- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الحادية والخمسون بعد المائة *151*
*زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين زينب بنت جحش .*
رضي الله عنها.
أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها هي إبنة عمة النبي ﷺ .
أمها هي أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ
وأخوها هو عبد الله بن جحش رضي الله عنه قائد سرية نخلة وقد استشهد في معركة أحد.
زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين "زينب بنت جحش رضي الله عنها هو أكثر زواج شغل الناس سواء في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته....
تبدأ قصة "زينب" حين بلغ "زيد بن حارثة" سن الزواج وأراد النبي ﷺ أن يخطب له .
وذكرنا من قبل قصة "زيد بن حارثة" سابقآ وأذكرها باختصار .
"زيد" خرج وهو طفل صغير عمره ثمانية أعوام مع أمه لتزور قبيلتها فأغارت عليهم قبيلة أخرى .
اختطف في هذا الهجوم "زيد بن حارثة" وأصبح عبداً بعد أن كان حراً .
عرض للبيع في أحد الأسواق فاشتراه "حكيم بن حزام" ابن أخو أم المؤمنين "خديجة" رضي الله عنها...
أهداه "حكيم بن حزام" إلى عمته أم المؤمنين "خديجة" رضي الله عنها والتي أهدته بدورها إلى زوجها النبي ﷺ .
فأعتقه النبي ﷺ من أول يوم
في هذه الأثناء كان "حارثة بن شراحيل" والد "زيد بن حارثة" يبحث عن إبنه "زيد" حتى وصل إليه أخيراً أنه في مكة .
وعلم أنه عبدآ عند رجل اسمه "محمد بن عبد الله ﷺ
فتوجه والد "زيد" إليه مع أخيه وطلب منه أن يشتري منه ابنه "زيد"
وتوسل إليه ألا يغالي في السعر فقال لهما النبي ﷺ فهل لكما في شيء خير من ذلك ؟
أدعوه لكم وأخيره ....
فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فما أنا بالذي يرغب عن من اختاره .
فقالا : قد زدتنا على النصف وأحسنت .
ثم كانت المفاجأة أن يختار "زيد بن حارثة" أن يظل في بيت النبي ﷺ ورفض أن يعود إلى قبيلته مع أبيه .
يقول زيد : بل أبقى معك أنت لي بمنزلة الأب والعم ولا أختار عليك أحدا أبدأ يا أبا القاسم .
فتعجب أبوه وقال : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك ؟
فقال زيد رضي الله عنه : نعم لا أختار عليه أحدًا أبداً .
ورق الرسول ﷺ لوالد "زيد" وأراد أن يطمئنه فأخذ "زيد" من يده وذهب به عند حجر الكعبة ، حيث قريش مجتمعة
ونادى : يا معشر قريش .
اشهدوا من اليوم زيد ابني يرثني وأرثه ....
فطابت نفس أبيه لأن مشكلة أبيه ليس أن يكون زيد رضي الله عنه معه لأنه كان قد كبر وأصبح شاباً وبلغ السن الذي ينفصل فيه عن أبيه وتكون له اسرته وحياته
ولكن مشكلة أبيه أن يعيش إبنه عبدآ .
فلما وجد أن الرسول ﷺ قد أعتقه بل وتبناه وأصبح إبنا له يورثه ويرثه اطمأن وعاد إلى قبيلته مسرورآ .
انصرف أبو "زيد" وعمه، وقد اطمئنا على زيد الذي أصبح منذ ذلك الوقت بين قريش حراً وليس عبدآ وأصبح اسمه "زيد بن محمد" وليس "زيد بن حارثة"
وكان العرب يطلقون على العبد الذي يعتق "مولى"
نعود إلى قصة زواجه ﷺ من "زينب بنت جحش رضي الله عنها.... أراد النبي ﷺ أن يزوج "زيد" كأي أب يريد أن يزوج إبنه
*التبني في ذلك الوقت كان معروف ويعتبر الإبن المتبنى كالإبن تماماً*
يرث ولا يتزوج الأب زوجة إبنه
فعزم ﷺ أن يزوج إبنة عمته السيدة "زينب لزيد" رضي الله عنهما...
كان عمر "زينب" رضي الله عنها في ذلك الوقت 36 عام وقد وصفتها الرواية بأنها كانت "زينب بيضاء جميلة"
وكان يريد ﷺ بهذا الزواج أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في المجتمع المسلم...
لأن العرب كانوا ينظرون إلى "الموالي" باستعلاء....
ويرون أنهم في طبقة اجتماعية أقل منهم .
فأراد ﷺ بأمر من الله تعالى كسر هذه الفوارق وأن الناس سواسية كأسنان المشط .
ولكن أراد أن يقوم بتصرف واقعي في اسرته وهو أن يزوج "زيد بن محمد" وهو من الموالي كما ذكرنا...
وقد دخل إلى بيوت بني هاشم عبداً
أراد أن يزوجه بأمر من الله من إبنة عمته "زينب بنت جحش" رضي الله عنها وهي من "بني هاشم" والتي تعتبر من أعرق وأشرف بيوت العرب ....
فهي من "قريش" وهي أشرف القبائل العربية
عرض ﷺ على السيدة زينب الزواج من "زيد بن محمد" ولكن السيدة "زينب" فوجئت بهذا العرض ورفضت هذا الزواج لأن بنات الأشراف لا يتزوجن أبداً من الموالي .
وحاول ﷺ أن يُقنع "زينب بزيد بن حارثة" وأخذ يحدثها عن حسن أخلاقه ومكانته منه .
ولكن "زينب" لم تتقبل الأمر على الإطلاق ....
وقالت : يا رسول لا أتزوجه أبدآ
فنزل قول الله تعالى:
*وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا*
فقالت السيدة زينب رضي الله عنها : رضيته لي يا رسول الله ؟
قال : نعم
قالت : إذن لا أعصي لله ورسوله أمراً ...
هكذا تم الزواج بين "زيد بن حارثة" وبين السيدة "زينب"
ولكن لم يكن ذلك الزواج الناجح أبداً فالمودة والسكينة كانت معدومة .
لأن السيدة "زينب" لم تنسى أبداً أنها الشريفة بنت عمة رسول الله ....
ولم تنسى أن "زيد" مولى كان رقيقا...
فكانت تعامل "زيد" بجفاء واستعلاء وربما كانت تؤذيه بلسانها .... رضي الله عنها
*أخبر الله تعالى رسوله ﷺ بأنه سيتم إبطال عادة التبني وليس المقصود بذلك هو النهي على كفالة اليتيم*
*بل على العكس الآيات والأحاديث في فضل كفالة اليتيم كثيرة لا حصر لها*
*ولكن عادة التبني التي أبطلها الإسلام هي أن ينسب الطفل الى غير أبيه*
وقد نهي الإسلام عن ذلك لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب...
بينما شجع على التبني دون أن يحمل اسم المتبني .
وأخبر الله تعالى رسوله ﷺ أيضآ بأنه سيتزوج "زينب" رضي الله عنها زوجة إبنه زيد رضي الله عنه بالتبني...
*ليكون هذا الزواج هو التصرف الواقعي والعملي الذي سيقضي على هذه العادة التي لا يرضاها الله تعالى ابداً*
ولذلك كان ترتيب الله تعالى :
١- أن يتزوج "زيد بن حارثة" رضي الله عنه والذي كان اسمه في ذلك الوقت "زيد بن محمد" من السيدة زينب رضي الله عنها
٢- ثم يطلقها "زيد" رضي الله عنه
٣- ثم يتزوج الرسول ﷺ بعد ذلك من أم المؤمنين زينب رضي الله عنها.
*فيكون ذلك إبطالآ واقعياً عمليآ لعادة التبني*
لأن العرب قبل الإسلام وبعد الإسلام كانوا لا يتزوجون أبداً من زوجة الإبن بالتبني...
والسؤال هو :
هل كان يجب أن يكون هذا الزواج للقضاء على عادة التبني أم كان يكفي أن تنزل آية تنهي عن هذا الأمر كله ؟
نقول : إن هذا الزواج كان واجباً لأن التبني أمرا ليس سهلاً أبدآ
فالتبني معناه أن هذا الطفل قد أصبح ابناً لفلان .
ثم يأتي الإسلام ويقول له في لحظة واحدة أن هذا الطفل ليس إبناً لك ....
فهو أمر صعب جداً ولا تتقبله أي نفس بشرية .
وتعب "زيد" كثيراً من جفاء زوجته وصدها وترفعها عليه حتى نفذ صبره .
فذهب إلى الرسول ﷺ ليأخذ رأيه في طلاقها
فقال له ﷺ : *أرابك منها شيء ؟*
فقال زيد رضي الله عنه : لا والله يا رسول الله ما رابني منها شيء ولا رأيت إلا خيراً .
ولكنها تتعظم عليَّ لشرفها وأن فيها كبراً وتؤذيني بلسانها .
فقال له النبي ﷺ : *اتقِ الله ، وأمسك عليك زوجك .*
وعاد "زيد" ليجرب الإحتمال من جديد و "زينب" كانت تزداد نفوراً منه .
فعاد "زيد" إلى النبي ﷺ يطلب منه مفارقة زينب والنبي ﷺ يقول له في كل مرة :
*اتق الله . وأمسك عليك زوجك .*
النبي ﷺ كان يعلم أن هذا الترتيب كان من الله تعالى :
يتزوج زيد من زينب ثم يطلقها ثم يتزوجها النبي ﷺ
ولكنه كان يخشى من كلام المنافقين .....
وقد قلنا أن أعدادهم كانت كبيرة في المدينة وهم يتربصون بالرسول ﷺ .....
فإذا تزوج من "زينب" فسيقولون أنه يأمر بعدم زواج الأب من زوجة إبنه
وقد خالف ذلك وتزوج من زوجة إبنه....
وقد يقولون أنه أمره بطلاقها حتى يتزوجها هو .....
وهو الذي يقوله أعداء الإسلام حتى الآن .
وقد عاتب الله تعالى نبيه ﷺ من خشيته من كلام المنافقين في شيء قد أباحه الله له ....
حتى جاء اليوم الذي طلق "زيد زينب" وانقضت أيام عدتها ...
فنزل قوله تعالى
*وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا .*
*وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ*
وهو ما أعلمه به الله تعالى بأنه سيتزوج من زينب رضي الله عنها
*وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ*
كان النبي ﷺ يخشى من كلام المنافقين إن هو تزوج من زينب رضي الله عنها أنه قد تزوج من زوجة إبنه...
ويعاتبه الله تعالى على خشيته من كلام المنافقين بهذا القدر في أمر قد أباحه الله له ....
*وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ*
بأن تؤدي ما أمرك به من الزواج من زينب رضي الله عنها...
*فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا*
الوطر هو الزواج ....
وبهذا يكون زيد رضي الله عنه هو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن العظيم .
وذلك من فضله طبعاً ولأنه تحمل مع النبي ﷺ العبء النفسي لهذا الموقف ....
ثم يبين الله تعالى الحكمة من ذلك الزواج :
*لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا*
أي حتى لا يشعر أحد من المؤمنين بالحرج في الزواج من زوجات أبنائهن بالتبني إذا طلقوهن .
عندما تم هذا الزواج تكلم المنافقون كما كان يخشى النبي ﷺ ....
وقالوا : حرَّم محمد نساء الولد وقد تزوج زوجة إبنه .
بقي أن نقول أن الرسول ﷺ تزوج من أم المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها
*وكانت تفتخر على زوجات النبي ﷺ وتقول لهن كلكن زوجكن آباءكن وأمهاتكن أما أنا فزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى إلى قيام الساعة*
قال تعالى :
*فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا*
فأنا أكرمكنَّ ولياً وسفيرا
*فأنا أكرمكنَّ ولياً وسفيرا .*
السفير هو جبريل عليه السلام نزل بأمر الله عز وجل يأمره بالزواج من زينب رضي الله عنها
وكان الرسول ﷺ يحبها....
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله ﷺ أي تساويني
وكانت رضي الله عنها صوامة قوامة .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ما رأيت امرأة خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة رضي الله عنها
وكانت رضي الله عنها من حبها للصدقة تصنع أشياء بيدها وكانت تجيد صناعة الأشياء ثم تبيع هذه الأشياء لتتصدق بثمنها .
وقد قال الرسول لزوجاته أمهات المؤمنين وهو في مرض الموت
قال ﷺ : *أولكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً .*
فلما مات النبي الرسول ﷺ كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم : يقسن من هي أطول الزوجات يدآ ليعرفن من هي أولهم لحوقا بالنبي ﷺ
فكانت أمنا "سودة" هي أضخم زوجات النبي ﷺ وأطولهن يداً
فكن يعتقدن أن السيدة "سودة" هي أول من يموت بعد النبي ﷺ .
ولكن كانت أم المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها هي أول من مات بعد الرسول ﷺ .
فعلمن أن قول الرسول ﷺ *أطولكن يدًا* يعني أكثرهن صدقة .
وكان من حبها للصدقة أن في عهد "عمر بن الخطاب" بعد الفتوحات الإسلامية رتب "عمر بن الخطاب" لزوجات الرسول ﷺ راتب سنويا كبيرا ....
فلم يحل الحول على أموال أم المؤمنين زينب رضي الله عنها في أي عام لأنها كانت تتصدق بكل هذا المال .
وعندما جاءت غنائم كثيرة أرسل لها "عمر بن الخطاب" 100 ألف درهم .
فوضعته أمامها ووضعت عليه قطعة قماش وأخذت تأخذ منه وتضعه في صرر ...
وتقول لمن معها اذهبي بهذا إلى بيت فلان .
حتى أنفقته كله
ثم قالت *الحمد لله لا أبيت وكل هذا المال في بيتي*
وماتت السيدة "زينب" في سنة 20 هـ بعد وفاة الرسول ﷺ بعشر سنوات .
ودفنت بالبقيع وصلى عليها "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهم وخرج في جنازتها كل أمهات المؤمنين وقد فهمن حديث النبي ﷺ *أولكم لحوقاً بي أطولكن يداً*
وفي مناسبة زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين "زينب" رضي الله عنها *فرض الله الحجاب*
ونزلت آيات الحجاب
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....
الحلقة الحادية والخمسون بعد المائة *151*
*زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين زينب بنت جحش .*
رضي الله عنها.
أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها هي إبنة عمة النبي ﷺ .
أمها هي أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ
وأخوها هو عبد الله بن جحش رضي الله عنه قائد سرية نخلة وقد استشهد في معركة أحد.
زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين "زينب بنت جحش رضي الله عنها هو أكثر زواج شغل الناس سواء في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته....
تبدأ قصة "زينب" حين بلغ "زيد بن حارثة" سن الزواج وأراد النبي ﷺ أن يخطب له .
وذكرنا من قبل قصة "زيد بن حارثة" سابقآ وأذكرها باختصار .
"زيد" خرج وهو طفل صغير عمره ثمانية أعوام مع أمه لتزور قبيلتها فأغارت عليهم قبيلة أخرى .
اختطف في هذا الهجوم "زيد بن حارثة" وأصبح عبداً بعد أن كان حراً .
عرض للبيع في أحد الأسواق فاشتراه "حكيم بن حزام" ابن أخو أم المؤمنين "خديجة" رضي الله عنها...
أهداه "حكيم بن حزام" إلى عمته أم المؤمنين "خديجة" رضي الله عنها والتي أهدته بدورها إلى زوجها النبي ﷺ .
فأعتقه النبي ﷺ من أول يوم
في هذه الأثناء كان "حارثة بن شراحيل" والد "زيد بن حارثة" يبحث عن إبنه "زيد" حتى وصل إليه أخيراً أنه في مكة .
وعلم أنه عبدآ عند رجل اسمه "محمد بن عبد الله ﷺ
فتوجه والد "زيد" إليه مع أخيه وطلب منه أن يشتري منه ابنه "زيد"
وتوسل إليه ألا يغالي في السعر فقال لهما النبي ﷺ فهل لكما في شيء خير من ذلك ؟
أدعوه لكم وأخيره ....
فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فما أنا بالذي يرغب عن من اختاره .
فقالا : قد زدتنا على النصف وأحسنت .
ثم كانت المفاجأة أن يختار "زيد بن حارثة" أن يظل في بيت النبي ﷺ ورفض أن يعود إلى قبيلته مع أبيه .
يقول زيد : بل أبقى معك أنت لي بمنزلة الأب والعم ولا أختار عليك أحدا أبدأ يا أبا القاسم .
فتعجب أبوه وقال : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك ؟
فقال زيد رضي الله عنه : نعم لا أختار عليه أحدًا أبداً .
ورق الرسول ﷺ لوالد "زيد" وأراد أن يطمئنه فأخذ "زيد" من يده وذهب به عند حجر الكعبة ، حيث قريش مجتمعة
ونادى : يا معشر قريش .
اشهدوا من اليوم زيد ابني يرثني وأرثه ....
فطابت نفس أبيه لأن مشكلة أبيه ليس أن يكون زيد رضي الله عنه معه لأنه كان قد كبر وأصبح شاباً وبلغ السن الذي ينفصل فيه عن أبيه وتكون له اسرته وحياته
ولكن مشكلة أبيه أن يعيش إبنه عبدآ .
فلما وجد أن الرسول ﷺ قد أعتقه بل وتبناه وأصبح إبنا له يورثه ويرثه اطمأن وعاد إلى قبيلته مسرورآ .
انصرف أبو "زيد" وعمه، وقد اطمئنا على زيد الذي أصبح منذ ذلك الوقت بين قريش حراً وليس عبدآ وأصبح اسمه "زيد بن محمد" وليس "زيد بن حارثة"
وكان العرب يطلقون على العبد الذي يعتق "مولى"
نعود إلى قصة زواجه ﷺ من "زينب بنت جحش رضي الله عنها.... أراد النبي ﷺ أن يزوج "زيد" كأي أب يريد أن يزوج إبنه
*التبني في ذلك الوقت كان معروف ويعتبر الإبن المتبنى كالإبن تماماً*
يرث ولا يتزوج الأب زوجة إبنه
فعزم ﷺ أن يزوج إبنة عمته السيدة "زينب لزيد" رضي الله عنهما...
كان عمر "زينب" رضي الله عنها في ذلك الوقت 36 عام وقد وصفتها الرواية بأنها كانت "زينب بيضاء جميلة"
وكان يريد ﷺ بهذا الزواج أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في المجتمع المسلم...
لأن العرب كانوا ينظرون إلى "الموالي" باستعلاء....
ويرون أنهم في طبقة اجتماعية أقل منهم .
فأراد ﷺ بأمر من الله تعالى كسر هذه الفوارق وأن الناس سواسية كأسنان المشط .
ولكن أراد أن يقوم بتصرف واقعي في اسرته وهو أن يزوج "زيد بن محمد" وهو من الموالي كما ذكرنا...
وقد دخل إلى بيوت بني هاشم عبداً
أراد أن يزوجه بأمر من الله من إبنة عمته "زينب بنت جحش" رضي الله عنها وهي من "بني هاشم" والتي تعتبر من أعرق وأشرف بيوت العرب ....
فهي من "قريش" وهي أشرف القبائل العربية
عرض ﷺ على السيدة زينب الزواج من "زيد بن محمد" ولكن السيدة "زينب" فوجئت بهذا العرض ورفضت هذا الزواج لأن بنات الأشراف لا يتزوجن أبداً من الموالي .
وحاول ﷺ أن يُقنع "زينب بزيد بن حارثة" وأخذ يحدثها عن حسن أخلاقه ومكانته منه .
ولكن "زينب" لم تتقبل الأمر على الإطلاق ....
وقالت : يا رسول لا أتزوجه أبدآ
فنزل قول الله تعالى:
*وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا*
فقالت السيدة زينب رضي الله عنها : رضيته لي يا رسول الله ؟
قال : نعم
قالت : إذن لا أعصي لله ورسوله أمراً ...
هكذا تم الزواج بين "زيد بن حارثة" وبين السيدة "زينب"
ولكن لم يكن ذلك الزواج الناجح أبداً فالمودة والسكينة كانت معدومة .
لأن السيدة "زينب" لم تنسى أبداً أنها الشريفة بنت عمة رسول الله ....
ولم تنسى أن "زيد" مولى كان رقيقا...
فكانت تعامل "زيد" بجفاء واستعلاء وربما كانت تؤذيه بلسانها .... رضي الله عنها
*أخبر الله تعالى رسوله ﷺ بأنه سيتم إبطال عادة التبني وليس المقصود بذلك هو النهي على كفالة اليتيم*
*بل على العكس الآيات والأحاديث في فضل كفالة اليتيم كثيرة لا حصر لها*
*ولكن عادة التبني التي أبطلها الإسلام هي أن ينسب الطفل الى غير أبيه*
وقد نهي الإسلام عن ذلك لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب...
بينما شجع على التبني دون أن يحمل اسم المتبني .
وأخبر الله تعالى رسوله ﷺ أيضآ بأنه سيتزوج "زينب" رضي الله عنها زوجة إبنه زيد رضي الله عنه بالتبني...
*ليكون هذا الزواج هو التصرف الواقعي والعملي الذي سيقضي على هذه العادة التي لا يرضاها الله تعالى ابداً*
ولذلك كان ترتيب الله تعالى :
١- أن يتزوج "زيد بن حارثة" رضي الله عنه والذي كان اسمه في ذلك الوقت "زيد بن محمد" من السيدة زينب رضي الله عنها
٢- ثم يطلقها "زيد" رضي الله عنه
٣- ثم يتزوج الرسول ﷺ بعد ذلك من أم المؤمنين زينب رضي الله عنها.
*فيكون ذلك إبطالآ واقعياً عمليآ لعادة التبني*
لأن العرب قبل الإسلام وبعد الإسلام كانوا لا يتزوجون أبداً من زوجة الإبن بالتبني...
والسؤال هو :
هل كان يجب أن يكون هذا الزواج للقضاء على عادة التبني أم كان يكفي أن تنزل آية تنهي عن هذا الأمر كله ؟
نقول : إن هذا الزواج كان واجباً لأن التبني أمرا ليس سهلاً أبدآ
فالتبني معناه أن هذا الطفل قد أصبح ابناً لفلان .
ثم يأتي الإسلام ويقول له في لحظة واحدة أن هذا الطفل ليس إبناً لك ....
فهو أمر صعب جداً ولا تتقبله أي نفس بشرية .
وتعب "زيد" كثيراً من جفاء زوجته وصدها وترفعها عليه حتى نفذ صبره .
فذهب إلى الرسول ﷺ ليأخذ رأيه في طلاقها
فقال له ﷺ : *أرابك منها شيء ؟*
فقال زيد رضي الله عنه : لا والله يا رسول الله ما رابني منها شيء ولا رأيت إلا خيراً .
ولكنها تتعظم عليَّ لشرفها وأن فيها كبراً وتؤذيني بلسانها .
فقال له النبي ﷺ : *اتقِ الله ، وأمسك عليك زوجك .*
وعاد "زيد" ليجرب الإحتمال من جديد و "زينب" كانت تزداد نفوراً منه .
فعاد "زيد" إلى النبي ﷺ يطلب منه مفارقة زينب والنبي ﷺ يقول له في كل مرة :
*اتق الله . وأمسك عليك زوجك .*
النبي ﷺ كان يعلم أن هذا الترتيب كان من الله تعالى :
يتزوج زيد من زينب ثم يطلقها ثم يتزوجها النبي ﷺ
ولكنه كان يخشى من كلام المنافقين .....
وقد قلنا أن أعدادهم كانت كبيرة في المدينة وهم يتربصون بالرسول ﷺ .....
فإذا تزوج من "زينب" فسيقولون أنه يأمر بعدم زواج الأب من زوجة إبنه
وقد خالف ذلك وتزوج من زوجة إبنه....
وقد يقولون أنه أمره بطلاقها حتى يتزوجها هو .....
وهو الذي يقوله أعداء الإسلام حتى الآن .
وقد عاتب الله تعالى نبيه ﷺ من خشيته من كلام المنافقين في شيء قد أباحه الله له ....
حتى جاء اليوم الذي طلق "زيد زينب" وانقضت أيام عدتها ...
فنزل قوله تعالى
*وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا .*
*وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ*
وهو ما أعلمه به الله تعالى بأنه سيتزوج من زينب رضي الله عنها
*وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ*
كان النبي ﷺ يخشى من كلام المنافقين إن هو تزوج من زينب رضي الله عنها أنه قد تزوج من زوجة إبنه...
ويعاتبه الله تعالى على خشيته من كلام المنافقين بهذا القدر في أمر قد أباحه الله له ....
*وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ*
بأن تؤدي ما أمرك به من الزواج من زينب رضي الله عنها...
*فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا*
الوطر هو الزواج ....
وبهذا يكون زيد رضي الله عنه هو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن العظيم .
وذلك من فضله طبعاً ولأنه تحمل مع النبي ﷺ العبء النفسي لهذا الموقف ....
ثم يبين الله تعالى الحكمة من ذلك الزواج :
*لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا*
أي حتى لا يشعر أحد من المؤمنين بالحرج في الزواج من زوجات أبنائهن بالتبني إذا طلقوهن .
عندما تم هذا الزواج تكلم المنافقون كما كان يخشى النبي ﷺ ....
وقالوا : حرَّم محمد نساء الولد وقد تزوج زوجة إبنه .
بقي أن نقول أن الرسول ﷺ تزوج من أم المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها
*وكانت تفتخر على زوجات النبي ﷺ وتقول لهن كلكن زوجكن آباءكن وأمهاتكن أما أنا فزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى إلى قيام الساعة*
قال تعالى :
*فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا*
فأنا أكرمكنَّ ولياً وسفيرا
*فأنا أكرمكنَّ ولياً وسفيرا .*
السفير هو جبريل عليه السلام نزل بأمر الله عز وجل يأمره بالزواج من زينب رضي الله عنها
وكان الرسول ﷺ يحبها....
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله ﷺ أي تساويني
وكانت رضي الله عنها صوامة قوامة .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ما رأيت امرأة خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة رضي الله عنها
وكانت رضي الله عنها من حبها للصدقة تصنع أشياء بيدها وكانت تجيد صناعة الأشياء ثم تبيع هذه الأشياء لتتصدق بثمنها .
وقد قال الرسول لزوجاته أمهات المؤمنين وهو في مرض الموت
قال ﷺ : *أولكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً .*
فلما مات النبي الرسول ﷺ كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم : يقسن من هي أطول الزوجات يدآ ليعرفن من هي أولهم لحوقا بالنبي ﷺ
فكانت أمنا "سودة" هي أضخم زوجات النبي ﷺ وأطولهن يداً
فكن يعتقدن أن السيدة "سودة" هي أول من يموت بعد النبي ﷺ .
ولكن كانت أم المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها هي أول من مات بعد الرسول ﷺ .
فعلمن أن قول الرسول ﷺ *أطولكن يدًا* يعني أكثرهن صدقة .
وكان من حبها للصدقة أن في عهد "عمر بن الخطاب" بعد الفتوحات الإسلامية رتب "عمر بن الخطاب" لزوجات الرسول ﷺ راتب سنويا كبيرا ....
فلم يحل الحول على أموال أم المؤمنين زينب رضي الله عنها في أي عام لأنها كانت تتصدق بكل هذا المال .
وعندما جاءت غنائم كثيرة أرسل لها "عمر بن الخطاب" 100 ألف درهم .
فوضعته أمامها ووضعت عليه قطعة قماش وأخذت تأخذ منه وتضعه في صرر ...
وتقول لمن معها اذهبي بهذا إلى بيت فلان .
حتى أنفقته كله
ثم قالت *الحمد لله لا أبيت وكل هذا المال في بيتي*
وماتت السيدة "زينب" في سنة 20 هـ بعد وفاة الرسول ﷺ بعشر سنوات .
ودفنت بالبقيع وصلى عليها "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهم وخرج في جنازتها كل أمهات المؤمنين وقد فهمن حديث النبي ﷺ *أولكم لحوقاً بي أطولكن يداً*
وفي مناسبة زواج النبي ﷺ من أم المؤمنين "زينب" رضي الله عنها *فرض الله الحجاب*
ونزلت آيات الحجاب
الأنوار المحمدية....
يتبع بإذن الله تعالى....