- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الرابعة والستون بعد المائة *164*
*الخروج إلى الحديبية... البداية*
بعد غزوة الأحزاب ، قلنا أن النبي ﷺ أرسل عدد كبير من السرايا في السنة السادسة من الهجرة
فكانت ثمرة هذه السرايا
{{ أن المسلمين هم القوة الإقليمية الأولى في الجزيرة }}
واتجه ميزان القوى بوضوح لصالح المسلمين على حساب قريش .....
في ذلك الوقت وفي شهر شوال من السنة السادسة من الهجرة رأى النبي ﷺ {{ رؤيا في منامه }}
أنه ﷺ وصحابته رضي الله عنهم يدخلون المسجد الحرام وقد حلقوا شعورهم
[[ أي أنهم يدخلون مكة معتمرين ]]
ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى ....
على الفور أعلن ﷺ أنه سيخرج لأداء {{ العمرة }} ودعا كل المسلمين في المدينة للخروج معه ....
وكذلك الأعراب حول المدينة
كانت الفكرة مفاجأة للجميع فالحرب بين المسلمين وقريش قائمة ....
ولم تكن قد مرت على غزوة {{ الأحزاب }} ومحاولة قريش غزو المدينة سوى عام واحد
ومجرد الإقتراب من مكة فيه خطورة شديدة.....
ومع ذلك كانت قوانين الجزيرة العربية وأعراف قريش نفسها تقضي بأنها لا تتعرض قريش لمن يدخل {{ مكة المكرمة }}
مهما كانت بينه وبين قريش من خلافات :
بل على العكس عليها أن تقوم
١- بحمايته
٢- اطعامه وسقايته
٣- خدمته
وقد كان معروفا أن الرجل الذي يرى قاتل أبيه في مكة
فلا يستطيع أن يتعرض له حتى يخرج من الحرم .
فمكة كانت لكل العرب في الجاهلية ... ففيها {{ بيت الله }}
حتى في "الإسلام"
لا يحق منع أي مسلم من دخول مكة المكرمة ....
فهي حق لكل المسلمين ....
وقد توعد الله بالعذاب الأليم والخزي لمن يمنع مسلم واحد من دخول الحرم مهما كنت معه على خلاف ....
قال تعالى .
*إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم .*
ومع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة على الصحابة رضي الله عنهم... لأنه ليس هناك ما يضمن أن قريش ستحترم هذه الأعراف ....
وقد انتهكت قريش أعرافها قبل ذلك كثيرا ....
ولو كان الأمر هكذا سهلاً لذهب بعض المسلمين لأداء العمرة بصورة فردية ولكن هذا لم يحدث ....
ولو حدث لأسرته قريش...
لم تحدث سوى حالتين عمرة فقط منذ هجرة النبي ﷺ
الأولى : بعد الهجرة مباشرة وقد قام بها {{ سعد بن معاذ }} رضي الله عنه وأرضاه .
وعندما عرفه {{ أبو جهل }} تصدى له ومنعه من إستكمال طوافه بالكعبة .
والمرة الثانية بعد الهجرة بثلاثة سنوات قام بها {{ثمامة بن اثال}} سيد بني حنيفة .
وقد رفع صوته وجهر بالتكبير .
وقد تعرضت له قريش كذلك ولكنها لم تستطع منعه لمكانته .
إذآ الأمر ليس سهلا ....
وليس هناك ما يضمن أن قريش لن تتعرض للمسلمين .
بل على العكس تاريخ قريش مع المسلمين يقول : "أن خروج المسلمين لأداء العمرة فيه خطورة شديدة جداً "
ولذلك لم يستجب للنبي ﷺ سوى المؤمنين فقط ....
بينما رفض المنافقون الخروج إلى هذه الرحلة المهلكة من وجهة نظرهم ....
وكذلك لم يخرج الأعراب الذين حول المدينة .
فكان عدد الذين خرجوا مع النبي ﷺ 1400 من الصحابة رضي الله عنهم..
*لكنه كان صف نقي خالص ليس فيه منافقون وليس فيه أناس إيمانهم ضعيف .*
وإذا كان الصف نقي طاهر فلابد أن النصر قريب .
كما كان في بدر وكما في قصة طالوت ....
وغير ذلك من المشاهد .
خرج ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في {{ ذي القعدة }} في نهاية السنة السادسة من الهجرة
وكان مع المسلمين عدد كبير من الإبل لذبحها في مكة .
وهو ما يسمى {{ الهدي }}
والهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقرباً إلى الله تعالى وأفضله هو {{ الإبل }}
وكانت تعليمات النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم هو الخروج بسلاح المسافر فقط .
لأنه خرج لأداء العمرة ولم يخرج للحرب ....
ولم يحملوا معهم ملابس الحرب حتى ولو على سبيل الإحتياط..
"وسلاح المسافر هو السلاح الذي يحمله من يريد السفر ولا يزيد عن سيف أو خنجر .
أما المحارب فإنه يرتدي الدرع ويحمل الترس ويتقلد السيف ويحمل قوسه وسهامه وحربته
وكان الخروج بسلاح المسافر فقط حتى يؤكد النبي ﷺ أنه لم يخرج لحرب وإنما خرج لأداء العمرة .
وكان فيه دليل على شجاعة المسلمين وثقتهم بأنفسهم .
وصل ﷺ والمسلمون إلى {{ ذي الحليفة }} وهي التي نطلق عليها الأن "آبيار علي"
وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة
وأحرم المسلمون من هذا المكان وبدؤوا بالتلبية :
*{{ لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك }}*
وصلت الأخبار إلى قريش بخروج النبي ﷺ والمسلمون لأداء العمرة ....
وأجمعت قريش رأيها على منعهم دخول مكة والتصدي لهم ...
وكان النبي ﷺ في طريقه يسير على بركة الله تعالى..
فعندما وصل المسلمون إلى منطقة {{ كراع الغميم }}
"منطقة تبعد عن مكة 63 كم تقريباً...
وجدوا أن قريش قد جمعت جيشاً لصد المسلمين عن التقدم في اتجاه مكة ...
وكان هذا الجيش مكون من قريش نفسها ومن الأحابيش .
وكان هذا أول مظهر من مظاهر نية قريش منع المسلمين من أداء العمرة ....
وعدم إحترامها للأعراف التي تقضي بعدم التعرض لمن يأتي إلى مكة معتمرآ...
استشار النبي ﷺ صحابته رضي الله عنهم لأن الأمر خطير .
كان رأي البعض هو قتال هؤلاء الأحباش...
وكان ممن تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
فقال : يا رسول الله :
الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد .
ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه...
"أي أننا لا نبدأ أحداً بقتال لأننا خرجنا معتمرين ... ولكننا مع ذلك نكمل طريقنا إلى مكة فإذا إعترض هذا الجيش طريقنا قاتلناه ....
وإذا لم يعترض طريقنا وكان لمجرد التخويف أكملنا طريقنا إلى مكة"
فقبل النبي ﷺ و الصحابة رضي الله عنهم هذا الرأي واستحسنوه ....
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم :
*هل من رجل يأخذ بنا عن غير طريقهم فندخل مكة من غير الطريق المألوف ؟*
لأن الطريق من المدينة إلى مكة معروف طريق أهل الشام .
فأراد أن يخالف تجمعهم وينحرف عن الطريق المعروف فيباغتهم ويدخل مكة لأنه إذا وصل و دخل مكة فلا قتال بالحرم ....
فقال رجل له خبرة بالطرقات
قال : أنا يا رسول الله
فسلك بهم عقبة وثنية...
"أي طريق وعر ومنحني لا يتسع هذا الطريق إلا لرجلين وثلاثة وهكذا ساروا طوال الليل"
فسار النبي ﷺ بالمسلمين في طريق منحرف متجنبا جيش مكة ....
وأكمل المسلمون طريقهم ولم يعترض جيش قريش والأحباش المسلمون .
فلما وصل النبي ﷺم إلى منطقة تسمى "عسفان" تبعد عن مكة حوالي 40 كم تقريباً علمت قريش بذلك
فأرسلت قريش لهم فرقة قوية من الفرسان :
عددها 200 فارس .
وكان على رأسهم "خالد بن الوليد" ووقف ورآءهم جيش مكة من قريش والأحابيش .
في ذلك الوقت جاء موعد "صلاة الظهر" ووقف المسلمون يصلون الظهر ...
والمسلمون لم يأخروا الصلاة عن وقتها إلا في "غزوة الأحزاب" فقط... وقف ﷺ مطمئنا لصلاة الظهر ووقف خلفه المسلمون
كان "خالد بن الوليد" قائد فرسان المشركين يراقبهم من بعيد
وشاهد المسلمون وهم يركعون ويسجدون والأمر يتكرر منهم
ووجد أن هناك فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم...
فسأل من حوله هل سيصلي المسلمون مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال لهم بعضهم : نعم إن لهم صلاةً بعد هذه "أي العصر" هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
فتجهز "خالد بن الوليد" وجهز كتيبته للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر ...
واستعد جيش مكة لذلك الغدر من المسلمين .
"وهذا يدل على خوف جيش مكة الشديد من المسلمين حتى وهم بسلاح المسافر ...
وقريش بكامل عتادها وحتى وهم يملكون 200 فارس .
ولم يكن مع المسلمين فارس واحد .
فنزل جبريل على النبي ﷺ بتشريع "صلاة الخوف"
فلما حضرت صلاة العصر
ووقف ﷺ يصلي بالمسلمين "صلاة الخوف" لأول مرة...
فصلى وصلى خلفه نصف الصحابة رضي الله عنهم
والنصف الثاني من الصحابة وقف خلف المسلمون لحراستهم وأتم ﷺ صلاة ركعتين .
ثم وهو في التشهد سلم الصحابة "أي انهوا الصلاة...
وبقي النبي ﷺ ولم يسلم وانصرف الصحابة رضي الله عنهم ووقفوا للحراسة .
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع النبي ﷺ ....
فلما رأى "خالد بن الوليد" ذلك وهو يراقبهم من بعيد ذهل
وقال متعجباً : إن القوم ممنوعون !!!
كان هذا الموقف له أثر كبير في إسلام "خالد بن الوليد" سيف الله المسلول رضي الله عنه
لأنه أسلم بعد صلح الحديبية بشهور قليلة...
بعد أن صلى المسلمون العصر
عاد "خالد بن الوليد" بكتيبته إلى مكة ليخبر قريش أن محمدًا ومن معه لم يأتوا لقتال ....
وقد ساقوا الهدي وأشعروها وقلدوها محرمين معتمرين .
وكانت مكة في قمة ارتباكها وغير قادرة على اتخاذ أي قرار
ثم إنحرف الرسول ﷺ بالمسلمين مرة أخرى متجنباً جيش مكة .
وأكمل المسلمون طريقهم حتى اقتربوا جداً من مكة ووصلوا إلى وادي "الحديبيبة" أرضه منبسطه ....
سبب تسميته "الحديبية"
لأن فيه {{ بئر }} ماءه قليل يبض الماء بضاً
يجلس الذي يريد أن يشرب منه ساعة حتى يملئ قربته وهو يحني ظهره "فيحدب" ظهر الرجل ...
ومن هذا البئر أخذ المكان إسمه.
وأصبح الموقف شديد الحرج ففي أي لحظة يمكن أن يقع القتال....
في ذلك المكان "الحديبية" أراد النبي ﷺ أن يكمل طريقه ويدخل مكة ....
بركت ناقته "القصواء" ورفضت أن تتحرك ... فزجرها النبي ﷺ فلم تقم وحاول الصحابة رضي الله عنهم أن يدفعونها وأخذوا يقولون لها : حل حل
"حل كلمة عند العرب يزجرون بها الإبل إذا احرنت عن المسير"
ولكنها رفضت التحرك
فقال الصحابة رضي الله عنهم خلأت القصواء .
"يعني أحرنت ورفضت المسير"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يرفع صوته في وجوهنا :
ويقول *ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل .*
*والذي نفسي بيده لا يسألوني "أي قريش" خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .*
القصواء تسير بأمر الله تقودها الملائكة .
فلما رفضت التحرك علم النبي ﷺ أنها مأمورة .
وحبسها الله ومنعها دخول مكة كما منع فيل أبراهة ...
فهم النبي ﷺ عن ربه مشيئة الله لعدم دخوله مكة ليحفظ الله نبيه وأصحابه رضي الله عنهم من غدر قريش .
لذلك هو ﷺ مستعد لقبول حلول أخرى غير أن يدخل المسلمون مكة ويؤدون عمرتهم .
لأن عدم تحرك الناقة وهو أمر ليس من طبيعتها فيه إشارة من الله تعالى إلى عدم الدخول في قتال مع أهل مكة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان لحكمة عند الله تعالى ....
فعسكر النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في ذلك الوادي "الحديبية"
فقال الناس : يارسول الله نزلت بنا على غير ماء وإن بئر "الحديبية" لا يستقي منها الراكب أو الراكبان ونحن كثير
فقال لهم النبي ﷺ : *انظروا هل بها من ماء ؟*
فجاؤا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ليس فيها إلا الدلوين او الثلاث ؟
فأخذ ﷺ سهماً من كنانته وأعطاه لأحد أصحابه رضي الله عنهم .. فقال *إنزل فيها "أي البئر" وأغرسه فيها باسم الله .*
فنزل الرجل وقال بسم الله وغرس السهم في وسط البئر
يقول الصحابه رضي الله عنهم
قالوا : والذي بعثه بالحق لقد أخذ الماء يفور وله هدير كأنه الماء يغلي بالقدور ....
فما أن أسرعنا حتى أخرجنا صاحبنا وإلا كان قد غرق ...
ففار الماء وفاض حتى ملأ البئر .
وكانت فتحة البئر كبيرة يجلس الناس حوله ....
*فجلس أصحاب النبي ﷺ حول البئر يغترفون الماء لايحتاجون لحبل أو دلو ينتشلون الماء*
*اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين*
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....
الحلقة الرابعة والستون بعد المائة *164*
*الخروج إلى الحديبية... البداية*
بعد غزوة الأحزاب ، قلنا أن النبي ﷺ أرسل عدد كبير من السرايا في السنة السادسة من الهجرة
فكانت ثمرة هذه السرايا
{{ أن المسلمين هم القوة الإقليمية الأولى في الجزيرة }}
واتجه ميزان القوى بوضوح لصالح المسلمين على حساب قريش .....
في ذلك الوقت وفي شهر شوال من السنة السادسة من الهجرة رأى النبي ﷺ {{ رؤيا في منامه }}
أنه ﷺ وصحابته رضي الله عنهم يدخلون المسجد الحرام وقد حلقوا شعورهم
[[ أي أنهم يدخلون مكة معتمرين ]]
ورؤيا الأنبياء وحي من الله تعالى ....
على الفور أعلن ﷺ أنه سيخرج لأداء {{ العمرة }} ودعا كل المسلمين في المدينة للخروج معه ....
وكذلك الأعراب حول المدينة
كانت الفكرة مفاجأة للجميع فالحرب بين المسلمين وقريش قائمة ....
ولم تكن قد مرت على غزوة {{ الأحزاب }} ومحاولة قريش غزو المدينة سوى عام واحد
ومجرد الإقتراب من مكة فيه خطورة شديدة.....
ومع ذلك كانت قوانين الجزيرة العربية وأعراف قريش نفسها تقضي بأنها لا تتعرض قريش لمن يدخل {{ مكة المكرمة }}
مهما كانت بينه وبين قريش من خلافات :
بل على العكس عليها أن تقوم
١- بحمايته
٢- اطعامه وسقايته
٣- خدمته
وقد كان معروفا أن الرجل الذي يرى قاتل أبيه في مكة
فلا يستطيع أن يتعرض له حتى يخرج من الحرم .
فمكة كانت لكل العرب في الجاهلية ... ففيها {{ بيت الله }}
حتى في "الإسلام"
لا يحق منع أي مسلم من دخول مكة المكرمة ....
فهي حق لكل المسلمين ....
وقد توعد الله بالعذاب الأليم والخزي لمن يمنع مسلم واحد من دخول الحرم مهما كنت معه على خلاف ....
قال تعالى .
*إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم .*
ومع ذلك لم يكن الأمر بهذه السهولة على الصحابة رضي الله عنهم... لأنه ليس هناك ما يضمن أن قريش ستحترم هذه الأعراف ....
وقد انتهكت قريش أعرافها قبل ذلك كثيرا ....
ولو كان الأمر هكذا سهلاً لذهب بعض المسلمين لأداء العمرة بصورة فردية ولكن هذا لم يحدث ....
ولو حدث لأسرته قريش...
لم تحدث سوى حالتين عمرة فقط منذ هجرة النبي ﷺ
الأولى : بعد الهجرة مباشرة وقد قام بها {{ سعد بن معاذ }} رضي الله عنه وأرضاه .
وعندما عرفه {{ أبو جهل }} تصدى له ومنعه من إستكمال طوافه بالكعبة .
والمرة الثانية بعد الهجرة بثلاثة سنوات قام بها {{ثمامة بن اثال}} سيد بني حنيفة .
وقد رفع صوته وجهر بالتكبير .
وقد تعرضت له قريش كذلك ولكنها لم تستطع منعه لمكانته .
إذآ الأمر ليس سهلا ....
وليس هناك ما يضمن أن قريش لن تتعرض للمسلمين .
بل على العكس تاريخ قريش مع المسلمين يقول : "أن خروج المسلمين لأداء العمرة فيه خطورة شديدة جداً "
ولذلك لم يستجب للنبي ﷺ سوى المؤمنين فقط ....
بينما رفض المنافقون الخروج إلى هذه الرحلة المهلكة من وجهة نظرهم ....
وكذلك لم يخرج الأعراب الذين حول المدينة .
فكان عدد الذين خرجوا مع النبي ﷺ 1400 من الصحابة رضي الله عنهم..
*لكنه كان صف نقي خالص ليس فيه منافقون وليس فيه أناس إيمانهم ضعيف .*
وإذا كان الصف نقي طاهر فلابد أن النصر قريب .
كما كان في بدر وكما في قصة طالوت ....
وغير ذلك من المشاهد .
خرج ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في {{ ذي القعدة }} في نهاية السنة السادسة من الهجرة
وكان مع المسلمين عدد كبير من الإبل لذبحها في مكة .
وهو ما يسمى {{ الهدي }}
والهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقرباً إلى الله تعالى وأفضله هو {{ الإبل }}
وكانت تعليمات النبي ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم هو الخروج بسلاح المسافر فقط .
لأنه خرج لأداء العمرة ولم يخرج للحرب ....
ولم يحملوا معهم ملابس الحرب حتى ولو على سبيل الإحتياط..
"وسلاح المسافر هو السلاح الذي يحمله من يريد السفر ولا يزيد عن سيف أو خنجر .
أما المحارب فإنه يرتدي الدرع ويحمل الترس ويتقلد السيف ويحمل قوسه وسهامه وحربته
وكان الخروج بسلاح المسافر فقط حتى يؤكد النبي ﷺ أنه لم يخرج لحرب وإنما خرج لأداء العمرة .
وكان فيه دليل على شجاعة المسلمين وثقتهم بأنفسهم .
وصل ﷺ والمسلمون إلى {{ ذي الحليفة }} وهي التي نطلق عليها الأن "آبيار علي"
وهو المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة
وأحرم المسلمون من هذا المكان وبدؤوا بالتلبية :
*{{ لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك }}*
وصلت الأخبار إلى قريش بخروج النبي ﷺ والمسلمون لأداء العمرة ....
وأجمعت قريش رأيها على منعهم دخول مكة والتصدي لهم ...
وكان النبي ﷺ في طريقه يسير على بركة الله تعالى..
فعندما وصل المسلمون إلى منطقة {{ كراع الغميم }}
"منطقة تبعد عن مكة 63 كم تقريباً...
وجدوا أن قريش قد جمعت جيشاً لصد المسلمين عن التقدم في اتجاه مكة ...
وكان هذا الجيش مكون من قريش نفسها ومن الأحابيش .
وكان هذا أول مظهر من مظاهر نية قريش منع المسلمين من أداء العمرة ....
وعدم إحترامها للأعراف التي تقضي بعدم التعرض لمن يأتي إلى مكة معتمرآ...
استشار النبي ﷺ صحابته رضي الله عنهم لأن الأمر خطير .
كان رأي البعض هو قتال هؤلاء الأحباش...
وكان ممن تكلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
فقال : يا رسول الله :
الله ورسوله أعلم إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد .
ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه...
"أي أننا لا نبدأ أحداً بقتال لأننا خرجنا معتمرين ... ولكننا مع ذلك نكمل طريقنا إلى مكة فإذا إعترض هذا الجيش طريقنا قاتلناه ....
وإذا لم يعترض طريقنا وكان لمجرد التخويف أكملنا طريقنا إلى مكة"
فقبل النبي ﷺ و الصحابة رضي الله عنهم هذا الرأي واستحسنوه ....
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم :
*هل من رجل يأخذ بنا عن غير طريقهم فندخل مكة من غير الطريق المألوف ؟*
لأن الطريق من المدينة إلى مكة معروف طريق أهل الشام .
فأراد أن يخالف تجمعهم وينحرف عن الطريق المعروف فيباغتهم ويدخل مكة لأنه إذا وصل و دخل مكة فلا قتال بالحرم ....
فقال رجل له خبرة بالطرقات
قال : أنا يا رسول الله
فسلك بهم عقبة وثنية...
"أي طريق وعر ومنحني لا يتسع هذا الطريق إلا لرجلين وثلاثة وهكذا ساروا طوال الليل"
فسار النبي ﷺ بالمسلمين في طريق منحرف متجنبا جيش مكة ....
وأكمل المسلمون طريقهم ولم يعترض جيش قريش والأحباش المسلمون .
فلما وصل النبي ﷺم إلى منطقة تسمى "عسفان" تبعد عن مكة حوالي 40 كم تقريباً علمت قريش بذلك
فأرسلت قريش لهم فرقة قوية من الفرسان :
عددها 200 فارس .
وكان على رأسهم "خالد بن الوليد" ووقف ورآءهم جيش مكة من قريش والأحابيش .
في ذلك الوقت جاء موعد "صلاة الظهر" ووقف المسلمون يصلون الظهر ...
والمسلمون لم يأخروا الصلاة عن وقتها إلا في "غزوة الأحزاب" فقط... وقف ﷺ مطمئنا لصلاة الظهر ووقف خلفه المسلمون
كان "خالد بن الوليد" قائد فرسان المشركين يراقبهم من بعيد
وشاهد المسلمون وهم يركعون ويسجدون والأمر يتكرر منهم
ووجد أن هناك فرصة سانحة لمهاجمة المسلمين وهم في صلاتهم...
فسأل من حوله هل سيصلي المسلمون مثل هذه الصلاة مرة أخرى ؟
فقال لهم بعضهم : نعم إن لهم صلاةً بعد هذه "أي العصر" هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم
فتجهز "خالد بن الوليد" وجهز كتيبته للإنقضاض على المسلمين في صلاة العصر ...
واستعد جيش مكة لذلك الغدر من المسلمين .
"وهذا يدل على خوف جيش مكة الشديد من المسلمين حتى وهم بسلاح المسافر ...
وقريش بكامل عتادها وحتى وهم يملكون 200 فارس .
ولم يكن مع المسلمين فارس واحد .
فنزل جبريل على النبي ﷺ بتشريع "صلاة الخوف"
فلما حضرت صلاة العصر
ووقف ﷺ يصلي بالمسلمين "صلاة الخوف" لأول مرة...
فصلى وصلى خلفه نصف الصحابة رضي الله عنهم
والنصف الثاني من الصحابة وقف خلف المسلمون لحراستهم وأتم ﷺ صلاة ركعتين .
ثم وهو في التشهد سلم الصحابة "أي انهوا الصلاة...
وبقي النبي ﷺ ولم يسلم وانصرف الصحابة رضي الله عنهم ووقفوا للحراسة .
ثم جاء النصف الثاني الذي كان يقوم بمهمة الحراسة فصلى مع النبي ﷺ ....
فلما رأى "خالد بن الوليد" ذلك وهو يراقبهم من بعيد ذهل
وقال متعجباً : إن القوم ممنوعون !!!
كان هذا الموقف له أثر كبير في إسلام "خالد بن الوليد" سيف الله المسلول رضي الله عنه
لأنه أسلم بعد صلح الحديبية بشهور قليلة...
بعد أن صلى المسلمون العصر
عاد "خالد بن الوليد" بكتيبته إلى مكة ليخبر قريش أن محمدًا ومن معه لم يأتوا لقتال ....
وقد ساقوا الهدي وأشعروها وقلدوها محرمين معتمرين .
وكانت مكة في قمة ارتباكها وغير قادرة على اتخاذ أي قرار
ثم إنحرف الرسول ﷺ بالمسلمين مرة أخرى متجنباً جيش مكة .
وأكمل المسلمون طريقهم حتى اقتربوا جداً من مكة ووصلوا إلى وادي "الحديبيبة" أرضه منبسطه ....
سبب تسميته "الحديبية"
لأن فيه {{ بئر }} ماءه قليل يبض الماء بضاً
يجلس الذي يريد أن يشرب منه ساعة حتى يملئ قربته وهو يحني ظهره "فيحدب" ظهر الرجل ...
ومن هذا البئر أخذ المكان إسمه.
وأصبح الموقف شديد الحرج ففي أي لحظة يمكن أن يقع القتال....
في ذلك المكان "الحديبية" أراد النبي ﷺ أن يكمل طريقه ويدخل مكة ....
بركت ناقته "القصواء" ورفضت أن تتحرك ... فزجرها النبي ﷺ فلم تقم وحاول الصحابة رضي الله عنهم أن يدفعونها وأخذوا يقولون لها : حل حل
"حل كلمة عند العرب يزجرون بها الإبل إذا احرنت عن المسير"
ولكنها رفضت التحرك
فقال الصحابة رضي الله عنهم خلأت القصواء .
"يعني أحرنت ورفضت المسير"
يقول الصحابة رضي الله عنهم فما راعنا إلا والنبي ﷺ يرفع صوته في وجوهنا :
ويقول *ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل .*
*والذي نفسي بيده لا يسألوني "أي قريش" خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها .*
القصواء تسير بأمر الله تقودها الملائكة .
فلما رفضت التحرك علم النبي ﷺ أنها مأمورة .
وحبسها الله ومنعها دخول مكة كما منع فيل أبراهة ...
فهم النبي ﷺ عن ربه مشيئة الله لعدم دخوله مكة ليحفظ الله نبيه وأصحابه رضي الله عنهم من غدر قريش .
لذلك هو ﷺ مستعد لقبول حلول أخرى غير أن يدخل المسلمون مكة ويؤدون عمرتهم .
لأن عدم تحرك الناقة وهو أمر ليس من طبيعتها فيه إشارة من الله تعالى إلى عدم الدخول في قتال مع أهل مكة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان لحكمة عند الله تعالى ....
فعسكر النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم في ذلك الوادي "الحديبية"
فقال الناس : يارسول الله نزلت بنا على غير ماء وإن بئر "الحديبية" لا يستقي منها الراكب أو الراكبان ونحن كثير
فقال لهم النبي ﷺ : *انظروا هل بها من ماء ؟*
فجاؤا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ليس فيها إلا الدلوين او الثلاث ؟
فأخذ ﷺ سهماً من كنانته وأعطاه لأحد أصحابه رضي الله عنهم .. فقال *إنزل فيها "أي البئر" وأغرسه فيها باسم الله .*
فنزل الرجل وقال بسم الله وغرس السهم في وسط البئر
يقول الصحابه رضي الله عنهم
قالوا : والذي بعثه بالحق لقد أخذ الماء يفور وله هدير كأنه الماء يغلي بالقدور ....
فما أن أسرعنا حتى أخرجنا صاحبنا وإلا كان قد غرق ...
ففار الماء وفاض حتى ملأ البئر .
وكانت فتحة البئر كبيرة يجلس الناس حوله ....
*فجلس أصحاب النبي ﷺ حول البئر يغترفون الماء لايحتاجون لحبل أو دلو ينتشلون الماء*
*اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين*
الأنوار المحمدية.....
يتبع بإذن الله تعالى....