- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة التاسعة والأربعون بعد المائة *149*
*حادثة الإفك .*
*الجزء الأول .*
رجع المسلمون من غزوة "بني المصطلق"...
ودخل المنافقون المدينة بعد فضيحتهم ونزول القرآن الكريم في شأنهم ....
وكانت قلوبهم ممتلئة بالغيظ والحقد على الإسلام والمسليمن...
و بمجرد دخولهم المدينة افتعلوا مشكلة جديدة حاولوا بها أن ينفثوا عن أحقادهم تجاه المسلمين وتجاه النبي ﷺ...
هذه الحادثة هي التي أطلق عليها القرآن العظيم *الإفك*
والإفك هو الكذب والإفتراء وهو أشد أنواع الكذب ....
ولكي لا استبق الأحداث
كانت آيات *الحجاب* قد نزلت قبل أشهر بزواج النبي ﷺ من ابنة عمته ام المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها بعد طلاقها من زيد بن حارثة رضي الله عنه..
فعندما فرضت آيات *الحجاب* *أصبحنّ أمهات المؤمنين محجبات لا يراهنّ أحد* رضي الله عنهن...
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع رسول الله ﷺ في غزوة "بني المُصْطَلق" كما ذكرنا
وفي طريق العودة وبعد أن اقتربوا من المدينة وقف الجيش في أحد الأماكن ليستريح وكان ذلك في الليل....
وذهبت أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها لتقضي حاجتها في العراء "وأمهات المؤمنين أشد الناس حياء فابتعدت عن الجيش حتى تتمكن من قضاءحاجتها ...
وعندما عادت وجدت أنها قد فقدت عقدآ لها كانت قد أعطتها لها أمها عند زواجها....
وكان العقد ثمين به حجر من العقيق ومصنوع في اليمن "ظفار" كانت مشهورة بصناعة العقود....
كان من أغلى الأنواع وأحبه للنساء ....
فعز عليها العقد فعادت مرة أخرى إلى المكان الذي كانت فيه لتبحث عن العقد ....
وتأخرت رضي الله عنها بعض الوقت..... والوقت ليلاً
وبدأ الجيش يتحرك ....
وجاء الذين يحملون هودجها فحملوا الهودج ....
"والهودج هو شبه الغرفة الصغيرة من الخشب توضع فوق الجمل وتركب فيه المرأة حتى لا يراها أحد"
حملوا الهودج ووضعوه على بعيرها وهم يعتقدون أنها بداخل الهودج رضي الله عنها..
*لأنها رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت خفيفة الوزن جداً*
قام القوم وارتحلوا لأن النبي ﷺ كما قلنا تعجل بهم ليشغلهم عن فتنة المنافق وحديثه "ابن أبي بن سلول" وهذا قبل دخولهم المدينة ....
عادت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فوجدت الجيش قد تحرك...
فخافت أن تسير خلف الجيش فتفقد طريقها وكان الوقت ليلاً
فجلست مكانها ....
وقالت في نفسها أن الرسول ﷺ عندما يكتشف عدم وجودها فسيعود مرة أخرى .
خاصة أنه ﷺ كان من عادته أن يسير بجوار بعيرها ويتحدث إليها ....
ثم غلبتها عيناها فنامت في مكانها ....
في ذلك الوقت كان أحد الصحابة "صفوان بن المعطل" رضي الله عنه يسير خلف الجيش متأخراً عنه ينقب المكان بعد الرحيل لعل شيء ضاع أو فقد...
وكان "صفوان" من خيرة الصحابة رضي الله عنهم
"شهد بدر وقد استشهد بعد ذلك في أحد الغزوات في خلافة عمر رضي الله عنهم...
وكانت هذه هي عادة العرب في ذلك الوقت ....
أن يسير أحد أفراد الجيش أصحاب الخبرة في طرق الصحراء خلف الجيش حتى إذا وقع أي شيء من متاع الجيش أخذه معه ....
فكان "صفوان" لا يسير بالليل وإنما يسير في الصباح حتى يظهر له ما وقع من الجيش ....
تقدم "صفوان" رضي الله عنه مع طلوع الصبح فرأى سواد إنسان من بعيد ...
فأقترب فوجد أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها نائمة...
فأراد أن يوقظها فاسترجع وقال *إنا لله وإنا إليه راجعون*
قالها بصوت مرتفع ....
فاستيقظت وغطت وجهها بجلبابها ....
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان في صحيحهما البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى :
قالت وكان "صفوان بن المعطل السلمي" من وراء الجيش ....
فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب ...
فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي .
*وهذا من الأدلة على أن من شروط حجاب المرأة تغطية الوجه*
فلما رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صفوان رضي الله عنه واستيقظت من نومها وغطت وجهها بجلبابها .
أناخ "صفوان" راحلته ووضع رجله على ساق البعير
وركبت عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
وانطلق "صفوان" رضي الله عنه يقود الراحلة
"الجمل خلفه عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها...
وهو يسير أمام الجمل حتى وصلا إلى الجيش في وقت وصوله إلى المدينة .
*تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والله ما كلمني كلمة واحدة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه* *إنا لله وإنا إليه راجعون*
شاهد المسلمون أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها على الراحلة يقودها صفوان رضي الله عنه...
هنا كان رأس النفاق "عبد الله بن أبي بن سلول" يمتليء قلبه غيظ من النبي ﷺ ....
فقبل قليل أمسك ابنه "عبدالله" رضي الله عنه ناقته وأناخها وشهر السيف في وجهه ومنعه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقام يصرخ ويقول : لأنا أذل من الصبية لأنا أذل من النساء ليت أمي لم تلدني ليت أمي لم تلدني ....
فلما نظر إليهما وجدها فرصة أن يلهي الناس عن أمره...
فقال كالمتجاهل وهذه أساليب المنافقين .
قال للمنافقين حوله :
قال : من هذه ؟ !!
قالوا له : عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
قال : زوجة نبيكم ؟؟
ومن هذا الذي معها : صفوان ؟
هل باتت ليلة كاملة مع رجل لا تعرفه ثم أقبلت في وقت الظهر ؟؟
ثم تحول بحديثه عن الزنا وبشاعته ....
هو لم يوجه اتهام مباشر ولم يذكر أسماء....
*وهذا من خبث المنافق*
وسمع حديثه أصحابه المنافقون فأخذوا يرددون هذا الكلام في المدينة بالتلميح دون التصريح .....
"حتى لا يؤخذ عليهم أي شيء"
فكان المنافقون لذلك في حالة خوف شديد وفي حالة غيظ وحقد شديد في نفس الوقت .
فقد فضحهم القرآن الكريم
ولذلك تحدثوا في هذا الأمر وهو "حديث الإفك" كثيرا لينفثوا عن حقدهم وغيظهم .
ولكن تلميحا لا تصريحا
أما النبي ﷺ عندما وضعوا هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فلم يجدها وكان مهموم لذلك ...
يقول : *أين عائشة ؟*
لما حضرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أخبرت النبي ﷺ خبرها فقبل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر وليس فيه ما يضر
دخلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بيتها .....
ولأن الطقس كان شتاء ونامت بالعراء وركبت على جمل بلا هودج مرضت ولزمت الفراش...
رحمة من الله تعالى بها مرضت حتى لا تسمع حديث أحد منهم
مرضت بسبب السفر ....
وظلت مريضة شهراً كاملا والناس في المدينة يتحدثون عنها وهي لا تعلم شيئاً...
ولكن الذي لاحظته أن الرسول ﷺ كان إذا دخل عليها فإنه ﷺ لا يتلطف لها كما إعتاد أن يفعل كلما كانت مريضة ....
وكان إذا مرض أزواجه ﷺ يظهر لهنَّ منه عطفاً وحناناً .
فكان ﷺ يقول مثلاً إذا مرضت "عائشة" يدخل عليها ويسألها كيف "عويش" أو عائش...
ولكن في ذلك الوقت كان إذا دخل عليها يقول لمن حولها من النساء ....
- *كَيْفَ تِيكُمْ ؟؟*
"تيكم إسم إشارة مؤنث باللغة العربية كيف تيكم ؟ أي كيف حال هذه المرأة "
ولا يزيد عن ذلك كلمة واحدة *كَيْفَ تِيكُمْ ؟؟*
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنكرت هذه الكلمة وقلت في نفسي لعله همه أمر "بن سلول والمنافقين" ولم أدري أن الناس كانوا يتحدثون عني نهائياً ....
ظلت السيدة عائشة مريضة شهراً كاملاً وكل المدينة تتحدث عن هذا الأمر ....
وكان هذا الموقف من أشد الإبتلاءات التي مر بها
ﷺ .
لأنه يطعن في شرفه وهذا من أشد الأمور على أي رجل...
ليس هذا فحسب بل يطعن ﷺ في أحب زوجاته إليه وإبنة أقرب أصدقائه وأصحابه أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وكل ذلك في وقت هو أحرج لحظات الدعوة الإسلامية...
لأنه في ذلك الوقت كانت الأخبار تصل إلى المدينة بأن القبائل تتجمع لغزو المدينة وهي التي عرفت "بغزوة الأحزاب" التي سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى ....
اقتربت السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الشفاء
فخرجت لقضاء حاجتها مع أحد النساء من المهاجرين من قرابتها "أم مسطح"
مسطح ولدها يكون ابن "خالة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبينما هما في الطريق عثرت "أم مسطح" في مُرطها .
ماهو المُرط ؟؟
عثرت في مُرطها أي أطراف ثوبها المتدلية على الأرض....
يعني دعست على ثوبها من طوله لأن النساء كن يرخينَّ الثوب ويسموه ذيلاً تجره ورائها ...
فلما نهى النبي ﷺ عن إطالة الثوب واعتبره من الكبرياء وما زاد عن الكعبين فهو في النار
قامت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وقالت : بأبي وأمي يارسول الله ماذا تصنع النساء ؟؟
"يعني يقصروا ثيابهم مثل الرجال"
ماذا تصنع النساء ؟؟
قال : *أرخينَّ شبراً .*
قالت أم سلمة تظهر رؤوس أقدامنا عند السير يا رسول الله .
قال *أرخينه ذراعاً ولا يزيدن.*
عثرت "أم مسطح" في مُرطها أي ثوبها
فقالت : تعس مسطح : "كعادة النساء إلا ما رحم الله تدعي على نفسها أو على أولادها "
*وفي هذا نهي كما جاء في الحديث عن الدعاء على النفس و الولد والمال لعلها توافق ساعة إجابة ولا ينفع الندم*
فتعجبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقالت لها : بئس ما قلتِ يا خالة .
أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟؟
قالت: لها أم مسطح يا هُنتاه
"يعني يا مسكينة أليس عندك خبر"
وعائشة رضي الله عنها لا تعلم بما يتحدث الناس عنها بشيء...
يا هُنتاه أولم تسمعي ؟
كانت أم مسطح تتوقع أن تتحدث إليها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن هذا الأمر...
ولكنها وجدتها لا تتحدث فيه
فأرادت أن تفتح الموضوع بقولها تعس مسطح .
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما قال الناس ؟
فأخبرتها "أم مسطح" بكل ما يقوله الناس عنها وبكل ما خاضوا فيه طوال شهر كامل
فذهلت ولم تستطع أمنا "عائشة" رضي الله عنها أن تقضي حاجتها من هول ما سمعته ....
فعادت إلى بيتها .
فأنفجرت بالبكاء.... فبكيت بقيت ليلي واليوم الثاني والليلة التي بعدها ...
ماتوقف دمعي لم أذق الطعام ولم أقوم من فراشي ...
وأزددت مرضآ على مرضي ....
فدخل النبي ﷺ ووجدني أبكي فلم يسألني عن سبب بكائي .
فما زاد عن قوله كيف تيكم ؟
فوثبت وقلت : يا رسول الله أتأذن لي أن آتي أبوي ؟
"يعني أزور أهلي "
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تريد أن تتأكد من الكلام الذي قالته "أم مسطح" وفي نفس الوقت تريد أن يتمسك بها الرسول ﷺ ....
ولكنها رضي الله عنها فوجئت بالرسول ﷺ يقول لها
*لا عليكِ .*
يعني لا مانع ....
ومن هنا نعلم أن المرأة لا يحق لها أن تخرج من بيتها إلا بأذن صريح من الزوج .
فلم تخرج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حتى استأذنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذهبت إلى بيت أبيها "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه
وقالت لأمها : يا أماه ما يتحدث الناس ؟
فقالت لها أمها أم رومان يا بنية هوني عليك ....
فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة "أي جميلة" عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها .
*نسبت المكيدة للضرائر وليس للضرائر فيها يد*
تأكدت أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها من المعلومة فأغشى عليها...
فلما أفاقت ظلت طوال الليل تبكي وزاد عليها المرض .
كان النبي ﷺ في كرب ربما أكثر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنه يطعن في شرفه صلى الله عليه وسلم...
فأخذ يستشير أقرب الناس إليه من أصحابه رضي الله عنهم
واستشار في ذلك
"زيد بن حارثة" رضي الله عنه
فقال : يا رسول الله أهلك ، أهلك ما علمنا عنهم الا خيرا .
ثم استشار "علي رضي الله عنه"
فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سِواها كثير ولكن اسأل الجارية "بريرة"
"بمعنى طلقها وتزوج غيرها"
رأي علي رضي الله عنه كان هو تطليق أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها ليس لأنها قد وقعت في هذا الأمر...
ولكن لإنهاء هذه المشكلة المعلقة منذ شهر والمدينة تتعرض لخطر الأحزاب .
ثم تراجع عن هذا الإقتراح وأشار على النبي ﷺ بأن يستجوب الخادمة التي في البيت مع أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها فإن كان هناك أي شيء فلابد أن تعلمه هذه الجارية .
فدعا النبي ﷺ الخادمة "بريرة"
فقال لها الرسول ﷺ *أي بريرة أصدقِ الله ورسوله هل رأيتِ من شيء يريبك ؟*
فقالت : لا والذي بعثك بالحق والله إن عائشة رضي الله عنها أطيب من الذهب ...
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه المؤيد بالصواب اسمعوا ماذا
قال : ألم تخبرنا يارسول الله أن جبريل عليه السلام أتاك بقطعة من سرقة "أي قطعة حرير" وفيها صورة عائشة رضي الله عنها
وقال لك : هذه زوجك في الدنيا و الاخرة يأمرك الله بالزواج منها ؟
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : بلى .
قال : إذن يا رسول الله : إن الله لا يختار لك زانية .
وأنا أحكم أنها بريئة
وأن تنزل العقوبة بكل من اتهمها
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...
الحلقة التاسعة والأربعون بعد المائة *149*
*حادثة الإفك .*
*الجزء الأول .*
رجع المسلمون من غزوة "بني المصطلق"...
ودخل المنافقون المدينة بعد فضيحتهم ونزول القرآن الكريم في شأنهم ....
وكانت قلوبهم ممتلئة بالغيظ والحقد على الإسلام والمسليمن...
و بمجرد دخولهم المدينة افتعلوا مشكلة جديدة حاولوا بها أن ينفثوا عن أحقادهم تجاه المسلمين وتجاه النبي ﷺ...
هذه الحادثة هي التي أطلق عليها القرآن العظيم *الإفك*
والإفك هو الكذب والإفتراء وهو أشد أنواع الكذب ....
ولكي لا استبق الأحداث
كانت آيات *الحجاب* قد نزلت قبل أشهر بزواج النبي ﷺ من ابنة عمته ام المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها بعد طلاقها من زيد بن حارثة رضي الله عنه..
فعندما فرضت آيات *الحجاب* *أصبحنّ أمهات المؤمنين محجبات لا يراهنّ أحد* رضي الله عنهن...
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع رسول الله ﷺ في غزوة "بني المُصْطَلق" كما ذكرنا
وفي طريق العودة وبعد أن اقتربوا من المدينة وقف الجيش في أحد الأماكن ليستريح وكان ذلك في الليل....
وذهبت أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها لتقضي حاجتها في العراء "وأمهات المؤمنين أشد الناس حياء فابتعدت عن الجيش حتى تتمكن من قضاءحاجتها ...
وعندما عادت وجدت أنها قد فقدت عقدآ لها كانت قد أعطتها لها أمها عند زواجها....
وكان العقد ثمين به حجر من العقيق ومصنوع في اليمن "ظفار" كانت مشهورة بصناعة العقود....
كان من أغلى الأنواع وأحبه للنساء ....
فعز عليها العقد فعادت مرة أخرى إلى المكان الذي كانت فيه لتبحث عن العقد ....
وتأخرت رضي الله عنها بعض الوقت..... والوقت ليلاً
وبدأ الجيش يتحرك ....
وجاء الذين يحملون هودجها فحملوا الهودج ....
"والهودج هو شبه الغرفة الصغيرة من الخشب توضع فوق الجمل وتركب فيه المرأة حتى لا يراها أحد"
حملوا الهودج ووضعوه على بعيرها وهم يعتقدون أنها بداخل الهودج رضي الله عنها..
*لأنها رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت خفيفة الوزن جداً*
قام القوم وارتحلوا لأن النبي ﷺ كما قلنا تعجل بهم ليشغلهم عن فتنة المنافق وحديثه "ابن أبي بن سلول" وهذا قبل دخولهم المدينة ....
عادت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فوجدت الجيش قد تحرك...
فخافت أن تسير خلف الجيش فتفقد طريقها وكان الوقت ليلاً
فجلست مكانها ....
وقالت في نفسها أن الرسول ﷺ عندما يكتشف عدم وجودها فسيعود مرة أخرى .
خاصة أنه ﷺ كان من عادته أن يسير بجوار بعيرها ويتحدث إليها ....
ثم غلبتها عيناها فنامت في مكانها ....
في ذلك الوقت كان أحد الصحابة "صفوان بن المعطل" رضي الله عنه يسير خلف الجيش متأخراً عنه ينقب المكان بعد الرحيل لعل شيء ضاع أو فقد...
وكان "صفوان" من خيرة الصحابة رضي الله عنهم
"شهد بدر وقد استشهد بعد ذلك في أحد الغزوات في خلافة عمر رضي الله عنهم...
وكانت هذه هي عادة العرب في ذلك الوقت ....
أن يسير أحد أفراد الجيش أصحاب الخبرة في طرق الصحراء خلف الجيش حتى إذا وقع أي شيء من متاع الجيش أخذه معه ....
فكان "صفوان" لا يسير بالليل وإنما يسير في الصباح حتى يظهر له ما وقع من الجيش ....
تقدم "صفوان" رضي الله عنه مع طلوع الصبح فرأى سواد إنسان من بعيد ...
فأقترب فوجد أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها نائمة...
فأراد أن يوقظها فاسترجع وقال *إنا لله وإنا إليه راجعون*
قالها بصوت مرتفع ....
فاستيقظت وغطت وجهها بجلبابها ....
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان في صحيحهما البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى :
قالت وكان "صفوان بن المعطل السلمي" من وراء الجيش ....
فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب ...
فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي .
*وهذا من الأدلة على أن من شروط حجاب المرأة تغطية الوجه*
فلما رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صفوان رضي الله عنه واستيقظت من نومها وغطت وجهها بجلبابها .
أناخ "صفوان" راحلته ووضع رجله على ساق البعير
وركبت عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
وانطلق "صفوان" رضي الله عنه يقود الراحلة
"الجمل خلفه عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها...
وهو يسير أمام الجمل حتى وصلا إلى الجيش في وقت وصوله إلى المدينة .
*تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والله ما كلمني كلمة واحدة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه* *إنا لله وإنا إليه راجعون*
شاهد المسلمون أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها على الراحلة يقودها صفوان رضي الله عنه...
هنا كان رأس النفاق "عبد الله بن أبي بن سلول" يمتليء قلبه غيظ من النبي ﷺ ....
فقبل قليل أمسك ابنه "عبدالله" رضي الله عنه ناقته وأناخها وشهر السيف في وجهه ومنعه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقام يصرخ ويقول : لأنا أذل من الصبية لأنا أذل من النساء ليت أمي لم تلدني ليت أمي لم تلدني ....
فلما نظر إليهما وجدها فرصة أن يلهي الناس عن أمره...
فقال كالمتجاهل وهذه أساليب المنافقين .
قال للمنافقين حوله :
قال : من هذه ؟ !!
قالوا له : عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
قال : زوجة نبيكم ؟؟
ومن هذا الذي معها : صفوان ؟
هل باتت ليلة كاملة مع رجل لا تعرفه ثم أقبلت في وقت الظهر ؟؟
ثم تحول بحديثه عن الزنا وبشاعته ....
هو لم يوجه اتهام مباشر ولم يذكر أسماء....
*وهذا من خبث المنافق*
وسمع حديثه أصحابه المنافقون فأخذوا يرددون هذا الكلام في المدينة بالتلميح دون التصريح .....
"حتى لا يؤخذ عليهم أي شيء"
فكان المنافقون لذلك في حالة خوف شديد وفي حالة غيظ وحقد شديد في نفس الوقت .
فقد فضحهم القرآن الكريم
ولذلك تحدثوا في هذا الأمر وهو "حديث الإفك" كثيرا لينفثوا عن حقدهم وغيظهم .
ولكن تلميحا لا تصريحا
أما النبي ﷺ عندما وضعوا هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فلم يجدها وكان مهموم لذلك ...
يقول : *أين عائشة ؟*
لما حضرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أخبرت النبي ﷺ خبرها فقبل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر وليس فيه ما يضر
دخلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بيتها .....
ولأن الطقس كان شتاء ونامت بالعراء وركبت على جمل بلا هودج مرضت ولزمت الفراش...
رحمة من الله تعالى بها مرضت حتى لا تسمع حديث أحد منهم
مرضت بسبب السفر ....
وظلت مريضة شهراً كاملا والناس في المدينة يتحدثون عنها وهي لا تعلم شيئاً...
ولكن الذي لاحظته أن الرسول ﷺ كان إذا دخل عليها فإنه ﷺ لا يتلطف لها كما إعتاد أن يفعل كلما كانت مريضة ....
وكان إذا مرض أزواجه ﷺ يظهر لهنَّ منه عطفاً وحناناً .
فكان ﷺ يقول مثلاً إذا مرضت "عائشة" يدخل عليها ويسألها كيف "عويش" أو عائش...
ولكن في ذلك الوقت كان إذا دخل عليها يقول لمن حولها من النساء ....
- *كَيْفَ تِيكُمْ ؟؟*
"تيكم إسم إشارة مؤنث باللغة العربية كيف تيكم ؟ أي كيف حال هذه المرأة "
ولا يزيد عن ذلك كلمة واحدة *كَيْفَ تِيكُمْ ؟؟*
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنكرت هذه الكلمة وقلت في نفسي لعله همه أمر "بن سلول والمنافقين" ولم أدري أن الناس كانوا يتحدثون عني نهائياً ....
ظلت السيدة عائشة مريضة شهراً كاملاً وكل المدينة تتحدث عن هذا الأمر ....
وكان هذا الموقف من أشد الإبتلاءات التي مر بها
ﷺ .
لأنه يطعن في شرفه وهذا من أشد الأمور على أي رجل...
ليس هذا فحسب بل يطعن ﷺ في أحب زوجاته إليه وإبنة أقرب أصدقائه وأصحابه أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وكل ذلك في وقت هو أحرج لحظات الدعوة الإسلامية...
لأنه في ذلك الوقت كانت الأخبار تصل إلى المدينة بأن القبائل تتجمع لغزو المدينة وهي التي عرفت "بغزوة الأحزاب" التي سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى ....
اقتربت السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الشفاء
فخرجت لقضاء حاجتها مع أحد النساء من المهاجرين من قرابتها "أم مسطح"
مسطح ولدها يكون ابن "خالة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبينما هما في الطريق عثرت "أم مسطح" في مُرطها .
ماهو المُرط ؟؟
عثرت في مُرطها أي أطراف ثوبها المتدلية على الأرض....
يعني دعست على ثوبها من طوله لأن النساء كن يرخينَّ الثوب ويسموه ذيلاً تجره ورائها ...
فلما نهى النبي ﷺ عن إطالة الثوب واعتبره من الكبرياء وما زاد عن الكعبين فهو في النار
قامت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وقالت : بأبي وأمي يارسول الله ماذا تصنع النساء ؟؟
"يعني يقصروا ثيابهم مثل الرجال"
ماذا تصنع النساء ؟؟
قال : *أرخينَّ شبراً .*
قالت أم سلمة تظهر رؤوس أقدامنا عند السير يا رسول الله .
قال *أرخينه ذراعاً ولا يزيدن.*
عثرت "أم مسطح" في مُرطها أي ثوبها
فقالت : تعس مسطح : "كعادة النساء إلا ما رحم الله تدعي على نفسها أو على أولادها "
*وفي هذا نهي كما جاء في الحديث عن الدعاء على النفس و الولد والمال لعلها توافق ساعة إجابة ولا ينفع الندم*
فتعجبت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقالت لها : بئس ما قلتِ يا خالة .
أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟؟
قالت: لها أم مسطح يا هُنتاه
"يعني يا مسكينة أليس عندك خبر"
وعائشة رضي الله عنها لا تعلم بما يتحدث الناس عنها بشيء...
يا هُنتاه أولم تسمعي ؟
كانت أم مسطح تتوقع أن تتحدث إليها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن هذا الأمر...
ولكنها وجدتها لا تتحدث فيه
فأرادت أن تفتح الموضوع بقولها تعس مسطح .
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما قال الناس ؟
فأخبرتها "أم مسطح" بكل ما يقوله الناس عنها وبكل ما خاضوا فيه طوال شهر كامل
فذهلت ولم تستطع أمنا "عائشة" رضي الله عنها أن تقضي حاجتها من هول ما سمعته ....
فعادت إلى بيتها .
فأنفجرت بالبكاء.... فبكيت بقيت ليلي واليوم الثاني والليلة التي بعدها ...
ماتوقف دمعي لم أذق الطعام ولم أقوم من فراشي ...
وأزددت مرضآ على مرضي ....
فدخل النبي ﷺ ووجدني أبكي فلم يسألني عن سبب بكائي .
فما زاد عن قوله كيف تيكم ؟
فوثبت وقلت : يا رسول الله أتأذن لي أن آتي أبوي ؟
"يعني أزور أهلي "
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تريد أن تتأكد من الكلام الذي قالته "أم مسطح" وفي نفس الوقت تريد أن يتمسك بها الرسول ﷺ ....
ولكنها رضي الله عنها فوجئت بالرسول ﷺ يقول لها
*لا عليكِ .*
يعني لا مانع ....
ومن هنا نعلم أن المرأة لا يحق لها أن تخرج من بيتها إلا بأذن صريح من الزوج .
فلم تخرج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حتى استأذنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذهبت إلى بيت أبيها "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه
وقالت لأمها : يا أماه ما يتحدث الناس ؟
فقالت لها أمها أم رومان يا بنية هوني عليك ....
فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة "أي جميلة" عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها .
*نسبت المكيدة للضرائر وليس للضرائر فيها يد*
تأكدت أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها من المعلومة فأغشى عليها...
فلما أفاقت ظلت طوال الليل تبكي وزاد عليها المرض .
كان النبي ﷺ في كرب ربما أكثر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنه يطعن في شرفه صلى الله عليه وسلم...
فأخذ يستشير أقرب الناس إليه من أصحابه رضي الله عنهم
واستشار في ذلك
"زيد بن حارثة" رضي الله عنه
فقال : يا رسول الله أهلك ، أهلك ما علمنا عنهم الا خيرا .
ثم استشار "علي رضي الله عنه"
فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سِواها كثير ولكن اسأل الجارية "بريرة"
"بمعنى طلقها وتزوج غيرها"
رأي علي رضي الله عنه كان هو تطليق أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها ليس لأنها قد وقعت في هذا الأمر...
ولكن لإنهاء هذه المشكلة المعلقة منذ شهر والمدينة تتعرض لخطر الأحزاب .
ثم تراجع عن هذا الإقتراح وأشار على النبي ﷺ بأن يستجوب الخادمة التي في البيت مع أم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها فإن كان هناك أي شيء فلابد أن تعلمه هذه الجارية .
فدعا النبي ﷺ الخادمة "بريرة"
فقال لها الرسول ﷺ *أي بريرة أصدقِ الله ورسوله هل رأيتِ من شيء يريبك ؟*
فقالت : لا والذي بعثك بالحق والله إن عائشة رضي الله عنها أطيب من الذهب ...
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه المؤيد بالصواب اسمعوا ماذا
قال : ألم تخبرنا يارسول الله أن جبريل عليه السلام أتاك بقطعة من سرقة "أي قطعة حرير" وفيها صورة عائشة رضي الله عنها
وقال لك : هذه زوجك في الدنيا و الاخرة يأمرك الله بالزواج منها ؟
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : بلى .
قال : إذن يا رسول الله : إن الله لا يختار لك زانية .
وأنا أحكم أنها بريئة
وأن تنزل العقوبة بكل من اتهمها
الأنوار المحمدية...
يتبع بإذن الله تعالى...