إحساسي غير
Active Member
راعي غنم من وادي الفرات في سورية
1- مقدمة:
مناسبة الموضوع هو هذا اللغط في المنتديات وبين أهل الفرات وعشائر الجزيرة (المنطقة
الشرقية) حول معنى كلمة (شاوي), ويبدو أن أهل تلك المنطقة وصلوا لمستوى من الضياع
الثقافي وعدم الشعور بالهوية, لدرجة أن يأتي جيل يجهل تراثه وهويته وحتى لغته, فيرد على
من يتندر عليه بكلمة شاوي بقوله: (كلمة شوايا جاءت من شواء اللحم فقد كان أجدادنا يكثرون
من شواء اللحم لذالك سموا بهذا الاسم) والكلام منقول من أحد المنتديات لأحد أبناء الفرات
الجامعيين !!!! أما آخر فقد كتب حول الموضوع وأنه توصل للتالي بعد بحث طويل:
اليوم بالتحديد وجدت الشاوي الذي أبحث عنه ، قالها مفتخراً : بلى أنا شاوي ، هؤلاء أجدادي
و أني أعتز بهم ، فمن هو الشاوي ؟!!! يقول الصديق : الشوايا أقوام سكنوا الفرات و كان
يذبحون مواشيهم و يشوونها ليطعموها للمسافرين و الجائعين ، فاصطلح على تسمية الواحد
منهم شاوي دلالة على الجود و الكرم و صاروا الشوايا
وأحد أسباب الجهل بمعنى الكلمة, هو قلة المعرفة والإطلاع على التراث العربي منذ الجاهلية
إلى اليوم, ومن ثم الافتراض أن كلمة شاوي مصطلح يقتصر على المنطقة الشرقية (ديرالزور,
الحسكة, الرقة), وأن مصدرها أهل المدن, والواقع أن الكلمة موجودة في الوطن العربي من
الخليج إلى المحيط, ولها أصل تاريخي أقدم من الإسلام, ومن هنا نبدأ.
2- مدلول المفردة بين الأصل اللغوي والإصطلاح:
علينا أن نفرق بين الأصل اللغوي للكلمة أي معناها التاريخي والمثبت في معاجم اللغة, وبين ما
طرأ عليها من تغير في المعنى بين زمن وآخر ومكان وآخر, فكلمة (شاوي) لها معنى واضح
في المعاجم ويعرفه من كل لديه حس مرهف باللغة العربية, لكن قد يطرأ تغير في معنى الكلمة
كأستخدام, وكمثال, أهل الشام اليوم وكمصطلح عامي يستخدمون كلمة شاوي للدلالة على
المعنى التالي:
(هلأ في مصطلحين للشوايا.....الشوايا يلي هنن أهل دير الزور
و الشوايا يلي هنن مالهون علاقة بدير الزور....
يعني لما منقول عن واحد شاوي...ما بتخيل منقصد...انو من دير الزور.....
بل مقصود فيه انو نوري....شرشوح...مبهدل...شغل قتل و ضرب...ما عندو أدنى ذوق اجتماعي
هلأ ما بعرف اذا اهل الدير هيك...لحتى الاسم مأخود عنهون...بس انو هيك صارت العادة
بس متل ما قلت..لما منقول شاوي..ابدا ما منقصد ابن دير الزور....)
والكلام منقول عن أحد المنتديات الشامية.
لذا المقال الحالي يبحث عن الأصل اللغوي لكلمة شاوي ومعناها التاريخي, وليس في المعنى
المحور والحديث والعامي في مناطق مختلفة من الوطن العربي, لان التسمية تاريخية وعميقة
في التاريخ.
3- مفردة الشاوي كأصل لغوي:
قد تكون كلمة (شاوي) نسبة إلى الفعل (شوا يشوي) أي الذي يشوي اللحم, وهذا وارد, لكن
ليس هناك أي صفة اجتماعية أو مفردة تاريخية بهذا المعنى, لذا الأصح أن كلمة (شاوي)
نسبة إلى (الشاة / الشاء) والتي تجمع (شياه), وهذا ما تقوله المعاجم حول الكلمة:
لسان العرب:
باب شوا : والشَّاوي صاحبُ الشاءِ؛ وقال مبشر بن هذيل الشمخي:
بل رُبَّ خَرْقٍ نازِحٍ فَلاتُهُ *** لا يَنْفَعُ الشَّاوِيَّ فيها شَاتُه
باب شوه: ورجل شاوِيٌّ: صاحبُ شاء؛
قال: ولَسْتُ بشاويٍّ عليه دَمامَةٌ، إِذا ما غَدَا يَغْدُو بقَوْسٍ وأَسْهُمِ
وإِن نسبت إِليه رجلاً قلت شائيٌّ، وإِن شئتَ شاوِيٌّ،
وإِذا نسبت إِلى الشاة قلت شاهِيٌّ. التهذيب: إِذا نسبوا إِلى الشاء قيل رجل شاوِيٌّ؛
الصحاح في اللغة:
باب شوه: والنسبة إلى الشاءِ شاوِيٌّ.
وإن سمَّيتَ به رجلاً قلت شائِيٌّ، وإن شئت شاوِيٌّ.
وإن نسبْتَ إلى الشاةِ قلت شاهِيٌّ.
باب شوى: والشاوِيُّ صاحب الشاءِ.
القاموس المحيط:
باب شاه: ورجُلٌ شاوِيٌّ وشاهِيٌّ: صاحِبُ شاء.
أما الشاة التي ينسب لها الشاوي, فيخبرنا القاموس المحيط في باب (شوه):
والشَّاةُ: الواحِدَةُ من الغَنَمِ، للذَّكَرِ والأُنْثَى، أو يكونُ من الضَّأنِ والمَعَزِ والظِّباء والبَقَرِ والنَّعامِ وحُمُرِ الوَحْشِ.
ونلاحظ أن الإبل ليست من بينها, أي أن الشاوي هو راعي الغنم (الضأن والماعز) وقد يملك
بقر وحمير, لكنه ليس راعي الإبل.
رعاة إبل من البادية السورية قبل 100 عام
4- الإنسان الأول ومهنة الرعي:
مصدر القصص عن الإنسان الأول (آدم) هي الإسرائيليات والمأخوذة من التوراة والتي تخبرنا
أن ابني آدم كان أحدهما فلاحا (قابيل) والآخر (هابيل) راعي غنم لا راعي إبل, مما يعني أن
مهنة رعي الغنم هي الأقدم, ورعي الإبل جاءت بعد ذلك مع التحفظ على صحة كون قصة ابني
آدم صحيحة بهذه التفاصيل, وهنا المصدر من سفر التكوين.
4: 1 و عرف آدم حواء امرأته فحبلت و ولدت قايين و قالت اقتنيت رجلا من عند الرب
4: 2 ثم عادت فولدت أخاه هابيل و كان هابيل راعيا للغنم و كان قايين عاملا في الأرض
5- بني إسرائيل ومهنة الرعي:
سواء القرآن أو التوراة, المصدرين يدلان على أن بني إسرائيل كانوا في زمانهم رعاة غنم,
لا رعاة إبل, أما الإبل فقد استخدموها للتنقل في السفر, وزمن بني إسرائيل هو حوالي عام
1400 ق.م في زمن موسى كمثال.
القرآن الكريم:
(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا
مَآرِبُ أُخْرَى) طه,17 و18
(وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ)
الأنبياء, 78
(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)
ص, 23
التوراة - سفر التكوين:
21: 27 فاخذ ابراهيم غنما و بقرا و اعطى ابيمالك فقطعا كلاهما ميثاقا
21: 28 و اقام ابراهيم سبع نعاج من الغنم وحدها
29: 1 ثم رفع يعقوب رجليه و ذهب الى ارض بني المشرق
29: 2 و نظر و اذا في الحقل بئر و هناك ثلاثة قطعان غنم رابضة عندها
29: 10 فكان لما ابصر يعقوب راحيل بنت لابان خاله و غنم لابان خاله ان يعقوب تقدم
و دحرج الحجر عن فم البئر و سقى غنم لابان خاله
37: 2 هذه مواليد يعقوب يوسف اذ كان ابن سبع عشرة سنة كان يرعى مع اخوته الغنم
و هو غلام
37: 12 و مضى أخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم
التوراة - سفر الخروج
2: 17 فأتى الرعاة و طردوهن فنهض موسى و انجدهن و سقى غنمهن
3: 1 و أما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية ...
6- رعاة الغنم ورعاة الإبل في التاريخ العربي:
وهنا نأتي لعصر الجاهلية وبداية الإسلام لنتعرف على حال رعاة الغنم ورعاة الإبل من العرب
في جزيرة العرب, ويبدو أن الصراع الاجتماعي بينهم كما هو اليوم, فلجئوا إلى الاحتكام إلى
النبي (ص), فكانت الأحاديث النبوية التالية:
1- (ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم . فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : نعم ، كنت أرعاها على
قراريط لأهل مكة) صحيح البخاري, 2262
2- (قال رسول الله (ص) لأم هانئ : اتخذي غنماً, تروح بخير وتغدو بخير) سنن ابن ماجه
3- (رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل ، والفدادين أهل الوبر،
والسكينة في أهل الغنم) صحيح البخاري, 3301
4- (أتاكم أهل اليمن ، هم أرق أفئدة وألين قلوبا ، الإيمان يمان والحكمة يمانية ، والفخر
والخيلاء في أصحاب الإبل ، والسكينة والوقار في أهل الغنم) صحيح البخاري, 4388
5- ( الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم ، والإيمان يمان ،
والحكمة يمانية ) صحيح البخاري, 3499
5- (من ها هنا جاءت الفتن ، نحو المشرق ، والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر،
عند أصول أذناب الإبل والبقر ، في ربيعة ومضر) صحيح البخاري,3498
6- يرد في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: ( والسكينة لأهل الغنم ) السكينة تطلق على
الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع وإنما خص أهل الغنم بذلك لأنهم غالباً دون أهل الإبل
في التوسع والكثرة ، وهما من سبب الفخر والخيلاء وقيل أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن
غالب مواشيهم الغنم بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل.
راعية غنم من وادي الفرات من الرقة بسورية
ويفهم من الأحاديث السابقة, بغض النظر كانت الأحاديث صحيحة أم موضوعة, أي قالها النبي
أم لم يقلها, فهي تدل على التالي بلا شك:
- أن جميع الأنبياء و النبي نفسه كان هو وقومه قريش من رعاة الغنم لا الإبل, وهو نفسه
كان راع للغنم, بل ينصح امرأة بان تكون راعية للغنم, وأن فيها الخير والألفة بحكم طباع
الغنم.
- هناك إشارة ضمنية تمدح أهل اليمن وأنهم هم أهل الغنم, وتذم أهل نجد وأنهم هم أهل الإبل.
- هناك وصف واضح لأهل الإبل بأنهم أجلاف وغلاظ الطباع وأن هذا طبع مكتسب من الإبل
التي يرعونها
- هناك إشارة واضحة أن الخوارج وفتنهم جاءت من نجد وأهلها الذين هم أهل الإبل في مقابل
مدح اليمن وأهلها من أهل الغنم.
- تذكر الأحاديث صفات معروفة لرعاة الإبل وهي (الفخر والخيلاء) ونظيرها لرعاة الغنم وهي
(السكينة والوقار) وهذا واقع الحال إلى اليوم
بدوي من الهجانة حرس الحدود في سورية في الأربيعنيات, والهجن هي الإبل السريعة
7- مفردة الشاوي في أرجاء بلاد العرب:
في المغرب العربي. هناك فئة الطوارق وهم من رعاة الإبل, وهناك (الشاوية) وهم من رعاة
الغنم البربر وهم من أهل الريف, وهناك من بحث في موضوع كلمة الشاوي, وحاول الربط بين
الشاوية في المغرب وشوايا الفرات, فقال أن المفردة جاء بها المستعمر الفرنسي الذي استعمر
الجزائر وسورية وأطلقها على أهل ريف ديرالزور.
لكن كما تبين سابقاً أن كلمة شاوي قديمة كمفهوم اجتماعي يقسم الرعاة لرعاة إبل ورعاة غنم,
وهو أقدم بكثير من استعمار فرنسا لسورية في عام 1918.
كذلك مفردة (شاوي) مستخدمة في جميع أرجاء الوطن العربي, في عمان والإمارات
والكويت ..., والكويت كمثال يمثل فيها الشاوي, راعي الغنم الذي يرعى غنم أهل الكويت في
البرية بالأجرة وهي مهنة اختفت منذ ستينات القرن العشرين, وهناك عمل فني بطولة: ابراهيم
الصلال في دور (شاوي المطبة) كجزء من تراث الكويت.
الكلمة نفسها وبنفس المعنى يتم تداولها في الجزيرة العربية, وكمثال هناك أسرة من قبيلة البقوم
نزحت من عسير إلى القصيم, فسموا هناك بأسرة (الشاوي) كونهم يعملون برعي الغنم.
ولا يستغرب كونهم رعاة غنم كون البقوم من قبائل الأزد اليمنية.
إلى هنا تبين لنا أن الشاوي هو (راعي الغنم) وأنهم تحديداً عرب اليمن القحطانيين في مقابل
أهل نجد والحجاز من العدنانيين الذين هم (رعاة الإبل), وهذا ما يتفق مع قول صاحب لسان
العرب في باب (غنم) معلقاً على حديث نبوي:
وفي الحديث: السَّكِينةُ في أَهل الغَنَم؛ قيل: أراد بهم أَهل اليمن لأن أَكثرهم أَهل غنم بخلاف مُضر
ورَبيعة لأَنهم أَصحاب إبل.
أما اليمن التي هي أصل أهل الغنم, فلا يبدو كثيراً إنتشار كلمة شاوي بينهم, لأن أغلبهم رعاة
غنم, وهذا مثل عدم وجود من يتسمى بغدادي في بغداد لان جميعهم بغداديين والاسم وجد
للتمييز, بل نجد في غيرها من يتسمى بغدادي, وهو من البداهة في الأمور.
لكن شاعر اليمن المعاصر: حسين المحضار, لا يبخل علينا بذكرها في أحد مسرحياته الغنائية
المسمى (أوبريت الضحية) وعلى لسان شخصية مخيزم الذي يقول:
بلادي لو عيش شاوي وراعي ضون
فرقة الدار صعبه محينة
والعشق بلوه غصبه نقلني ونا في الخون
لا مثاوي سعاد الزبينة
والشاوي طبعاً هو نفسه راعي الضون, التي هي الضأن, بحكم أن الغنم هي الضأن والماعز.
راعيات ماعز من تهامة زَبيد في اليمن
8- خلاصة:
الشاوي يقصد بها كأصل لغوي رعاة الغنم, وهم في الأصل قبائل اليمن القحطانية, مقابل قبائل
نجد العدنانية (ربيعة ومضر) الذين هم رعاة الإبل, وفي العصور المتأخرة احتفظ رعاة الإبل
بكلمة (بدوي) نسبة إلى (البادية), بينما احتفظ رعاة الغنم بكلمة (شاوي) نسبة إلى (الشاة)
التي هي (الغنم), ولا يعني هذا عدم وجود قحطانيين صاروا من رعاة الإبل مثل قبيلة طيء
اليمنية التي سكنت شمال نجد منذ الجاهلية وتطبعت بطباع البيئة الجديدة, وكذلك لابد أن هناك
من العدنانيين من قد يكون تحول لرعي الغنم أو الفلاحة أو ركوب البحر أو الصناعة أو مهنة
أخرى.
والمفردة تتعلق بالصراع البشري والتقسيمات الاجتماعية المبنية على المهنة, وما زال البدو
من رعاة الإبل إلى اليوم يعتبرون أنفسهم أكثر شرفاً من رعاة الغنم أي الشويان / الشوايا,
ومن ثم يعتبر الرعاة (أهل الإبل والغنم) عموماً أنفسهم أكثر شرفاً من الفلاحين والصُناع.
وهذا لا علاقة له بالأنساب كما هو واضح ولله في خلقه شؤون.