العـ عقيل ـراقي
أنا الليلُ
مظفر النواب...
حين نمر بفضاء الشعر علينا ان نتذكر بعض شموسه التي أضاءت لنا طرق الشعر
اليوم أحببت ان اضع بين تناولكم شاعر عراقي ..لمع نجمه في الستينات من القرن
الماضي ولازال يلمع الى الان ..حين نغني شعره الفصحى او العامي االغولي
او السياسي..
تعالوا معا نقرأه بتأمل..
مظفر عبد المجيد النواب..
المعروف بـ مظفر النواب
مظفر عبد المجيد النواب شاعر عراقي معاصر ومعارض سياسي بارز وناقد، تعرّض للملاحقة وسجن في العراق، عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية اخرى.
ينتمي باصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الامام موسى الكاظم. وهي أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب ولكن والده تعرض إلى هزة مالية أفقدته ثروته.
خلال ترحال أحد اجداده في الهند أصبح حاكماً لإحدى الولايات فيها.. قاوم الإنكليز لدى احتلالهم للهند فنفي افراد العائلة، خارج الهند فاختاروا العراق، وفي بغداد ولد عام 1934، اكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب ببغداد. وبعد انهيار النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد.
سجنه..
في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا وسلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
هروبه من السجن..
في هذا السجن قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية. غادر بغداد إلى بيروت في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر به المقام أخيراً في دمشق.
وقد عاد النواب إلى العراق عام 2011م
قصائده..
1/جسر المباهج القديمة
ملك العُمق..
أزور نجوم البحر
أزوّجها بنجوم الليل
أطيل لدى موضع أسرار الخلق
زياراتي
* * *
سوف أحدثكم في الفصل الثالث عن أحكام الهمزة
في الفصل الرابع عن حُكام الردّة
وأما الآن فحانات العالم فاترة
ملل يشبه علكة بغي
لصقته الأيام بقلبي
* * *
يا صاحب هذا الفَلك المتعب
كنت تسميه سفينة عشق
أنّى أوقدت سيفقس هذا البيض الفاسد
أوساخاً
ألديك فوانيس ؟
زيت ما لمسته يدان ؟
روح تبصر في الزمن الفاسد ؟
أوقدَ بَحّارُ البَحّارين قناديل سفينته
أبقاها خافتة
بَحّار البَحّارين ومن جمع اللؤلؤ والأضواء وأصوات البحر
بخيطٍ لحبيبته
أبقاها خافتةً
تملك أحلى ميم أعرفها
ولها جسد مزجته الآلهة الموكولة بالمزج
فبالغ بالطيب وأربى بالحسن عليها ... إرتبكت .
* * *
توضأت بماء الخلق ،
أخذت بهذي القيثارة
دوزنت عقوداً أربعة
وشددت على وجع المفتاح الخامس والسابع
فاعترض النحو البصري عليَّ
كذاك اعترض النحو الكوفيّ
من لا أعرفه يعرف نحواً في الشعر
دع الريح يهدهدك الهدهدة الإهداء
نذرك كان كثير الشمع الأحمر والآس
ومرت كل شموعك من تحت الجسر
وأوغلت كثيراً في البحر
فأين البصرة ؟!
صحيحٌ أين البصرة ؟
البصرة بالنِيّات
لقد خلصت نِيّاتي
وتسلق في الليل عمى الألوان عليها
أين البصرة ؟
أين البصرة ؟ مشتاق
بوصِلتي تزعم عدة بصرات
منذ شهور قلبي لا يفرح إلا بين النخل
أتسير ببوصلة ؟!
- حين يكون لذلك فائدةٌ
ما دختَ ؟!
- إذا كنتُ بلا أملٍ
يا صاحب هذا الكلك المتعب
أنت تسمِّيه المركب ، لا بأس عليك
تفاءل ما شئت
أطلق ما ترتاح من الأسماء عليه
* * *
وأضاف قميءٌ عفنٌ كان يقوّق بين القوم
وكنت تفرِّغ شحنتنا الثورية !
يا ابن الشُحَن السلبية !
بطاريّة حِزبك فارغة ماذا أعمل ؟
والتفت الآخر لفتة من فاجأه الحيض وقال :
تفاهمت مع السلطة تشتمها وتورطنا
إربأ أن تسمع واتعذ الله
فمهما قيل فأنت تُعلِّمُ مثل نبيّ
سلمك المفتاح على ذمة بَحّار البحّارين وأعطاك السعفة
* * *
ولكن أين البصرة يا مولاي
وما شأني بالبحر
- لا يوصلك البحر إلى البصرة ؟
- بل يوصلني
- لا يوصلك البحر إلى البصرة ؟
- بل يوصلني البحر إلى البصرة
- قلنا لا يوصلك البحر إلى البصرة ؟
- أحمل كل البحر وأوصل نفسي
أو تأتي البصرة إن شاء الله
بحكم العشق
وأوصلها ...
2/اللون الرمادي
دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي
يقودني شبح مضنى إلى شبح
ضيعت منك طريقا كنت أعرفه سكران مغمضة عيني من
الطفح
أصابخ الليل مصلوبا على جسد
لم أدر أي خفايا حسنة قدحي
أسى حرير شآميّ يداعبه
إبريق خمر عراقيّ شج نضج دفعت روحي على روحي
فباعدني
نهدان عن جنة في موسم لقح
أذكى فضائحه لثما فيطردني
شدا إليه غريرا غير مفتضح
تستقرئ الغيب كفي في تحسّسه
كريزه فوق ماء ريّق مرح
يا لانحدار بطيء أخمص رخص
ولارتفاع سريع طافح طمح
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه؟!"
نهد عليّ ونهد كان في سرح
هذا يطاعنني حتى أموت له
وذاك يمسح خدي بالهوى السمح
كأن زهرة لوز في تفتحها
تمجّ في قبضتي بالعنبر النفح
دمشق عدت وقلبي كله قرح
وأين كان غريب غير ذي قرح
هذي الحقيبة عادت وحدها وطني
ورحلة العمر عادت وحدها قدحي
أصابح الليل مصلوبا على أمل
أن لا أموت غريبا ميتة الشبح
يا جنة مر فيها اللّه ذات ضحى
لعل فيها نواسيا على قدحي
فحار زيتونها ما بين خضرته
وخضرة الليل والكاسات والملح لقد سكرت من الدنيا
ويوقظني
ما كان من عنب فيها ومن بلح
تهر خلفي كلاب الليل ناهشة
أطراف ثوبي على عظم من المنح
ضحكت منها ومني فهي يقتلها
سعارها وأنا يغتالني فرحي
يتبع غدأ..
حين نمر بفضاء الشعر علينا ان نتذكر بعض شموسه التي أضاءت لنا طرق الشعر
اليوم أحببت ان اضع بين تناولكم شاعر عراقي ..لمع نجمه في الستينات من القرن
الماضي ولازال يلمع الى الان ..حين نغني شعره الفصحى او العامي االغولي
او السياسي..
تعالوا معا نقرأه بتأمل..
مظفر عبد المجيد النواب..
المعروف بـ مظفر النواب
مظفر عبد المجيد النواب شاعر عراقي معاصر ومعارض سياسي بارز وناقد، تعرّض للملاحقة وسجن في العراق، عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية اخرى.
ينتمي باصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الامام موسى الكاظم. وهي أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب ولكن والده تعرض إلى هزة مالية أفقدته ثروته.
خلال ترحال أحد اجداده في الهند أصبح حاكماً لإحدى الولايات فيها.. قاوم الإنكليز لدى احتلالهم للهند فنفي افراد العائلة، خارج الهند فاختاروا العراق، وفي بغداد ولد عام 1934، اكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب ببغداد. وبعد انهيار النظام الملكي في العراق عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد.
سجنه..
في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا وسلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
هروبه من السجن..
في هذا السجن قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية. غادر بغداد إلى بيروت في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر به المقام أخيراً في دمشق.
وقد عاد النواب إلى العراق عام 2011م
قصائده..
1/جسر المباهج القديمة
ملك العُمق..
أزور نجوم البحر
أزوّجها بنجوم الليل
أطيل لدى موضع أسرار الخلق
زياراتي
* * *
سوف أحدثكم في الفصل الثالث عن أحكام الهمزة
في الفصل الرابع عن حُكام الردّة
وأما الآن فحانات العالم فاترة
ملل يشبه علكة بغي
لصقته الأيام بقلبي
* * *
يا صاحب هذا الفَلك المتعب
كنت تسميه سفينة عشق
أنّى أوقدت سيفقس هذا البيض الفاسد
أوساخاً
ألديك فوانيس ؟
زيت ما لمسته يدان ؟
روح تبصر في الزمن الفاسد ؟
أوقدَ بَحّارُ البَحّارين قناديل سفينته
أبقاها خافتة
بَحّار البَحّارين ومن جمع اللؤلؤ والأضواء وأصوات البحر
بخيطٍ لحبيبته
أبقاها خافتةً
تملك أحلى ميم أعرفها
ولها جسد مزجته الآلهة الموكولة بالمزج
فبالغ بالطيب وأربى بالحسن عليها ... إرتبكت .
* * *
توضأت بماء الخلق ،
أخذت بهذي القيثارة
دوزنت عقوداً أربعة
وشددت على وجع المفتاح الخامس والسابع
فاعترض النحو البصري عليَّ
كذاك اعترض النحو الكوفيّ
من لا أعرفه يعرف نحواً في الشعر
دع الريح يهدهدك الهدهدة الإهداء
نذرك كان كثير الشمع الأحمر والآس
ومرت كل شموعك من تحت الجسر
وأوغلت كثيراً في البحر
فأين البصرة ؟!
صحيحٌ أين البصرة ؟
البصرة بالنِيّات
لقد خلصت نِيّاتي
وتسلق في الليل عمى الألوان عليها
أين البصرة ؟
أين البصرة ؟ مشتاق
بوصِلتي تزعم عدة بصرات
منذ شهور قلبي لا يفرح إلا بين النخل
أتسير ببوصلة ؟!
- حين يكون لذلك فائدةٌ
ما دختَ ؟!
- إذا كنتُ بلا أملٍ
يا صاحب هذا الكلك المتعب
أنت تسمِّيه المركب ، لا بأس عليك
تفاءل ما شئت
أطلق ما ترتاح من الأسماء عليه
* * *
وأضاف قميءٌ عفنٌ كان يقوّق بين القوم
وكنت تفرِّغ شحنتنا الثورية !
يا ابن الشُحَن السلبية !
بطاريّة حِزبك فارغة ماذا أعمل ؟
والتفت الآخر لفتة من فاجأه الحيض وقال :
تفاهمت مع السلطة تشتمها وتورطنا
إربأ أن تسمع واتعذ الله
فمهما قيل فأنت تُعلِّمُ مثل نبيّ
سلمك المفتاح على ذمة بَحّار البحّارين وأعطاك السعفة
* * *
ولكن أين البصرة يا مولاي
وما شأني بالبحر
- لا يوصلك البحر إلى البصرة ؟
- بل يوصلني
- لا يوصلك البحر إلى البصرة ؟
- بل يوصلني البحر إلى البصرة
- قلنا لا يوصلك البحر إلى البصرة ؟
- أحمل كل البحر وأوصل نفسي
أو تأتي البصرة إن شاء الله
بحكم العشق
وأوصلها ...
2/اللون الرمادي
دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي
يقودني شبح مضنى إلى شبح
ضيعت منك طريقا كنت أعرفه سكران مغمضة عيني من
الطفح
أصابخ الليل مصلوبا على جسد
لم أدر أي خفايا حسنة قدحي
أسى حرير شآميّ يداعبه
إبريق خمر عراقيّ شج نضج دفعت روحي على روحي
فباعدني
نهدان عن جنة في موسم لقح
أذكى فضائحه لثما فيطردني
شدا إليه غريرا غير مفتضح
تستقرئ الغيب كفي في تحسّسه
كريزه فوق ماء ريّق مرح
يا لانحدار بطيء أخمص رخص
ولارتفاع سريع طافح طمح
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه؟!"
نهد عليّ ونهد كان في سرح
هذا يطاعنني حتى أموت له
وذاك يمسح خدي بالهوى السمح
كأن زهرة لوز في تفتحها
تمجّ في قبضتي بالعنبر النفح
دمشق عدت وقلبي كله قرح
وأين كان غريب غير ذي قرح
هذي الحقيبة عادت وحدها وطني
ورحلة العمر عادت وحدها قدحي
أصابح الليل مصلوبا على أمل
أن لا أموت غريبا ميتة الشبح
يا جنة مر فيها اللّه ذات ضحى
لعل فيها نواسيا على قدحي
فحار زيتونها ما بين خضرته
وخضرة الليل والكاسات والملح لقد سكرت من الدنيا
ويوقظني
ما كان من عنب فيها ومن بلح
تهر خلفي كلاب الليل ناهشة
أطراف ثوبي على عظم من المنح
ضحكت منها ومني فهي يقتلها
سعارها وأنا يغتالني فرحي
يتبع غدأ..