- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتيين *222*
*قصة دخول الإسلام إلى اليمن .*
ذكرنا من قبل عن بعض الوفود من اليمن كيف أسلمت...
ولكن لم تدخل "اليمن" كاملة في الإسلام دفعة واحدة ....
إنما كان إسلامها على مراحل
وقلنا في الجزء السابق عن ظهور اثنين من مدعي النبوة وهما :
١ - مسيلمة الكذاب في اليمامة .
٢ - الأسود العنسي في اليمن .
لم يكن اليمن قبل الإسلام دولة لها قيادة موحدة ....
وإنما كان شأنها شأن الجزيرة العربية كلها مجموعة من القبائل
وكلهم في قتال مع بعضهم البعض وتناحر ....
فكانت تضم أكثر من قبيلة
١- قبيلة حمير .
٢ -وكندة في حضر موت
٣ - وهمدان .
وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة للحكم "الفارسي"
وكانت نصارى نجران تابعة للحكم "الروماني"
وكما قلنا لم يدخل الإسلام إلى "اليمن" دفعة واحدة ولا في زمن واحد ....
وإنما دخل الإسلام إلى اليمن بالتدريج ....
إما عن طريق الدعوة السلمية...
وإما عن طريق السرايا والبعوث التي كان يرسلها الرسول ﷺ...
*المرحلة الأولى .*
إسلام أفراد من قبائل مختلفة
وكان أول دخول الإسلام إلى اليمن عندما أسلم أفراد من قبائل مختلفة مثل :
١- "أبي موسى الأشعري" رضي الله عنه من قبيلة "الأشاعرة"
٢ - "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه من "دوس"
٣ - "قيس بن نمط" رضي الله عنه من "همدان"
ونشط هؤلاء للدعوة إلى الإسلام في قبائلهم .
*المرحلة الثانية .*
إسلام "باذان" حاكم اليمن الذي وضعه الفرس و كان يحكم صنعاء وعدن وما حولهما....
اتذكرون هذا الأسم ؟؟
ذكرنا قصته في "أجزاء الرسائل" التي أرسلها النبي ﷺ للملوك .
ولكن للتذكير نذكرها بإختصار .
كانت قصة إسلامه أن الرسول ﷺ قد أرسل إلى الملوك والحكام في السنة السادسة بعد صلح الحديبية يدعوهم إلى الإسلام
وكان من هؤلاء "كسرى" عظيم فارس الذي غضب من رسالة النبي ﷺ ومزق الرسالة .
ولم يكتفي بذلك .
بل أراد أن يعتقل النبي ﷺ حتى يعاقبه ....
فأرسل كسرى رسالة إلى عامله على بلاد اليمن وكان فارسيا واسمه "باذان" وطلب منه أن يبعث رجلين من رجاله ليأتيا برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال المسلمين لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط .
والذي يرسلهما هو أحد عماله .
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
فطلب منهما النبي ﷺ في هدوء أن ينتظرا إلى اليوم التالي وسوف يرد عليهما ....
وفي اليوم التالي بعث النبي ﷺ إلى الجنديين
وقال لهما : *إِن ربِي قتَل ربَّكُم الليلة .*
وبالفعل في هذه الليلة قُتِّل "كسرى" على يد إبنه "شيرويه"
فعاد الجنديين إلى "باذان" وأخبراه بنبوءة الحبيب المصطفى ﷺ .
فقال لهما : والله ما هذا بكلام ملك .
فإن كان ما يقول حقاً فهو رسول .
وما لبث أن وصل خطاب "شيرويه بن أبرويز" كسرى يخبره فيه بأنه قد قتل أباه "أبرويز" ويطلب منه البيعة .
وعلم "باذان" الليلة التى قُتِّل فيها "أبرويز" فوجد أنها هي نفس الليلة التي أخبر عنها النبي ﷺ
فأيقن أنه رسول فأسلم وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة .
ومات "باذن" بعد ذلك وتولى الأمر بعده إبنه المسلم الفارسي الأصل "شهر بن باذان"
في عهد "شهر بن باذان" ظهر "الأسود العنسي"
*من هو الأسود العنسي ؟*
قلنا في الجزء السابق أن النبي ﷺ أخبر أصحابه رضي الله عنهم أنه رأى في الرؤيا أنه يلبس سواران من ذهب فاغتم لذلك واوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا ....
فأول النبي ﷺ هذه الرؤيا بظهور اثنين يدعيا النبوة .....
فما لبث أن ظهر
"مسيلمة الكذاب" في اليمامة .
"الأسود العنسي" في صنعاء باليمن .
"الأسود العنسي"
اسمه "عبهلة بن كعب" وقد سمي بالأسود لأنه كان أسود اللون .
والعنسي نسبة إلى قبيلة "عنس" باليمن .
كان سيدا على بعض قبائل اليمن ....
وكان قوي البنية حلو اللسان ويغطي وجهه بخمار ولذلك كان يلقب "بذو الخمار" .
وكان ساحرا مشعوذاً يستخدم السحر لإقناع أتباعه ....
أعلن العصيان على النبي ﷺ وكان ذلك في محرم من السنة الحادية عشر من الهجرة قبل وفاة النبي ﷺ بشهرين فقط...
وتبعته كثير من قبائل اليمن تعصبا لأنها رأت أن الزكاة التي يرسلونها إلى النبي ﷺ في لغتنا اليوم هي ( أتعابهم ) ترسلها اليمن إلى قريش .
استولى "الأسود العنسي" على نجران ثم سار إلى صنعاء ومعه 700 مقاتل .
فخرج إليه "شهر بن باذان" ملك اليمن المسلم الفارسي الأصل .
وتقاتلا فغلبه "الأسود العنسي" وقتله وتزوج من امرأته وكانت فارسية واسمها "آزاد" فأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم "الأسود العنسي" لمدة 25 يوم فقط .
وقد أقنع قومه أنه نبي يوحى إليه وارتد خلق كثير من اليمن
فأرسل النبي ﷺ إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال "العنسي"
وكان عامل "الأسود العنسي" على الفرس في اليمن اسمه "فيروز الديلمي" وكان من أصل فارسي
وهو ابن عم "آزاد" التي قُتل زوجها وتزوجها "الأسود العنسي"
فاتفق "فيروز" مع بنت عمه "آزاد" على قتل "الأسود العنسي"
فسقته الخمر حتى نام ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي .
سمع الحراس صراخه وكان على بابه ألف حارس وسألوا عما يحدث :
فأجابتهم "آزاد" زوجته :
النبي يوحى إليه وهذا الصراخ لأن الوحي نزل عليه لا تزعجوه
ثم أذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر...
وعلم النبي ﷺ بما حدث وهو في المدينة المنورة عن طريق الوحي ....
فقال لصحابته رضي الله عنهم ﷺ *لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .*
قالوا : من قتله يارسول الله ؟؟
قال *قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .*
يشهد له النبي ﷺ بالصلاح
وكان مقتله قبل وفاة النبي ﷺ بأيام ....
فلما وصل خبر مقتله للمدينة كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولون بدفن الحبيب المصطفى ﷺ ....
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه جعل "فيروز" والي على بعض اليمن .
ثم أرسل إليه عمر حتى يقدم عليه إلى المدينة المنورة .
فلما جاء وأراد أن يدخل على "عمر" رضي الله عنه زاحمه على الباب ناس من قريش .
فضرب "فيروز" شاب من قريش على أنفه...
فدخل الرجل على "عمر" وأنفه تسيل منها الدماء .
واشتكى الشاب إلى عمر .
فقال عمر رضي الله عنه ماهذا يا فيروز ؟؟
فقال . يا أمير المؤمنين لقد كتبت إلي ولم تكتب إليه .
وأذنت لي بالدخول . ولم تأذن له .
فقال عمر رضي الله عنه القصاص ....
فجلس فيروز على ركبيته وقام الفتى القرشي ليقتص منه .
فقال عمر رضي الله عنه على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله ﷺ
قال الفتى : مالذي سمعته من رسول الله يا أمير المؤمنين .
فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول :
*لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .*
*قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .*
ثم نظر عمر رضي الله عنه للفتى يسأله أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ﷺ
فبكى الفتى وقال: قد عفوت عنه قد عفوت عنه يا أمير المؤمنين
فصاح فيروز . أشهدك يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي و 30 ألف من مالي هو هبة له .
فقَال عمر رضي الله عنه :
للفتى عفوت مأجورا يا أخا قريش وأخذت مالاً .
*المرحلة الثالثة ..*
*إسلام قبيلة "حمير" .*
وأما قبيلة حمير وهي أعظم القوى القَبَلية في اليمن وأعرقها
فقد أرسل إليهم النبي ﷺ أكثر من رسول حتى أسلم أهل حمير وملوك حمير .
وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة بعد تبوك .
*المرحلة الرابعة ..*
*نصارى نجران ...*
بالنسبة لنصارى نجران فقد قدم وفد منهم المدينة
وتحدثنا عن ذلك سابقآ .
وذكرنا آيات المباهلة وقلنا أنهم قد رفضوا الإسلام وأقروا بدفع الجزية .
ثم جاء وفد منهم بعد ذلك وأسلموا....
*المرحلة الخامسة ..*
*همدان ....*
أرسل إليهم النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وعمَّمه بيديه ﷺ وعقد له لواء بيده ووضع على اللواء قطعة من عمامته ﷺ .
وأمر أن يكتب كتاب "لعلي" رضي الله عنه رسالة لأهل همدان .
وقال له: *انطلق يا علي إلى أهل اليمن واقرأ عليهم كتاب رسول الله ﷺ .*
*فإنَّ الله يثبت لسانك ويهدي قلبك .*
*وإن الناس سيتقاضون إليك .*
*فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .*
*فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق .*
وكأنه ﷺ يبشره : بإسلامهم ثم ينصبوك قاضي عليهم .
وإن الناس سيتقاضون إليك فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
انطلق "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه ومعه كتاب النبي ﷺ ومعه 150 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم.
"من باب الإحتياط لأن أهل همدان ليسوا مسلمين بعد"
فلما نزل بساحتهم وأتتهم الأخبار بأن رسول محمد من المدينة قد أقبل ومعه جيش .
"هكذا الأخبار وصلتهم"
جمعوا له الجموع وأعدوا له الجيش وأراد الصحابة رضي الله عنهم أن يستعدوا للقتال .
فقال لهم : "علي" رضي الله عنه . على رسلكم .
ننفذ أوامر رسول الله ﷺ .
ألم يأمرني أن أقرأ رسالته عليهم ؟
قالوا : بلى ولكنهم استعدوا لقتالنا .
فقال : ونحن قد استعددنا لهم بوحي الله لرسوله ﷺ .
فتقدم إليهم "علي" رضي الله عنه وحده ليس معه أحد ولم يسل سيفاً ولم يحمل ترساً .
فلما تقدم منهم أخرج الرسالة وقرأها عليهم .
فعندما أتم القراءة تفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن كل "همدان" وعلى قلب رجل واحد وبلسان واحد يصيحون بأعلى صوتهم :
*نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .*
فأسلمت همدان كلها في ساعة واحدة ....
ثم استقبلوا "علي" رضي الله عنه خير استقبال هو وأصحابه رضي الله عنهم...
وأخذ "علي" رضي الله عنه يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن الكريم...
ثم جاءت الخصوم إليه يتقاضون إليه فيقضي بينهم كما أمره النبي ﷺ
يسمع من الطرفين ويقضي
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان علي أقضى أصحاب رسول الله .
"أكثرهم حكمة في القضاء "
وذلك ببركة دعاء النبي ﷺ إذ دعى له يوماً .
فقال ﷺ : *اللهم وفقه للقضاء .*
وهكذا أسلمت همدان وجاء وفد منهم إلى المدينة ليبايعوا النبي ﷺ في السنة العاشرة من الهجرة ....
وقبل أن يصلوا إلى المدينة قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم مخبراً عن أهل اليمن *أتاكم أهل اليمن . هم أرق أفئدة وألين قلوباً .*
من جهة أخرى أرسل النبي ﷺ عدة سرايا إلى بعض القبائل اليمنية التي لم تستجب لدعوة الإسلام .
فأرسل النبي ﷺ "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه إلى قبيلة "دوس"
و أرسل سرية بقيادة "خالد بن سعيد بن العاص" رضي الله عنه
وسرية بقيادة "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
وسريتين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وهكذا عندما جاءت السنةالعاشرة كان جميع "أهل اليمن" قد دخلوا في الإسلام
وعندما دخل أهل اليمن جميعاً في الإسلام .
أرسل إليهم النبي ﷺ إثنان من أصحابه :
١- معاذ بن جبل رضي الله عنه
- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
وكانت مهمتم أن يتوليا قيادة اليمن ....
وقسم لهم النبي ﷺ اليمن إلى قسمين كبيرين ....
عرف كل قسم : "بالمخلاف"وأصبح كل واحد منهما مسؤولاً عن أحد هذه الأقسام .....
ووصى النبي ﷺ عاملاه
وقال لهما *يسرا وبشرا ولا تنفرا .*
ثم إلتفت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال وهو يودعه :
*يا معاذ عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا .*
*ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري .*
فبكى معاذ بن جبل رضي الله عنه جزعا لفراق الحبيب المصطفى ﷺ .
ننتقل إلى *حجة الوداع .*
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتيين *222*
*قصة دخول الإسلام إلى اليمن .*
ذكرنا من قبل عن بعض الوفود من اليمن كيف أسلمت...
ولكن لم تدخل "اليمن" كاملة في الإسلام دفعة واحدة ....
إنما كان إسلامها على مراحل
وقلنا في الجزء السابق عن ظهور اثنين من مدعي النبوة وهما :
١ - مسيلمة الكذاب في اليمامة .
٢ - الأسود العنسي في اليمن .
لم يكن اليمن قبل الإسلام دولة لها قيادة موحدة ....
وإنما كان شأنها شأن الجزيرة العربية كلها مجموعة من القبائل
وكلهم في قتال مع بعضهم البعض وتناحر ....
فكانت تضم أكثر من قبيلة
١- قبيلة حمير .
٢ -وكندة في حضر موت
٣ - وهمدان .
وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة للحكم "الفارسي"
وكانت نصارى نجران تابعة للحكم "الروماني"
وكما قلنا لم يدخل الإسلام إلى "اليمن" دفعة واحدة ولا في زمن واحد ....
وإنما دخل الإسلام إلى اليمن بالتدريج ....
إما عن طريق الدعوة السلمية...
وإما عن طريق السرايا والبعوث التي كان يرسلها الرسول ﷺ...
*المرحلة الأولى .*
إسلام أفراد من قبائل مختلفة
وكان أول دخول الإسلام إلى اليمن عندما أسلم أفراد من قبائل مختلفة مثل :
١- "أبي موسى الأشعري" رضي الله عنه من قبيلة "الأشاعرة"
٢ - "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه من "دوس"
٣ - "قيس بن نمط" رضي الله عنه من "همدان"
ونشط هؤلاء للدعوة إلى الإسلام في قبائلهم .
*المرحلة الثانية .*
إسلام "باذان" حاكم اليمن الذي وضعه الفرس و كان يحكم صنعاء وعدن وما حولهما....
اتذكرون هذا الأسم ؟؟
ذكرنا قصته في "أجزاء الرسائل" التي أرسلها النبي ﷺ للملوك .
ولكن للتذكير نذكرها بإختصار .
كانت قصة إسلامه أن الرسول ﷺ قد أرسل إلى الملوك والحكام في السنة السادسة بعد صلح الحديبية يدعوهم إلى الإسلام
وكان من هؤلاء "كسرى" عظيم فارس الذي غضب من رسالة النبي ﷺ ومزق الرسالة .
ولم يكتفي بذلك .
بل أراد أن يعتقل النبي ﷺ حتى يعاقبه ....
فأرسل كسرى رسالة إلى عامله على بلاد اليمن وكان فارسيا واسمه "باذان" وطلب منه أن يبعث رجلين من رجاله ليأتيا برسول الله إلى "المدائن" عاصمة فارس ....
وكان "كسرى" يريد بذلك إذلال المسلمين لأنه لم يرسل بعض جنوده من عاصمة ملكه "المدائن" وإنما أمر أن يرسل رجلين فقط .
والذي يرسلهما هو أحد عماله .
وبالفعل أرسل "باذان" جنديين من اليمن للقبض على النبي ﷺ .
فطلب منهما النبي ﷺ في هدوء أن ينتظرا إلى اليوم التالي وسوف يرد عليهما ....
وفي اليوم التالي بعث النبي ﷺ إلى الجنديين
وقال لهما : *إِن ربِي قتَل ربَّكُم الليلة .*
وبالفعل في هذه الليلة قُتِّل "كسرى" على يد إبنه "شيرويه"
فعاد الجنديين إلى "باذان" وأخبراه بنبوءة الحبيب المصطفى ﷺ .
فقال لهما : والله ما هذا بكلام ملك .
فإن كان ما يقول حقاً فهو رسول .
وما لبث أن وصل خطاب "شيرويه بن أبرويز" كسرى يخبره فيه بأنه قد قتل أباه "أبرويز" ويطلب منه البيعة .
وعلم "باذان" الليلة التى قُتِّل فيها "أبرويز" فوجد أنها هي نفس الليلة التي أخبر عنها النبي ﷺ
فأيقن أنه رسول فأسلم وأسلم كل الفرس تقريباً في اليمن .
وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة .
ومات "باذن" بعد ذلك وتولى الأمر بعده إبنه المسلم الفارسي الأصل "شهر بن باذان"
في عهد "شهر بن باذان" ظهر "الأسود العنسي"
*من هو الأسود العنسي ؟*
قلنا في الجزء السابق أن النبي ﷺ أخبر أصحابه رضي الله عنهم أنه رأى في الرؤيا أنه يلبس سواران من ذهب فاغتم لذلك واوحي إليه أن انفخهما فنفخهما فذهبا ....
فأول النبي ﷺ هذه الرؤيا بظهور اثنين يدعيا النبوة .....
فما لبث أن ظهر
"مسيلمة الكذاب" في اليمامة .
"الأسود العنسي" في صنعاء باليمن .
"الأسود العنسي"
اسمه "عبهلة بن كعب" وقد سمي بالأسود لأنه كان أسود اللون .
والعنسي نسبة إلى قبيلة "عنس" باليمن .
كان سيدا على بعض قبائل اليمن ....
وكان قوي البنية حلو اللسان ويغطي وجهه بخمار ولذلك كان يلقب "بذو الخمار" .
وكان ساحرا مشعوذاً يستخدم السحر لإقناع أتباعه ....
أعلن العصيان على النبي ﷺ وكان ذلك في محرم من السنة الحادية عشر من الهجرة قبل وفاة النبي ﷺ بشهرين فقط...
وتبعته كثير من قبائل اليمن تعصبا لأنها رأت أن الزكاة التي يرسلونها إلى النبي ﷺ في لغتنا اليوم هي ( أتعابهم ) ترسلها اليمن إلى قريش .
استولى "الأسود العنسي" على نجران ثم سار إلى صنعاء ومعه 700 مقاتل .
فخرج إليه "شهر بن باذان" ملك اليمن المسلم الفارسي الأصل .
وتقاتلا فغلبه "الأسود العنسي" وقتله وتزوج من امرأته وكانت فارسية واسمها "آزاد" فأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم "الأسود العنسي" لمدة 25 يوم فقط .
وقد أقنع قومه أنه نبي يوحى إليه وارتد خلق كثير من اليمن
فأرسل النبي ﷺ إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال "العنسي"
وكان عامل "الأسود العنسي" على الفرس في اليمن اسمه "فيروز الديلمي" وكان من أصل فارسي
وهو ابن عم "آزاد" التي قُتل زوجها وتزوجها "الأسود العنسي"
فاتفق "فيروز" مع بنت عمه "آزاد" على قتل "الأسود العنسي"
فسقته الخمر حتى نام ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي .
سمع الحراس صراخه وكان على بابه ألف حارس وسألوا عما يحدث :
فأجابتهم "آزاد" زوجته :
النبي يوحى إليه وهذا الصراخ لأن الوحي نزل عليه لا تزعجوه
ثم أذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر...
وعلم النبي ﷺ بما حدث وهو في المدينة المنورة عن طريق الوحي ....
فقال لصحابته رضي الله عنهم ﷺ *لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .*
قالوا : من قتله يارسول الله ؟؟
قال *قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .*
يشهد له النبي ﷺ بالصلاح
وكان مقتله قبل وفاة النبي ﷺ بأيام ....
فلما وصل خبر مقتله للمدينة كان الصحابة رضي الله عنهم مشغولون بدفن الحبيب المصطفى ﷺ ....
وفي عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه جعل "فيروز" والي على بعض اليمن .
ثم أرسل إليه عمر حتى يقدم عليه إلى المدينة المنورة .
فلما جاء وأراد أن يدخل على "عمر" رضي الله عنه زاحمه على الباب ناس من قريش .
فضرب "فيروز" شاب من قريش على أنفه...
فدخل الرجل على "عمر" وأنفه تسيل منها الدماء .
واشتكى الشاب إلى عمر .
فقال عمر رضي الله عنه ماهذا يا فيروز ؟؟
فقال . يا أمير المؤمنين لقد كتبت إلي ولم تكتب إليه .
وأذنت لي بالدخول . ولم تأذن له .
فقال عمر رضي الله عنه القصاص ....
فجلس فيروز على ركبيته وقام الفتى القرشي ليقتص منه .
فقال عمر رضي الله عنه على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله ﷺ
قال الفتى : مالذي سمعته من رسول الله يا أمير المؤمنين .
فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول :
*لقد قتل "الأسود العنسي الكذاب" .*
*قتله العبد الصالح "فيروز الديلمي" .*
ثم نظر عمر رضي الله عنه للفتى يسأله أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ﷺ
فبكى الفتى وقال: قد عفوت عنه قد عفوت عنه يا أمير المؤمنين
فصاح فيروز . أشهدك يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي و 30 ألف من مالي هو هبة له .
فقَال عمر رضي الله عنه :
للفتى عفوت مأجورا يا أخا قريش وأخذت مالاً .
*المرحلة الثالثة ..*
*إسلام قبيلة "حمير" .*
وأما قبيلة حمير وهي أعظم القوى القَبَلية في اليمن وأعرقها
فقد أرسل إليهم النبي ﷺ أكثر من رسول حتى أسلم أهل حمير وملوك حمير .
وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة بعد تبوك .
*المرحلة الرابعة ..*
*نصارى نجران ...*
بالنسبة لنصارى نجران فقد قدم وفد منهم المدينة
وتحدثنا عن ذلك سابقآ .
وذكرنا آيات المباهلة وقلنا أنهم قد رفضوا الإسلام وأقروا بدفع الجزية .
ثم جاء وفد منهم بعد ذلك وأسلموا....
*المرحلة الخامسة ..*
*همدان ....*
أرسل إليهم النبي ﷺ "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وعمَّمه بيديه ﷺ وعقد له لواء بيده ووضع على اللواء قطعة من عمامته ﷺ .
وأمر أن يكتب كتاب "لعلي" رضي الله عنه رسالة لأهل همدان .
وقال له: *انطلق يا علي إلى أهل اليمن واقرأ عليهم كتاب رسول الله ﷺ .*
*فإنَّ الله يثبت لسانك ويهدي قلبك .*
*وإن الناس سيتقاضون إليك .*
*فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .*
*فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق .*
وكأنه ﷺ يبشره : بإسلامهم ثم ينصبوك قاضي عليهم .
وإن الناس سيتقاضون إليك فإن أتاك الخصمان فلا تقضي لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر .
انطلق "علي بن ابي طالب" رضي الله عنه ومعه كتاب النبي ﷺ ومعه 150 رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم.
"من باب الإحتياط لأن أهل همدان ليسوا مسلمين بعد"
فلما نزل بساحتهم وأتتهم الأخبار بأن رسول محمد من المدينة قد أقبل ومعه جيش .
"هكذا الأخبار وصلتهم"
جمعوا له الجموع وأعدوا له الجيش وأراد الصحابة رضي الله عنهم أن يستعدوا للقتال .
فقال لهم : "علي" رضي الله عنه . على رسلكم .
ننفذ أوامر رسول الله ﷺ .
ألم يأمرني أن أقرأ رسالته عليهم ؟
قالوا : بلى ولكنهم استعدوا لقتالنا .
فقال : ونحن قد استعددنا لهم بوحي الله لرسوله ﷺ .
فتقدم إليهم "علي" رضي الله عنه وحده ليس معه أحد ولم يسل سيفاً ولم يحمل ترساً .
فلما تقدم منهم أخرج الرسالة وقرأها عليهم .
فعندما أتم القراءة تفاجأ الصحابة رضي الله عنهم بأن كل "همدان" وعلى قلب رجل واحد وبلسان واحد يصيحون بأعلى صوتهم :
*نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .*
فأسلمت همدان كلها في ساعة واحدة ....
ثم استقبلوا "علي" رضي الله عنه خير استقبال هو وأصحابه رضي الله عنهم...
وأخذ "علي" رضي الله عنه يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن الكريم...
ثم جاءت الخصوم إليه يتقاضون إليه فيقضي بينهم كما أمره النبي ﷺ
يسمع من الطرفين ويقضي
يقول الصحابة رضي الله عنهم كان علي أقضى أصحاب رسول الله .
"أكثرهم حكمة في القضاء "
وذلك ببركة دعاء النبي ﷺ إذ دعى له يوماً .
فقال ﷺ : *اللهم وفقه للقضاء .*
وهكذا أسلمت همدان وجاء وفد منهم إلى المدينة ليبايعوا النبي ﷺ في السنة العاشرة من الهجرة ....
وقبل أن يصلوا إلى المدينة قال النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم مخبراً عن أهل اليمن *أتاكم أهل اليمن . هم أرق أفئدة وألين قلوباً .*
من جهة أخرى أرسل النبي ﷺ عدة سرايا إلى بعض القبائل اليمنية التي لم تستجب لدعوة الإسلام .
فأرسل النبي ﷺ "الطفيل بن عمرو" رضي الله عنه إلى قبيلة "دوس"
و أرسل سرية بقيادة "خالد بن سعيد بن العاص" رضي الله عنه
وسرية بقيادة "خالد بن الوليد" رضي الله عنه
وسريتين بقيادة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه
وهكذا عندما جاءت السنةالعاشرة كان جميع "أهل اليمن" قد دخلوا في الإسلام
وعندما دخل أهل اليمن جميعاً في الإسلام .
أرسل إليهم النبي ﷺ إثنان من أصحابه :
١- معاذ بن جبل رضي الله عنه
- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
وكانت مهمتم أن يتوليا قيادة اليمن ....
وقسم لهم النبي ﷺ اليمن إلى قسمين كبيرين ....
عرف كل قسم : "بالمخلاف"وأصبح كل واحد منهما مسؤولاً عن أحد هذه الأقسام .....
ووصى النبي ﷺ عاملاه
وقال لهما *يسرا وبشرا ولا تنفرا .*
ثم إلتفت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال وهو يودعه :
*يا معاذ عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا .*
*ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري .*
فبكى معاذ بن جبل رضي الله عنه جزعا لفراق الحبيب المصطفى ﷺ .
ننتقل إلى *حجة الوداع .*
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....