- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة *189*
*سرية ذات السُلاسل .*
بعد معركة "مؤتة" رجع الصحابة رضي الله عنهم إلى مدينة الحبيب المصطفى ﷺ .
وبلغ رسول الله ﷺ من خلال العيون التي وضعها حول المدينة أن جمعآ من "قضاعة" قد تجمعوا يريدون المدينة ....
قضاعة" كانت قبيلة كبيرة قوية وتبعد عن المدينة المنورة حوالي 600 كم .
وكانت منطقة "قضاعة" تسمي "السُلاسِل"
لأن هناك بئرآ في هذه المنطقة اسمه "السلسل"
وقد كان العرب كثيراً ما يسمون المناطق بأسماء الآبار التي فيها
لأهمية المياه عندهم...
مثل "بدر" على إسم بئر في هذه المنطقة اسمه بدر...
لذلك عرفت هذه السرية بإسم سرية "ذات السُلاسل"
لكي لا تختلط علينا الأمور
هناك أيضاً معركة أخرى عرفت بنفس الإسم أكثر منها شهرة وهي المعركة التي كانت بين المسلمين بقيادة "خالد بن الوليد" وبين الفرس بقيادة "هرمز" في سنة 12 للهجرة في عهد "أبي بكر الصديق رضي الله عنه"
وقد انتهت بانتصار خالد بن الوليد وعرفت "ذات السلاسل"
لأن "هرمز" قائد الفرس في هذه المعركة أمر بربط الجنود بسلاسل حتى لا يفروا .
وكانت النتيجة بعد هزيمة الفرس في هذه المعركة أنهم قتلوا جميعاً لأنهم لم يستطيعوا الفرار
وبالمناسبة فإن المضيق الموجود في الخليج العربي معروف حتى الآن باسم هذا الأمير الفارسي، وكان "هرمز" هذا شديد البغض للإسلام والمسلمين والعرب
لدرجة أن العرب في العراق كانوا يضربون به الأمثال فيقولون "أكفر من هرمز" و "أخبث من هرمز".
نرجع إلى سرية "ذات السلاسل" التي أرسلها النبي ﷺ في جمادى الآخرة من السنة الثامنة ....
فاختار النبي ﷺ لقيادة هذه السرية الصعبة "عمرو بن العاص رضي الله عنه مع أن "عمرو بن العاص" كان قد دخل الإسلام منذ 4 شهور فقط .
ولأن "عمرو بن العاص رضي الله عنه كان من الشخصيات الهامة والمحورية في قريش بل وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام وكان معروفاً بالحكمة والدهاء والحزم وحسن القيادة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤلف قلب "عمرو بن العاص رضي الله عنه ويحفظ له منزلته ومكانته حتى تستفيد منه الدولة الإسلامية وليكون إضافة للدولة الإسلامية .
فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وجعل معه رآية سوداء .
وخرج بالفعل "عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى قضاعة على رأس جيش قوامه 300 من الصحابة رضي الله عنهم
فكان يسير بالليل ويكمن في النهار حتى لا ترصده عيون أعدائه .
زحف بالفعل حتى اقترب من "قضاعة" ووصل إليهم دون أن يشعروا به .
وبعث "عمرو العاص رضي الله عنه العيون فوصل إليه أن أعداد "قضاعة" كبيرة جداً
فأمر الجيش بعدم القتال وأرسل إلى النبي ﷺ في المدينة يطلب منه المدد ....
وسنجد بعد ذلك أن "عمرو بن العاص" رضي الله عنه
في فتوحاته في مصر وفلسطين كان لا يقبل على قتال إلا بعد دراسة متأنية للواقع الذي هو مقبل عليه .
وبالفعل أرسل اليه النبي ﷺ 200 من الصحابة رضي الله عنهم وكان أميرهم "أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وقال النبي ﷺ لأبو عبيدة رضي الله عنه قال له : *إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا*
ومن ضمن الصحابة رضي الله عنهم كان الصحابي الجليل "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه .
الرجل الثاني في الأمة المحمدية بعد رسول الله ﷺ .
والصحابي الجليل "عمر بن الخطاب رضي الله عنه الملهم بالصواب الذي سماه الحبيب المصطفى ﷺ بالفاروق رضي الله عنه وارضاه .
أميرهم "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وعمره في الإسلام 4 أشهور .
لم يكن النبي ﷺ يختار القادة بالأقدمية ولا بالأكبر بالسن ولا بالذي يملك المال ويرشح نفسه
فكان يختار ﷺ الكفاءة والخبرة بالحروب...
ولا يعني الأمارة تكون لمن هو أفضل ، لا
قال ﷺ : *إني لأؤمر الرجل على القوم و فيهم من هو خير منه لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب .*
أي : أنزلوا الناس منازلهم ....
فأصبح جيش المسلمين عددهم 500
ولكن لم يكن معرفاً ولم يحدد النبي ﷺ من هو أمير الجيش
أهو : عمرو بن العاص الأمير الأساسي ؟
أم أبو عبيدة بن الجراح الأمير الذي جاء بالمدد ؟
واعتقد "أبو عبيدة بن الجراح" أنه هو الأمير
وجاء موعد الصلاة
وتقدم "أبو عبيدة رضي الله عنه ليؤم المسلمين .
وكانت العادة أن الأمير هو الذي يؤم المسلمين في الصلاة .
لكن "عمرو بن العاص" قال له إنما قدمت علي مددآ وأنا الأمير
وليس لك أن تؤمني ...
وكان "أبو عبيدة" أحد السابقين في الإسلام.... وأحد العشرة المبشرين بالجنة .
وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة . وشهد بدر وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد
وقال عنه النبي ﷺ أنه "أمين هذه الأمة"
ولذلك غضب لأبو عبيدة من جاء معه...
فقالوا : لعمرو بن العاص كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه
فرفض "عمر بن العاص" هذا الحل لأنه لا يمكن أن يكون هناك قائدان للجيش .
فقال عمرو بن العاص لا بل أنتم مدد لنا
فقال أبو عبيدة بن الجراح أنت الأمير يا عمرو وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك .
فقد قال لي النبي ﷺ : *إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا .*
فقال عمرو بن العاص فإني الأمير عليك .
فقال أبو عبيدة رضي الله عنه فدونك . "يعني خذ الإمارة"
وكان "أبو عبيد بن الجراح" معروفاً بحسن الخلق رضي الله عنه
وتقدم "عمرو بن العاص رضي الله عنه وصلى بالمسلمين وصلى خلفه "أبو عبيدة بن الجراح" وصلى خلفه المهاجرين والأنصار وفيهم "أبو بكر" و "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهم.
من أهم سبب إنتصارات المسلمين في ذلك الوقت ؟؟
*الوحدة وعدم الإختلاف*
من الطبيعي تختلف الأفكار ولكن لا يصل هذا الخلاف إلى النزاع والشقاق وسفك الدماء
وكان المسلمون مهما اختلفوا
يتحدون ويجتمعون حول رأي واحد لأنهم لم يكونوا طلاب دنيا
ولكنهم طلاب آخرة .
رضي الله عنهم أجمعين.
وكان النبي ﷺ يمكن أن يحدد الأمير ولكن ﷺ أراد أن يدرب الصحابة رضي الله عنهم على إدارة خلافاتهم .
وإدارة الأزمات التي يمكن أن تواجه الأمة من بعده ....
هو ﷺ فقط وضع القاعدة وهي *تطاوعا ولا تختلفا*
وذلك قوله تعالى :
*وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ*
تركهم النبي ﷺ يتصرفون بناءاً على هذه القاعدة .
التي لو طبقت لتحققت الوحدة ولما حدث أي خلاف بين المسلمين .
قبل المعركة أراد الجيش أن يوقد نارا للتدفئة في الليل ....
والجو الصحرواي شديد الحرارة نهاراً .... شديد البرودة ليلاً
لكن "عمر بن العاص رضي الله عنه رفض أن يوقد أي رجل نار
غضب الصحابة رضي الله عنهم وغضب "عمر بن الخطاب" وتحدث في هذا الأمر مع "أبو بكر الصديق رضي الله عنهم
وكاد أن يذهب إلى "عمرو بن العاص" ولكن منعه
"أبو بكر رضي الله عنه
فأخذ الناس يشكون "لأبي بكر" شدة البرد .
فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجلس إلى "عمرو بن العاص رضي الله عنهم وكلمه في ذلك فرفض ....
قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وما عليك يا عمرو لو اشعلوا ناراً فقد أهلكهم البرد .
قال : لا لا ، لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : سمعا وطاعة .
وقام في الناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: لا يوقد أحد منكم ناراً "واستجاب الجيش"
بدأ القتال مع "قضاعة" وكانت أعداد "قضاعة" أضعاف أعداد المسلمين .
وقعت معركة هائلة كتب الله تعالى فيها النصر للمسلمين .
وفرت قضاعة من أمام المسلمين وبدأ المسلمين في تتبعهم ومطاردتهم .
ولكن "عمرو بن العاص" أمر المسلمين بعدم تتبع "قضاعة" .
ومرة أخرى يغضب الجيش ولكنهم يطيعون "عمرو بن العاص رضي الله عنه...
ثم كان هناك خلاف آخر حدث أثناء السرية
حيث احتلم "عمرو بن العاص رضي الله عنه في ليلة من الليالي وكانت الليلة شديدة البرودة .
فأشفق أن يغتسل بالماء البارد فتيمم وصلى بالناس صلاة الصبح ...
لم يقتنع الصحابة رضي الله عنهم برأي "عمرو بن العاص رضي الله عنه ولكن حتى هذا أطاعوه فيه وصلوا خلفه .
وعندما عادوا إلى المدينة اشتكى الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ .
فسأله النبي ﷺ : *يا عمرو لما منعتهم أن يوقدوا ناراً ؟*
فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه كرهت أن يرى عدوهم قلة عددهم .
"لأن النار كانت تدل على عدد الجيش" فأخفيت أن هنالك جيش واخفيت عددنا .
فأقره النبي ﷺ على ذلك .
قال : *ولما منعتهم بعدم تتبع قضاعة ليغنموا منهم ؟*
فقال : يا رسول الله كرهتُ أن يتبعوهم فيكون لهم مدد .
فهي أرضهم ونحن لا ندري بها فإذا توغلنا أنعطفوا علينا .
فأحببت أن أنجو بأصحابي وأردهم لك سالمين فما فقدت جندياً واحداً .
"وفعلاً لم يستشهد بهذه السرية أحد"
ومرة أخرى يقر النبي ﷺ بن العاص على رأيه .
قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول لقد صلى بنا وهو جنب .
فقال له النبي ﷺ *أصليت بالناس جنباً يا عمرو ؟*
قال : يا رسول الله إني سمعت الله يقول :
*وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا .*
فإن أنا اغتسلت قتلت نفسي ... فتيممت خشيت أن أقتل نفسي من شدة البرد .
فتبسم الحبيب المصطفى ﷺ ولم يقل شيئا وكان هذا إقرار لإجتهاد عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وأخذ الفقهاء رحمهم الله من ذلك أن "التيمم" يقوم مقام الغسل بالنسبة للجنب مع وجود الماء إذا خشي أن يؤدي استخدام الماء إلى الضرر ....
هذا الموقف من أعظم المواقف التي يشجع فيها النبي ﷺ أمته على الإجتهاد .
وأن الإجتهاد ليس موقوف على أحد .... إن كان من أهل الإجتهاد حقاً.
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...
الحلقة التاسعة و الثمانون بعد المائة *189*
*سرية ذات السُلاسل .*
بعد معركة "مؤتة" رجع الصحابة رضي الله عنهم إلى مدينة الحبيب المصطفى ﷺ .
وبلغ رسول الله ﷺ من خلال العيون التي وضعها حول المدينة أن جمعآ من "قضاعة" قد تجمعوا يريدون المدينة ....
قضاعة" كانت قبيلة كبيرة قوية وتبعد عن المدينة المنورة حوالي 600 كم .
وكانت منطقة "قضاعة" تسمي "السُلاسِل"
لأن هناك بئرآ في هذه المنطقة اسمه "السلسل"
وقد كان العرب كثيراً ما يسمون المناطق بأسماء الآبار التي فيها
لأهمية المياه عندهم...
مثل "بدر" على إسم بئر في هذه المنطقة اسمه بدر...
لذلك عرفت هذه السرية بإسم سرية "ذات السُلاسل"
لكي لا تختلط علينا الأمور
هناك أيضاً معركة أخرى عرفت بنفس الإسم أكثر منها شهرة وهي المعركة التي كانت بين المسلمين بقيادة "خالد بن الوليد" وبين الفرس بقيادة "هرمز" في سنة 12 للهجرة في عهد "أبي بكر الصديق رضي الله عنه"
وقد انتهت بانتصار خالد بن الوليد وعرفت "ذات السلاسل"
لأن "هرمز" قائد الفرس في هذه المعركة أمر بربط الجنود بسلاسل حتى لا يفروا .
وكانت النتيجة بعد هزيمة الفرس في هذه المعركة أنهم قتلوا جميعاً لأنهم لم يستطيعوا الفرار
وبالمناسبة فإن المضيق الموجود في الخليج العربي معروف حتى الآن باسم هذا الأمير الفارسي، وكان "هرمز" هذا شديد البغض للإسلام والمسلمين والعرب
لدرجة أن العرب في العراق كانوا يضربون به الأمثال فيقولون "أكفر من هرمز" و "أخبث من هرمز".
نرجع إلى سرية "ذات السلاسل" التي أرسلها النبي ﷺ في جمادى الآخرة من السنة الثامنة ....
فاختار النبي ﷺ لقيادة هذه السرية الصعبة "عمرو بن العاص رضي الله عنه مع أن "عمرو بن العاص" كان قد دخل الإسلام منذ 4 شهور فقط .
ولأن "عمرو بن العاص رضي الله عنه كان من الشخصيات الهامة والمحورية في قريش بل وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام وكان معروفاً بالحكمة والدهاء والحزم وحسن القيادة .
فأراد النبي ﷺ أن يؤلف قلب "عمرو بن العاص رضي الله عنه ويحفظ له منزلته ومكانته حتى تستفيد منه الدولة الإسلامية وليكون إضافة للدولة الإسلامية .
فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وجعل معه رآية سوداء .
وخرج بالفعل "عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى قضاعة على رأس جيش قوامه 300 من الصحابة رضي الله عنهم
فكان يسير بالليل ويكمن في النهار حتى لا ترصده عيون أعدائه .
زحف بالفعل حتى اقترب من "قضاعة" ووصل إليهم دون أن يشعروا به .
وبعث "عمرو العاص رضي الله عنه العيون فوصل إليه أن أعداد "قضاعة" كبيرة جداً
فأمر الجيش بعدم القتال وأرسل إلى النبي ﷺ في المدينة يطلب منه المدد ....
وسنجد بعد ذلك أن "عمرو بن العاص" رضي الله عنه
في فتوحاته في مصر وفلسطين كان لا يقبل على قتال إلا بعد دراسة متأنية للواقع الذي هو مقبل عليه .
وبالفعل أرسل اليه النبي ﷺ 200 من الصحابة رضي الله عنهم وكان أميرهم "أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وقال النبي ﷺ لأبو عبيدة رضي الله عنه قال له : *إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا*
ومن ضمن الصحابة رضي الله عنهم كان الصحابي الجليل "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه وأرضاه .
الرجل الثاني في الأمة المحمدية بعد رسول الله ﷺ .
والصحابي الجليل "عمر بن الخطاب رضي الله عنه الملهم بالصواب الذي سماه الحبيب المصطفى ﷺ بالفاروق رضي الله عنه وارضاه .
أميرهم "عمرو بن العاص" رضي الله عنه وعمره في الإسلام 4 أشهور .
لم يكن النبي ﷺ يختار القادة بالأقدمية ولا بالأكبر بالسن ولا بالذي يملك المال ويرشح نفسه
فكان يختار ﷺ الكفاءة والخبرة بالحروب...
ولا يعني الأمارة تكون لمن هو أفضل ، لا
قال ﷺ : *إني لأؤمر الرجل على القوم و فيهم من هو خير منه لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب .*
أي : أنزلوا الناس منازلهم ....
فأصبح جيش المسلمين عددهم 500
ولكن لم يكن معرفاً ولم يحدد النبي ﷺ من هو أمير الجيش
أهو : عمرو بن العاص الأمير الأساسي ؟
أم أبو عبيدة بن الجراح الأمير الذي جاء بالمدد ؟
واعتقد "أبو عبيدة بن الجراح" أنه هو الأمير
وجاء موعد الصلاة
وتقدم "أبو عبيدة رضي الله عنه ليؤم المسلمين .
وكانت العادة أن الأمير هو الذي يؤم المسلمين في الصلاة .
لكن "عمرو بن العاص" قال له إنما قدمت علي مددآ وأنا الأمير
وليس لك أن تؤمني ...
وكان "أبو عبيدة" أحد السابقين في الإسلام.... وأحد العشرة المبشرين بالجنة .
وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة . وشهد بدر وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد
وقال عنه النبي ﷺ أنه "أمين هذه الأمة"
ولذلك غضب لأبو عبيدة من جاء معه...
فقالوا : لعمرو بن العاص كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه
فرفض "عمر بن العاص" هذا الحل لأنه لا يمكن أن يكون هناك قائدان للجيش .
فقال عمرو بن العاص لا بل أنتم مدد لنا
فقال أبو عبيدة بن الجراح أنت الأمير يا عمرو وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك .
فقد قال لي النبي ﷺ : *إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا .*
فقال عمرو بن العاص فإني الأمير عليك .
فقال أبو عبيدة رضي الله عنه فدونك . "يعني خذ الإمارة"
وكان "أبو عبيد بن الجراح" معروفاً بحسن الخلق رضي الله عنه
وتقدم "عمرو بن العاص رضي الله عنه وصلى بالمسلمين وصلى خلفه "أبو عبيدة بن الجراح" وصلى خلفه المهاجرين والأنصار وفيهم "أبو بكر" و "عمر بن الخطاب" رضي الله عنهم.
من أهم سبب إنتصارات المسلمين في ذلك الوقت ؟؟
*الوحدة وعدم الإختلاف*
من الطبيعي تختلف الأفكار ولكن لا يصل هذا الخلاف إلى النزاع والشقاق وسفك الدماء
وكان المسلمون مهما اختلفوا
يتحدون ويجتمعون حول رأي واحد لأنهم لم يكونوا طلاب دنيا
ولكنهم طلاب آخرة .
رضي الله عنهم أجمعين.
وكان النبي ﷺ يمكن أن يحدد الأمير ولكن ﷺ أراد أن يدرب الصحابة رضي الله عنهم على إدارة خلافاتهم .
وإدارة الأزمات التي يمكن أن تواجه الأمة من بعده ....
هو ﷺ فقط وضع القاعدة وهي *تطاوعا ولا تختلفا*
وذلك قوله تعالى :
*وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ*
تركهم النبي ﷺ يتصرفون بناءاً على هذه القاعدة .
التي لو طبقت لتحققت الوحدة ولما حدث أي خلاف بين المسلمين .
قبل المعركة أراد الجيش أن يوقد نارا للتدفئة في الليل ....
والجو الصحرواي شديد الحرارة نهاراً .... شديد البرودة ليلاً
لكن "عمر بن العاص رضي الله عنه رفض أن يوقد أي رجل نار
غضب الصحابة رضي الله عنهم وغضب "عمر بن الخطاب" وتحدث في هذا الأمر مع "أبو بكر الصديق رضي الله عنهم
وكاد أن يذهب إلى "عمرو بن العاص" ولكن منعه
"أبو بكر رضي الله عنه
فأخذ الناس يشكون "لأبي بكر" شدة البرد .
فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجلس إلى "عمرو بن العاص رضي الله عنهم وكلمه في ذلك فرفض ....
قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وما عليك يا عمرو لو اشعلوا ناراً فقد أهلكهم البرد .
قال : لا لا ، لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : سمعا وطاعة .
وقام في الناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: لا يوقد أحد منكم ناراً "واستجاب الجيش"
بدأ القتال مع "قضاعة" وكانت أعداد "قضاعة" أضعاف أعداد المسلمين .
وقعت معركة هائلة كتب الله تعالى فيها النصر للمسلمين .
وفرت قضاعة من أمام المسلمين وبدأ المسلمين في تتبعهم ومطاردتهم .
ولكن "عمرو بن العاص" أمر المسلمين بعدم تتبع "قضاعة" .
ومرة أخرى يغضب الجيش ولكنهم يطيعون "عمرو بن العاص رضي الله عنه...
ثم كان هناك خلاف آخر حدث أثناء السرية
حيث احتلم "عمرو بن العاص رضي الله عنه في ليلة من الليالي وكانت الليلة شديدة البرودة .
فأشفق أن يغتسل بالماء البارد فتيمم وصلى بالناس صلاة الصبح ...
لم يقتنع الصحابة رضي الله عنهم برأي "عمرو بن العاص رضي الله عنه ولكن حتى هذا أطاعوه فيه وصلوا خلفه .
وعندما عادوا إلى المدينة اشتكى الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ .
فسأله النبي ﷺ : *يا عمرو لما منعتهم أن يوقدوا ناراً ؟*
فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه كرهت أن يرى عدوهم قلة عددهم .
"لأن النار كانت تدل على عدد الجيش" فأخفيت أن هنالك جيش واخفيت عددنا .
فأقره النبي ﷺ على ذلك .
قال : *ولما منعتهم بعدم تتبع قضاعة ليغنموا منهم ؟*
فقال : يا رسول الله كرهتُ أن يتبعوهم فيكون لهم مدد .
فهي أرضهم ونحن لا ندري بها فإذا توغلنا أنعطفوا علينا .
فأحببت أن أنجو بأصحابي وأردهم لك سالمين فما فقدت جندياً واحداً .
"وفعلاً لم يستشهد بهذه السرية أحد"
ومرة أخرى يقر النبي ﷺ بن العاص على رأيه .
قال الصحابة رضي الله عنهم يا رسول لقد صلى بنا وهو جنب .
فقال له النبي ﷺ *أصليت بالناس جنباً يا عمرو ؟*
قال : يا رسول الله إني سمعت الله يقول :
*وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا .*
فإن أنا اغتسلت قتلت نفسي ... فتيممت خشيت أن أقتل نفسي من شدة البرد .
فتبسم الحبيب المصطفى ﷺ ولم يقل شيئا وكان هذا إقرار لإجتهاد عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وأخذ الفقهاء رحمهم الله من ذلك أن "التيمم" يقوم مقام الغسل بالنسبة للجنب مع وجود الماء إذا خشي أن يؤدي استخدام الماء إلى الضرر ....
هذا الموقف من أعظم المواقف التي يشجع فيها النبي ﷺ أمته على الإجتهاد .
وأن الإجتهاد ليس موقوف على أحد .... إن كان من أهل الإجتهاد حقاً.
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى...