- إنضم
- 20 أغسطس 2022
- المشاركات
- 313,171
- مستوى التفاعل
- 44,369
- النقاط
- 113
*سيرة الحبيب المصطفى ﷺ .*
الحلقة الثانية عشر بعد المئتيين *212*
*المخلفون عن تبوك . الجزء الثاني .*
نحن الآن مع قصة هؤلاء الثلاثة من الصحابة .
"كعب وهلال ومرارة" رضي الله عنهم
قال النبي ﷺ لكعب رضي الله عنه : *قم حتى يحكم الله فيك .*
وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء
يقول كعب رضي الله عنه : وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني
"من المحبين له من أقاربه وأصحابه يريدون أن ينصحوه "
فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا .
لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلّفون ....
فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ لك ....
"طلبوا منه أن يفعل كما فعل غيره من المنافقين .
فكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر في التراجع ويقدم حجج للنبي ﷺ
قال كعب رضي الله عنه : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ....
ولكن الله ثبت قلبه وزاد من ثباته أنه تذكر أمرا في غاية الأهمية
قال ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي من أحد ؟
"يعني هل هناك من الصحابة غيري لقوا من النبي ﷺ السخط لتخلفهم عنه"
قالوا : نعم لقيه معك رجلان هلال بن أمية و مرارة بن الربيع
قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلت...
فقيل لهما مثل ما قيل لك .
فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معه قد حصل مع غيره من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يخفف عنه ....
خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم"
فقلت : مرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية ؟؟
رجلان أعرف صلاحهما وصدقهما
قال : فاطمأنت نفسي .
لقد ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرآ فيهما أسوة .
*ثم كان الإبتلاء الثاني وهي "المقاطعة"*
مقاطعة المجتمع له بكل فئاته
حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل معهم .
وكان ذلك شديداً عليهم ...
يقول كعب رضي الله عنه : حتى تنكرت لي في نفسي الأرض .
فما هي بالأرض التي أعرف .
واستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوماً ذاق فيها كعب وأصحابه رضي الله عنهم من المصاعب ما ذاقوا .
يقول كعب رضي الله عنه :
فلم يكلمنا من المسلمين أحد
كنا نطرح السلام على الرجل فلا يرد علينا أحد .
أما صاحبي "هلال ومرارة" لزما بيتهما وأخذهم البكاء وكنت أشب منهما .
فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد من المسلمين .
وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ...
فكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ "
نبي الرحمة ﷺ إذا صلى كعب رضي الله عنه ينظر إليه بشفقة"
وإذا انتهيت من الصلاة صرف نظره عني .
وكنت أخشى أن تقبض روحي وأنا بهذه المقاطعة فإن الأعمار بيد الله وحده فأموت ولا يصلي علي النبي ﷺ فأخسر الدنيا والآخرة ....
أو أن يختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الموت آتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة فتبقى المقاطعة بيني وبين المسلمين أمر لن يغيره أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
فكنت أتمنى أن تنتهي هذه المقاطعة فأموت فيصلي علي النبي ﷺ .
حتى إذا مضى الشهر جاء رسول من رسول الله .
وقال لي: يا كعب رضي الله عنه: يأمركم رسول الله أن تعتزلوا نسائكم .
"أي هو وصاحبيه ، هلال ومرارة"
فقلت له: أطلقها أم ماذا أصنع ؟؟
قال: إعتزلها
فقلت لزوجتي إلحقي بأهلك حتى يحكم الله فينا .
وأصبحت أبيت على سطح داري وأتوجه إلى الله تعالى بالدعاء
و جاءت زوجة "هلال بن أمية " وكان كبير بالسن وليس عنده من يخدمه ....
فقالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي :
إن هلال كبير في السن وليس هنالك من يخدمه : أتأذن لي أن أصنع له طعامه واغسل له ثيابه ؟
قال *اخدميه ولكن لا يقربنك بشيء فإنه لا يحل له ذلك .*
فقالت: بأبي وأمي أنت
والله مابه حراك بشيء .
فإنه منذ أن أمرت الناس بمقاطعته ما جف له دمع ولا تناول طعام ولا نام بليل .
وهكذا تستمر المقاطعة بلياليها الطويلة.....
اضطروا فيها إلى ضرورة الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم .
يقول كعب رضي الله عنه حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ .
فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فوالله ما ردَّ علي السلام .
فكررتها فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فلم يرد علي السلام....
"ويزداد الألم حتى أصبح كعب رضي الله عنه يشك في نفسه فيبحث عن إجابات يدحض بها هذا الشك عن نفسه عند أعز الناس عليه ابن عمه أبي قتادة وأعز أصحابه رضي الله عنهم
ولكن لا أحد من المسلمين يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ
قال فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال . فسكت .
فأعدت السؤال عليه
وقلت : نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال: فسكت ولم يرد علي بشيء
يقول كعب رضي الله عنه : فكادت أن تزهق روحي فصرخت بأعلى ما أملك من صوت .
نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
فقال : ابا قتادة بصوت منخفض بينه وبين نفسه : الله ورسوله أعلم.
يقول كعب رضي الله عنه: ففاضت عيناي بالبكاء وتوليت حتى تسورت الجدار .
بعد هذه المقابلة الصعبة وبعد هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة رضي الله عنه.
*جاءه الابتلاء الثالث*
يقول كعب رضي الله عنه وبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة .
يقول :من يدلني على كعب بن مالك ؟
قال : فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني . فدفع إليَّ كتابا من "ملك غسان" مكتوب بماء الذهب وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه ....
"من ملك غسان إلى كعب بن مالك أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة
فالحق بنا نواسك"
استغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر فيها كعب رضي الله عنه
فكعب رضي الله عنه له مكانته في المجتمع....
وكان معروف بشعره ومكانته ويعلم ملك غسان لو إرتد كعب رضي الله عنه عن دينه لكان أثر ذلك في شق صف المسلمين .
لذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك .
فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب رضي الله عنه بمثابة "الإبتلاء "
يقول كعب رضي الله عنه :
فحين قرأت الرسالة فتوجهت مسرعاً إلى منزلي ورميت بها بالتنور فسجرتها به حتى لا تميل لها نفسي يوما .
حرق "كعب بن مالك" رضي الله عنه : ذلك الكتاب ولم يندم وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم توجهت نحو المسجد ، وإذا رسول الله ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم
فدخلت فسلمت فلم يرد علي أحد...
فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد طال هجرك لي حتى طمع بي أهل الروم .....
قال : فلم يرد علي بشيء ولم يحرك ساكناً .
فطفقت أبكي في المسجد بصوت مسموع حتى قارب هجرنا خمسين ليلة .
فصليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ....
والآن ننتقل إلى بيت رسول الله ﷺ وهو في حجرة "أم سلمة" رضي الله عنها .
كان يصلي قيام الليل صلوات ربي وسلامه عليه
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق .
وكان ﷺ إذا أتاه الوحي استنار وجهه كأنه البدر ليلة التمام..
قالت: فسلم عن شماله ثم التفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً .
وهو يقول : *بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه .*
تقول أم سلمة رضي الله عنها فوثبت : "على جلالة قدرها وكبر سنها" وأخذت خماري..
ثم تداركت وقلت : بأبي وأمي يارسول الله أتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب رضي الله عنه
قالت : فقال لي متلطفاً *يا أم سلمة إذن يحطمكم الناس .*
"إذا انطلقتي الآن بالبشرى وشاع الخبر سيتوافد الناس إلى المسجد "
إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم من النوم .
حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر .
قالت : ومضى ﷺ في قيامه إلى صلاة الفجر وكان لا يخرج إلى مصلاه إلا عند إقامة الصلاة .
"لأن دخوله للمسجد كان إشعاراً لإقامة الصلاة فكان يصلي السنة في حجراته" صلى الله عليه وسلم...
قالت : وخرج إلى صلاة الفجر ثم دخل المسجد فأقام الصلاة بلال رضي الله عنه ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه رضي الله عنهم
تقول أم سلمة رضي الله عنها وكنت أنا في مصلى النساء ورآءهم :
"لم يكن المصلى معزول كما نعرفه اليوم في مساجدنا .
الرجال يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهم الصبية وخلف الصبية تصلي النساء فكان يرى بعضهم بعضا "
قالت: فاستقبلنا ﷺ وتلى الآيات في التوبة التي نزلت بحق "كعب وهلال ومرارة" وأعلن أن الله قد تاب على كعب وصاحبيه رضي الله عنهم...
تقول أم سلمة رضي الله عنها : فوثب شيخ الصحابة و وثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب رضي الله عنهم...
انظروا ياله من مشهد
يقول : أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأدركت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيسبقني فقد كان أخف مني وأسرع .
فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك ....
ويكررها أبو بكر بأعلى صوته
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
يقول كعب رضي الله عنه فبينما أنا جالس على سطح داري وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ يصيح و يقول بأعلى صوته .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
فلما سمعت الصوت وأيقنت أنه ابو بكر رضي الله عنه
نظرت فإذا عمر رضي الله عنه يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي
ويقول : أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك .
لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين أصحابه رضي الله عنهم في المسجد ينتظرونك .
قال : فلم أتمالك نفسي فخررت ساجداً لله
ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته
فالبشرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ووالله الذي لا إله إلا هو لم أكن أملك في ذلك اليوم شيء ....
لأني تصدقت بكل أملك و كنت لا أملك إلا ثوبان
فقلت : هما لأبي بكر رضي الله عنه واستعرت ثوبين فلبستهما
يقول كعب رضي الله عنه فأقبل الناس يبشروننا أنا وصاحبي "هلال ومرارة" رضي الله عنهم
يقول:فأنطلقت إلى مسجد رسول الله ﷺ .
وأخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني .
حتى دخلت المسجد أمشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله ﷺ وهو ينظر إلي وقد أشرق وجهه .
فقال : *أبشر يا كعب ورفع يده اليمنى أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك أمك .*
فقلت : أمن عندك يارسول الله ، أم من عند الله ؟
قال *بل من عند الله .*
قال : فأكببت أقبل رأسه ويديه ثم جلست وتلى علينا الآيات .
وبمناسبة هذه الآيات سميت السورة بسورة التوبة .
قال تعالى :
*لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .*
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله إن من توبتي لله وعهد علي أن أخرج من مالي كله لله .
فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله .
فقال النبي ﷺ *لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك .*
فقلت : اتصدق بنصفه
قال *لا ...*
قلت . ثلثه .
قال *ثلثه والثلث كثير ..*
قال كعب رضي الله عنه فجئت بثلث مالي .
وجاء هلال بثلث ماله .
وجاء مرارة بثلث ماله .
وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء .
وأثنى الله على ذلك بنص قرآني .
قال تعالى :
*خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .*
يقول كعب رضي الله عنه : ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة
فقلت على ملأ من الصحابة رضي الله عنهم يارسول إن عهد الله علي بأن لا أتكلم بعد اليوم إلا صدقاً .
فكنت ممن ابلاني الله بالصدق واسأله أن يحفظه علي حتى ألقاه وهو راضٍ عني .
فكان يعرف كعب رضي الله عنه بأنه الصادق والصديق .
*في قصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم فوائد وعبر يرجع إلى كتب السيرة النبوية ويستفاد منها*
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....
الحلقة الثانية عشر بعد المئتيين *212*
*المخلفون عن تبوك . الجزء الثاني .*
نحن الآن مع قصة هؤلاء الثلاثة من الصحابة .
"كعب وهلال ومرارة" رضي الله عنهم
قال النبي ﷺ لكعب رضي الله عنه : *قم حتى يحكم الله فيك .*
وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء
يقول كعب رضي الله عنه : وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني
"من المحبين له من أقاربه وأصحابه يريدون أن ينصحوه "
فقالوا لي : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا .
لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلّفون ....
فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ لك ....
"طلبوا منه أن يفعل كما فعل غيره من المنافقين .
فكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر في التراجع ويقدم حجج للنبي ﷺ
قال كعب رضي الله عنه : فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ....
ولكن الله ثبت قلبه وزاد من ثباته أنه تذكر أمرا في غاية الأهمية
قال ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي من أحد ؟
"يعني هل هناك من الصحابة غيري لقوا من النبي ﷺ السخط لتخلفهم عنه"
قالوا : نعم لقيه معك رجلان هلال بن أمية و مرارة بن الربيع
قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قلت...
فقيل لهما مثل ما قيل لك .
فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معه قد حصل مع غيره من الصحابة رضي الله عنهم فهذا يخفف عنه ....
خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم"
فقلت : مرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية ؟؟
رجلان أعرف صلاحهما وصدقهما
قال : فاطمأنت نفسي .
لقد ذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرآ فيهما أسوة .
*ثم كان الإبتلاء الثاني وهي "المقاطعة"*
مقاطعة المجتمع له بكل فئاته
حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل معهم .
وكان ذلك شديداً عليهم ...
يقول كعب رضي الله عنه : حتى تنكرت لي في نفسي الأرض .
فما هي بالأرض التي أعرف .
واستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوماً ذاق فيها كعب وأصحابه رضي الله عنهم من المصاعب ما ذاقوا .
يقول كعب رضي الله عنه :
فلم يكلمنا من المسلمين أحد
كنا نطرح السلام على الرجل فلا يرد علينا أحد .
أما صاحبي "هلال ومرارة" لزما بيتهما وأخذهم البكاء وكنت أشب منهما .
فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد من المسلمين .
وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ...
فكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ "
نبي الرحمة ﷺ إذا صلى كعب رضي الله عنه ينظر إليه بشفقة"
وإذا انتهيت من الصلاة صرف نظره عني .
وكنت أخشى أن تقبض روحي وأنا بهذه المقاطعة فإن الأعمار بيد الله وحده فأموت ولا يصلي علي النبي ﷺ فأخسر الدنيا والآخرة ....
أو أن يختار الله نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الموت آتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة فتبقى المقاطعة بيني وبين المسلمين أمر لن يغيره أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
فكنت أتمنى أن تنتهي هذه المقاطعة فأموت فيصلي علي النبي ﷺ .
حتى إذا مضى الشهر جاء رسول من رسول الله .
وقال لي: يا كعب رضي الله عنه: يأمركم رسول الله أن تعتزلوا نسائكم .
"أي هو وصاحبيه ، هلال ومرارة"
فقلت له: أطلقها أم ماذا أصنع ؟؟
قال: إعتزلها
فقلت لزوجتي إلحقي بأهلك حتى يحكم الله فينا .
وأصبحت أبيت على سطح داري وأتوجه إلى الله تعالى بالدعاء
و جاءت زوجة "هلال بن أمية " وكان كبير بالسن وليس عنده من يخدمه ....
فقالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي :
إن هلال كبير في السن وليس هنالك من يخدمه : أتأذن لي أن أصنع له طعامه واغسل له ثيابه ؟
قال *اخدميه ولكن لا يقربنك بشيء فإنه لا يحل له ذلك .*
فقالت: بأبي وأمي أنت
والله مابه حراك بشيء .
فإنه منذ أن أمرت الناس بمقاطعته ما جف له دمع ولا تناول طعام ولا نام بليل .
وهكذا تستمر المقاطعة بلياليها الطويلة.....
اضطروا فيها إلى ضرورة الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم .
يقول كعب رضي الله عنه حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إليَّ .
فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فوالله ما ردَّ علي السلام .
فكررتها فقلت: يا ابن عم السلام عليك .
فلم يرد علي السلام....
"ويزداد الألم حتى أصبح كعب رضي الله عنه يشك في نفسه فيبحث عن إجابات يدحض بها هذا الشك عن نفسه عند أعز الناس عليه ابن عمه أبي قتادة وأعز أصحابه رضي الله عنهم
ولكن لا أحد من المسلمين يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ
قال فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال . فسكت .
فأعدت السؤال عليه
وقلت : نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
قال: فسكت ولم يرد علي بشيء
يقول كعب رضي الله عنه : فكادت أن تزهق روحي فصرخت بأعلى ما أملك من صوت .
نشدتك الله هل تعلمن أني أحب الله و رسوله ؟
فقال : ابا قتادة بصوت منخفض بينه وبين نفسه : الله ورسوله أعلم.
يقول كعب رضي الله عنه: ففاضت عيناي بالبكاء وتوليت حتى تسورت الجدار .
بعد هذه المقابلة الصعبة وبعد هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة رضي الله عنه.
*جاءه الابتلاء الثالث*
يقول كعب رضي الله عنه وبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة .
يقول :من يدلني على كعب بن مالك ؟
قال : فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني . فدفع إليَّ كتابا من "ملك غسان" مكتوب بماء الذهب وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه ....
"من ملك غسان إلى كعب بن مالك أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة
فالحق بنا نواسك"
استغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر فيها كعب رضي الله عنه
فكعب رضي الله عنه له مكانته في المجتمع....
وكان معروف بشعره ومكانته ويعلم ملك غسان لو إرتد كعب رضي الله عنه عن دينه لكان أثر ذلك في شق صف المسلمين .
لذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك .
فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب رضي الله عنه بمثابة "الإبتلاء "
يقول كعب رضي الله عنه :
فحين قرأت الرسالة فتوجهت مسرعاً إلى منزلي ورميت بها بالتنور فسجرتها به حتى لا تميل لها نفسي يوما .
حرق "كعب بن مالك" رضي الله عنه : ذلك الكتاب ولم يندم وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم توجهت نحو المسجد ، وإذا رسول الله ﷺ بين أصحابه رضي الله عنهم
فدخلت فسلمت فلم يرد علي أحد...
فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد طال هجرك لي حتى طمع بي أهل الروم .....
قال : فلم يرد علي بشيء ولم يحرك ساكناً .
فطفقت أبكي في المسجد بصوت مسموع حتى قارب هجرنا خمسين ليلة .
فصليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ....
والآن ننتقل إلى بيت رسول الله ﷺ وهو في حجرة "أم سلمة" رضي الله عنها .
كان يصلي قيام الليل صلوات ربي وسلامه عليه
تقول أم سلمة رضي الله عنها :
فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق .
وكان ﷺ إذا أتاه الوحي استنار وجهه كأنه البدر ليلة التمام..
قالت: فسلم عن شماله ثم التفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً .
وهو يقول : *بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه .*
تقول أم سلمة رضي الله عنها فوثبت : "على جلالة قدرها وكبر سنها" وأخذت خماري..
ثم تداركت وقلت : بأبي وأمي يارسول الله أتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب رضي الله عنه
قالت : فقال لي متلطفاً *يا أم سلمة إذن يحطمكم الناس .*
"إذا انطلقتي الآن بالبشرى وشاع الخبر سيتوافد الناس إلى المسجد "
إذن يحطمكم الناس ويمنعوكم من النوم .
حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر .
قالت : ومضى ﷺ في قيامه إلى صلاة الفجر وكان لا يخرج إلى مصلاه إلا عند إقامة الصلاة .
"لأن دخوله للمسجد كان إشعاراً لإقامة الصلاة فكان يصلي السنة في حجراته" صلى الله عليه وسلم...
قالت : وخرج إلى صلاة الفجر ثم دخل المسجد فأقام الصلاة بلال رضي الله عنه ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه رضي الله عنهم
تقول أم سلمة رضي الله عنها وكنت أنا في مصلى النساء ورآءهم :
"لم يكن المصلى معزول كما نعرفه اليوم في مساجدنا .
الرجال يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفهم الصبية وخلف الصبية تصلي النساء فكان يرى بعضهم بعضا "
قالت: فاستقبلنا ﷺ وتلى الآيات في التوبة التي نزلت بحق "كعب وهلال ومرارة" وأعلن أن الله قد تاب على كعب وصاحبيه رضي الله عنهم...
تقول أم سلمة رضي الله عنها : فوثب شيخ الصحابة و وثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب رضي الله عنهم...
انظروا ياله من مشهد
يقول : أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأدركت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيسبقني فقد كان أخف مني وأسرع .
فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك ....
ويكررها أبو بكر بأعلى صوته
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
ياااا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
يقول كعب رضي الله عنه فبينما أنا جالس على سطح داري وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ يصيح و يقول بأعلى صوته .
يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك
فلما سمعت الصوت وأيقنت أنه ابو بكر رضي الله عنه
نظرت فإذا عمر رضي الله عنه يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي
ويقول : أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك .
لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين أصحابه رضي الله عنهم في المسجد ينتظرونك .
قال : فلم أتمالك نفسي فخررت ساجداً لله
ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته
فالبشرى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ووالله الذي لا إله إلا هو لم أكن أملك في ذلك اليوم شيء ....
لأني تصدقت بكل أملك و كنت لا أملك إلا ثوبان
فقلت : هما لأبي بكر رضي الله عنه واستعرت ثوبين فلبستهما
يقول كعب رضي الله عنه فأقبل الناس يبشروننا أنا وصاحبي "هلال ومرارة" رضي الله عنهم
يقول:فأنطلقت إلى مسجد رسول الله ﷺ .
وأخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة
ويقولون هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني .
حتى دخلت المسجد أمشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله ﷺ وهو ينظر إلي وقد أشرق وجهه .
فقال : *أبشر يا كعب ورفع يده اليمنى أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك أمك .*
فقلت : أمن عندك يارسول الله ، أم من عند الله ؟
قال *بل من عند الله .*
قال : فأكببت أقبل رأسه ويديه ثم جلست وتلى علينا الآيات .
وبمناسبة هذه الآيات سميت السورة بسورة التوبة .
قال تعالى :
*لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ .*
يقول كعب رضي الله عنه :
ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا .
فقلت : بأبي وأمي أنت يارسول الله إن من توبتي لله وعهد علي أن أخرج من مالي كله لله .
فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله .
فقال النبي ﷺ *لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك .*
فقلت : اتصدق بنصفه
قال *لا ...*
قلت . ثلثه .
قال *ثلثه والثلث كثير ..*
قال كعب رضي الله عنه فجئت بثلث مالي .
وجاء هلال بثلث ماله .
وجاء مرارة بثلث ماله .
وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء .
وأثنى الله على ذلك بنص قرآني .
قال تعالى :
*خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .*
يقول كعب رضي الله عنه : ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة
فقلت على ملأ من الصحابة رضي الله عنهم يارسول إن عهد الله علي بأن لا أتكلم بعد اليوم إلا صدقاً .
فكنت ممن ابلاني الله بالصدق واسأله أن يحفظه علي حتى ألقاه وهو راضٍ عني .
فكان يعرف كعب رضي الله عنه بأنه الصادق والصديق .
*في قصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم فوائد وعبر يرجع إلى كتب السيرة النبوية ويستفاد منها*
قبس من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم....
يتبع بإذن الله تعالى....