- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السابع والعشرون
*تجديد بناء الكعبة المشرفة .*
تزامن اتفاق قريش على تجديد بناء الكعبة المشرفة مع حمل السيدة خديجة رضي الله عنها بفاطمة رضي الله عنها .
كانت امرأة من قريش تطوف حول الكعبة المشرفة وبيدها مبخرة فيها جمر .
كانت تطوف وتبخر الكعبة فوقعت جمرة وعلقت بكسوة الكعبة فاشتعلت واحترقت الكسوة .
وكان سقف الكعبة والأعمدة من الداخل من الخشب فاحترق ولم يبقى إلا الجدران لأنها من الحجارة .
ومن قوة الحريق تصدعت جدران الكعبة .
وبعد شهر جاء موسم الأمطار فهطلت بغزارة وتشكلت السيول وتدفقت إلى الكعبة .
ولأنها بوادي فقد دخلت السيول إلى جوف الكعبة .
هنا تصدعت الجدران وبدأت تنهار وتتساقط الحجارة فصار أهل مكة لا يطوفون حول الكعبة خوفا من سقوط الحجارة عليهم .
وبعد فترة حاول لص سرقة الكنز الذي في الكعبة فدخل من الباب الثاني للكعبة .
كان للكعبة بابان :
الباب المعروف حاليا والباب الثاني مقابل الركن اليماني .
"قبل فترة وعبر وسائل الإعلام وأثناء الريح الشديدة ارتفع ستار الكعبة فظهر للناس مكان الباب الثاني وقد أغلق بالحجارة"
دخل هذا اللص من الباب الثاني إلا أنه سقط في البئر ولم يستطع الخروج فاستنجد وصرخ حتى سمعه الناس وساعدوه على الخروج .
هذه الأسباب جعلت قريش تفكر بتجديد بناء الكعبة .
فاتفقوا على رفع باب الكعبة وإغلاق الباب الثاني حفاظآ على كنز الكعبة حتى لايسرق ...
صحيح أن قريش كانوا مشركين لكنهم كانوا يعبدون الله ولكنهم يشركون في عبادتهم الأصنام .
يعلمون أن الله هو خالق كل شيء ويتضرعون بالأصنام ليتقربو بها إلى الله تعالى .
*أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)*
سورة الزمر .
كانوا يعظمون شعائر الله وكانت الكعبة حجارة فوق بعضها البعض من غير طين .
وخافوا أن ينزلوا هذه الحجارة .
وتذكروا جيش أبرهة قبل 35 عام عندما جاء لهدم الكعبة فقد شاهدوه بأعينهم وكيف فعل الله به وجيشه .
ولم يجرؤ أحد منهم على مس حجر من الكعبة لإنزاله .
لم يكن عندهم مواد البناء لتجديد الكعبة .
فهيأ الله لهم أسباب هذا العمل .
سمعوا أن هناك على شاطيء جدة سفينة أرسلها قيصر الروم وبها فنان بالبناء وكان نجار ماهر .
كان قيصر الروم قد أرسل هذه السفينة لترميم كنيسة بالحبشة حرقها الفرس .
فلما كانت قريبة من شاطيء جدة دفعتها الرياح إلى الساحل وتحطمت وسقطت كل الأمتعة التي بها .
وصل الخبر إلى قريش فاسرعوا والتقوا بهذا البناء وحدثوه بالموضوع .
فقال لهم . السفينة تحطمت ولن أستطيع أن أكمل المشوار وهذا عذري عند قيصر .
قالوا له . نشتري منك الأخشاب لتجديد بناء الكعبة وتأتي وتكون أنت المشرف على البناء .
واتفقوا معه على ذلك .
شرعوا بتجديد بناء الكعبة وقسموا الكعبة أجزاء .
الجدار الذي به باب الكعبة المعروف حتى الآن أخذته "بني عبدمناف" قبيلة النبي ﷺ .
الجدار الذي فيه حجر اسماعيل أخذته قبيلة "بني عبدالدار"
الجدار الذي بين الركن اليماني والحجر الأسود أخذته قبيلة "بني مخزوم"
الجدار الرابع وهو ظهر الكعبة "أي خلف باب الكعبة مباشرة" أخذته "باقي قبائل قريش"
فأنزلوا باقي حجارة الكعبة حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم عليه السلام .
أزالوا عنها الغبار فوجدوها حجارة خضراء ماكانت سوداء كباقي حجارة الكعبة .
ووجدوا حتى شكلها يختلف عن كل الحجارة التي يعرفها الناس .
كان لونها أخضر كالربيع وأشكالها كأسنمة البخت "محدبة وداخلة ببعضها ومتشابكة كالأصابع"
فقالوا . هذه قواعد إبراهيم عليه السلام.
فأراد أحدهم أن يختبر صلابتها فخرج منها شرار كاد أن يخطف أبصارهم .
قال أحدهم واهتزت مكة كلها كالزلزال حتى خافوا أن تقع الجبال عليهم .
فصاحوا جميعآ اتركوا قواعد إبراهيم عليه السلام .
لاتقربوا قواعد ابراهيم .
"هذه القواعد تنسب لابراهيم عليه السلام ولكن ليس سيدنا إبراهيم من وضعها"
سيدنا ابراهيم هو من جدد البناء عليها .
*وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)*
سورة البقرة .
إبراهيم عليه السلام هو من جدد البناء وليس من وضع القواعد لأن من وضع القواعد للبيت على الأرض هو جبريل عليه السلام قبل أن يخلق آدم عليه السلام وينزل إلى الأرض بأمر من الله عزوجل .
قبل أن يبدأوا بالبناء قال واحد منهم .
"إياكم أن يدخل في بناء الكعبة إلا المال الطيب الحلال فلا يدخل في بنائها ربا ولا مظلمة لأحد من الناس"
هذا يعني أنهم كانوا يعرفون أن الربا حرام لأنهم كانوا على بقية شريعة ابراهيم ولكن أشركوا في عبادة الله الأصنام .
لأن أكثر الأموال التي لديهم من الحرام كأغلب الناس هذه الايام من الربا وأموال البنوك والسرقة والرشوة. نسأل الله السلامة والعافية.
رأوا أن الأموال الحلال التي جمعوها قليلة لاتكفي أجرة البناء فاختصروا بناء الكعبة واخرجوا حجر اسماعيل منها .
فصنعوا جدارا دائريا على الشكل الذي نراه حاليا حتى يعرف الناس أن الطواف خارج هذا الجدار الدائري خارج مساحة الكعبة المشرفة أساسا .
جاء في الصحيحين أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت .
يارسول الله أدخلني الكعبة .
فأخذ بيدها ﷺ وأدخلها حجر اسماعيل وقال لها .
*صلي هاهنا فانها كعبة . غير أن قومك ضاقت بهم النفقة الطيبة حتى يتموا بناءها فأخرجوه منها . ولولا أنهم حديثوا عهد بكفر "خرجوا من الكفر ودخلوا الاسلام حديثآ" لأمرت بنقضها وبنائها على قواعد ابراهيم عليه السلام . لكن الله قدر وما شاء فعل .*
وبقيت الكعبة على الشكل الحالي الذي نراه اليوم .
جمعت قريش المال الحلال وبدأت بالبناء واخذوا ينقلون الحجارة .
كان ﷺ يعمل مع أعمامه بهذا العمل المشرف لأن قريش تعتبر هذا العمل شرف عظيم .
فأخذ ﷺ ينقل الحجارة ويحملها مع أعمامه .
وكان رفيقة في العمل عمه العباس رضي الله عنه .
كان قريبا منه بالعمر وكان يمشي مع النبي ﷺ ذهابآ وايابآ في نقل الحجارة .
كانت قريش لاتهتم إذا انكشفت عوراتهم .
كانوا لايعرفون "البنطال" .
كان لباسهم عبارة عن قطعة قماش تلف حول الجسم تسمى "وزرة"
كان الواحد منهم إذا أراد العمل يلف ثوبه إلى رقبته فتنكشف عورته .
حتى كان بعض الناس يعتقدون أن الطواف حول الكعبة لايقبل إلا وهو عاري من الثياب لاعتقادهم أن هذه الملابس قد عصي الله بها فلا يقبل طاعتنا .
كانوا يذهبون إلى حجر اسماعيل يحطم بعضهم البعض من الازدحام فاكتسب اسمه "الحطيم" يخلع أحدهم ثيابه ويطوف حول الكعبة عاري كما انجبته أمه .
اثناء العمل نظر العباس فرأى الحجارة تؤذي رقبة رسول الله ﷺ .
قال له . يا ابن اخي ضع إزارك على عاتقك .
استحى ﷺ أن يرد كلام عمه لأن عمه قال ذلك من خوفه عليه ﷺ .
فرفع ﷺ طرف ثوبه فبدت عورته .
فتفاجأوا بالنبي ﷺ يقع على الأرض مغشيآ عليه وهو يصيح إزاري إزاري .
ورد في الصحيحين عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال .
لما بنيت الكعبة ذهب النبي ﷺ وعمه العباس ينقلان الحجارة .
فقال العباس للنبي ﷺ اجعل ازارك على رقبتك يقيك من الحجارة .
فخر ﷺ إلى الأرض مغشيآ عليه وطمحت عيناه الى السماء .
ثم أفاق وقال . إزاري إزاري . فشد عليه ازاره ﷺ .
وأخذت قريش تبني الكعبة . كل قبيلة بالقسم الذي اتفق عليه حتى وصلوا لموضع الحجر الاسود بالزاوية المخصصة له .
وهنا وقع خلاف كبير بين القبائل .
الحجر الأسود والزاوية المخصصة التي تقع بين "بني عبدمناف" و "بني مخزوم" .
وكل قبيلة تريد شرف وضع الحجر الأسود في مكانه وتدخلت قبيلة "بني الدار" أيضآ تريد هي وضع الحجر الأسود مكانه .
ودهاجت القبائل وماجت وارتفعت اصواتهم بالتحدي ووقع خلاف كبير بينهم .
*ماهو الحجر الاسود .*
هو حجر ليس كمثل أي حجر في الدنيا .
هذا الحجر جلس عليه ابونا آدم عليه السلام لما هبط من الجنة .
وهذا أحد الاقوال .
ورد في الصحيحين أن النبي ﷺ قال .
*كان أبيض شفافآ يرى ظاهره من باطنه . يقرأ الكتاب منه "لو وضعت كتابا خلف الحجر يمكنك قراءة الكلمات من خلاله"*
قالوا وكيف اسود يارسول الله .
قال ﷺ . *اسود من خطايا بني آدم . أما علمتم أن من استلم الركن حطت خطاياه عنه عند الحجر كما تحط اوراق الشجر عن امها في فصل الخريف .*
*وأن هذا الحجر يبعث يوم القيامة وله عينان وله شفتان وله لسان زلق يشهد لمن استلمه من أهل التوحيد .*
ولما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض كانت الكعبة موجودة وامره الله تعالى أن يسعى بها ويطوف بها تقربا إلى الله تعالى ثم بقي الحجر بها .
فلما أمر الله ابراهيم عليه السلام ببناء الكعبة .
امره أن يضع الحجر في هذا المكان بالضبط من أجل أن يكون بداية للطواف حول الكعبة .
تنازعت كل قبائل قريش على وضع الحجر الأسود في مكانه ووقع الخلاف بينهم .
أما النبي ﷺ فقد انسحب من بينهم لأنه لايحب الخلافات واتجه إلى بيته .
جلس رسول الله ﷺ في بيته عدة أيام .
تعطل البناء لأنه لايمكن متابعة البناء حتى يوضع الحجر الاسوك مكانه .
ولما طال الخلاف بينهم اجتمعت بني مخزوم مع بعضهم سرا .
ثم ذبحوا جدي وغمسوا أيديهم في دمه وصاروا يلحسوا أصابهم من الدم .
وقالوا . نحن لعقة الدم . "نحن فرسان والذي يقرب من الحجر الأسود نشرب من دمه"
نعاهد رب البرية أننا سنضع الحجر الأسود غدآ في مكانه وإن اقترب منه أحد قطعنا عنقه .
في الصباح اتجهت كل قبيلة إلى الكعبة ولا تعلم كل قبيلة بنوايا القبيلة الأخرى .
وقف كبير بني مخزوم وقال . نحن فعلنا كذا وكذا . والذي يقترب من الحجر الأسود قطعنا عنقه .
ووقف ابوطالب وقال ونحن فعلنا كذا وكذا والذي يقترب من الحجر الأسود قتلناه بالسيف .
وقفوا كل القبائل ماسكين سيوفهم واشتد الخلاف والغضب بينهم .
فوقف كبيرهم بالسن ورفع يده "كانوا يحترمون الكبير بالسن كثيرا"
وقال : لما التفاني يا قريش
"لماذا تذبحوا بعضكم ياقريش"
يريد أن يبعدهم عن الشر ويحقن الدماء .
قالوا بما تشير علينا .
قال . نجلس جميعا وننظر إلى باب بني شيبة .
وأول رجل يدخل علينا رضينا بحكمه كيفما كان .
"باب بني شيبة هو الذي من جهة المسعى والناس تدخل منه إلى البيت الحرام للطواف"
قالوا جميعا بصوت واحد رضينا .
هل رأيتم مثل هذا : رجال شرسون يلعقون الدماء وعقولهم مثل عقول العصافير .
لنفترض أن مجنونا دخل عليهم هل كانوا يرضون بحكمه ...
ولكن الله يريد بهذا ليريهم قدر هذا النبي ﷺ قبل البعثة .
كان النبي ﷺ في بيته وحضرت السيدة خديجة الولادة في بطنها الرابع وبدأت النساء يحضرن لبيتها .
فاستحى ﷺ وغادر البيت واتجه إلى الحرم يستطلع أخبار قريش وما الذي حصل معهم .
قريش ورجالاتها جالسون يراقبون من الذي سيدخل أول واحد من باب بني شيبة ليحكم بينهم .
*فإذا بهم بالطلعة المحمدية ﷺ بوقاره وهدوئه يطل عليهم من باب بني شيبة .*
وثب الجميع وهتفوا جميعا محمد هذا ابن سيد قومه . هذا الصادق الأمين . كلنا رضينا بحكمه .
واقبلوا إليه يحدثوه
قالوا :أيها الصادق الأمين .
لقد بلغ من القوم كذا وكذا . فاتفقنا أن أول من يدخل علينا أن يحكم بيننا .
قال لهم . *وكلكم تسمعون لحكمي .*
قالوا نرضى بما تحكم .
*قام ﷺ ولم يشاور أحد ولم يتكلم بكلمة . فوضع ثوبه على الأرض وحمل الحجر ووضعه على الثوب ثم نظر بقريش مجتمعين .*
وقال . *فليقم الي شيخ كل قبيلة فيكم .*
فقاموا وكأنهم جنود أو خدم عنده .
قال لهم . *ليأخذ كل واحد منكم طرف من الثوب .*
فاخذ كل واحد منهم طرف من الثوب .
قال لهم . *انهضوا به جميعا واقتربوا بالحجر من البيت .*
فلما اقتربوا أخذ الحجر ﷺ بيديه الشريفتين ووضعه مكانه .
فصاح الجميع بصوت واحد بوركت يا محمد .
بوركت من عاقل بوركت أيها الصادق الأمين .
لقد فطم الله على يديك الشر .
فاصبح له ﷺ الفضل على قريش كلها .
هذا الكلام قبل البعثة ب 5 سنوات وكان عمره 35 سنه .
عاد ﷺ إلى بيته فوجد أن خديجة رضي الله عنها قد ولدت وانجبت بنت .
حملها ﷺ ثم ضمها إلى صدره وقبلها وأخذ يشمها وقال *هذه ريحانة .*
وسماها فاطمة لأن الله فطم يومها الشر بين القوم ساعة مولدها رضي الله عنها.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
الحلقة السابع والعشرون
*تجديد بناء الكعبة المشرفة .*
تزامن اتفاق قريش على تجديد بناء الكعبة المشرفة مع حمل السيدة خديجة رضي الله عنها بفاطمة رضي الله عنها .
كانت امرأة من قريش تطوف حول الكعبة المشرفة وبيدها مبخرة فيها جمر .
كانت تطوف وتبخر الكعبة فوقعت جمرة وعلقت بكسوة الكعبة فاشتعلت واحترقت الكسوة .
وكان سقف الكعبة والأعمدة من الداخل من الخشب فاحترق ولم يبقى إلا الجدران لأنها من الحجارة .
ومن قوة الحريق تصدعت جدران الكعبة .
وبعد شهر جاء موسم الأمطار فهطلت بغزارة وتشكلت السيول وتدفقت إلى الكعبة .
ولأنها بوادي فقد دخلت السيول إلى جوف الكعبة .
هنا تصدعت الجدران وبدأت تنهار وتتساقط الحجارة فصار أهل مكة لا يطوفون حول الكعبة خوفا من سقوط الحجارة عليهم .
وبعد فترة حاول لص سرقة الكنز الذي في الكعبة فدخل من الباب الثاني للكعبة .
كان للكعبة بابان :
الباب المعروف حاليا والباب الثاني مقابل الركن اليماني .
"قبل فترة وعبر وسائل الإعلام وأثناء الريح الشديدة ارتفع ستار الكعبة فظهر للناس مكان الباب الثاني وقد أغلق بالحجارة"
دخل هذا اللص من الباب الثاني إلا أنه سقط في البئر ولم يستطع الخروج فاستنجد وصرخ حتى سمعه الناس وساعدوه على الخروج .
هذه الأسباب جعلت قريش تفكر بتجديد بناء الكعبة .
فاتفقوا على رفع باب الكعبة وإغلاق الباب الثاني حفاظآ على كنز الكعبة حتى لايسرق ...
صحيح أن قريش كانوا مشركين لكنهم كانوا يعبدون الله ولكنهم يشركون في عبادتهم الأصنام .
يعلمون أن الله هو خالق كل شيء ويتضرعون بالأصنام ليتقربو بها إلى الله تعالى .
*أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)*
سورة الزمر .
كانوا يعظمون شعائر الله وكانت الكعبة حجارة فوق بعضها البعض من غير طين .
وخافوا أن ينزلوا هذه الحجارة .
وتذكروا جيش أبرهة قبل 35 عام عندما جاء لهدم الكعبة فقد شاهدوه بأعينهم وكيف فعل الله به وجيشه .
ولم يجرؤ أحد منهم على مس حجر من الكعبة لإنزاله .
لم يكن عندهم مواد البناء لتجديد الكعبة .
فهيأ الله لهم أسباب هذا العمل .
سمعوا أن هناك على شاطيء جدة سفينة أرسلها قيصر الروم وبها فنان بالبناء وكان نجار ماهر .
كان قيصر الروم قد أرسل هذه السفينة لترميم كنيسة بالحبشة حرقها الفرس .
فلما كانت قريبة من شاطيء جدة دفعتها الرياح إلى الساحل وتحطمت وسقطت كل الأمتعة التي بها .
وصل الخبر إلى قريش فاسرعوا والتقوا بهذا البناء وحدثوه بالموضوع .
فقال لهم . السفينة تحطمت ولن أستطيع أن أكمل المشوار وهذا عذري عند قيصر .
قالوا له . نشتري منك الأخشاب لتجديد بناء الكعبة وتأتي وتكون أنت المشرف على البناء .
واتفقوا معه على ذلك .
شرعوا بتجديد بناء الكعبة وقسموا الكعبة أجزاء .
الجدار الذي به باب الكعبة المعروف حتى الآن أخذته "بني عبدمناف" قبيلة النبي ﷺ .
الجدار الذي فيه حجر اسماعيل أخذته قبيلة "بني عبدالدار"
الجدار الذي بين الركن اليماني والحجر الأسود أخذته قبيلة "بني مخزوم"
الجدار الرابع وهو ظهر الكعبة "أي خلف باب الكعبة مباشرة" أخذته "باقي قبائل قريش"
فأنزلوا باقي حجارة الكعبة حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم عليه السلام .
أزالوا عنها الغبار فوجدوها حجارة خضراء ماكانت سوداء كباقي حجارة الكعبة .
ووجدوا حتى شكلها يختلف عن كل الحجارة التي يعرفها الناس .
كان لونها أخضر كالربيع وأشكالها كأسنمة البخت "محدبة وداخلة ببعضها ومتشابكة كالأصابع"
فقالوا . هذه قواعد إبراهيم عليه السلام.
فأراد أحدهم أن يختبر صلابتها فخرج منها شرار كاد أن يخطف أبصارهم .
قال أحدهم واهتزت مكة كلها كالزلزال حتى خافوا أن تقع الجبال عليهم .
فصاحوا جميعآ اتركوا قواعد إبراهيم عليه السلام .
لاتقربوا قواعد ابراهيم .
"هذه القواعد تنسب لابراهيم عليه السلام ولكن ليس سيدنا إبراهيم من وضعها"
سيدنا ابراهيم هو من جدد البناء عليها .
*وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)*
سورة البقرة .
إبراهيم عليه السلام هو من جدد البناء وليس من وضع القواعد لأن من وضع القواعد للبيت على الأرض هو جبريل عليه السلام قبل أن يخلق آدم عليه السلام وينزل إلى الأرض بأمر من الله عزوجل .
قبل أن يبدأوا بالبناء قال واحد منهم .
"إياكم أن يدخل في بناء الكعبة إلا المال الطيب الحلال فلا يدخل في بنائها ربا ولا مظلمة لأحد من الناس"
هذا يعني أنهم كانوا يعرفون أن الربا حرام لأنهم كانوا على بقية شريعة ابراهيم ولكن أشركوا في عبادة الله الأصنام .
لأن أكثر الأموال التي لديهم من الحرام كأغلب الناس هذه الايام من الربا وأموال البنوك والسرقة والرشوة. نسأل الله السلامة والعافية.
رأوا أن الأموال الحلال التي جمعوها قليلة لاتكفي أجرة البناء فاختصروا بناء الكعبة واخرجوا حجر اسماعيل منها .
فصنعوا جدارا دائريا على الشكل الذي نراه حاليا حتى يعرف الناس أن الطواف خارج هذا الجدار الدائري خارج مساحة الكعبة المشرفة أساسا .
جاء في الصحيحين أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت .
يارسول الله أدخلني الكعبة .
فأخذ بيدها ﷺ وأدخلها حجر اسماعيل وقال لها .
*صلي هاهنا فانها كعبة . غير أن قومك ضاقت بهم النفقة الطيبة حتى يتموا بناءها فأخرجوه منها . ولولا أنهم حديثوا عهد بكفر "خرجوا من الكفر ودخلوا الاسلام حديثآ" لأمرت بنقضها وبنائها على قواعد ابراهيم عليه السلام . لكن الله قدر وما شاء فعل .*
وبقيت الكعبة على الشكل الحالي الذي نراه اليوم .
جمعت قريش المال الحلال وبدأت بالبناء واخذوا ينقلون الحجارة .
كان ﷺ يعمل مع أعمامه بهذا العمل المشرف لأن قريش تعتبر هذا العمل شرف عظيم .
فأخذ ﷺ ينقل الحجارة ويحملها مع أعمامه .
وكان رفيقة في العمل عمه العباس رضي الله عنه .
كان قريبا منه بالعمر وكان يمشي مع النبي ﷺ ذهابآ وايابآ في نقل الحجارة .
كانت قريش لاتهتم إذا انكشفت عوراتهم .
كانوا لايعرفون "البنطال" .
كان لباسهم عبارة عن قطعة قماش تلف حول الجسم تسمى "وزرة"
كان الواحد منهم إذا أراد العمل يلف ثوبه إلى رقبته فتنكشف عورته .
حتى كان بعض الناس يعتقدون أن الطواف حول الكعبة لايقبل إلا وهو عاري من الثياب لاعتقادهم أن هذه الملابس قد عصي الله بها فلا يقبل طاعتنا .
كانوا يذهبون إلى حجر اسماعيل يحطم بعضهم البعض من الازدحام فاكتسب اسمه "الحطيم" يخلع أحدهم ثيابه ويطوف حول الكعبة عاري كما انجبته أمه .
اثناء العمل نظر العباس فرأى الحجارة تؤذي رقبة رسول الله ﷺ .
قال له . يا ابن اخي ضع إزارك على عاتقك .
استحى ﷺ أن يرد كلام عمه لأن عمه قال ذلك من خوفه عليه ﷺ .
فرفع ﷺ طرف ثوبه فبدت عورته .
فتفاجأوا بالنبي ﷺ يقع على الأرض مغشيآ عليه وهو يصيح إزاري إزاري .
ورد في الصحيحين عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال .
لما بنيت الكعبة ذهب النبي ﷺ وعمه العباس ينقلان الحجارة .
فقال العباس للنبي ﷺ اجعل ازارك على رقبتك يقيك من الحجارة .
فخر ﷺ إلى الأرض مغشيآ عليه وطمحت عيناه الى السماء .
ثم أفاق وقال . إزاري إزاري . فشد عليه ازاره ﷺ .
وأخذت قريش تبني الكعبة . كل قبيلة بالقسم الذي اتفق عليه حتى وصلوا لموضع الحجر الاسود بالزاوية المخصصة له .
وهنا وقع خلاف كبير بين القبائل .
الحجر الأسود والزاوية المخصصة التي تقع بين "بني عبدمناف" و "بني مخزوم" .
وكل قبيلة تريد شرف وضع الحجر الأسود في مكانه وتدخلت قبيلة "بني الدار" أيضآ تريد هي وضع الحجر الأسود مكانه .
ودهاجت القبائل وماجت وارتفعت اصواتهم بالتحدي ووقع خلاف كبير بينهم .
*ماهو الحجر الاسود .*
هو حجر ليس كمثل أي حجر في الدنيا .
هذا الحجر جلس عليه ابونا آدم عليه السلام لما هبط من الجنة .
وهذا أحد الاقوال .
ورد في الصحيحين أن النبي ﷺ قال .
*كان أبيض شفافآ يرى ظاهره من باطنه . يقرأ الكتاب منه "لو وضعت كتابا خلف الحجر يمكنك قراءة الكلمات من خلاله"*
قالوا وكيف اسود يارسول الله .
قال ﷺ . *اسود من خطايا بني آدم . أما علمتم أن من استلم الركن حطت خطاياه عنه عند الحجر كما تحط اوراق الشجر عن امها في فصل الخريف .*
*وأن هذا الحجر يبعث يوم القيامة وله عينان وله شفتان وله لسان زلق يشهد لمن استلمه من أهل التوحيد .*
ولما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض كانت الكعبة موجودة وامره الله تعالى أن يسعى بها ويطوف بها تقربا إلى الله تعالى ثم بقي الحجر بها .
فلما أمر الله ابراهيم عليه السلام ببناء الكعبة .
امره أن يضع الحجر في هذا المكان بالضبط من أجل أن يكون بداية للطواف حول الكعبة .
تنازعت كل قبائل قريش على وضع الحجر الأسود في مكانه ووقع الخلاف بينهم .
أما النبي ﷺ فقد انسحب من بينهم لأنه لايحب الخلافات واتجه إلى بيته .
جلس رسول الله ﷺ في بيته عدة أيام .
تعطل البناء لأنه لايمكن متابعة البناء حتى يوضع الحجر الاسوك مكانه .
ولما طال الخلاف بينهم اجتمعت بني مخزوم مع بعضهم سرا .
ثم ذبحوا جدي وغمسوا أيديهم في دمه وصاروا يلحسوا أصابهم من الدم .
وقالوا . نحن لعقة الدم . "نحن فرسان والذي يقرب من الحجر الأسود نشرب من دمه"
نعاهد رب البرية أننا سنضع الحجر الأسود غدآ في مكانه وإن اقترب منه أحد قطعنا عنقه .
في الصباح اتجهت كل قبيلة إلى الكعبة ولا تعلم كل قبيلة بنوايا القبيلة الأخرى .
وقف كبير بني مخزوم وقال . نحن فعلنا كذا وكذا . والذي يقترب من الحجر الأسود قطعنا عنقه .
ووقف ابوطالب وقال ونحن فعلنا كذا وكذا والذي يقترب من الحجر الأسود قتلناه بالسيف .
وقفوا كل القبائل ماسكين سيوفهم واشتد الخلاف والغضب بينهم .
فوقف كبيرهم بالسن ورفع يده "كانوا يحترمون الكبير بالسن كثيرا"
وقال : لما التفاني يا قريش
"لماذا تذبحوا بعضكم ياقريش"
يريد أن يبعدهم عن الشر ويحقن الدماء .
قالوا بما تشير علينا .
قال . نجلس جميعا وننظر إلى باب بني شيبة .
وأول رجل يدخل علينا رضينا بحكمه كيفما كان .
"باب بني شيبة هو الذي من جهة المسعى والناس تدخل منه إلى البيت الحرام للطواف"
قالوا جميعا بصوت واحد رضينا .
هل رأيتم مثل هذا : رجال شرسون يلعقون الدماء وعقولهم مثل عقول العصافير .
لنفترض أن مجنونا دخل عليهم هل كانوا يرضون بحكمه ...
ولكن الله يريد بهذا ليريهم قدر هذا النبي ﷺ قبل البعثة .
كان النبي ﷺ في بيته وحضرت السيدة خديجة الولادة في بطنها الرابع وبدأت النساء يحضرن لبيتها .
فاستحى ﷺ وغادر البيت واتجه إلى الحرم يستطلع أخبار قريش وما الذي حصل معهم .
قريش ورجالاتها جالسون يراقبون من الذي سيدخل أول واحد من باب بني شيبة ليحكم بينهم .
*فإذا بهم بالطلعة المحمدية ﷺ بوقاره وهدوئه يطل عليهم من باب بني شيبة .*
وثب الجميع وهتفوا جميعا محمد هذا ابن سيد قومه . هذا الصادق الأمين . كلنا رضينا بحكمه .
واقبلوا إليه يحدثوه
قالوا :أيها الصادق الأمين .
لقد بلغ من القوم كذا وكذا . فاتفقنا أن أول من يدخل علينا أن يحكم بيننا .
قال لهم . *وكلكم تسمعون لحكمي .*
قالوا نرضى بما تحكم .
*قام ﷺ ولم يشاور أحد ولم يتكلم بكلمة . فوضع ثوبه على الأرض وحمل الحجر ووضعه على الثوب ثم نظر بقريش مجتمعين .*
وقال . *فليقم الي شيخ كل قبيلة فيكم .*
فقاموا وكأنهم جنود أو خدم عنده .
قال لهم . *ليأخذ كل واحد منكم طرف من الثوب .*
فاخذ كل واحد منهم طرف من الثوب .
قال لهم . *انهضوا به جميعا واقتربوا بالحجر من البيت .*
فلما اقتربوا أخذ الحجر ﷺ بيديه الشريفتين ووضعه مكانه .
فصاح الجميع بصوت واحد بوركت يا محمد .
بوركت من عاقل بوركت أيها الصادق الأمين .
لقد فطم الله على يديك الشر .
فاصبح له ﷺ الفضل على قريش كلها .
هذا الكلام قبل البعثة ب 5 سنوات وكان عمره 35 سنه .
عاد ﷺ إلى بيته فوجد أن خديجة رضي الله عنها قد ولدت وانجبت بنت .
حملها ﷺ ثم ضمها إلى صدره وقبلها وأخذ يشمها وقال *هذه ريحانة .*
وسماها فاطمة لأن الله فطم يومها الشر بين القوم ساعة مولدها رضي الله عنها.
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....