- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثانية و الأربعون بعد المائة *142*
*حادثة شهداء الرَّجيع ...*
قد علمت العرب أن محمد ﷺ كلما اجتمعوا لمحاربته باغتهم في أرضهم ودفن تلك الفكرة في أرضها لإنه يحكم المدينة تحت شعار :
*ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذَلّوا .*
وهو لا يقبل الذل ﷺ فكلما سمع بتحركهم باغتهم وقاتلهم في ديارهم قبل أن يقدموا للمدينة .
فلجأوا إلى سياسة أخرى وهي الخدعة !!
أن يتظاهروا أنهم مسلمون فيطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم رجال يعلموهم القرآن الكريم والإسلام .
و سعى نفر من مكة إلى رجال من قبيلتي "عضل والقارة"
هم بالأصل من قبيلة واحدة "هذيل"
قالوا لهم : نعطيكم مبلغ من المال في مقابل أن تذهبوا لمحمد في يثرب وتتظاهروا أنكم مسلمون وتطلبون أن يرسل معكم من يفقهكم في الدين .
ثم تحضروا هؤلاء الرجال من أصحاب محمد وتسلموهم لنا .
*لماذا اختارت قريش قبيلتي "عضل والقارة" لهذه المهمة ؟*
لأنهما من القبائل المتحالفة مع المسلمين وبذلك لن يشك النبي ﷺ في أنهما يضمران له الغدر .
اتفقوا مع قريش !!!
وانطلق رجال من قبيلتي "عضل والقارة" إلى المدينة المنورة
فلما وصلوا دخلوا على رسول ﷺ وتظاهروا أنهم مسلمون .
قالوا : يا رسول الله .
إن فينا إسلاماً "أي انتشر الإسلام في قومنا"
فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن الكريم .... ويعلمونا شرائع الإسلام .
"النبي ﷺ لا يعلم الغيب المطلق .
فإذا أطلعه الله تعالى على شيء من أمور الغيب .
أصبح بالنسبة له علم وبالنسبة للآخرين غيب .
فعلم الغيب المطلق "لله عزوجل وحده"
وإذا لم يُطلع الله نبيه على شيء ، فهو بشر لا يعلم الغيب"
ولقد علمنا النبي ﷺ أن نأخذ الأمور بالظواهر ونترك سرائر الناس لله عزوجل .
فقبل منهم ظاهر قولهم "أي بأنهم مسلمون" ولم يُطلعه الله تعالى على خديعتهم .
فأستجاب لهم النبي ﷺ وأرسل معهم عشرة من أصحابه رضي الله عنهم
"بعض كتب السيرة تقول كان عددهم سبعة "
وجعل عليهم أميرا "عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنهم.
في الطريق وعندما أصبحوا قريباً من بئر يقال له
"الرجيع" قريب من قريتهم "هذيل" خرج إليهم قريب من 200 مقاتل من هذيل
وكان منهم 100 رامي .
لأنهم علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الواحد منهم يقتل أكثر من عشرة .
هكذا وصفهم الله تعالى :
*إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ...*
علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تغلبهم الكثرة .
فلذلك كثروا الكثرة أكثر 200 مقابل 10 فقط .
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم سيوفهم وأخذوا يقاتلوهم حتى أحاطوا بهم في تل مرتفع .
وعلم القوم إن هم قاتلوهم سيقتلون منهم مئة قبل أن يُقتلوا فهم لا يهابون الموت ابداً .
حاولوا أن يغروهم بالإستسلام ووعدوهم بعدم قتلهم .
قالوا لهم : نحن نعطيكم عهداً وذمة لا نقتلكم ولا نكسب بقتلكم شيء وإنما نريد أن نبيعكم لقريش عبيداً ونكسب المال والثمن .
ولكن قائد السرية "عاصم بن ثابت" رفض أن ينزل في ذمة كافر...
وقال : إني نذرت ألا أقبل جوار مشركٍ أبداً .
لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
وأخذ هو وأصحابه يرمونهم بالسهام .
وأخذ المعتدين من "هذيل" يرمونهم بالسهام ويرمونهم بالحجارة .
و بدأ يسقط من المسلمين قتلى وسقط بعض القتلى أيضآ من الجانب الآخر .
فنيت سهام المسلمين فأخذوا يقاتلونهم برماحهم وسيوفهم حتى تكسرت رماح المسلمين .
هنا كسر "عاصم بن ثابت" غمد سيفه "أي كناية على أنه سيقاتل حتى الموت"
"عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنه هذا الصحابي شهد معركة "بدر و أحد"
يوم أحد كان همه أن يصيب حملة اللواء في قريش وكانوا من "آل أبي طلحة"
فقد تعاقب على اللواء أخوين أمهم اسمها "سلافة"
وكانت سلافة هذه مع نساء قريش يوم معركة أحد جالسة قريبة من حملة اللواء .
وكانت تنظر إلى أبناءها الذين يحملون اللواء .
فلما حمل اللواء ابنها و اسمه : "مسافع" ضربه "عاصم بن ثابت" بسهم وقال له خذها وأنا ابن أبي الأقلح .
فكان السهم الذي أصابه ليس قاتلاً فوراً ولكنها كانت إصابة بليغة .
فأعطى اللواء لأخيه وذهب يجري لأمه و وضع رأسه في حِجرها .
قال لها : السهم يا أماه .
فأنتزعت السهم وهي تقول من أصابك يا ولدي ؟
قال : سمعت الرامي يقول "خذها وأنا أبن أبي الأقلح"
فما أن رفعت السهم خرجت روح ابنها .
حتى جاءها ابنها الثاني و قد أصابه سهماً يقول كما قال أخوه
قالت : من أصابك ؟
قال : ابن أبي الأقلح .
فقتل لها ولدين .
فلما رجعت من معركة أحد نذرت وعممت خبرها .
"من يمكّني من رأس عاصم لأشربن به القحف ولأعطينَّ حامله مئة من الأبل .
نذرت 100 ناقة مكافأة لمن يأتيها برأس عاصم وأنها إن قدرت على رأسه لتجعلنه وعاء لشرب الخمر .
الصحابي عاصم رضي الله عنه من خيار الصحابة رضي الله عنهم
عندما أسلم و وضع يده بيد النبي ﷺ .
قال : أعاهد الله وأعاهدك يا رسول الله بعد أن مسّت يدي يدك بالبيعة .
لن تمس يدي يدا مشركٍ أبداً ولا أسمح لمشركٍ أن يمسني أبداً .
و وفى بهذا العهد فهو الآن أمير هذا الركب .
فقال عاصم أميرهم : لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
فما زال يقاتلهم حتى رأى أنهم قاتلوه .
فرفع طرفه للسماء وقال :
*اللهم أبلغ نبيك عنا السلام .*
*وأبلغه ما نزل بنا من الذين غدروا .*
*اللهم إني قد وفيت لك بعهدي ما دمت حياً .*
*اللهم وفّي لي بعهدي معك بعد موتي .*
*اللهم إني حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره .*
"لكي لا يمس جسده أحد لأنه يعلم بالنذر وقد شاعة الأخبار بأن سلافة تريد أن تشرب الخمر في قحف رأسه.
وقد خصصت مكافأة لذلك.
وأخذ يقاتل حتى قتل وقتل معه الصحابة رضي الله عنهم ولم يبق إلا ثلاثة فقط :
خبيب بن الدثنة . زيد بن الدثنة . عبدالله بن طارق .
رضي الله عنهم أجمعين .
فأخذوا يتفاوضوا مع هؤلاء الثلاثة على الإستسلام
ووعدوهم بعدم قتلهم .
فوافقوا على ذلك .
ولكنهم بمجرد أن استسلموا إليهم ربطوهم بأوتار قسيهم .
"يعني فكوا حبال الأقواس وربطوهم بها"
فقال عبد الله بن طارق :
هذا أول الغدر . مادام اتفقنا وسلمنا انفسنا ليش تربطونا .
ورفض أن يسير معهم وأخذ يقاومهم وهم يجرجروه .
فلما أجهدهم قتلوه .
ولم يبقى إلا اثنين "خبيب ، وزيد"
وقبل أن ننتقل من هذه المعركة المصغرة بحجمها والعظيمة في معانيها ....
انظروا ماذا جرى فيها .
القوم قتلوا "عاصم" ويريدون أن يرجعوا لقريش وكان همهم أن يأخذوا رأس "عاصم" فإن فيه 100 ناقة نظراً لنذر سلافة .
فحاولوا أن يقطعوا رأس "عاصم بن ثابت"
وعاصم بن ثابت قد طلب من الله أني قد وفيت فوفي لي يارب كما وفيت .
والنبي ﷺ يقول *إن تصدق الله يصدقك .*
فانظروا إلى عظمة الله جل في علاه .
فأنزل الله من جنوده :
*وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ*
فأنزل الله مظلة من "الدبر" على عاصم رضي الله عنه .
"والدبر هي ذكور النحل وتسمى الزنابير بلغتنااليوم الدبور"
فأخذت تحوم على جثته فما دنى أحد منه إلا لدغته لدغة مؤلمة .
فقالوا : دعوه إلى الليل .
فاذا جاء الليل ذهب عنه الدبر .
لأن الدبابير تبيت إذا أقبل الليل.
فلما جاء الليل بعث الله تعالى غمامة حلقت فوقهم بالمنطقة وصبت ماءً غزيراً منهمراً حتى سالت سيلًا كبيرا فحمل جسده فلم يتمكنوا من الرأس ولا الجثة .
"رجل صدق مع الله : فقلب الموسم شتاء"
"إن تصدق الله يصدقك"
لم يكن في السماء سحابة واحدة ولم يعرف قبره رضي الله عنه حتى الآن .
هذا ما يقال عنه "
*كرامات الله لعباده الصالحين*
بقي معهم أسيرين فقط
1- خبيب رضي الله عنه .
2- زيد رضي الله عنه .
ومضوا بالأسيرين وانطلقوا بهما إلى قريش وباعوا "خبيب" إلى بنو الحارث بن عامر .
لأن خبيب هو الذي قتل أبوهم الحارث بن عامر في بدر .
وباعوا "زيد بن الدثنة" إلى صفوان بن أمية ليقتله انتقاما لمقتل أبيه "أمية بن خلف" في بدر كذلك..
*وقصتنا الآن مع "خبيب رضي الله عنه*
أخذ بنو الحارث "خبيب" وحبسوه عندهم حتى تنقضي الأشهر الحرم .
قالوا : إذا انقضت الأشهر الحرام أخرجناه خارج الحرم إلى التنعيم وقتلناه هناك خارج الحرم .
فأخذوا ينتظرون انتهاء الشهر الحرام ليقتلوهما بطريقة تتفنن بها قريش لتشفي غليلها من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
جلس "خبيب بالأسر" و وضعوا بيده القيد واغلقوا عليه باباً .
وكان في البيت بنات الحارث يعيشون فيه ومتزوجات .
فأمروا بنات الحارث أن يرقبنه ويطعمنه ويسقينه حتى يبقى على قيد الحياة .
راوي الحديث عن هذه الوصلة من حياته .
بنت الحارث واسمها "زينب" عندها جارية اسمها "ماوية"
كانت ماوية تحضر الطعام لخبيب وتراقبه وتنظف حجرته حتى ينتهي الشهر الحرام .
وزينب بنت الحارث هي "السيدة المسؤولة" عن حماية خبيب .
جاءت ماوية : يوماً وقبل أن تدخل خوفاً أن يكون فك القيد فنظرت من شق الباب فوجدت "خبيب" وفي يديه الحديد يحمل قطف عنب كأنه رأس رجل .
تقول : لقد رأيته يأكل من قطف عنب كأنه رأس رجل وما بمكة يومئذ ثمرة .
وإنه لموثق في الحديد .
ففتحت الباب لتنظر هل خانها بصرها ؟
قالت متعجبة : ما هذا يا خبيب ؟
قال : عنب كما ترين دونكِ فأكلِ "تفضلي كلي منه"
فأخذته وتذوقته: فإذا هو عنب .
فرجعت تجري إلى مولاتها "أي سيدتها زينب بنت الحارث"
قالت : يا سيدتي ماهذا الأسير الذي عندنا ؟ قالت ماذا ؟
قالت : أتعلمين في أرض الله عنباً في هذا اليوم "يعني في هذا الموسم في عنب"
قالت : لا .
قالت : تعالي معي فأنظري إن هذا الأسير يأكل عنباً من أشهى ما يُأكل .
فهرعت إليه "زينب" لترى .
فرآته يأكل العنب وبين يديه قطف كبير من العنب .
قالت : ما هذا يا خبيب ، من أتاك به ؟
قال : تسألين من أتاني به ؟
وهل في أرض الله عنب في هذه الأيام ؟
قالت : لا
قال : إذن هو من عند الله .
أما علمتِ يا زينب بقصة أم عيسى عليه السلام السيدة مريم بنت عمران .
أما سمعتِ خبرها إذ كفلها زكريا .
*وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ...*
أنَّى لك هذا ؟ سؤال تعجب .
قال خبيب رضي الله عنه :
لزينب "قصة مريم" عليها السلام
قالت له : لم أعلم بذلك
قال خبيب رضي الله عنه ولكن الله أعلمنا..
قالت : أتطعمني من هذا العنب .
قال : دونكِ فأكلِ "ظنته سحر خدعة بصرية"
فأكلت منه حتى رضيت
فقالت : يا خبيب أنت رجل مبارك .
ولكنكَ أسيرُنا فلا أستطيع أن أفك قيدك .
وأنا امرأة فهل من خدمة نسديها لك في أي وقت ؟
قال : نعم إذا انتهى الشهر الحرام وعلمتِ أنهم قاتلي غداً أريد حديدةً أستعد بها للقاء ربي .
قالت : كيف ؟؟
قال : اريد حديدةً موس أزيل بها شعر ابطي وشعر وسطي
"يعني ما نعرفه اليوم شفرة أي ليحلق شعر العانة والإبط لكي يلقى الله وهو نظيف"
قال : وأريد ماء اغتسل به .
قالت : لك هذا !!
انظر كيف يعظم الصحابة سنة الرسول ﷺ .
خبيب رضي الله عنه يعلم أنه سيقتل وهو حريص على سنة الإستحداد.
مضت الأيام وانصرم شهر محرم
فعلمت زينب أنهم قاتلوه غداً وسيخرجوه للتنعيم .
فوفت بوعدها فأحضرت الموس والماء وأرسلت بالموس مع طفل لها صغير .
وقالت : أعطه للأسير وقل له أن أمي ستأتيك بالماء .
"لأن الصغير لا يستطيع أن يحمل الماء ولكي تتركه على راحته يستحد ويحلق الشعر .
فلما أرسلت الصبي بالموسي
تقول : فطنت .
فقلت : ويلاه ماذا صنعت ؟
أرسلت الصبي بالموس ليقتلنه الآن ويأخذ بثأره فوراً .
ففزعت وأخذت تجري إليه مسرعة حتى تُرجع الصبي .
ولكن الصبي جرى وكان قد سبقها ... فوصلت فنظر إليها "خبيب" رضي الله عنه
فوجدها مرتاعةً .
تقول : فنظرت إليه فوجدته قد أجلس الصبي على فخذه يطعمه بيده ما بقي عنده من عنب .
فلما رآها خبيب فزعة قال لها : يا زينت أتخوفتي على الصبي أن أقتله ؟
قالت : أجل .
قال : ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى أبداً..
فإن ديني قد هذب خُلقي .
فلا يجوز قتل الصبي بغير ذنب فهو لم يقاتلني يوماً .
ولقد طلبت منك الموس فلا يجوز لي أن اغدر .
فلا أستعمل الموس إلا لإزالة الشعر .
فذهلت منه وتعجبت من فعله أكثر وأكثر .
ودخل الإيمان لقلبها ....
وقالت : أهكذا هو دينكم يا خبيب ؟
قال : أجل .
وإلا ما الفرق بيني وبين أي رجل من قريش فإني عربي قرشي كما تعلمين .
فلماذا لا أقتل ولا آخذ بالثأر هكذا علمنا ديننا يا زينب .
فأخذت الصبي وتركته يستحد ويستحم .
واستأذنت من أهلها أن تكون ممن يشهد مصرعه ومصرع "زيد بن دثنة"
فخرجت مع نسوة وساروا خلف الرجال إلى التنعيم
قالت : وقد سبقنا قبل يوم إلى ذلك الموقع بعض الرجال والعبيد .
وقد أمرهم أبو سفيان أن يجعلوا له خشبة .
"حفروا في الأرض ووضعوا خشبة ليصلبوه عليها ويتفننوا في قتله"
فلما اجتمعوا و أوثقوه بالخشبة اقترب منه أبو سفيان
وقال : أنشدك الله يا خبيب أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال له خبيب : لا والذي بعثه بالحق ما أحب ولا أرضى .
ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالساً في أهلي سالماً معافا .
فقال خبيب رضي الله عنه : لأبي سفيان
قال : دعوني أصلي ركعتين .
فظنوا أنه جزع من الموت يريد أن يؤخر عمره قليلاً .
ثم صلى بكل خشوع .
وعندما انتهى التفت إليهم من صلاته... وقال لهم : والله لولا أن تظنوا بي جزع من الموت لطولت في الصلاة أكثر ولكن هيَّ .
فكان أول من سن صلاة ركعتين عند القتل خبيب رضي الله عنه.
ثم أوثقوه ورفعوه على خشبة
واقترب منه أبو سفيان
وقال له : يا خبيب ارجع عن الإسلام وأنا أطلق سراحك
قال : لا والله لو كانت لي مئة نفس وأزهقتموها نفساً نفساً ما رجعت عن ديني أبداً .
فأحضروا 40 غلام من غلمان قريش في سن التمييز .
"يعني أعمارهم 7 و 8 سنين وأعطوا كل واحد منهم رمحاً صغيراً
ويقولوا لكل غلام من الأربعين هذا "خبيب" قتل أبوك يوم بدر يا غلام هذا قاتل أبوك فأقتله
حتى يتفننوا في قتله وأطلقوا الصبية عليه يطعنونه بهذه الرماح الصغيرة .
فلما رأى خبيب أنه الموت لا محالة بهذه الطريقة وأرادوا أن يقهرونه في دينه فلم يجعلوا وجهه للكعبة و ووجهوه إلى المدينة أي عكس الكعبة للشمال .
فرفع خبيب رضي الله عنه طرف عينه للسماء .
وقال : اللهم إني لا أرى إلا وجه مشرك وعدو
اللهم أقرء نبيك عني السلام وأعلمه ما تصنع بنا قريش اليوم .
ثم قال : اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحدا .
راوي هذا الحديث هو الذي أصبح أمير للمؤمنين بعد ذلك "معاوية بن أبي سفيان" وكان عمره 22 عام .
هو الذي يروي لنا مقتل خبيب رضي الله عنه
وزينب أسلمت وماوية أسلمت أيضاً.
يقول معاوية : كنت واقفاً مع والدي أبا سفيان فلما دعا "خبيب" رضي الله عنه هذا الدعاء ألقاني أبو سفيان على الأرض واضطجع .
"جلس واجلس إبنه على الأرض بسرعة"
"لأن العرب كانت تعتقد أن الرجل اذا دُعي عليه في وجهه واضطجع لجنبه لم تصبه هذه الدعوة"
قلت : لماذا يا أبي فعلت هذا ؟
قال : كي لا تصيبنا دعوة خبيب .
يقسم معاوية رضي الله عنه ويقول لقد رأيت من رأى مصرعه إلا من أسلم منهم .
فوالله قتلوا جميعاً بددا يعني متفرقين أي ليس عند أهلهم ولا في معركة قتلوا متفرقين جميعا"
لنترك خبيب رضي الله عنه الآن مع الخشبة والصبية والرماح ، وننتقل مباشرة في نفس هذه اللحظة إلى المدينة المنورة إلى مسجد الحبيب المصطفى ﷺ .
يقول الصحابة رضي الله عنهم في هذه اللحظة كان يحدثنا النبي ﷺ بما فعلت قريش بأصحابه رضي الله عنهم ويقول قد لقوا أصحابكم ما لقوا من قريش .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فسكت ﷺ
وأغفى اغفاءة كالتي تأتيه عند نزول الوحي .
ثم سمعناه يقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا "خبيب"
قال الصحابة رضي الله عنهم فدهشنا
ففتح عينيه ونظر إلينا
وقال : إن أخاكم خبيب تقتله قريش الآن .
وقد طلب من الله تعالى أن يقرأني عنه السلام .
فهذا جبريل يقرئني سلام خبيب رضي الله عنه.
ثم قام النبي ﷺ وقد دمعت عيناه ودخل لحجرته والدموع على خده .
نرجع لقريش فلقد نفذت خطتها بأن جعلت الصبية يتمرنون على طعنه .
يقول من أسلم فيما بعد و شهد مصرعه منهم ...
تقول زينب و ماوية : فلا ندري إذ انفتلت خشبته حين همت روحه أن تصعد فأستدار وجهه إلى البيت الحرام .
"خشبة مزروعة في الأرض ما الذي يفتلها ؟؟
فسمعنه يقول : الحمد لله الذي وجهني إلى قبلة يرضاها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
وكان ممن حضر "سعيد بن عامر" وقد أسلم بعد ذلك واستعمله "عمر بن الخطاب" على الشام .
فكان يغشى عليه أحيانا وهو جالس بين الناس "يغمى عليه فجأة"
فشكاه الناس ذلك لعمر !!
قالوا له : يا أمير المؤمنين : إن الرجل مصاب .
فلما قدم على "عمر" قال له : يا سعيد ما هذا الذي يصيبك ؟
فقال سعيد بن عامر والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس .
ولكني كنت فيمن حضر "خبيب بن عدي" حين قتل وسمعت دعوته .
فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي على.
*رضي الله عنه*
*وأما "زيد بن الدثنة" رضي الله عنه قتل أيضآ*
وقبل مقتله سأله أبو سفيان كذلك قبل موته .
أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال زيد كما قال أخيه ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي .
فقال أبو سفيان وهو يضرب كفًا بكف
"ما رأيت ولا علمت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا"
فلما فرغ النبي ﷺ من الخبر كفكف دموعه ورجع إلى أصحابه رضي الله عنهم.
وقال ﷺ إن القوم عزموا على ترك صاحبكم خبيب على خشبته تضربه الرياح والرمال والشمس .
انطلق يا زبير أنت والمقداد .
فتسللا حتى تدخلا التنعيم ليلاً وأنزلا صاحبكما من خشبته .
"حتى ينطلق الرجل من المدينة لمكة تحتاح خمسة أيام تقريباً
فبقي خبيب على خشبته أيام تضربه الشمس والرياح والرمال وعنده رجال يحرسونه .
تأتي قريش نهاراً تتمتع وتستلذ بالنظر إليه .
ثم يتركونه ليلاً مع عشرة من رجالهم يحرسونه .
راوي الحديث الزبير رضي الله عنه :
يقول : فوصلت أنا والمقداد فوجدناه يحرسه عشرة من الرجال .
فغافلناهم حتى دنوت من الخشبة ففككت وثاقه ولم أستطع أن أحمله .
فإنه كان غضاً طرياً طيب الريح كأنه حي على خشبته .
الزبير رضي الله عنه يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رجع
قال : فأنفلت من يدي فوقع على الأرض فكانت له هدة "أي صوت"
فانتبه القوم فأستترت خشية أن يعلموا بنا ، ولكي أعود وآخذه .
فلما انتبه القوم وأحاطوا بالمكان أخذت أنظر فلم أرى جثة خبيب يا رسول الله .
وأخذوا يبحثون يقولون سقط عن الخشبة فأين ذهب ؟
فأبتلعت الأرض خبيب رضي الله عنه.
فقال النبي ﷺ للزبير .
*صدقت فلقد أخبرني بذلك جبريل فقد ابتلعته الأرض .*
*فسمي خبيب .. بليع الأرض .*
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
هكذا فليكن الإيمان في قلوب الرجال....
لنا بهم أسوة حسنة بعد رسول الله ﷺ .
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى..
إ
الحلقة الثانية و الأربعون بعد المائة *142*
*حادثة شهداء الرَّجيع ...*
قد علمت العرب أن محمد ﷺ كلما اجتمعوا لمحاربته باغتهم في أرضهم ودفن تلك الفكرة في أرضها لإنه يحكم المدينة تحت شعار :
*ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذَلّوا .*
وهو لا يقبل الذل ﷺ فكلما سمع بتحركهم باغتهم وقاتلهم في ديارهم قبل أن يقدموا للمدينة .
فلجأوا إلى سياسة أخرى وهي الخدعة !!
أن يتظاهروا أنهم مسلمون فيطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم رجال يعلموهم القرآن الكريم والإسلام .
و سعى نفر من مكة إلى رجال من قبيلتي "عضل والقارة"
هم بالأصل من قبيلة واحدة "هذيل"
قالوا لهم : نعطيكم مبلغ من المال في مقابل أن تذهبوا لمحمد في يثرب وتتظاهروا أنكم مسلمون وتطلبون أن يرسل معكم من يفقهكم في الدين .
ثم تحضروا هؤلاء الرجال من أصحاب محمد وتسلموهم لنا .
*لماذا اختارت قريش قبيلتي "عضل والقارة" لهذه المهمة ؟*
لأنهما من القبائل المتحالفة مع المسلمين وبذلك لن يشك النبي ﷺ في أنهما يضمران له الغدر .
اتفقوا مع قريش !!!
وانطلق رجال من قبيلتي "عضل والقارة" إلى المدينة المنورة
فلما وصلوا دخلوا على رسول ﷺ وتظاهروا أنهم مسلمون .
قالوا : يا رسول الله .
إن فينا إسلاماً "أي انتشر الإسلام في قومنا"
فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن الكريم .... ويعلمونا شرائع الإسلام .
"النبي ﷺ لا يعلم الغيب المطلق .
فإذا أطلعه الله تعالى على شيء من أمور الغيب .
أصبح بالنسبة له علم وبالنسبة للآخرين غيب .
فعلم الغيب المطلق "لله عزوجل وحده"
وإذا لم يُطلع الله نبيه على شيء ، فهو بشر لا يعلم الغيب"
ولقد علمنا النبي ﷺ أن نأخذ الأمور بالظواهر ونترك سرائر الناس لله عزوجل .
فقبل منهم ظاهر قولهم "أي بأنهم مسلمون" ولم يُطلعه الله تعالى على خديعتهم .
فأستجاب لهم النبي ﷺ وأرسل معهم عشرة من أصحابه رضي الله عنهم
"بعض كتب السيرة تقول كان عددهم سبعة "
وجعل عليهم أميرا "عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنهم.
في الطريق وعندما أصبحوا قريباً من بئر يقال له
"الرجيع" قريب من قريتهم "هذيل" خرج إليهم قريب من 200 مقاتل من هذيل
وكان منهم 100 رامي .
لأنهم علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الواحد منهم يقتل أكثر من عشرة .
هكذا وصفهم الله تعالى :
*إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ...*
علموا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تغلبهم الكثرة .
فلذلك كثروا الكثرة أكثر 200 مقابل 10 فقط .
فأخذ الصحابة رضي الله عنهم سيوفهم وأخذوا يقاتلوهم حتى أحاطوا بهم في تل مرتفع .
وعلم القوم إن هم قاتلوهم سيقتلون منهم مئة قبل أن يُقتلوا فهم لا يهابون الموت ابداً .
حاولوا أن يغروهم بالإستسلام ووعدوهم بعدم قتلهم .
قالوا لهم : نحن نعطيكم عهداً وذمة لا نقتلكم ولا نكسب بقتلكم شيء وإنما نريد أن نبيعكم لقريش عبيداً ونكسب المال والثمن .
ولكن قائد السرية "عاصم بن ثابت" رفض أن ينزل في ذمة كافر...
وقال : إني نذرت ألا أقبل جوار مشركٍ أبداً .
لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
وأخذ هو وأصحابه يرمونهم بالسهام .
وأخذ المعتدين من "هذيل" يرمونهم بالسهام ويرمونهم بالحجارة .
و بدأ يسقط من المسلمين قتلى وسقط بعض القتلى أيضآ من الجانب الآخر .
فنيت سهام المسلمين فأخذوا يقاتلونهم برماحهم وسيوفهم حتى تكسرت رماح المسلمين .
هنا كسر "عاصم بن ثابت" غمد سيفه "أي كناية على أنه سيقاتل حتى الموت"
"عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح" رضي الله عنه هذا الصحابي شهد معركة "بدر و أحد"
يوم أحد كان همه أن يصيب حملة اللواء في قريش وكانوا من "آل أبي طلحة"
فقد تعاقب على اللواء أخوين أمهم اسمها "سلافة"
وكانت سلافة هذه مع نساء قريش يوم معركة أحد جالسة قريبة من حملة اللواء .
وكانت تنظر إلى أبناءها الذين يحملون اللواء .
فلما حمل اللواء ابنها و اسمه : "مسافع" ضربه "عاصم بن ثابت" بسهم وقال له خذها وأنا ابن أبي الأقلح .
فكان السهم الذي أصابه ليس قاتلاً فوراً ولكنها كانت إصابة بليغة .
فأعطى اللواء لأخيه وذهب يجري لأمه و وضع رأسه في حِجرها .
قال لها : السهم يا أماه .
فأنتزعت السهم وهي تقول من أصابك يا ولدي ؟
قال : سمعت الرامي يقول "خذها وأنا أبن أبي الأقلح"
فما أن رفعت السهم خرجت روح ابنها .
حتى جاءها ابنها الثاني و قد أصابه سهماً يقول كما قال أخوه
قالت : من أصابك ؟
قال : ابن أبي الأقلح .
فقتل لها ولدين .
فلما رجعت من معركة أحد نذرت وعممت خبرها .
"من يمكّني من رأس عاصم لأشربن به القحف ولأعطينَّ حامله مئة من الأبل .
نذرت 100 ناقة مكافأة لمن يأتيها برأس عاصم وأنها إن قدرت على رأسه لتجعلنه وعاء لشرب الخمر .
الصحابي عاصم رضي الله عنه من خيار الصحابة رضي الله عنهم
عندما أسلم و وضع يده بيد النبي ﷺ .
قال : أعاهد الله وأعاهدك يا رسول الله بعد أن مسّت يدي يدك بالبيعة .
لن تمس يدي يدا مشركٍ أبداً ولا أسمح لمشركٍ أن يمسني أبداً .
و وفى بهذا العهد فهو الآن أمير هذا الركب .
فقال عاصم أميرهم : لا والله لا أنزل في ذمة مشرك أبداً ولا تمس يدي يد مشرك .
فما زال يقاتلهم حتى رأى أنهم قاتلوه .
فرفع طرفه للسماء وقال :
*اللهم أبلغ نبيك عنا السلام .*
*وأبلغه ما نزل بنا من الذين غدروا .*
*اللهم إني قد وفيت لك بعهدي ما دمت حياً .*
*اللهم وفّي لي بعهدي معك بعد موتي .*
*اللهم إني حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره .*
"لكي لا يمس جسده أحد لأنه يعلم بالنذر وقد شاعة الأخبار بأن سلافة تريد أن تشرب الخمر في قحف رأسه.
وقد خصصت مكافأة لذلك.
وأخذ يقاتل حتى قتل وقتل معه الصحابة رضي الله عنهم ولم يبق إلا ثلاثة فقط :
خبيب بن الدثنة . زيد بن الدثنة . عبدالله بن طارق .
رضي الله عنهم أجمعين .
فأخذوا يتفاوضوا مع هؤلاء الثلاثة على الإستسلام
ووعدوهم بعدم قتلهم .
فوافقوا على ذلك .
ولكنهم بمجرد أن استسلموا إليهم ربطوهم بأوتار قسيهم .
"يعني فكوا حبال الأقواس وربطوهم بها"
فقال عبد الله بن طارق :
هذا أول الغدر . مادام اتفقنا وسلمنا انفسنا ليش تربطونا .
ورفض أن يسير معهم وأخذ يقاومهم وهم يجرجروه .
فلما أجهدهم قتلوه .
ولم يبقى إلا اثنين "خبيب ، وزيد"
وقبل أن ننتقل من هذه المعركة المصغرة بحجمها والعظيمة في معانيها ....
انظروا ماذا جرى فيها .
القوم قتلوا "عاصم" ويريدون أن يرجعوا لقريش وكان همهم أن يأخذوا رأس "عاصم" فإن فيه 100 ناقة نظراً لنذر سلافة .
فحاولوا أن يقطعوا رأس "عاصم بن ثابت"
وعاصم بن ثابت قد طلب من الله أني قد وفيت فوفي لي يارب كما وفيت .
والنبي ﷺ يقول *إن تصدق الله يصدقك .*
فانظروا إلى عظمة الله جل في علاه .
فأنزل الله من جنوده :
*وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ*
فأنزل الله مظلة من "الدبر" على عاصم رضي الله عنه .
"والدبر هي ذكور النحل وتسمى الزنابير بلغتنااليوم الدبور"
فأخذت تحوم على جثته فما دنى أحد منه إلا لدغته لدغة مؤلمة .
فقالوا : دعوه إلى الليل .
فاذا جاء الليل ذهب عنه الدبر .
لأن الدبابير تبيت إذا أقبل الليل.
فلما جاء الليل بعث الله تعالى غمامة حلقت فوقهم بالمنطقة وصبت ماءً غزيراً منهمراً حتى سالت سيلًا كبيرا فحمل جسده فلم يتمكنوا من الرأس ولا الجثة .
"رجل صدق مع الله : فقلب الموسم شتاء"
"إن تصدق الله يصدقك"
لم يكن في السماء سحابة واحدة ولم يعرف قبره رضي الله عنه حتى الآن .
هذا ما يقال عنه "
*كرامات الله لعباده الصالحين*
بقي معهم أسيرين فقط
1- خبيب رضي الله عنه .
2- زيد رضي الله عنه .
ومضوا بالأسيرين وانطلقوا بهما إلى قريش وباعوا "خبيب" إلى بنو الحارث بن عامر .
لأن خبيب هو الذي قتل أبوهم الحارث بن عامر في بدر .
وباعوا "زيد بن الدثنة" إلى صفوان بن أمية ليقتله انتقاما لمقتل أبيه "أمية بن خلف" في بدر كذلك..
*وقصتنا الآن مع "خبيب رضي الله عنه*
أخذ بنو الحارث "خبيب" وحبسوه عندهم حتى تنقضي الأشهر الحرم .
قالوا : إذا انقضت الأشهر الحرام أخرجناه خارج الحرم إلى التنعيم وقتلناه هناك خارج الحرم .
فأخذوا ينتظرون انتهاء الشهر الحرام ليقتلوهما بطريقة تتفنن بها قريش لتشفي غليلها من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
جلس "خبيب بالأسر" و وضعوا بيده القيد واغلقوا عليه باباً .
وكان في البيت بنات الحارث يعيشون فيه ومتزوجات .
فأمروا بنات الحارث أن يرقبنه ويطعمنه ويسقينه حتى يبقى على قيد الحياة .
راوي الحديث عن هذه الوصلة من حياته .
بنت الحارث واسمها "زينب" عندها جارية اسمها "ماوية"
كانت ماوية تحضر الطعام لخبيب وتراقبه وتنظف حجرته حتى ينتهي الشهر الحرام .
وزينب بنت الحارث هي "السيدة المسؤولة" عن حماية خبيب .
جاءت ماوية : يوماً وقبل أن تدخل خوفاً أن يكون فك القيد فنظرت من شق الباب فوجدت "خبيب" وفي يديه الحديد يحمل قطف عنب كأنه رأس رجل .
تقول : لقد رأيته يأكل من قطف عنب كأنه رأس رجل وما بمكة يومئذ ثمرة .
وإنه لموثق في الحديد .
ففتحت الباب لتنظر هل خانها بصرها ؟
قالت متعجبة : ما هذا يا خبيب ؟
قال : عنب كما ترين دونكِ فأكلِ "تفضلي كلي منه"
فأخذته وتذوقته: فإذا هو عنب .
فرجعت تجري إلى مولاتها "أي سيدتها زينب بنت الحارث"
قالت : يا سيدتي ماهذا الأسير الذي عندنا ؟ قالت ماذا ؟
قالت : أتعلمين في أرض الله عنباً في هذا اليوم "يعني في هذا الموسم في عنب"
قالت : لا .
قالت : تعالي معي فأنظري إن هذا الأسير يأكل عنباً من أشهى ما يُأكل .
فهرعت إليه "زينب" لترى .
فرآته يأكل العنب وبين يديه قطف كبير من العنب .
قالت : ما هذا يا خبيب ، من أتاك به ؟
قال : تسألين من أتاني به ؟
وهل في أرض الله عنب في هذه الأيام ؟
قالت : لا
قال : إذن هو من عند الله .
أما علمتِ يا زينب بقصة أم عيسى عليه السلام السيدة مريم بنت عمران .
أما سمعتِ خبرها إذ كفلها زكريا .
*وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ...*
أنَّى لك هذا ؟ سؤال تعجب .
قال خبيب رضي الله عنه :
لزينب "قصة مريم" عليها السلام
قالت له : لم أعلم بذلك
قال خبيب رضي الله عنه ولكن الله أعلمنا..
قالت : أتطعمني من هذا العنب .
قال : دونكِ فأكلِ "ظنته سحر خدعة بصرية"
فأكلت منه حتى رضيت
فقالت : يا خبيب أنت رجل مبارك .
ولكنكَ أسيرُنا فلا أستطيع أن أفك قيدك .
وأنا امرأة فهل من خدمة نسديها لك في أي وقت ؟
قال : نعم إذا انتهى الشهر الحرام وعلمتِ أنهم قاتلي غداً أريد حديدةً أستعد بها للقاء ربي .
قالت : كيف ؟؟
قال : اريد حديدةً موس أزيل بها شعر ابطي وشعر وسطي
"يعني ما نعرفه اليوم شفرة أي ليحلق شعر العانة والإبط لكي يلقى الله وهو نظيف"
قال : وأريد ماء اغتسل به .
قالت : لك هذا !!
انظر كيف يعظم الصحابة سنة الرسول ﷺ .
خبيب رضي الله عنه يعلم أنه سيقتل وهو حريص على سنة الإستحداد.
مضت الأيام وانصرم شهر محرم
فعلمت زينب أنهم قاتلوه غداً وسيخرجوه للتنعيم .
فوفت بوعدها فأحضرت الموس والماء وأرسلت بالموس مع طفل لها صغير .
وقالت : أعطه للأسير وقل له أن أمي ستأتيك بالماء .
"لأن الصغير لا يستطيع أن يحمل الماء ولكي تتركه على راحته يستحد ويحلق الشعر .
فلما أرسلت الصبي بالموسي
تقول : فطنت .
فقلت : ويلاه ماذا صنعت ؟
أرسلت الصبي بالموس ليقتلنه الآن ويأخذ بثأره فوراً .
ففزعت وأخذت تجري إليه مسرعة حتى تُرجع الصبي .
ولكن الصبي جرى وكان قد سبقها ... فوصلت فنظر إليها "خبيب" رضي الله عنه
فوجدها مرتاعةً .
تقول : فنظرت إليه فوجدته قد أجلس الصبي على فخذه يطعمه بيده ما بقي عنده من عنب .
فلما رآها خبيب فزعة قال لها : يا زينت أتخوفتي على الصبي أن أقتله ؟
قالت : أجل .
قال : ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى أبداً..
فإن ديني قد هذب خُلقي .
فلا يجوز قتل الصبي بغير ذنب فهو لم يقاتلني يوماً .
ولقد طلبت منك الموس فلا يجوز لي أن اغدر .
فلا أستعمل الموس إلا لإزالة الشعر .
فذهلت منه وتعجبت من فعله أكثر وأكثر .
ودخل الإيمان لقلبها ....
وقالت : أهكذا هو دينكم يا خبيب ؟
قال : أجل .
وإلا ما الفرق بيني وبين أي رجل من قريش فإني عربي قرشي كما تعلمين .
فلماذا لا أقتل ولا آخذ بالثأر هكذا علمنا ديننا يا زينب .
فأخذت الصبي وتركته يستحد ويستحم .
واستأذنت من أهلها أن تكون ممن يشهد مصرعه ومصرع "زيد بن دثنة"
فخرجت مع نسوة وساروا خلف الرجال إلى التنعيم
قالت : وقد سبقنا قبل يوم إلى ذلك الموقع بعض الرجال والعبيد .
وقد أمرهم أبو سفيان أن يجعلوا له خشبة .
"حفروا في الأرض ووضعوا خشبة ليصلبوه عليها ويتفننوا في قتله"
فلما اجتمعوا و أوثقوه بالخشبة اقترب منه أبو سفيان
وقال : أنشدك الله يا خبيب أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال له خبيب : لا والذي بعثه بالحق ما أحب ولا أرضى .
ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالساً في أهلي سالماً معافا .
فقال خبيب رضي الله عنه : لأبي سفيان
قال : دعوني أصلي ركعتين .
فظنوا أنه جزع من الموت يريد أن يؤخر عمره قليلاً .
ثم صلى بكل خشوع .
وعندما انتهى التفت إليهم من صلاته... وقال لهم : والله لولا أن تظنوا بي جزع من الموت لطولت في الصلاة أكثر ولكن هيَّ .
فكان أول من سن صلاة ركعتين عند القتل خبيب رضي الله عنه.
ثم أوثقوه ورفعوه على خشبة
واقترب منه أبو سفيان
وقال له : يا خبيب ارجع عن الإسلام وأنا أطلق سراحك
قال : لا والله لو كانت لي مئة نفس وأزهقتموها نفساً نفساً ما رجعت عن ديني أبداً .
فأحضروا 40 غلام من غلمان قريش في سن التمييز .
"يعني أعمارهم 7 و 8 سنين وأعطوا كل واحد منهم رمحاً صغيراً
ويقولوا لكل غلام من الأربعين هذا "خبيب" قتل أبوك يوم بدر يا غلام هذا قاتل أبوك فأقتله
حتى يتفننوا في قتله وأطلقوا الصبية عليه يطعنونه بهذه الرماح الصغيرة .
فلما رأى خبيب أنه الموت لا محالة بهذه الطريقة وأرادوا أن يقهرونه في دينه فلم يجعلوا وجهه للكعبة و ووجهوه إلى المدينة أي عكس الكعبة للشمال .
فرفع خبيب رضي الله عنه طرف عينه للسماء .
وقال : اللهم إني لا أرى إلا وجه مشرك وعدو
اللهم أقرء نبيك عني السلام وأعلمه ما تصنع بنا قريش اليوم .
ثم قال : اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحدا .
راوي هذا الحديث هو الذي أصبح أمير للمؤمنين بعد ذلك "معاوية بن أبي سفيان" وكان عمره 22 عام .
هو الذي يروي لنا مقتل خبيب رضي الله عنه
وزينب أسلمت وماوية أسلمت أيضاً.
يقول معاوية : كنت واقفاً مع والدي أبا سفيان فلما دعا "خبيب" رضي الله عنه هذا الدعاء ألقاني أبو سفيان على الأرض واضطجع .
"جلس واجلس إبنه على الأرض بسرعة"
"لأن العرب كانت تعتقد أن الرجل اذا دُعي عليه في وجهه واضطجع لجنبه لم تصبه هذه الدعوة"
قلت : لماذا يا أبي فعلت هذا ؟
قال : كي لا تصيبنا دعوة خبيب .
يقسم معاوية رضي الله عنه ويقول لقد رأيت من رأى مصرعه إلا من أسلم منهم .
فوالله قتلوا جميعاً بددا يعني متفرقين أي ليس عند أهلهم ولا في معركة قتلوا متفرقين جميعا"
لنترك خبيب رضي الله عنه الآن مع الخشبة والصبية والرماح ، وننتقل مباشرة في نفس هذه اللحظة إلى المدينة المنورة إلى مسجد الحبيب المصطفى ﷺ .
يقول الصحابة رضي الله عنهم في هذه اللحظة كان يحدثنا النبي ﷺ بما فعلت قريش بأصحابه رضي الله عنهم ويقول قد لقوا أصحابكم ما لقوا من قريش .
يقول الصحابة رضي الله عنهم فسكت ﷺ
وأغفى اغفاءة كالتي تأتيه عند نزول الوحي .
ثم سمعناه يقول : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا "خبيب"
قال الصحابة رضي الله عنهم فدهشنا
ففتح عينيه ونظر إلينا
وقال : إن أخاكم خبيب تقتله قريش الآن .
وقد طلب من الله تعالى أن يقرأني عنه السلام .
فهذا جبريل يقرئني سلام خبيب رضي الله عنه.
ثم قام النبي ﷺ وقد دمعت عيناه ودخل لحجرته والدموع على خده .
نرجع لقريش فلقد نفذت خطتها بأن جعلت الصبية يتمرنون على طعنه .
يقول من أسلم فيما بعد و شهد مصرعه منهم ...
تقول زينب و ماوية : فلا ندري إذ انفتلت خشبته حين همت روحه أن تصعد فأستدار وجهه إلى البيت الحرام .
"خشبة مزروعة في الأرض ما الذي يفتلها ؟؟
فسمعنه يقول : الحمد لله الذي وجهني إلى قبلة يرضاها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
وكان ممن حضر "سعيد بن عامر" وقد أسلم بعد ذلك واستعمله "عمر بن الخطاب" على الشام .
فكان يغشى عليه أحيانا وهو جالس بين الناس "يغمى عليه فجأة"
فشكاه الناس ذلك لعمر !!
قالوا له : يا أمير المؤمنين : إن الرجل مصاب .
فلما قدم على "عمر" قال له : يا سعيد ما هذا الذي يصيبك ؟
فقال سعيد بن عامر والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس .
ولكني كنت فيمن حضر "خبيب بن عدي" حين قتل وسمعت دعوته .
فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي على.
*رضي الله عنه*
*وأما "زيد بن الدثنة" رضي الله عنه قتل أيضآ*
وقبل مقتله سأله أبو سفيان كذلك قبل موته .
أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟
فقال زيد كما قال أخيه ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي .
فقال أبو سفيان وهو يضرب كفًا بكف
"ما رأيت ولا علمت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمدا"
فلما فرغ النبي ﷺ من الخبر كفكف دموعه ورجع إلى أصحابه رضي الله عنهم.
وقال ﷺ إن القوم عزموا على ترك صاحبكم خبيب على خشبته تضربه الرياح والرمال والشمس .
انطلق يا زبير أنت والمقداد .
فتسللا حتى تدخلا التنعيم ليلاً وأنزلا صاحبكما من خشبته .
"حتى ينطلق الرجل من المدينة لمكة تحتاح خمسة أيام تقريباً
فبقي خبيب على خشبته أيام تضربه الشمس والرياح والرمال وعنده رجال يحرسونه .
تأتي قريش نهاراً تتمتع وتستلذ بالنظر إليه .
ثم يتركونه ليلاً مع عشرة من رجالهم يحرسونه .
راوي الحديث الزبير رضي الله عنه :
يقول : فوصلت أنا والمقداد فوجدناه يحرسه عشرة من الرجال .
فغافلناهم حتى دنوت من الخشبة ففككت وثاقه ولم أستطع أن أحمله .
فإنه كان غضاً طرياً طيب الريح كأنه حي على خشبته .
الزبير رضي الله عنه يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رجع
قال : فأنفلت من يدي فوقع على الأرض فكانت له هدة "أي صوت"
فانتبه القوم فأستترت خشية أن يعلموا بنا ، ولكي أعود وآخذه .
فلما انتبه القوم وأحاطوا بالمكان أخذت أنظر فلم أرى جثة خبيب يا رسول الله .
وأخذوا يبحثون يقولون سقط عن الخشبة فأين ذهب ؟
فأبتلعت الأرض خبيب رضي الله عنه.
فقال النبي ﷺ للزبير .
*صدقت فلقد أخبرني بذلك جبريل فقد ابتلعته الأرض .*
*فسمي خبيب .. بليع الأرض .*
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
هكذا فليكن الإيمان في قلوب الرجال....
لنا بهم أسوة حسنة بعد رسول الله ﷺ .
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى..
إ