- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة السادسة والأربعون بعد المائة *146*
*غزوة بني النضير .*
*الجزء الثاني .*
استغربوا لماذا رجع النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة
قال لهم حبرهم الذي نصحهم "سلام بن مشكم"
قال : يا حيي تقول أن محمد رجع إلى المدينة .
قال : أجل .
قال : أتعلم لِمَ رجع إلى المدينة وقام من مجلسه ...
قال : لا .
قال : ولكنني أعلم . وأنت وربِ موسى وعيسى تعلم ولكنك رجل مكابر .
لقد جاء الخبر لمحمد من السماء كما قلت لك .
وأنت الآن قد نقضت العهد وانتظر معي ساعة فإن محمد مرسل إليك .
فقال القوم : بماذا تشر علينا يا سلام ؟
قال : أشير عليكم بأمرين ولا ثالث لهما .
*الأمر الأول .*
وهو خير لكم أن تدخلوا في دين الرجل وتسلموا فأنتم أهل الكتاب الأول ....
وأنتم من نسل هارون .
"وكان بني النضير ينتهي نسبهم إلى هارون أخو موسى عليهما السلام"
فإذا أسلمتم سيغفر لكم هذه الزلة وهو لا يقتل رجل دخل دينه .
فتحقنوا دمائكم وأموالكم ويعلو كعبكم بين أصحابه فأنتم أهل كتاب ومن نسل الأنبياء
قال حيي : أما هذه ..... فلا ؟؟
هاتِ الثانية :
*قال أما الأمر الثاني .*
إنه مرسل لك الآن أن اخرج من بلادي .
فاياك ثم إياك أن تعقب على رسوله : "أي لا ترفض أمره" وأجبه بنعم .
فإنك إن لم تفعل لن يقبله منك بعد ذلك ...
فأخرج من بلاده على الفور واحقن دمائك وأموالك
قال القوم جميعاً : هذه نعم
فما أن أتم حبرهم قوله حتى كان "محمد بن مسلمة" يقرع بابهم .
فقال سلام قم يا حيي فافتح الباب لرسول محمد .
ففتح الباب حيي فوجد بالفعل "محمد بن مسلمة"
قال : مرحباً بابن مسلمة "فهو حليفهم وكان صديقهم قبل الإسلام"
ادخل فاجلس يا ابن مسلمة
قال : لا جلوس لي بينكم .
إنما أنا رسول رسول الله إليكم ابلغكم رسالته .
"وتوجه بالكلام إلى سيد القوم حيي و حبرهم سلام"
قال : يا حيي ويا سلام
قالا : نعم
قال : قبل أن أبلغكم رسالة رسول الله .
أنشدكم الله والتوراة التي أنزلت على موسى .
اتذكرون عندما جئتكم يوماً قبل مجيء محمد إلينا ؟
جئت إليكم في مجلسكم هذا وكان بين أيديكم صحفة طعام "سفرة أكل يأكلون"
فقلت لكم إن لي حاجة .
فقلتم لي : اجلس فأطعم أولاً .
فأطعمتموني من طعامكم
وكان "سلام" يحمل كتاب بين يديه "أي التوراة"
فقال : يا ابن مسلمة ما يمنعك أن تدخل في ديننا ؟
فقلت لك : لا حاجة لي في دينكم ولا دين غيركم
فقال لي سلام : إنما يمنعك من اتباع ديننا بسبب سماعك أن رجل سيبعث "بالحنيفية" وهذا وقته وأن مولده مكة .
وأن دياركم هجرته وأن من أوصافه كذا وكذا وكذا .
ولقد أظلكم زمانه فهو مصبحكم أو ممسيكم .
قالوا : اللهم نعم قد قلنا هذا . ولكن ليس صاحبكم هو الذي ننتظر .
فقال بن مسلمة : انتهى معكم ما أريد .
والآن ابلغكم رسالة رسول الله ﷺ
يقول لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قد هممتم بالغدر وكان من أمركم كذا وكذا وكذا وجاءه جبريل عليه السلام بالخبر من السماء .
والآن يقول لكم *لا عهد بيننا*
هو لا يريد قتالكم فاخرجوا من دياره ولا تجاوروه فيها أبداً .
فتعجل حبرهم سلام وقال: نعم
فرد حيي خلفه وقال : نعم .
فوافقوا على الجلاء
قال : قد أمهلكم رسول الله عشراً تستعدوا وتجمعوا أموالكم .
ومن رؤي منكم في المدينة بعدها ضربت عنقه .
قالوا : أجل حباً وكرامة .
أبلغ أبا القاسم أننا على رحيل .
وأخذوا يستعدون و شاع الخبر في المدينة .
ورجع ابن مسلمة للرسول ﷺ يخبره أنهم قبلوا حكمك وهم يستعدون للرحيل .....
سمع بالخبر رأس المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول...
فعز عليه هذا المنافق أن يهاب جناحه ﷺ .
ذُهل ابن سلول بالخبر فقبل أشهر أجليت بني قينقاع وهم حلفائه .
واليوم النضير فمن يبقى ؟؟
فأرسل رسولاً من طرفه فوراً إلى بني النضير .
ثم ذهب وجلس بالمسجد كأنه لم يفعل شيء .
هكذا المنافقون والعملاء على نفس النهج .
في العلانية معنا وضد العدو .
وفي السر هم متحابون مع إخوة القردة والخنازير .
أرسل برسالة إلى حيي ...
قل له : يقول لك "ابن سلول" إياك أن ترحل .
اثبتوا وتمنَّعُوا ولا تخرجوا من دياركم .
فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم .
وإن لي حلفاء من غطفان وهذه اخوانكم بني قريظة كلنا نجتمع عندكم في الحصن ونقاتل معكم حتى نخلص من محمد ومن صحبه ومن دينه .
وإن أجلاكم جلينا معكم
فجاء الخبر إلى حيي وهو يستعد للجلاء والخروج....
وصلته رسالة ابن سلول وهو يقول لك كذا وكذا وكذا .
فسُر بالخبر حيي وقال : إذآ لن نرحل .
وفي ذلك نزل قوله الله تعالى
*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .*
*لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ .*
*لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ .*
شجعهم "عبد الله بن أبي بن سلول" على المقاومة خصوصا أن معهم كذلك يهود "بني قريظة" وكان لهم حلفاء من "غطفان"
فبعث رئيسهم "حي بن أخطب" إلى النبي ﷺ .
*إنَّا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدأ لك*
فلما بلغ النبي ﷺ جواب "حيي بن أخطب" وكان ابن سلول جالس معهم بالمسجد " كأنه لم يعمل شيء "
فلما سمع النبي ﷺ بهذا الخبر
قال : *الله اكبر ...*
فكبر أصحابه من خلفه "دون أن يعرفون ما الخبر .
فكبر النبي ثانية ..... فكبروا
ثم كبر ثالثة ..... فكبروا
ثم قال بعد التكبيرة الثالثة *الآن حاربت نضير .*
"يعني نحن لا نريد هم طلبوا الحرب بأنفسهم"
ثم قال ﷺ : *قم يا بلال وأذن للجهاد .*
فوقف بلال يؤذن .
حي على الجهاد حي على الجهاد .....
فهب الصحابة رضوان الله عليهم كالأسود استعداداً للقتال .
قام الصحابة رضي الله عنهم واستعدوا للجهاد
وقام ابن سلول إلى داره كأنه يريد أن يستعد
وأرسل مرة أخرى إلى حيي .
إياك أن يخيفك هذا .
إذا جدَّ الأمر ستجدنا عندك في حصنك .
ودخل ابن هذا المنافق
"عبدالله بن عبدالله بن أبي سلول" رضي الله عنه
وكان إبنه من خيار الصحابة رضي الله عنهم فقد استخلفه النبي ﷺ يوم بدر على المدينة
"جعله واليآ على المدينة وأبوه أكبر رأس بالمنافقين وإبنه والي رسول الله ومن خيار الصحابة"
فدخل يلبس لباس الحرب ثم نظر إلى أبيه
قال : أراك لا تستعد .
قال : سأستعد فيما بعد .
وخرج المسلمون إلى "بني النضير"
وكان "علي بن أبي طالب" هو الذي يحمل اللواء .
وكانت المسافة من المدينة إلى بني النضير حوالي 3 كم .
لما رأى "بني النضير" جيش المسلمين خافوا منهم ودخلوا إلى حصونهم وكان عددهم 1500 .
وفي ذلك يقول تعالى
*لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ .*
وقد تخلى عن "بني النضير" حلفائهم من "غطفان" وإخوانهم من "بني قريظة"
وتخلى عنهم رأس المنافقين "ابن أبي سلول" الذي كان قد وعدهم بأن يقاتل معهم في ألفين من المنافقين .....
دخل "بني النضير" في حصونهم وتحصنوا فيها وحاصرهم المسلمون .
وأخذوا يرمون المسلمين بالسهام وبالحجارة .
ثم أمر النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم أن يقطعوا و يحرقوا نخيلهم "ليدخل الرعب في قلوبهم"
وقام المسلمون بقطع وحرق بعض نخيل "بني النضير" فقطعوا وحرقوا :
*بهدف بث الرعب في قلوب اليهود وخزي لهم*
فنادى اليهود من فوق حصونهم .
وقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح .
أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر .....
فلم يرد عليهم النبي ﷺ واستمر الصحابة رضي الله عنهم بقطع النخيل وحرقه .
ونزل في هذا قول الله تعالى .
*مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ .*
*مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ....*
هي النخيل لأن التمر وهو ثمرة النخيل ، لين وسهل الأكل وسهل الهضم .
*أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ...*
لأن النبي ﷺ لا يصنع شيء من نفسه إنما يسدده الوحي من السماء بأمر من الله تعالى
واستمر الصحابة رضي الله عنهم يقطعون ويحرقون حتى دخل الرعب لقلوبهم ....
واستمر الحصار 6 ليال فقط .
فلما قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فخرج حييء من على رأس الحصن
وقال : يا محمد سننفذ مطلبك ونرحل كما طلبت .
قال ﷺ *لا اليوم لا أقبله .*
فقال سلام حبرهم لحيي هل جاءك حديثي يا حيي ؟
قلت لك : إن طلب منك الرحيل ولم ترحل لن يقبله منك بعد اليوم .
فقال حيي : وماذا تريد يا أبا القاسم ؟
قال النبي ﷺ *أن تنزلوا على حكم الله ورسوله .*
قال حيي : ما هو الحكم ؟ .
قال ﷺ *أن يقتل المقاتل ويسبى النساء والأطفال .*
فأخذوا يستغيثون ويستجيرون بالنبي ﷺ وأرسلوا بالصبية والنساء يبكون بين يدي النبي ﷺ .....
*فرَّق قلب النبي ﷺ لهم*
على رغم حقدهم وغدرهم رق لهم ﷺ .
فوضع لهم النبي ﷺ شروط على الجلاء والإستسلام
*أن يخرجوا من المدينة . ولا يحملون إلا ما تحمل إبلهم فقط .*
*ولا يحملون معهم السلاح ولا حتى سيفآ واحدا .*
*وخذوا ذريتكم ونساءكم واخرجوا من دياري .*
قال حيي : يا أبا القاسم إن لنا أموال وديون عند الناس
قال له النبي ﷺ *تعجل وضع .*
"يعني خذ ما أمكن :
فكان يأخذ من 100 دينار . عشرة فقط .
ومن 1000 خمسين....
وكانت أمواله كلها من الربا
فنزلوا على ذلك .
فأخذوا معهم ما عز من أموالهم كالذهب والفضة والديباج والحرير وطعام لهم في الطريق .
لأن ليس لهم إلا ما حملته الإبل وكان عدد إبلهم 600 ناقة .
فأرادوا أن يستعيروا إبل
فمنع النبي ﷺ عنهم ذلك .
قال *لكم إبلكم وما حملت من متاع .*
وعز عليهم أن يتركوا ديارهم "معتقدين أن الصحابة رضي الله عنهم سيأخذونها ويسكنونها"
وأخذوا يهدمون بيوتهم "لكي لا يستفيد منها المسلمون"
فحملوا الأبواب والشبابيك وخلعوا الأوتاد وجذوع السقف .
فلما رءآهم النبي ﷺ يفعلون ذلك
قال لأصحابه رضي الله عنهم *ساعدوهم في هدم بيوتهم .*
يعني نحن لا نريد بيوتكم .
فأخذوا هم يهدمون من الداخل والصحابة يهدمون من الخارج
فحملوا متاعهم على 600 بعير .
وتركوا أسلحتهم وكانت 50 درعا و 50 خوذة و 340 سيفا فأخذ المسلمون هذه الأسلحة وأخذوا ديارهم وأرضهم .
وفي ذلك نزل قوله تعالى سورة الحشر .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
*سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .*
"لله العزة ولرسوله وللمؤمنين"
*هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ .*
*مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ .*
وقبل أن يخرجوا قال حيي بن أخطب لقومه والخزي في وجهه
قال : لا نريد أن نخرج أذلة صاغرين... يشمت بنا المسلمون
قالوا له: ماذا نصنع لا نملك إلا ذلك ؟
قال : بل نملك أخرجوا الدفوف ولتلبس النساء زينتها "صيغتها" وليغنينَّ .
ونحن الرجال نخرج نضرب الدفوف في الأسواق على أننا خرجنا فرحين من دياره لا غاضبين ولا نادمين .
وطبعاً هذا العمل لا ينفع بشيء
فخرجوا يضربون الدفوف والنساء تغني ولكن الغيظ يقطع قلوبهم ولا يملك رجل منهم أن يحمل سيفاً واحد .
فقد وقف "محمد بن مسلمة" ومعه 100 رجل من الأنصار يفتشوهم حتى لا تخرج معهم قطعة سلاح واحدة .
وكانوا أكثر يهود سلاحاً
اتجه يهود "بني النضير" إلى الشام *لِأَوَّلِ الْحَشْرِ*
وذهب البعض الآخر ورؤسائهم مثل "حي بن أخطب" إلى خيبر على بعد حوالي 160 كم من المدينة...
ليستعدوا لمواجهة أخرى فيما بعد مع الرسول ﷺ .
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
الحلقة السادسة والأربعون بعد المائة *146*
*غزوة بني النضير .*
*الجزء الثاني .*
استغربوا لماذا رجع النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة
قال لهم حبرهم الذي نصحهم "سلام بن مشكم"
قال : يا حيي تقول أن محمد رجع إلى المدينة .
قال : أجل .
قال : أتعلم لِمَ رجع إلى المدينة وقام من مجلسه ...
قال : لا .
قال : ولكنني أعلم . وأنت وربِ موسى وعيسى تعلم ولكنك رجل مكابر .
لقد جاء الخبر لمحمد من السماء كما قلت لك .
وأنت الآن قد نقضت العهد وانتظر معي ساعة فإن محمد مرسل إليك .
فقال القوم : بماذا تشر علينا يا سلام ؟
قال : أشير عليكم بأمرين ولا ثالث لهما .
*الأمر الأول .*
وهو خير لكم أن تدخلوا في دين الرجل وتسلموا فأنتم أهل الكتاب الأول ....
وأنتم من نسل هارون .
"وكان بني النضير ينتهي نسبهم إلى هارون أخو موسى عليهما السلام"
فإذا أسلمتم سيغفر لكم هذه الزلة وهو لا يقتل رجل دخل دينه .
فتحقنوا دمائكم وأموالكم ويعلو كعبكم بين أصحابه فأنتم أهل كتاب ومن نسل الأنبياء
قال حيي : أما هذه ..... فلا ؟؟
هاتِ الثانية :
*قال أما الأمر الثاني .*
إنه مرسل لك الآن أن اخرج من بلادي .
فاياك ثم إياك أن تعقب على رسوله : "أي لا ترفض أمره" وأجبه بنعم .
فإنك إن لم تفعل لن يقبله منك بعد ذلك ...
فأخرج من بلاده على الفور واحقن دمائك وأموالك
قال القوم جميعاً : هذه نعم
فما أن أتم حبرهم قوله حتى كان "محمد بن مسلمة" يقرع بابهم .
فقال سلام قم يا حيي فافتح الباب لرسول محمد .
ففتح الباب حيي فوجد بالفعل "محمد بن مسلمة"
قال : مرحباً بابن مسلمة "فهو حليفهم وكان صديقهم قبل الإسلام"
ادخل فاجلس يا ابن مسلمة
قال : لا جلوس لي بينكم .
إنما أنا رسول رسول الله إليكم ابلغكم رسالته .
"وتوجه بالكلام إلى سيد القوم حيي و حبرهم سلام"
قال : يا حيي ويا سلام
قالا : نعم
قال : قبل أن أبلغكم رسالة رسول الله .
أنشدكم الله والتوراة التي أنزلت على موسى .
اتذكرون عندما جئتكم يوماً قبل مجيء محمد إلينا ؟
جئت إليكم في مجلسكم هذا وكان بين أيديكم صحفة طعام "سفرة أكل يأكلون"
فقلت لكم إن لي حاجة .
فقلتم لي : اجلس فأطعم أولاً .
فأطعمتموني من طعامكم
وكان "سلام" يحمل كتاب بين يديه "أي التوراة"
فقال : يا ابن مسلمة ما يمنعك أن تدخل في ديننا ؟
فقلت لك : لا حاجة لي في دينكم ولا دين غيركم
فقال لي سلام : إنما يمنعك من اتباع ديننا بسبب سماعك أن رجل سيبعث "بالحنيفية" وهذا وقته وأن مولده مكة .
وأن دياركم هجرته وأن من أوصافه كذا وكذا وكذا .
ولقد أظلكم زمانه فهو مصبحكم أو ممسيكم .
قالوا : اللهم نعم قد قلنا هذا . ولكن ليس صاحبكم هو الذي ننتظر .
فقال بن مسلمة : انتهى معكم ما أريد .
والآن ابلغكم رسالة رسول الله ﷺ
يقول لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قد هممتم بالغدر وكان من أمركم كذا وكذا وكذا وجاءه جبريل عليه السلام بالخبر من السماء .
والآن يقول لكم *لا عهد بيننا*
هو لا يريد قتالكم فاخرجوا من دياره ولا تجاوروه فيها أبداً .
فتعجل حبرهم سلام وقال: نعم
فرد حيي خلفه وقال : نعم .
فوافقوا على الجلاء
قال : قد أمهلكم رسول الله عشراً تستعدوا وتجمعوا أموالكم .
ومن رؤي منكم في المدينة بعدها ضربت عنقه .
قالوا : أجل حباً وكرامة .
أبلغ أبا القاسم أننا على رحيل .
وأخذوا يستعدون و شاع الخبر في المدينة .
ورجع ابن مسلمة للرسول ﷺ يخبره أنهم قبلوا حكمك وهم يستعدون للرحيل .....
سمع بالخبر رأس المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول...
فعز عليه هذا المنافق أن يهاب جناحه ﷺ .
ذُهل ابن سلول بالخبر فقبل أشهر أجليت بني قينقاع وهم حلفائه .
واليوم النضير فمن يبقى ؟؟
فأرسل رسولاً من طرفه فوراً إلى بني النضير .
ثم ذهب وجلس بالمسجد كأنه لم يفعل شيء .
هكذا المنافقون والعملاء على نفس النهج .
في العلانية معنا وضد العدو .
وفي السر هم متحابون مع إخوة القردة والخنازير .
أرسل برسالة إلى حيي ...
قل له : يقول لك "ابن سلول" إياك أن ترحل .
اثبتوا وتمنَّعُوا ولا تخرجوا من دياركم .
فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم .
وإن لي حلفاء من غطفان وهذه اخوانكم بني قريظة كلنا نجتمع عندكم في الحصن ونقاتل معكم حتى نخلص من محمد ومن صحبه ومن دينه .
وإن أجلاكم جلينا معكم
فجاء الخبر إلى حيي وهو يستعد للجلاء والخروج....
وصلته رسالة ابن سلول وهو يقول لك كذا وكذا وكذا .
فسُر بالخبر حيي وقال : إذآ لن نرحل .
وفي ذلك نزل قوله الله تعالى
*أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .*
*لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ .*
*لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ .*
شجعهم "عبد الله بن أبي بن سلول" على المقاومة خصوصا أن معهم كذلك يهود "بني قريظة" وكان لهم حلفاء من "غطفان"
فبعث رئيسهم "حي بن أخطب" إلى النبي ﷺ .
*إنَّا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدأ لك*
فلما بلغ النبي ﷺ جواب "حيي بن أخطب" وكان ابن سلول جالس معهم بالمسجد " كأنه لم يعمل شيء "
فلما سمع النبي ﷺ بهذا الخبر
قال : *الله اكبر ...*
فكبر أصحابه من خلفه "دون أن يعرفون ما الخبر .
فكبر النبي ثانية ..... فكبروا
ثم كبر ثالثة ..... فكبروا
ثم قال بعد التكبيرة الثالثة *الآن حاربت نضير .*
"يعني نحن لا نريد هم طلبوا الحرب بأنفسهم"
ثم قال ﷺ : *قم يا بلال وأذن للجهاد .*
فوقف بلال يؤذن .
حي على الجهاد حي على الجهاد .....
فهب الصحابة رضوان الله عليهم كالأسود استعداداً للقتال .
قام الصحابة رضي الله عنهم واستعدوا للجهاد
وقام ابن سلول إلى داره كأنه يريد أن يستعد
وأرسل مرة أخرى إلى حيي .
إياك أن يخيفك هذا .
إذا جدَّ الأمر ستجدنا عندك في حصنك .
ودخل ابن هذا المنافق
"عبدالله بن عبدالله بن أبي سلول" رضي الله عنه
وكان إبنه من خيار الصحابة رضي الله عنهم فقد استخلفه النبي ﷺ يوم بدر على المدينة
"جعله واليآ على المدينة وأبوه أكبر رأس بالمنافقين وإبنه والي رسول الله ومن خيار الصحابة"
فدخل يلبس لباس الحرب ثم نظر إلى أبيه
قال : أراك لا تستعد .
قال : سأستعد فيما بعد .
وخرج المسلمون إلى "بني النضير"
وكان "علي بن أبي طالب" هو الذي يحمل اللواء .
وكانت المسافة من المدينة إلى بني النضير حوالي 3 كم .
لما رأى "بني النضير" جيش المسلمين خافوا منهم ودخلوا إلى حصونهم وكان عددهم 1500 .
وفي ذلك يقول تعالى
*لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ .*
وقد تخلى عن "بني النضير" حلفائهم من "غطفان" وإخوانهم من "بني قريظة"
وتخلى عنهم رأس المنافقين "ابن أبي سلول" الذي كان قد وعدهم بأن يقاتل معهم في ألفين من المنافقين .....
دخل "بني النضير" في حصونهم وتحصنوا فيها وحاصرهم المسلمون .
وأخذوا يرمون المسلمين بالسهام وبالحجارة .
ثم أمر النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم أن يقطعوا و يحرقوا نخيلهم "ليدخل الرعب في قلوبهم"
وقام المسلمون بقطع وحرق بعض نخيل "بني النضير" فقطعوا وحرقوا :
*بهدف بث الرعب في قلوب اليهود وخزي لهم*
فنادى اليهود من فوق حصونهم .
وقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح .
أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر .....
فلم يرد عليهم النبي ﷺ واستمر الصحابة رضي الله عنهم بقطع النخيل وحرقه .
ونزل في هذا قول الله تعالى .
*مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ .*
*مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ....*
هي النخيل لأن التمر وهو ثمرة النخيل ، لين وسهل الأكل وسهل الهضم .
*أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ...*
لأن النبي ﷺ لا يصنع شيء من نفسه إنما يسدده الوحي من السماء بأمر من الله تعالى
واستمر الصحابة رضي الله عنهم يقطعون ويحرقون حتى دخل الرعب لقلوبهم ....
واستمر الحصار 6 ليال فقط .
فلما قذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فخرج حييء من على رأس الحصن
وقال : يا محمد سننفذ مطلبك ونرحل كما طلبت .
قال ﷺ *لا اليوم لا أقبله .*
فقال سلام حبرهم لحيي هل جاءك حديثي يا حيي ؟
قلت لك : إن طلب منك الرحيل ولم ترحل لن يقبله منك بعد اليوم .
فقال حيي : وماذا تريد يا أبا القاسم ؟
قال النبي ﷺ *أن تنزلوا على حكم الله ورسوله .*
قال حيي : ما هو الحكم ؟ .
قال ﷺ *أن يقتل المقاتل ويسبى النساء والأطفال .*
فأخذوا يستغيثون ويستجيرون بالنبي ﷺ وأرسلوا بالصبية والنساء يبكون بين يدي النبي ﷺ .....
*فرَّق قلب النبي ﷺ لهم*
على رغم حقدهم وغدرهم رق لهم ﷺ .
فوضع لهم النبي ﷺ شروط على الجلاء والإستسلام
*أن يخرجوا من المدينة . ولا يحملون إلا ما تحمل إبلهم فقط .*
*ولا يحملون معهم السلاح ولا حتى سيفآ واحدا .*
*وخذوا ذريتكم ونساءكم واخرجوا من دياري .*
قال حيي : يا أبا القاسم إن لنا أموال وديون عند الناس
قال له النبي ﷺ *تعجل وضع .*
"يعني خذ ما أمكن :
فكان يأخذ من 100 دينار . عشرة فقط .
ومن 1000 خمسين....
وكانت أمواله كلها من الربا
فنزلوا على ذلك .
فأخذوا معهم ما عز من أموالهم كالذهب والفضة والديباج والحرير وطعام لهم في الطريق .
لأن ليس لهم إلا ما حملته الإبل وكان عدد إبلهم 600 ناقة .
فأرادوا أن يستعيروا إبل
فمنع النبي ﷺ عنهم ذلك .
قال *لكم إبلكم وما حملت من متاع .*
وعز عليهم أن يتركوا ديارهم "معتقدين أن الصحابة رضي الله عنهم سيأخذونها ويسكنونها"
وأخذوا يهدمون بيوتهم "لكي لا يستفيد منها المسلمون"
فحملوا الأبواب والشبابيك وخلعوا الأوتاد وجذوع السقف .
فلما رءآهم النبي ﷺ يفعلون ذلك
قال لأصحابه رضي الله عنهم *ساعدوهم في هدم بيوتهم .*
يعني نحن لا نريد بيوتكم .
فأخذوا هم يهدمون من الداخل والصحابة يهدمون من الخارج
فحملوا متاعهم على 600 بعير .
وتركوا أسلحتهم وكانت 50 درعا و 50 خوذة و 340 سيفا فأخذ المسلمون هذه الأسلحة وأخذوا ديارهم وأرضهم .
وفي ذلك نزل قوله تعالى سورة الحشر .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
*سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .*
"لله العزة ولرسوله وللمؤمنين"
*هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ .*
*مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ .*
وقبل أن يخرجوا قال حيي بن أخطب لقومه والخزي في وجهه
قال : لا نريد أن نخرج أذلة صاغرين... يشمت بنا المسلمون
قالوا له: ماذا نصنع لا نملك إلا ذلك ؟
قال : بل نملك أخرجوا الدفوف ولتلبس النساء زينتها "صيغتها" وليغنينَّ .
ونحن الرجال نخرج نضرب الدفوف في الأسواق على أننا خرجنا فرحين من دياره لا غاضبين ولا نادمين .
وطبعاً هذا العمل لا ينفع بشيء
فخرجوا يضربون الدفوف والنساء تغني ولكن الغيظ يقطع قلوبهم ولا يملك رجل منهم أن يحمل سيفاً واحد .
فقد وقف "محمد بن مسلمة" ومعه 100 رجل من الأنصار يفتشوهم حتى لا تخرج معهم قطعة سلاح واحدة .
وكانوا أكثر يهود سلاحاً
اتجه يهود "بني النضير" إلى الشام *لِأَوَّلِ الْحَشْرِ*
وذهب البعض الآخر ورؤسائهم مثل "حي بن أخطب" إلى خيبر على بعد حوالي 160 كم من المدينة...
ليستعدوا لمواجهة أخرى فيما بعد مع الرسول ﷺ .
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...