، وتدير اموره مجموعة من الشخصيات، الا ان المعيار الطبقي كان يعتمد على النفوذ والقوة، و كانوا يجهلون المعاني التوحيدية حد العمى، وكانت اعمارهم طويلة نسبة لما نعرفه اليوم، تتجاوز الالف سنة.
التصوير الآثاري
ان من النصوص القديمة التي تشير الى تأريخ ما قبل الطوفان كانت – بالاضافة الى الكتب المقدسة – هي وثيقة (قائمة الملوك السومرية)، التي عثرت عليها بعثات التنقيب عن الآثار في العراق. والتي تفصل الدول التي حكمت قبل الطوفان، كما انها توضح بصورة جلية الاعمار الطويلة جدا للبشر حينذاك. وتؤكد الوثيقة حدوث الطوفان في زمن مملكة شوروباك. مما يؤكد ان نوح كان احد رعاياها. لتنتقل اعمار البشر بعدها نقلة نوعية، فتتناقص تدريجيا حتى تصل الى المعدلات التي نعرفها اليوم، وهذا يشير الى تسبيب الطوفان في تغييرات كبيرة على الطبيعة والبيئة، او ربما حدث رافق الطوفان.
السومريون والاكديون
ان السومريين هم قوم نوح وعشيرته، و ذراري من نجا معه في السفينة، اما الاكديون فهم ذرية نوح المباشرة، ومن هنا فانهم في الحقيقة مجتمع واحد، تميز فيه الاكديون بسبب انتسابهم السامي، فتزعموا هذه الحضارة بعد انتهاء اعداء نوح من طواغيت عصره (عصر ما قبل الطوفان). بعد ان شهد المؤمنون إحداث الطوفان حفظوا لأبناء نوح مكانتهم.
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم58
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}الحديد26
نوح والمجتمع الايماني الاول
قال العلامة (كريمر) وهو أشهر اختصاصي في هذا الميدان: {ولدينا من الأسباب المعقولة، ما
يحملنا على الاستنتاج، أنه ظهر في غضون الألف الثالث ق. م. طائفة من المفكرين والمعلمين السومريين، حاولوا أن يصلوا الى إجابات مرضية عن المسائل التي أثارتها تأملاتهم في الكون وأصل الأشياء فكونوا آراء وعقائد في أصل الكون والإلهيات، اتسمت بقدر عظيم من الإقناع العقلي، وأصبحت آراؤهم و معتقداتهم فيما بعد عقائد ومبادئ أساسية لكثير من شعوب الشرق الأدنى القديم).
ان ما تركه نوح من عقائد ساهم في خلق مجتمع يختلف كليا عن سابقه (قبل الطوفان)، ففي حين كان مجتمع ما قبل الطوفان كافرا وغير منطقي التفكير وبعيد عن وعي الحقائق الايمانية، وهذا ما صوره (العهد القديم) عندما ادعى بان سبب الطوفان هو غضب الرب على هذه الاقوام بسبب خطيئتها.
ان مجتمع ما قبل الطوفان – رغم غلبة الكفر عليه – لم يخلُ من مؤمنين صالحين، وان كانوا قليلين جدا، لعل اهمهم هو (لامك) والد نوح، والذي كان يتوقع نهضة تغيّر مجتمعه.
لكنَّ نوحاً اوجد اولى المجتمعات الايمانية الجلية، والتي ظهر فيها (التدين) كجزء اساسي في الحياة، بل ترتبط به كافة النشاطات الاخرى.
((فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ } (سورة يونس:73)
بعض العقائد السومرية نسخة اوليّة لعقائد الشيعة الامامية
قام العلماء الغربيون بدراسة العقائد الكونية ونظريات الخلق السومرية وهم واقعون تحت تأثير (ان السومريين شعب بدائي وثني)، لذلك كانت ترجماتهم للآثار السومرية قريبة جداً من جريمة (الابادة) لمعتقدات غاية في الدقة والتحضر.
كمثال على ذلك النص: (ان الآلهة اعطت لاتونابشتم – نوح – مرتبة الآلهة او قريبة من الآلهة)، وكما هو جلي ان المعنى لم يتعدَ (النبوة)، الا ان الباحثين الغربيين فسروها بمعنى الالوهية. وكلمة آلهة داخل النص اخذتها عن ترجمتهم هم.
في حين فسر (كريمر) فلسفة (المجمع الإلهي) السومرية بنحو من السذاجة، وقرَّر انها مقتبسة عن نظريات الادارة والارادة المدنية الارضية، وشبّهها برعاية البشر لتفاصيل حياتهم، لم تكن هي في الحقيقة سوى تمثيل اوّلي لنظريتي (العقل الاول) و(الولاية التكوينية) في المعتقدات الامامية، فقد افترضت النظرة السومرية ان مجموعة أعضاء المجمع الإلهي يمثلون الواسطة التكوينية والتشريعية بين الخالق والمخلوقين، وان لكل واحد منهم مستواه الخاص به.
لم يتجاوز اعتقاد السومريين في العصور التي اعقبت الطوفان ان هؤلاء (الآلهة) كانوا (بشرا) كباقي المخلوقات للرب الخالق، لكنهم كانوا اسمى من باقي المخلوقات، وهذا ما يؤكده (صموئيل نوح كريمر) في كتابه (السومريون)، رغم انه يحاول التوفيق بين الاحكام العنصرية والتصورات المسبقة للعلماء الغربيين وبين حقيقة الاكتشافات الآثارية المثيرة للتساؤل والاعجاب معا.
تحريف عقيدة الولاية التكوينية عند الحضارات الاخرى
المؤسف ان الشيطان لعنه الله حرّف ما علمه نوح للسومريين، فادخل على معتقداتهم فلسفة الولاية التكوينية على نحو آخر مشوّه. لقد تم ايجاد فلسفة شيطانية جديدة تقوم على اساس الاقانيم الثلاثة، وفكرة (ابن الرب) او شريك الرب) وكذلك (ابناء الآلهة). ورغم ان هذه العقائد الفلسفية لم تتوغل في ارض الرافدين لفترة طويلة، لكنها وجدت ارضا خصبة في الحضارات الفرعونية والهندية، وكذلك فيما بعد اليونانية والرومانية. فنشأ حينئذ مجموعة من الارباب الزائفة البديلة عن فكرة الولاية التكوينية. ففي الحضارة الهندية كان هناك (التريمورتي) الثلاثي.
ارتباط السومريين بالنبوات
السومريون اعتقدوا دائما ان كل ما لديهم هو هبة (الإله)، ولعل جميع ما عندهم من المعارف هي علوم زقها الانبياء في مجتمعاتهم. فان ذلك (الكُتيب الزراعي) الذي عُثر عليه يحمل ارشادات غاية في الدقة والروعة لكل فلاحي سومر، والذي يحمل عنوان (تقويم للمزارع)، والذي عثر عليه (وولي) في (اور)، ويبدأ بعبارة (في الازمان القديمة ارشد فلاح ابنه)، يدل دلالة واضحة على ارتباط المجتمع السومري بمرشدين ربانيين، خصوصا ان هذا (التقويم الزراعي) تضمن مبادئ انسانية لكفالة الصغار وغيرهم، ربطها (كريمر) بالتعاليم (التوراتية).
اما ما جاء في (نواميس وتعاليم انتقال المدنية من اريدو الى اوروك) الواردة في (اسطورة) (إينانا وأنكي) فهي جلية التعبير عن تعاليم سماوية، لا يمكن للعالم الغربي ان يدرك كنهها، لكن فلاسفة الامامية سيجمعون بين مفرداتها سريعا وادراك انها لا تتعدى (قوانين انشاء مجتمع عادل وسامي).
جاء في ملحمة (اينمر كار وارتا):
(البلد العظيم ذو النواميس المقدسة الخاصة بالإمارة
يا (سومر) أيها البلد العظيم
يا أعظم بلد في العالم
لقد غمرتك الأضواء المستديمة
والناس من مشرق الشمس الى مغربها
هم طوع شرائعك المقدسة
إن شرائعك سامية لا يمكن إدراكها
وقلبك عميق لا يمكن سبر أغواره
إيه يا دار (سومر))
وهذه المقاطع تتطابق مع نصوص اسلامية امامية كثيرة، حول ارض الكوفة، التي هي ذاتها ارض سومر.
الفلسفة السومرية وعلماء الغرب
ان علماء الآثار والتأريخ الغربيين اخفوا الكثير من المكتشفات السومرية، وغيبوا المهم من الحقائق، وهم ايضا ترجموا النصوص السومرية بشكل سمج، متأثر باعتقاداتهم وتصوراتهم الشخصية وبيئتهم المحيطة – يهودية او مسيحية). وربما ان هؤلاء العلماء لم يكشفوا الا اقل من ثلاثين بالمئة من آثارنا حسب الاستقراء.
ملحمة (جلجامش) ورسوخ عقائد نوح
ان المطلع على تفاصيل هذه الملحمة يدرك ان الاتجاه الى (أوتونابشتم = زيوسدرا = نوح) من قبل اعظم ملوك سومر، وهو جلجامش (ملك أوروك العظيمة)، يمثل تجذرا واضحا لقناعة مهمة في المجتمع السومري مفادها: ان ما جاء به نوح يمثل الدواء لادواء البشرية، وان الحكمة التي رافقت نوح ضرورة يحتاجها المجتمع السومري.
علة انحراف المجتمع الايماني الأول
كما هو واضح من الدراسات التأريخية والآثارية والاجتماعية ان تطور مفهوم (التقديس) للاشخاص المميزين ينتج في المجتمعات الميل نحو ظاهرة (الغلو)، التي تؤدي في بعض الاحيان وعند غياب الضابط الفكري القوي الى ظاهرة (التأليه).
(إبراهيم النبي) هو النتيجة الطبيعية
بعد هذا كله، لا يمكن ان يقبل المنطق السليم ظهور شخصية ناشطة وفاعلة كشخصية (إبراهيم النبي) في مجتمع غير المجتمع السومري الاكدي.
نحن كمعتنقين للمذهب الامامي الاثني عشري نلتزم طهارة مولد جميع الانبياء، وتسلسلهم عبر آباء موحدين. ذلك يقودنا – مع المؤيدات السابقة – الى بقاء ثلة صالحة داخل المجتمع السومري، كانت مرافقة لإبراهيم النبي في نهضته الكبيرة والمجددة.
نور المعرفة هدية سومر
يقول الباحث في علوم الحضارات القديمة "James Mellaart" في كتابه "E arliest Civilization Of The Near East": "في سومر وضمن حوض وادي الرافدين باشر الإنسان صنع الحضارة على قواعد أعمدة قوية يغمرها نور المعرفة والعلم، وكان ظهور الشكل الأول للتكوينات المدنية قد تم في سومر بوادي الرافدين ثم انتقل ذاك الإنجاز الحضاري إلى مصر وشرق الهند ثم إلى بقاع أخرى من العالم ".