- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة و الأربعون بعد المائة *144*
*مأساة بئر معونة / كاملة .*
بعد فاجعة "الرجيع "
وقد استشهد الصحابة رضي الله عنهم بعد أن ذهبوا ليعلموهم هذا الدين فغدروا بهم وكان من أمرهم ماكان ...
وقد وقعت هذه الحادثة بعد معركة أحد ب أربعة أشهر تقريباً
وقبل أن يخرج هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الذين استشهدوا
كان أيضاً قد قدم على النبي ﷺ قبلها بيوم أو بعدها بيوم رجل آخر من "بني عامر" من أهل نجد كنيته "أبو البراء"
قدم هذا الرجل "أبو البراء" من قبيلة بني عامر
أما اسمه الحقيقي "عامر بن مالك"
ويلقب بإسم "مُلاعبِ الأسنَّة" لأنه كان ماهر جداً في القتال .
فكان يقاتل بسيفين وكان يقاتل بالسيف والحربة
يتلاعب بالسلاح بيديه من شدة مهارته فسمي "مُلاعب الأسنّّة"
حتى عرف بين العرب بهذا اللقب ....
وبلغ من شهرته أنه صار مثلاً بينهم ...
يقولون : هذا الفارس قوي كأنه مُلاعب الأسنَّة .
قدم إلى المدينة هذا الرجل "أبو البراء ملاعب الأسنَّة" وكان قد شاخ وتقدم بالعمر .
فأخذ الزعامة منه ابن أخيه واسمه "عامر بن الطفيل"
قدم "أبو البراء" إلى المدينة و كان شيخ كبير وقدم هدية إلى الرسول ﷺ .
ودعاه النبي ﷺ إلى الإسلام . فلم يسلم ولم يرفض الإسلام .
كان "أبو البراء" مقتنع بالإسلام .
ولكنه لم يسلم خوفاً على مكانته في قبيلته لأنه من سادة قومه .
فقال أبو البراء : يا محمد إني أرى أمرك هذا حسنٌ شريف .
"أي هذا الدين الذي تدعو إليه حسن شريف"
فلو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك فإني أرجو أن يستجيبوا لك .
"لأنه يريد لقومه أن يسلموا ويسلم معهم هو أيضاً "
فقال له النبي ﷺ : إني أخشى عليهم أهل نجد .
فقال له أبو البراء : أنا جارٌ لهم.
"لأنه كبير قومه وله كلمة مسموعة قال هم في حمايتي"
وكان الجوار معروف عند العرب جميعاً .
فالجوار من العار عند العرب أن ينتهك .
استجاب الرسول ﷺ لأبي البراء ثم انطلق أبو البراء وسبقهم إلى نجد وأخبر ابن أخيه سيد قومه "عامر بن الطفيل"
قال له : يا أبن أخي سيحضر أصحاب محمد وإني قد أجرتهم حتى يبلغوا دعوته .
واختار النبي ﷺ من أصحابه 70 من شباب الصحابة رضي الله عنهم ليخرجوا لنجد يدعوهم إلى الإسلام .
اختار 10 من الصحابة رضي الله عنهم لقبيلتي "عضل والقارة" واختار 70 "لبني عامر"
هؤلاء السبعين من الصحابة رضي الله عنه الذي اختارهم النبي ﷺ يطلق عليهم "القراء"
*لماذا هذا اللقب .*
كانوا هؤلاء الشباب من الصحابة رضي الله عنهم إذا صلوا العشاء مع النبي ﷺ لا يذهبوا لبيوتهم
بل ينطلقوا إلى أطراف المدينة عند البساتين وقد اتخذوا معلم لهم للقرآن الكريم من كبار الصحابة رضي الله عنهم
فيحفظون القرآن الكريم عليه حتى يتقنونه كما أنزل .
فلا يدعون آية تنزل إلا حفظوها وتفقّهو فيها وقاموا الليل يصلون بها .....
حتى إذا كان الفجر استعذبوا من الماء قبل أن تخلطه أيدي الناس "أي قبل ما يتعكر"
فملؤوا القربة وأحتطبوا وجاؤوا به إلى حجرات أزواج النبي ﷺ .
فكانوا ينصبون من أنفسهم وكأنهم خدم لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يشعر بهم أحد ....
فما أن يطلع الفجر كانت أوعية الماء أمام حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
وإذا بالحطب امام الحجرات أيضاً .
ويشهدون الفجر جماعة مع رسول الله ﷺ .
رضي الله عنهم أجمعين
اختلف في عددهم :
قيل كانوا 70 رجل . وقيل 40 .
والذي جزم أنهم 40 في الحديث الصحيح والبقية كانوا تبعاً لهم من خدمهم .
أنتدب الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الفئة الطيبة التي تقوم الليل وتقرأ القرآن الكريم ليكونوا خير دعاة "لبني عامر"
وكتب لهم النبي ﷺ كتاب "لبني عامر" وأرسله معهم .
فخرجوا في الوقت الذي خرجت به أصحاب عضل والقارة ( الرجيع)
فأصحاب "عضل والقارة" خرجوا إلى جهة "مكة" .
وهؤلاء القرآء أخذوا طريق نجد إلى "بني عامر" .
وكان كما قلنا "أبو البراء" قد سبقهم وأخذ لهم العهد عند قومه ...
حتى وصلوا عند بئر يطلق عليه "بئر معونة"
ومن أدب الصحابة رضي الله عنهم وقفوا عند البئر ولم يدخلوا كلهم دفعة واحدة إلى "بني عامر"
بل أرسلوا حامل الكتاب إلى سيد القوم "عامر بن الطفيل"
فأرسلوا : "حرام بن ملحان رضي الله عنه" ليخبروه أننا نحن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وأن أبو البراء عمك أخذ لنا العهد والجوار ....
فلما دخل حامل الكتاب على "عامر بن الطفيل" وكان عامر هذا سيء الخلق جداً .
فلما دخل عليه وعرف بنفسه ومد الكتاب إليه .
فلم يلتفت إليه وقال : ماحاجتكم ؟
قال له : لسنا أصحاب حاجة!!
ولكننا ارسلنا بأمر من نبينا إلى قومكم ندعوهم إلى هذا الدين وقد أخذ لنا عمك أبو البراء "ملاعب الأسنة" عهداً وجوار .
إني رسول رسول الله إليكم .
ندعوكم إلى لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله
فآمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
فبينما هو يتكلم معه أشار "ابن الطفيل" إلى أحد رجاله "جبار بن سلمي" فطعنه بالحربة في ظهره وخرجت من بطنه .
فأخذ هذا الصحابي الجليل "حرام بن ملحان" يمسح الدم الذي ينزف منه بيده ، ويدهن به وجهه....
وهو يقول : الله أكبر الله أكبر فزت وربِ الكعبة حتى فاضت روحه ...
فأستغرب الذي طعنه يقول فزت ؟
قتلته ويقول فزت .
تعجب وأخذ يسأل ما الذي فاز به ؟
أولستُ قد قتلته ؟
فقالوا له : إنها الشهادة عند المسلمين .
فقال "جبار" : نعم فاز والله .
ثم ذهب "جبار" إلى المدينة وأسلم.
فكان قتل الصحابي من سوء أخلاق "عامر بن طفيل" لأنه :
أولاً : رد جوار عمه "أبو البراء"
"لم يحترم عمه مع أنه كل بني عامر تحترم عمه"
ثانياً :
هو قتل رسول... والرسل لا تقتل"
وكانت هذه قاعدة عند العرب وعند كل الدول وحتى الآن .
وبعد قتل هذا الصحابي خرج "عامر بن الطفيل" إلى قومه وهو سيد القوم و زعيمهم
ثم قال لهم : استعدوا معي لنذهب لبئر معونة ونقتل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فرفض قومه الخروج معه "لأنهم يحترموا عمه أبو البراء جميعاً ويحبونه ولا ينقضون عهده وجواره"
فلما رفض القوم دعوة سيدهم "عامر بن الطفيل"
ذهب إلى القبائل حوله وجمع ثلاثة قبائل معه وانطلقوا إلى المسلمين عند "بئر معونة"
وأخذوا يقاتلونهم .
أخذ المسلمون سيوفهم ودافعوا عن أنفسهم ولكنهم قتلوهم عن آخرهم ولم يبق إلا "كعب بن زيد" الذي جرح وظنوه قد قتل ولكنه عاش ...
ثم مات شهيداً بعد ذلك بعام واحد في غزوة الخندق .
كان اثنين من الصحابة قد تأخرا عنهما في الطريق
وهما "المنذر بن عقبة وعمرو بن أمية"
فوجدوا الطيور تحوم في السماء فوق معسكر المسلمين عند بئر معونة .
فقالا : والله إن لهذه الطيور لشأن .
وأسرعا إلى أصحابهم فوجدوهم قد قتلوا .
فانطلقا يقاتلان هما أيضًا
فقتل "المنذر بن عقبة" ووقع "عمرو بن أمية" في الأسر
ثم أعتقه "عامر بن طفيل" ولم يقتله .
"لأن أمه كان عليها عتق رقبة فأعتق لها عمرو بن أمية"
وانطلق "عمرو بن أمية" رضي الله عنه راجعاً إلى المدينة .
وفي الطريق رأى رجلين وعلم أنهما من "بني عامر" نزلا تحت ظل شجرة .
فلما ناما قتلهما "عمرو بن أمية" ثأرآ للصحابة رضي الله عنهم
لكن هذان الرجلين كان معهما عهداً من النبي ﷺ وهو لا يعلم بذلك ....
فلما عاد إلى النبي ﷺ وأخبره .
قال له ﷺ *قد قتلت قتيلين لأدينَّهما .* "اي سأدفع ديتهم"
وكان ذلك من مكارم أخلاقه ﷺ .
فقد جاءه ﷺ خبر هذين القتيلين مع خبر استشهاد السبعين من صحابته رضي الله عنهم..
ومع كل هذا أراد أداء الدية لهذين القتيلين اللذين قُتلا عن طريق الخطأ .
وصل الخبر لرسول ﷺ في المدينة ...
فكانت فاجعة ومأساة
"عضل والقارة ، وبئر معونة" في نفس التوقيت .
كانت مأساة شديدة على رسول الله ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم..
وغلب الحزن الشديد على الرسول ﷺ وعلى المسلمين .
و ربما كان حزنهم أكثر من أحد
لأن في معركة أحد كانت هناك مواجهة وكان هناك قتلى من المشركين وجرحى .
وهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم قتلوا بالغدر .
ومن شدة حزن الرسول ﷺ أخذ يدعوا عليهم شهراً كاملاً .
يرفع يديه في الدعاء حتى يسقط ردائه عن منكبيه .
ومن هنا أخذ دعاء القنوت .
لم يشرع دعاء القنوت قبل هذه الواقعة أي أنه يدعو بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة .
*نرجع لبئر معونة ...*
أما "أبو البراء ملاعب الأسنة" أصابه غيظ شديد لأنها انتهك جواره من ابن أخيه .
هناك روايات .
*الأولى ...*
أنه رجع للنبي ﷺ يعتذر عن ما فعله ابن أخيه فقبل النبي عذره .
ثم أسلم وكان من الصحابة ..
*الثانية ...*
أنه أرسل من طرفه رسولاً يعتذر ويعلن إسلامه .
ثم مات غيظاً وقهراً لأنه انتهك جواره مع أصحاب النبي ﷺ .
من هنا نعلم من حادثة "الرجيع وبئر معونة" : أن النبي ﷺ لايعلم "الغيب المطلق" إلا ما أطلعه الله عليه .
لم يكن ﷺ يعلم أن أصحابه رضي الله عنهم سيصيبهم ذلك .
ولكنه كان متخوفاً عليهم وحذر وأخذ بالأسباب ولكن لا رآد لقضاء الله تعالى..
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى....
الحلقة الرابعة و الأربعون بعد المائة *144*
*مأساة بئر معونة / كاملة .*
بعد فاجعة "الرجيع "
وقد استشهد الصحابة رضي الله عنهم بعد أن ذهبوا ليعلموهم هذا الدين فغدروا بهم وكان من أمرهم ماكان ...
وقد وقعت هذه الحادثة بعد معركة أحد ب أربعة أشهر تقريباً
وقبل أن يخرج هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الذين استشهدوا
كان أيضاً قد قدم على النبي ﷺ قبلها بيوم أو بعدها بيوم رجل آخر من "بني عامر" من أهل نجد كنيته "أبو البراء"
قدم هذا الرجل "أبو البراء" من قبيلة بني عامر
أما اسمه الحقيقي "عامر بن مالك"
ويلقب بإسم "مُلاعبِ الأسنَّة" لأنه كان ماهر جداً في القتال .
فكان يقاتل بسيفين وكان يقاتل بالسيف والحربة
يتلاعب بالسلاح بيديه من شدة مهارته فسمي "مُلاعب الأسنّّة"
حتى عرف بين العرب بهذا اللقب ....
وبلغ من شهرته أنه صار مثلاً بينهم ...
يقولون : هذا الفارس قوي كأنه مُلاعب الأسنَّة .
قدم إلى المدينة هذا الرجل "أبو البراء ملاعب الأسنَّة" وكان قد شاخ وتقدم بالعمر .
فأخذ الزعامة منه ابن أخيه واسمه "عامر بن الطفيل"
قدم "أبو البراء" إلى المدينة و كان شيخ كبير وقدم هدية إلى الرسول ﷺ .
ودعاه النبي ﷺ إلى الإسلام . فلم يسلم ولم يرفض الإسلام .
كان "أبو البراء" مقتنع بالإسلام .
ولكنه لم يسلم خوفاً على مكانته في قبيلته لأنه من سادة قومه .
فقال أبو البراء : يا محمد إني أرى أمرك هذا حسنٌ شريف .
"أي هذا الدين الذي تدعو إليه حسن شريف"
فلو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك فإني أرجو أن يستجيبوا لك .
"لأنه يريد لقومه أن يسلموا ويسلم معهم هو أيضاً "
فقال له النبي ﷺ : إني أخشى عليهم أهل نجد .
فقال له أبو البراء : أنا جارٌ لهم.
"لأنه كبير قومه وله كلمة مسموعة قال هم في حمايتي"
وكان الجوار معروف عند العرب جميعاً .
فالجوار من العار عند العرب أن ينتهك .
استجاب الرسول ﷺ لأبي البراء ثم انطلق أبو البراء وسبقهم إلى نجد وأخبر ابن أخيه سيد قومه "عامر بن الطفيل"
قال له : يا أبن أخي سيحضر أصحاب محمد وإني قد أجرتهم حتى يبلغوا دعوته .
واختار النبي ﷺ من أصحابه 70 من شباب الصحابة رضي الله عنهم ليخرجوا لنجد يدعوهم إلى الإسلام .
اختار 10 من الصحابة رضي الله عنهم لقبيلتي "عضل والقارة" واختار 70 "لبني عامر"
هؤلاء السبعين من الصحابة رضي الله عنه الذي اختارهم النبي ﷺ يطلق عليهم "القراء"
*لماذا هذا اللقب .*
كانوا هؤلاء الشباب من الصحابة رضي الله عنهم إذا صلوا العشاء مع النبي ﷺ لا يذهبوا لبيوتهم
بل ينطلقوا إلى أطراف المدينة عند البساتين وقد اتخذوا معلم لهم للقرآن الكريم من كبار الصحابة رضي الله عنهم
فيحفظون القرآن الكريم عليه حتى يتقنونه كما أنزل .
فلا يدعون آية تنزل إلا حفظوها وتفقّهو فيها وقاموا الليل يصلون بها .....
حتى إذا كان الفجر استعذبوا من الماء قبل أن تخلطه أيدي الناس "أي قبل ما يتعكر"
فملؤوا القربة وأحتطبوا وجاؤوا به إلى حجرات أزواج النبي ﷺ .
فكانوا ينصبون من أنفسهم وكأنهم خدم لبيوت النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يشعر بهم أحد ....
فما أن يطلع الفجر كانت أوعية الماء أمام حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
وإذا بالحطب امام الحجرات أيضاً .
ويشهدون الفجر جماعة مع رسول الله ﷺ .
رضي الله عنهم أجمعين
اختلف في عددهم :
قيل كانوا 70 رجل . وقيل 40 .
والذي جزم أنهم 40 في الحديث الصحيح والبقية كانوا تبعاً لهم من خدمهم .
أنتدب الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الفئة الطيبة التي تقوم الليل وتقرأ القرآن الكريم ليكونوا خير دعاة "لبني عامر"
وكتب لهم النبي ﷺ كتاب "لبني عامر" وأرسله معهم .
فخرجوا في الوقت الذي خرجت به أصحاب عضل والقارة ( الرجيع)
فأصحاب "عضل والقارة" خرجوا إلى جهة "مكة" .
وهؤلاء القرآء أخذوا طريق نجد إلى "بني عامر" .
وكان كما قلنا "أبو البراء" قد سبقهم وأخذ لهم العهد عند قومه ...
حتى وصلوا عند بئر يطلق عليه "بئر معونة"
ومن أدب الصحابة رضي الله عنهم وقفوا عند البئر ولم يدخلوا كلهم دفعة واحدة إلى "بني عامر"
بل أرسلوا حامل الكتاب إلى سيد القوم "عامر بن الطفيل"
فأرسلوا : "حرام بن ملحان رضي الله عنه" ليخبروه أننا نحن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وأن أبو البراء عمك أخذ لنا العهد والجوار ....
فلما دخل حامل الكتاب على "عامر بن الطفيل" وكان عامر هذا سيء الخلق جداً .
فلما دخل عليه وعرف بنفسه ومد الكتاب إليه .
فلم يلتفت إليه وقال : ماحاجتكم ؟
قال له : لسنا أصحاب حاجة!!
ولكننا ارسلنا بأمر من نبينا إلى قومكم ندعوهم إلى هذا الدين وقد أخذ لنا عمك أبو البراء "ملاعب الأسنة" عهداً وجوار .
إني رسول رسول الله إليكم .
ندعوكم إلى لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله
فآمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
فبينما هو يتكلم معه أشار "ابن الطفيل" إلى أحد رجاله "جبار بن سلمي" فطعنه بالحربة في ظهره وخرجت من بطنه .
فأخذ هذا الصحابي الجليل "حرام بن ملحان" يمسح الدم الذي ينزف منه بيده ، ويدهن به وجهه....
وهو يقول : الله أكبر الله أكبر فزت وربِ الكعبة حتى فاضت روحه ...
فأستغرب الذي طعنه يقول فزت ؟
قتلته ويقول فزت .
تعجب وأخذ يسأل ما الذي فاز به ؟
أولستُ قد قتلته ؟
فقالوا له : إنها الشهادة عند المسلمين .
فقال "جبار" : نعم فاز والله .
ثم ذهب "جبار" إلى المدينة وأسلم.
فكان قتل الصحابي من سوء أخلاق "عامر بن طفيل" لأنه :
أولاً : رد جوار عمه "أبو البراء"
"لم يحترم عمه مع أنه كل بني عامر تحترم عمه"
ثانياً :
هو قتل رسول... والرسل لا تقتل"
وكانت هذه قاعدة عند العرب وعند كل الدول وحتى الآن .
وبعد قتل هذا الصحابي خرج "عامر بن الطفيل" إلى قومه وهو سيد القوم و زعيمهم
ثم قال لهم : استعدوا معي لنذهب لبئر معونة ونقتل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فرفض قومه الخروج معه "لأنهم يحترموا عمه أبو البراء جميعاً ويحبونه ولا ينقضون عهده وجواره"
فلما رفض القوم دعوة سيدهم "عامر بن الطفيل"
ذهب إلى القبائل حوله وجمع ثلاثة قبائل معه وانطلقوا إلى المسلمين عند "بئر معونة"
وأخذوا يقاتلونهم .
أخذ المسلمون سيوفهم ودافعوا عن أنفسهم ولكنهم قتلوهم عن آخرهم ولم يبق إلا "كعب بن زيد" الذي جرح وظنوه قد قتل ولكنه عاش ...
ثم مات شهيداً بعد ذلك بعام واحد في غزوة الخندق .
كان اثنين من الصحابة قد تأخرا عنهما في الطريق
وهما "المنذر بن عقبة وعمرو بن أمية"
فوجدوا الطيور تحوم في السماء فوق معسكر المسلمين عند بئر معونة .
فقالا : والله إن لهذه الطيور لشأن .
وأسرعا إلى أصحابهم فوجدوهم قد قتلوا .
فانطلقا يقاتلان هما أيضًا
فقتل "المنذر بن عقبة" ووقع "عمرو بن أمية" في الأسر
ثم أعتقه "عامر بن طفيل" ولم يقتله .
"لأن أمه كان عليها عتق رقبة فأعتق لها عمرو بن أمية"
وانطلق "عمرو بن أمية" رضي الله عنه راجعاً إلى المدينة .
وفي الطريق رأى رجلين وعلم أنهما من "بني عامر" نزلا تحت ظل شجرة .
فلما ناما قتلهما "عمرو بن أمية" ثأرآ للصحابة رضي الله عنهم
لكن هذان الرجلين كان معهما عهداً من النبي ﷺ وهو لا يعلم بذلك ....
فلما عاد إلى النبي ﷺ وأخبره .
قال له ﷺ *قد قتلت قتيلين لأدينَّهما .* "اي سأدفع ديتهم"
وكان ذلك من مكارم أخلاقه ﷺ .
فقد جاءه ﷺ خبر هذين القتيلين مع خبر استشهاد السبعين من صحابته رضي الله عنهم..
ومع كل هذا أراد أداء الدية لهذين القتيلين اللذين قُتلا عن طريق الخطأ .
وصل الخبر لرسول ﷺ في المدينة ...
فكانت فاجعة ومأساة
"عضل والقارة ، وبئر معونة" في نفس التوقيت .
كانت مأساة شديدة على رسول الله ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم..
وغلب الحزن الشديد على الرسول ﷺ وعلى المسلمين .
و ربما كان حزنهم أكثر من أحد
لأن في معركة أحد كانت هناك مواجهة وكان هناك قتلى من المشركين وجرحى .
وهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم قتلوا بالغدر .
ومن شدة حزن الرسول ﷺ أخذ يدعوا عليهم شهراً كاملاً .
يرفع يديه في الدعاء حتى يسقط ردائه عن منكبيه .
ومن هنا أخذ دعاء القنوت .
لم يشرع دعاء القنوت قبل هذه الواقعة أي أنه يدعو بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة .
*نرجع لبئر معونة ...*
أما "أبو البراء ملاعب الأسنة" أصابه غيظ شديد لأنها انتهك جواره من ابن أخيه .
هناك روايات .
*الأولى ...*
أنه رجع للنبي ﷺ يعتذر عن ما فعله ابن أخيه فقبل النبي عذره .
ثم أسلم وكان من الصحابة ..
*الثانية ...*
أنه أرسل من طرفه رسولاً يعتذر ويعلن إسلامه .
ثم مات غيظاً وقهراً لأنه انتهك جواره مع أصحاب النبي ﷺ .
من هنا نعلم من حادثة "الرجيع وبئر معونة" : أن النبي ﷺ لايعلم "الغيب المطلق" إلا ما أطلعه الله عليه .
لم يكن ﷺ يعلم أن أصحابه رضي الله عنهم سيصيبهم ذلك .
ولكنه كان متخوفاً عليهم وحذر وأخذ بالأسباب ولكن لا رآد لقضاء الله تعالى..
رضي الله عن الصحابة أجمعين.
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى....