- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائة *199*
*حنين . المعركة ...*
نظم مالك بن عوف جيشه تنظيما جيداً...
فرتب الجيش في صفوف متوازية .
فماذا فعل ؟
١- وضع الخيل في المقدمة ...
٢- ثم الرَّجَّالة خلفهم "الرجال الذين يمشون على أقدامهم ليس معهم خيل"
٣- ثم وضع النساء فوق الإبل خلف الرجال .
"لكي يوهم المسلمين أن هناك أيضاً من الرجال عدداً كبيراً فوق الجمال فتزداد الأعداد أمام المسلمين إلى الضعف فتضعف بذلك عزائم المسلمين"
٤ - ثم جعلوا الإبل صفوفآ والبقر والغنم خلف الجيش كي لا يهرب الجيش .
ترتيب منظم :
حتى إن "أنس بن مالك" وصف جيش "هوازن" بقوله متعجبآ :
فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت.
ثم ماذا فعل مالك ؟؟
كان "مالك بن عوف" يعرف تماماً طبيعة الأرض التي إختارها للمعركة ....
فقام بالليل و وضع الكمائن في قمم الجبال "الفخ" وفي الشعاب والمضايق والمنعطفات والأشجار التي على جانبي وادي "حنين" وهو وادي منحدر ....
هذا الوادي "حنين" هو الوادي الذي سيمر منه المسلمون ليصلوا إلى سهل "أوطاس"
وكان وصول "هوازن" إلى أرض المعركة قبل المسلمين أمر في صالح "هوازن"
لأنه نشر قواته في الأماكن المناسبة واحتل المواقع الإستراتيجية في أرض المعركة
أخذ "مالك بن عوف" يخطب في "هوازن" يحمسهم
ويقول : إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة .
وإنما كان يلقى من لاعلم لهم بالحرب فيُنصر عليهم .
ثم قال لهم : إذا أنتم رأيتم القوم فاكسروا جُفون سيوفكم وشُدوا شَّدةَ رجل واحد عليهم .
"وكان العربي إذا كسر غمد سيفه فهذا معناه أنه مصر على الثبات أمام الخصم حتى النصر أو الموت يعني استميتوا "
وعندما وصل إلى النبي ﷺ ورأى أن "هوازن" قد خرجوا بنسائهم وأبنائهم وأموالهم :
قال ﷺ *تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله .*
وقدخرج ﷺ لقتال "هوازن" في التاسع شوال من السنة الثامنة من الهجرة .
أي بعد فتح مكة بـ تسع عشر يوم فقط
وخرج جيش المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية
فخرج 10 آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة
وخرج معهم ألفين من أهل مكة ممن أسلموا ومنهم 80 رجل من المشركين ...
منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو .
"خرجوا حمية لبلدهم مكة"
فأصبح الجيش 12000 فيهم المسلم وغير المسلم وهو أكبر عدد في تاريخ المسلمين حتى ذلك الوقت...
ولم يكتف النبي ﷺ بسلاح الجيش الذي فتح به مكة
بل ذهب بنفسه إلى أكبر تجار السلاح في مكة وعلى رأسهم "صفوان بن أمية" و "نوفل بن الحارث بن عبد المطلب" ابن عم النبي ﷺ
وكانا لا يزالان على شركهما حتى ذلك الوقت وطلب منهما السلاح على سبيل الإستعارة .
وقال : *يا صفوان بلغنا أن عندك سلاح .*
فقال صفوان بن أمية . نعم .
قال له النبي صلى الله عليه وسلم *أعرنا من سلاحك .*
فقال صفوان . أغصبآ يا محمد "لم يسلم بعد"
فقال له النبي ﷺ *لا بل عارية مضمونة يردها محمد رسول الله .*
فاستعار النبي ﷺ من "صفوان" 100 درع .
ومن "نوفل بن الحارث" 1000 رمح .
وعين ﷺ حراسة مشددة حول مكة .
كل هذه الإجراءات تبين أن الحبيب المصطفى ﷺ لم يتهاون بهوازن ...
والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن المقاتل إذا تهاون بخصمه فهذا معناه هزيمة محققة .
ومضى النبي ﷺ بالجيش ...
وكما قلنا الجيش يضم المسلمين وحديثي الإسلام ومشركين
فلما مروا بشجر "سدرة" و كان المشركون يعظمونها
ويعلقون عليها أسلحتهم
فقال بعض الناس ممن أسلم حديثاً يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط .
"يعني شجرة نعظمها ونعلق عليها سلاحنا نتفائل بها بالنصر"
فقال ﷺ : *الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى عليه السلام .*
*إجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون .*
ثم قال النبي ﷺ لمن حوله *لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة . حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .*
"كما هو حالنا اليوم كيف نقلد أفعال الغرب خطوة خطوة"
لم يكن كل جيش المسلمين يحسب حساب لهوازن .
وكان المسلمون يظنون أن عددهم كبير ....
وقد انتصر المسلمون بأقل من هذه الأعداد بكثير .
وبدأ المسلمون يتحدثون عن كثرة أعدادهم وأن النصر محقق
وقال أكثر من واحد منهم
*لن نهزم اليوم من قلة*
وصلت هذه الكلمة إلى مسامع النبي ﷺ فحزن حزناً شديداً من سماع هذه المقالة .
وظهر هذا الحزن على وجهه ﷺ .
وكان سبب هذا الحزن أن المسلمون قالوا هذه الكلمة...
فقد إعتمدوا على الأسباب وليس على رب الأسباب .
وتوكلوا على أنفسهم وليس على الله تعالى .
وقد سجل القرآن العظيم هذا الموقف من بعض المسلمين يوم حنين .
فقال تعالى في سورة التوبة .
*وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ....*
وصل المسلمون إلى وادي "حنين" في العاشر من شوال من السنة الثامنة وهو اليوم الذي ستدور فيه أحداث معركة
"هوازن" : كان وصولهم مع الفجر ولا تزال هناك بقايا من ظلمة الليل ....
وكما قال الرواة في "غبش الصباح"
"الغبش هو بياض الفجر يخالط آخر الليل"
وبينما المسلمون ينحدرون في الوادي وعندما أصبح أكثر الجيش داخل الوادي .
أعطى "مالك بن عوف" إلى "هوازن" إشارة البدء . فبدأت "هوازن" بإطلاق السهام .
وأمطروا المسلمين بآلاف من السهام والمسلمون لا يعرفون مصادر السهام لظلمة المكان واختفاء العدو
فاضطربت صفوف المسلمين وماج بعضهم في بعض وبدأ المسلمون في التراجع والفرار
ويصف القرآن العظيم هذا المشهد :
يقول تعالى في سورة التوبة .
*لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ .*
يعني شعر المسلمون أن الصحراء الواسعة أصبحت ضيقة جداً لا تسمح بالفرار
ولم يثبت حول النبي ﷺ في هذا الموقف العصيب سوى تسعة فقط .
أبو بكر وعمر وعلي والعباس وإبنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب . وأسامة بن زيد . وعبد الله بن مسعود وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم.
وبينما كان المسلمون يفرون إلى الوراء...
إندفع النبي ﷺ وحده بدابته في إتجاه المشركين
وكان النبي ﷺ راكباً بغلة قوية التي أهداه إياه المقوقس .
يقول العباس رضي الله عنه أخذ النبي ﷺ يدفع دابته للأمام لا للوراء وهو يقول بأعلى صوته .
*أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب .*
*هلموا إلي أيها الناس .*
*أنا رسول الله أنا محمد بن عبدالله .*
فأخذ العباس رضي الله عنه يشد لجام بغلة النبي ﷺ وكان رجلاً جسيما ليمنع النبي ﷺ من الإنطلاق وسط هذه الأمواج من "هوازن"
والنبي يقول *أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .*
والعباس يقول له . فداك نفسي لا تعرف بنفسك فأنت بغية القوم "هدفهم أنت "
فقام ﷺ ووقف على دابته ووضع قدميه في ركابها حتى أصبح قائماً لا جالسا
وهو ينادي بأعلى صوته *أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .*
وكان هذا الموقف هو أعظم مشاهد القتال في التاريخ كله الجيش كله يفر الى الوراء
وقائد الجيش وهو الحبيب المصطفى ﷺ يندفع في إتجاه العدو فداك أبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقاتل وحده 25 ألف مقاتل .
وجميع هؤلاء الأعداء حريصون على قتله ...
وكان المشهد يخبر بأن المسلمون مقبلون على هزيمة مريرة تضيع كل ما حققه المسلمون من إنتصارات في السنوات الثمانية السابقة منذ هجرة النبي ﷺ وتعود بهم إلى نقطة الصفر ...
وكان سبب هذه الهزيمة السريعة في بداية المعركة...
هو أن الجيش به عدد من المنافقون بل عدد من المشركين الذين خرجوا طمعاً في الغنائم
وبه عدد كبير من الأعراب الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم .
ولو كان الجيش من "المهاجرين والأنصار" فقط لما حدثت هذه الهزيمة....
حتى لو كانت أعدادهم أقل بكثير من الأعداد التي خرجوا بها .
وكان ﷺ يعلم ذلك ولكنه كان مضطرا لإصطحاب هؤلاء .
والسبب ؟؟
حتى يندمجوا مع المسلمين
ولأنه لا يستطيع أن يتركهم في مكة لأنه لا يضمن أن ينقلبوا عليه بعد أن يترك مكة أو ينضموا في الحرب ضد المسلمين مع هوازن .
وأراد النبي ﷺ في هذه اللحظات الحرجة أن يستخلص المسلمون الصادقون .
فصاح النبي ﷺ بالعباس رضي الله عنه عمه وكان العباس جهير الصوت .
قال *يا عباس اصرخ يا أصحاب "السمرة" يوم الحديبية .*
"يعني يا أصحاب الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان في صلح الحديبية"
فهؤلاء الذين بايعوا النبي ﷺ على الموت في صلح الحديبية
وهؤلاء الذين فتح بهم "خيبر"
وهؤلاء هم "خير أهل الأرض" في ذلك الوقت...
*يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة . وبالأنصار الذين آووا ونصروا .*
فصاح العباس يا أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم
يا أصحاب سورة البقرة رسول الله يدعوكم
وخص سورة البقرة لأن فيها قول الله تعالى .
*كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .*
وسمع المسلمون صوت العباس فأخذوا يجيبونه
يالبيك ... يالبيك .
وارتفعت أصوات الصحابة رضي الله عنهم من كل مكان في أرض المعركة يالبيك .... يالبيك
ويصور العباس رضي الله عنه هذا الموقف فيقول :
فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها .
"عطفتهم أي استجابتهم للنداء يعني تجمعوا بسرعة فور سماعهم صوته كالبقر الذي يدافع عن أولاده الصغار"
وكان الرجل منهم يحاول أن يصل إلى النبي ﷺ وهو على فرسه فلا يستطيع أن يصل إليه بسبب الزحام الشديد والفوضى في أرض المعركة .
فكان ينزل من على فرسه ويتجه إلى الصوت حتى يصل إلى النبي ﷺ
وتجمع حول النبي ﷺ عدة أهل بدر 313 من المهاجرين والأنصار
و هذا الرقم الذي لا يغلب بإذن الله تعالى
وكان الصبح قد طلع ورأى الناس بعضهم بعض...
وبدأ النبي ﷺ القتال مرة أخرى بهؤلاء المجموعة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم
فاستقبلوا العدو وحملوا عليهم
ثم بدء بقية المسلمون يتجمعون حول النبي ﷺ وعادوا ينظمون صفوفهم .
وقال النبي ﷺ *الآن حمي الوطيس .*
الوطيس وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم .
وهذه من الكلمات لم يكن أحد سمعها قبل أن يقولها النبي ﷺ
ووقع قتال من أشرس أنواع القتال ....
وأخذ بيده الشريفة حفنة من الرمال وألقاها في وجه "هوازن"
وهو يقول *شاهت الوجوه . انهزموا ورب محمد اللهم نصرك الذي وعدت .*
يقول العباس رضي الله عنه فمارأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه .
وتنزل الملائكة عليهم السلام من السماء لتثبيت قلوب المسلمين كما نزلت في بدر .
ورأى المسلمون هذه الملائكة في صورة "نمل أسود كثير يغطي أجساد المشركين"
بينما رأى المشركون من "هوازن" هذه الملائكة في هيئة رجال بيض....
يرتدون عمائم حمراء أرخوها بين أكتافهم ويمتطون خيل بلق
"يعني هناك سواد وبياض في لونها"
فلما رأى المشركون هذه الكتائب أصابهم الرعب
وكان ممن حضر المعركة مع المسلمين أحد أهل مكة "شيبة الحجبي" وقد خرج وهو يظهر الإسلام
ولكنه كان لا يزال على كفره
وإنما خرج خوفاً من أن تنتصر "هوازن" على قريش
فرأى شيبة هذه الملائكة .
فقال يا رسول الله إنى لأرى خيلا بلقا "يعني في لونها سواد وبياض"
فقال له النبي ﷺ : *يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر .*
لأن المسلم يراهم في المعركة على شكل نمل والكافر يرى الملائكة للتخويف"
ثم وضع ﷺ يده على صدر "شيبة"
وقال *اللهم اهدِ شيبة ، اللهم اهدِ شيبة ، اللهم اهدِ شيبة .*
يقول شيبة فوالذي بعثه بالحق ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه .
يقول تعالى .
*ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ .*
وبدأت "هوازن" في الفرار تاركين خلفهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم .
*وتحولت سريعاً هزيمة المسلمين في بداية المعركة إلى نصر ساحق*
وكان فرار "هوازن" في ثلاثة إتجاهات...
جزء إلى "أوطاس" وهو السهل الذي إلى جانب وادي حنين .
وجزء إلى بلدة "نخلة"
والجزء الأكبر إتجه إلى مدينة "الطائف" ومعهم قائدهم "مالك بن عوف"
فاندفع المسلمون خلفهم يطاردونهم حتى يمنعوهم من التجمع مرة أخرى .
فاتجه بعض الصحابة رضي الله عنهم خلفهم إلى "أوطاس" والبعض إلى "نخلة"
بينما توجه الجيش الرئيسي بقيادة النبي ﷺ إلى "الطائف"
كانت نتيجة المعركة :
5 فقط من القتلى من المسلمين مقابل 70 من المشركين .
وكانت الغنائم كثيرة جداً
لأن مالك بن عوف كما قلنا كان قد أتى بكل أموال "هوازن"
*فكانت غنائم "حنين" هي أكبر وأعظم غنائم تحصل في معركة واحدة في تاريخ العرب قاطبة*
وتبعهم النبي ﷺ إلى الطائف...
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى.....