الطائر الحر
Well-Known Member
فيلم الصندوق الأسود بداية انتعاش الموسم السينمائي بعد أزمة كورونا (مواقع التواصل)
منذ أقل من أسبوع بدأ عرض فيلم "الصندوق الأسود" بدور العرض السينمائية المصرية، من بطولة كل من منى زكي ومصطفى خاطر ومحمد فراج، وسرعان ما ظهرت أخبار على غرار، الفيلم الذي يتصدر شباك التذاكر، أو الإعلان الأكثر مشاهدة.
ولكن في الوقت ذاته يتم التغافل عن حقيقة تردي الحال السينمائي حول العالم، وغياب الأفلام المهمة والكبيرة، ليصبح الصندوق الأسود هو بالفعل أفضل فيلم جديد معروض بالوقت الحالي؛ لكن ليس لأنه الأفضل، بل لعدم وجود خيارات أخرى، بسبب أزمة جائحة كورونا.
التشويق والإثارة
تبدأ أحداث فيلم الصندوق الأسود بياسمين المرأة الحامل في شهورها الأخيرة، وتقوم بدورها منى زكي، التي تزور طبيبها النسائي، ثم تتوجه إلى منزلها المنعزل الذي تقيم فيه وحيدة لسفر زوجها؛ لكن الليلة الهادئة تتحول إلى جحيم عندما يقتحم الفيلا اثنان من المجرمين بهدف سرقة أوراق مهمة من زوجها المحامي الشهير.
اختار المخرج محمود كامل أن يقدم أحداث فيلمه بالكامل في يوم وليلة، ليكثف التفاصيل، ويحافظ على الإثارة طوال وقت الفيلم الذي يبلغ حوالي الساعة ونصف، وعلى الرغم من اعتماد الفيلم على فكرة مكررة للغاية، مثل فساد المحامي، والسارق الفقير المحتاج الذي نتعاطف معه كمشاهدين ناسين قيامه بفعل غير أخلاقي؛ إلا أنه استطاع خلق جو من التشويق خاصة في التتابعات التي يظهر فيها ضعف البطلة الحامل الوحيدة أمام التهديد الماثل في المجرمين اللذين قد يتسببان في إفقادها حملها على أقل تقدير، إن لم تكن حياتها كذلك في الميزان.
لكن جاءت مشكلة الفيلم الرئيسية في السيناريو الخاص به، حيث حرص كل من السيناريست هيثم مصطفى الدهان مع شقيقه أحمد الدهان على غرس بعض المعلومات التي بدت كما لو أنها ضرورية في وقتها؛ ولكن لم يتم استغلالها بعد ذلك في الأحداث، كمعلومة أن الأم مهددة بتسمم الحمل، وممنوعة من شرب القهوة، أو أنها مصابة بفوبيا الأماكن المغلقة، ففي المشاهد التالية لم تظهر فائدة لأي من تلك المعلومات.
وقد قام بعكس ذلك بالضبط فيما يخص شخصية أحد المجرمين وهو "هادي" الذي يقوم بدوره مصطفى خاطر، حيث لم يتم توضيح دافعه للسرقة نهائيا، أكثر من حاجته للمال، وهي حاجة بشرية معتادة لا تدفع بمخاطرة مثل السرقة.
وعندما شعر صناع الفيلم أن الشخصية بالفعل تعوزها الأسباب لهذه المغامرة صنع ضغط ملفق ومفاجئ للغاية في النصف الثاني من الفيلم، وهو مرض الأب الذي يحتاج لعملية جراحية -لم يتم الإفصاح عن نوعها- بصورة لحظية، ومبلغ 100 ألف جنيه لإتمامها في مستشفى حكومي. ثم في آخر مشهدين تم مضاعفة هذا القلق باختطاف الأب المريض والأخت من الأشخاص الذين أغروه بسرقة الأوراق.
أما شخصية "سيد" التي قدمها محمد فراج، فقد جاءت الأبسط والأكثر سلاسة في الفيلم، فهو مجرد مجرم عادي يعتاش على السرقات البسيطة من هنا وهناك، وجلبه معه هادي ليساعده بخبرته، فلا يحتاج إلى دوافع خاصة لأي من أفعاله.
غابت منى زكي عن الشاشتين الكبيرة والصغيرة منذ عام 2016، عندما قدمت دور تحية بأداء ممتاز في مسلسل "أفراح القبة"، وحنان في فيلم "من 30 سنة"، وبعودتها في الصندوق الأسود أثبتت أن الأيام لم تطفئ من موهبتها.
فعلى الرغم من بساطة الشخصية؛ إلا أنها وضعت يديها على تفاصيلها بالكامل، ربما أكثر مما أتاح لها السيناريو، فنجد أن نقاط بسيطة مثل وهن الحمل الشديد، والخوف على الجنين الثمين الذي حملت به بعد سنوات من العقم، كلها تنبع من الممثلة نفسها أكثر مما قد تعبر عنه كلمات في سيناريو.
لذلك يمكن القول أن منى زكي هي من أضافت إلى الفيلم بوجودها، ولو وضعت أي ممثلة أخرى مكانها لفقد العمل الكثير من تميزه.
على الجانب الآخر، الاضطراب الواضح في كتابة شخصية هادي لم يخدم مصطفى خاطر في أدائه التمثيلي؛ بل جعله أداءا فاترا للغاية ومتوقعا، مع محاولة استدرار تعاطف من الجمهور بلا مبرر حقيقي، عن طريق الدموع والتهافت المتواصل.
بينما أثبت محمد فراج موهبته السلسة في دور لم يختلف عما قدمه سابقا؛ لكن في الوقت ذاته أضفى عليه الكثير من الواقعية، ومثّل بالفعل جانب الإثارة الأهم في الفيلم، فلولا أداء فراج المميز لما شعر المشاهد بالخوف أو القلق على بطلته، خاصة مع الضعف الواضح في شخصية شريكه.
في النهاية فيلم الصندوق الأسود قد لا يكون أفضل فيلم ممكن، وحبكته الأساسية بالفعل مكررة؛ لكن صناعه استطاعوا استخدام الإمكانيات المتاحة لهم من ميزانية بالتأكيد بسيطة، وعدد محدود من الممثلين، لصنع فيلم إثارة وتشويق مسلٍّ ومميز، وربما كان من أفضل أعمال 2020 في السينما المصرية خاصة إن لم تعرض الأفلام الأخرى مثل العارف وموسى قبل نهاية العام، وخضعت للتأجيلات المستمرة بسبب وباء كورونا.