أكتشف العلماء حديثاً أن الضوء عبارة عن إشعاع كهرومغناطيسي مرئي في الأطوال الموجية من 4000إلى 8000أنجستروم [ الأنجستروم عبارة عن وحدة قياس طولها 10-10متر] . ويطلق على الموجات الكهرومغناطيسية الأطول (تحت الأحمر Infra red) والأقصر [فوق البنفسجي Ultra violet] ـ مجازاً ـ ضوء، وإن كانت هاتان المنطقتان غير مرئيتين للعين البشرية المجردة (أي غير المستعينة بآلات البصرية ) .
ويشيع المنبع [المصدر] الضوئي في الأحوال العادية ضوءاً متعدد الموجات، كل موجة بجانب الأخرى، لينتج ما يسمى [ الإشعاع Radiation] وتبلغ سرعة انتشار الضوء ثلاثمائة ألف كيلومتر/ثانية (3×108متر /ثانية)، وهو حين يمر بمادة ما تقل سرعته عنها في الفراغ.
وتحدث ذبذبات الضوء عادة في جميع الاتجاهات العمودية على اتجاه انتشار الضوء، أما إذا حدثت الذبذبات في اتجاه واحد فقط (عمودياً على اتجاه الانتشار) وصف الضوء بأنه [ مستقطب Polarized] .
وإذا سقط الضوء على مادة ما فإن جزءاً منه يرتد [ ينعكس ـ Reflect]، وجزءاً آخر يختفي [ يمتص Absorbed] .
ونتيجة لاختلاف سرعة الضوء عند مروره خلال وسطين مختلفين يحدث انكسار (Reflection) عند الحد الفاصل بينهما. وهناك أيضاً ظواهر تحدث للضوء، مثل : التشتت والانحناء والتداخل وغيرها، وهي مشروحة في الكتب المتخصصة التي تدرس للطلاب في المعاهد التعليمية.
وعند سقوط الضوء على مادة ما، فإنه لا يمدها بالطاقة فقط، وإنما يمدها أيضاً بـ " دفع " وبالتالي فهناك ضغط يقع على المادة نتيجة سقوط الضوء عليها، ويسمى " ضغط الإشعاع " أو " ضغط الضوء" ، وأما حاملات الطاقة والدفع في موجات الضوء فهي [ الفوتونات الضوئية Photons].
ومن الضوء نمط يسمى " الضوء البروجي "، وهو عبارة عن ظاهرة ضوئية خافتة في سماء الليل، وتمتد بطول دائرة البروج، وألمع أجزاء الضوء البروجي الخارجي هما ضوء الصباح الرئيسي، وضوء المساء الرئيسي، ويمتد كل منها حتى مسافة 90درجة من الشمس، وبالتالي فإننا نراهما لوقت طويل قبل شروق الشمس وبعد غروبها.
وضوء السماءوتطلق (الموسوعة الفلكية لفظة " السماء " على الغلاف الجوي للأرض ) هو لمعانها الجوي الأرضي .. وهناك ما يسمى " الضوء القطبي ".
وهو ظاهرة ضوئية تحدث في حيز حلقي في معظم الأحيان من المنطقتين القطبيتين للغلاف الأرضي، وتعرف بكل من: ضوء الشمال، وضوء الجنوب.
وتعتبر الشمس وغيرها من النجوم مصادر طبيعية لانبعاث الضوء ذاتياً، حيث يحدث الإحساس بالرؤية للأجسام " في ذاتها " مثل: الأقمار والكواكب عندما يسقط عليها هذا الضوء، ثم يرتد أو يتشتت وتستقبله عين الإنسان (أو الحيوان) أو أي جهاز بصري للتصوير أو الرصد.
ورد الضياء بصيغة الفعل في عدة مواضيع بالقرآن العظيم، نذكر منها قول الله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ {17} صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ )[سورة البقرة].
تأتي هذه الآية الفيزيائية في معرض كشف معايب المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يرد التعرف على جوانب الموضوع بالتفصيل عليه الرجوع إلى النص ابتداءً من الآية الثامنة وإلى الآية العشرين من سورة البقرة، وهي الآية التي يقول الله تبارك وتعالى فيها: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[سورة البقرة].
ولقد أفاض الفخر الرازي (في التفسير الكبير) في شرح العديد من المسائل المتعلقة بالآية [17]، وفيما يلي تجتزئ بعض ما عرضه لإجلاء جوانب في هذه الآية، والتي نود أن نبرز ما يوفق الله سبحانه في إبرازه من جوانب علمية بها .. يطرح الفخر في إحدى مسائله ثلاثة أسئلة هي:
[1] ما وجه التمثيل بمن أعطى نوراً ثم سُلب ذلك النور منه، مع أن المنافق ليس له نور.
[2] إن من استوقد ناراً فأضاءت قليلاً، فقد انتفع بها وبنورها ثم حرم، فأما المنافقون، فلا انتفاع لهم البتة بالإيمان، فما وجه التمثيل؟
[3] إن مستوقد النار قد اكتسب لنفسه النور، والله تعالى ذهب بنوره وتركه في الظلمات، والمنافق لم يكتسب لنفسه النور، والله تعالى ذهب بنوره وتركه في الظلمات، والمنافق لم يتكسب خيراً وما حصل له من الخيبة والحيرة فقد أتى بهما من قبل نفسه، فما وجه التشبيه؟
وكان من أجوبة الفخر الرازي عرض قول للسدي، وهو :إن أناساً دخلوا الإسلام عند وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم إنهم نافقوا بعد ذلك، والتشبيه ها هنا في نهاية (غاية) الصحة، لأنهم بإيمانهم أولاً اكتسبوا نوراً، ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك النور ووقعوا في حيرة عظيمة، فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.. وإن لم يصح ما قاله السدي، بل كانوا منافقين من أول أمرهم، فها هنا تأويل آخر ذكره الحسن ـ رحمه الله ـ وهو أنهم لما أظهروا الإسلام فقد ظفروا بحقن دمائهم، وسلامة أموالهم عن الغنيمة، وأولادهم عن السبي .. وعد ذلك نوراً من أنوار الإيمان ولما كان ذلك ـ بالإضافة إلى العذاب الدائم ـ قليلاً، قدرت شبههم بمستوقد النار الذي انتفع بضوئها قليلاً !!
وصلاً بما بدأناه من مسائل الفخر الرازي في ( التفسير الكبير) حول الضياء والنور والنفاق والمنافقين وأوجه تشبيه وضرب المثل، فهو يقول في إحدى المسائل : فأما تشبيه الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة، فهو في كتاب الله تعالى كثير، والوجه فيه أن النور قد بلغ النهاية في كونه هادياً إلى المحجة، وإلى طريق المنفعة، وإزالة الحيرة، وهذا حال الإيمان في باب الدين، فشبه ما هو النهاية في إزالة الحيرة، ووجدان المنفعة، في باب الدين بما هو الغاية في باب الدنيا، وكذلك القول في تشبيه الكفر بالظلمة، لأن الضال عن الطريق المحتاج إلى سلوكه، لا يرد عليه من أسباب الحرمان والتحير أعظم من الظلمة، ولا شيء كذلك في باب الدين أعظم من الكفر، فشبه الله تعالى أحدهما بالآخر.
ويواصل صاحب (التفسير الكبير) طرح الأسئلة وعرض الأجوبة ومنها : هلا قيل : ذهب الله بضوئهم، لقوله تعالى : (فلما أضاءت) ؟ وأجاب بقوله : ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة، فلو قيل (ذهب الله بضوئهم) لأوهم ذهاب الكمال، وبقاء ما يسمى نوراً، والغرض إزالة النور عنهم بالكلية، ألا ترى كيف ذكر عقيبه (وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، والظلمة عبارة عن عدم النور، وكيف جمعها ؟ وكيف نكرها؟ وكيف اتبعها ما يدل على أنها ظلمة خالصة ؟ وهو قوله : (لا يبصرون ) .
وبنحو هذا قال النيسابوري ( في غرائب القرآن) وإنما لم يقل (ذهب الله بضوئهم) على سياق (فلما أضاءت )، لأن ذكر النور أبلغ في الغرض، وإزالة عنهم رأساً وطمسه أصلاً، فإن الضوء شدة النور وزيادته، وذهاب الأصل يوجب زوال الزيادة عليه دون العكس.. وفي جمع الظلمة وتنكيرها وإتباعها ما يدل على أنها ظلمة لا يتراءى فيها شبحان، وفي قوله (لا يبصرون ) دلالة على أن الظلمة بلغت مبلغاً يبهت معها الواصفون .
وبتطبيق ما اكتشفه العلم حديثاً نجد أنه لما أضاءت النار ما حول المنافقين من الأجسام المعتمة، سقط الضوء فوقها، وانعكس عنها، فكشفها للناظرين، ثم ذهب الله بالضوء الساقط المنعكس عن هذه الأجسام، وهو الذي كان يسقط على أبصارهم، ولذلك نسبه إليهم بقوله جل جلاله وعلا (بنورهم) أما ما ينبعث من النار فـ " ضياء"، وأما بعد سقوطه على الأجسام المعتمة وانعكاسه عنها فـ " نور " ، ففي هذه الآية القرآنية جعل الله النور ضداً أو مقابلاً لظلمة الأجسام غير المضيئة بذاتها، لأنه هو السبب المباشر في إزالة الضوء الذاتي (قبل سقوطه على هذه الأجسام وانعكاسه عنها) فليس هو السبب المباشر لإزالة ظلمتها، فقد وجد هذا الضوء في الغرفة، لكنه لا يسقط على أجسام، فلا ينعكس عن شيء، وبالتالي لا تنير الغرفة فالوحي الإلهي هو الضوء الذي يبدد ظلمات النفوس البشرية، كما أن الضوء الحسي يقع على دقائق الغلاف الجوي (للأرض) فينير النهار، حتى وإن لم تسقط أشعة الشمس على الأجسام والأشياء أمامنا.
إضافة إلى ورود " الضياء " في القرآن الكريم بصيغة الفعل، وهو ما ذكرناه سابقاً، فلقد ورد أيضاً بصيغة المصدر في عدة مواضع منها قول الله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[سورة يونس:5].
كما أوضح الله سبحانه صفات ضياء الشمس في آية قرآنية أخرى فقال جل وعلا (وجعل الشمس سراجاً ) وكذلك في الآية 13 من سورة النبأ وجعلنا سراجاً وهاجاً )، أي أن الشمس (وهي من النجوم ) سراج مضيء متقد بلهب.
إن القرآن العظيم يصف الأشياء حسب طبائعها وصفاً علمياً دقيقاً، يؤكد لأصحاب العقول السليمة، والنفوس الصحيحة، في كل زمان وفي كل مكان، أنه كتاب صادر من لدن حكيم عليم خبير، خالق مدبر، وهي أوصاف وحقائق ومعان علمية صحيحة لم تظهر إلا بعد مرور قرون عديدة من تاريخ نزول القرآن. وقد أوضح من الآيات التي ذكرناها أن الله سبحانه ساق الضياء (فعلاً ومصدراً ) للتعبير عن الضوء المنبعث من الأجسام والأجرام مثل الشمس، لكنه أورد النور(وتقابله الظلمة) للتعبير عن الضوء المنعكس عن الأجسام المعتمة، مثل القمر ..
(جعل القمر فيهن نوراً ) كما أن الله سبحانه قال في سورة القصص: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ)[سورة القصص ]، وهو إشارة إلى ضوء الشمس بالنهار، ولقد سمى الله تعالى رسالته التي أنزلها على كليمه موسى عليه السلام وهي التوراة ضياء، حين قال : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [سورة البقرة: 87].
وذلك أن هذه الرسالة تبين سبيل الحق من سبل الباطل، وتوضح الخير من الشر، مثلما يكشف الضوء طريق السلامة من طريق الندامة، وهو في هذه الآية ضياء معنوي على شاكلة الضياء الحسي.
والضياء أو " الضوء " هاهنا يصدر من مصدره مباشرة، وذلك لأن الله كلم موسى تكليماً بدون واسطة (ملك الوحي)، كما يحدث عادة مع غيره من الرسل، وبالتالي فالتوراة ضياء مباشر، وليست نوراً، أي ليست ضوءاً منعكساً على ملك الوحي واستقبله موسى . وأما قول الله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَوَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[سورة المائدة:44] .
فيوضح خصائص التوراة بعد قيام موسى بتبليغها للناس، أما قبل التبليغ فهي ضياء مباشر للناس.
يقول أهل اللغة : الضياء أخص من النور وكان العرب قديماً لا يفرقون بين الضياء والنور فكلاهما عندهم بمعنى الضوء المنتشر من النيرات (أي الأجسام المنيرة ) .
ولكن المقابلة بين الآيات القرآنية التي وردت بها النجوم بالآيات التي وردت بها الكواكب توضح بجلاء أن الضياء من خواص النجوم، والنور من خواص الكواكب والأقمار، ولقد أشار القرآن إلى هذا الفرق في مواضع عديدة.
وحين وصف الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لم يصفه بالضياء أو(الضوء والإضاءة)، بل وصفه بالنور أو (الإنارة)، فقال في محكم التنزيل : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا {45} وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا )[سورة :الأحزاب].
فهو صلى الله عليه وسلم سراج لكنه لا يضيء بذاته، بل ينزل عليه الوحي(كسقوط الضوء الحسي) فينعكس على ملك الوحي جبريل عليه السلام .. وهكذا يتأكد بهذا الوصف العلمي الدقيق أن القرآن لم يصدر عن رسول الله، وإنما صدر عن الله ذاته، ثم نزل ووقع على قلب الرسول فانعكس ليثير الدنيا للعالمين .
يرد " النور " في القرآن العظيم مفرداً دائماً، أما " الظلام " فيأتي في القرآن العظيم دائماً بصيغة الجمع، وفي هذا حكمة بالغة. وأما الأمثلة التي توضح هذا فعديدة، نذكر منها قول الله تعالى : (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[سورة البقرة: 257].
(الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )[سورة إبراهيم: 1].
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )[سورة الحديد:9].
(قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا {10} رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[سورة الطلاق: 10،11].
إضافة إلى الآيات 16ـ 17 البقرة 19ـ 22 فاطر 15/المائدة 174/ الأنبياء، 4/النور، 32/التوبة، /الزمر.
وقد تكون الحكمة من إفراد " النور " وجمع " الظلمات " هي أن النور مستمد من نور الله، الذي هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فاقتضت الحكمة أن يفرده كما تفرد سبحانه بجميع صفاته.
والنور في حقيقته شفاف، وبالتالي فمن يحصل على القليل منه، يهديه إلى الكثير، أما الظلام فداءٌ ووباءٌ، وقليلة يولد كثيرة، والظلمات عديدة، ظلام الجهل، ظلام الضلال، ظلام الكفر، ظلام التيه، ظلام الحيرة، ظلام العناد، ظلام المكابرة .. الخ..
ولكن النور واحد المصدر، ويكفي قليله لإنارة الطريق لمن شرح الله صدره للإيمان.
لا يمكن أن يخلو حديث عن الضوء والنور من آية قرآنية أسماها بعض العلماء (آية المشكاة)، وفيها يقول الله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[النور: 35].
إن هذه آية شهيرة تحدث فيها بعض العلماء، قديماً وحديثاً، بما يكفي لتأليف كتب، ولكننا أبينا أن نغفل هذه الآية الكريمة، أو نحرم القارئ من جرعة ـ ولو قليلة من نتائج دراسات العلماء لها، وخصوصاً وأننا لازلنا في رحاب "
الضوء والنور
شرح صاحب (غرائب القرآن) فقال : قرنت " نور " عند البعض ـ بتشديد الواو " نور " فيكون المعنى : (منور السموات والأرض)، ولكن ما المراد بالنور ؟
الأكثرون على أنه الهداية والحق، كما قال في آخر الآية : (يهدي الله لنوره من يشاء )، يشبه بالنور في ظهوره وبيانه، وإضافة إلى السموات والأرض للدلالة على سعة إشرقه وفشو إضاءته حتى تضئ له السماوات والأرض.
وقيل : نور (بتشديد الواو) السماوات بالملائكة وبالأجرام النيرة، والأرض بها وبالأنبياء والعلماء.
وقيل : هو تدبيره إياهما بحكمة كاملة، كما يوصف الرئيس المدبر بأنه نور البلد، إذا كان يدبر أمورهم تدبيراً حسناً، فهو لهم كالنور الذي يهتدي به في المضايق والمزالق، وهذا القول اختيار الأصم والزجاج.
ويقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في رسالته (مشكاة الأنوار) : إن الله تعالى نور في الحقيقة، بل لا نور إلا هو.
وبيانه أن للإنسان (بصراً) يدرك به النور المحسوس الواقع من الأجرام النيرة على ظواهر الأجسام الكثيفة، و(بصيرة) هي القوة العاقلة، ولاشك أن البصيرة أقوى من البصر .. وبعد أن عدد الغزالي أسباب قوة البصيرة وضعف البصر، قال : المشكاة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت عبارة عن المراتب الخمس والمصباح والشجرة والزيت عبارة عن المراتب الخمس الإنسانية .
فأولهما : القوة الحسية التي هي أصل الروح الحيواني، وتوجد للصبي، بل لكل حيوان، وأوفق مثال لها من عالم الأجسام : المشكاة ..
ثانيهما : القوة الخيالية التي تحفظ ما تورده الحواس (مخزوناً عندها) لتعرضه على القوة العقلية التي فوقها عند الحاجة إليه،وأنت لا تجد شيئاً في عالم الأجسام يشبه الخيال سوى الزجاجة، فإنها بحيث لا يحجب نور المصباح...
ثالثهما: القوة العقلية القوية، أي " القادرة " على إدراك الماهيات الكلية والمعارف اليقينية، ولا يخفى وجه تمثيله بالمصباح، كما مر في تسمية النبي سراجاً.
رابعهاً : القوة الفكرية القوية، أي " القادرة " على التقسيمات والاستنتاجات، فمثالها مثل الشجرة المثمرة..
خامساً: القوة القدسية النبوية التي يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور على نور . وقال الشيخ الرئيس ابن سينا بما يشبه كلام حجة الإسلام الغزالي في هذا الشأن .
وإذا كان لفظ (النور) قد ورد في خمسين آية تقريباً ـ بالقرآن العظيم، فإنه في معظم هذه المواضيع يشير إلى النور المعنوي، وإن كان يشير في بعض المواضيع إلى النور الحسي أو النور الحسي والمعنوي. وفي آية سورة النور يمثل الله سبحانه نوره بالضوء المنبعث من زجاجة داخلها مصدر إضاءة هو مصباح، أما الزجاجة فهي جسم غير مضيء بذاته، لكنه يحيط بمصدر اللهب والضوء وهو المصباح، لكنه أوضح أن هذه الزجاجة ترى متلألئة كالكوكب الدري، وذلك بعد أن يسقط الضوء عليها ويرتد (ينعكس) عنها، وتعبر الآية عن هذا بـ " نور على نور" أي : أ،ه ليس بنور واحد، بل بأنوار بعضها فوق بعض، وهو اللمعان والتلألؤ الذي وصف الله به السطح الداخلي لهذه الزجاجة، وهو ما يرى أيضاً في الأحجار الكريمة الشفافة الرائقة ذات الكثافة العالية، كالماس، التي بسقوط شعاع الضوء علي إحداها، يتكرر انعكاسه مرات عديدة متوالية في داخلها فيتراكم في نقط عديدة بعضه فوق البعض، فيرى الشخص المنظر الإجمالي وكأنه لمعان ناشئ من مصادر ضوئية عديدة. وهكذا كان سطح الزجاجة شديد اللمعان من كثرة مرات انعكاس الضوء بداخلها، في نقاط عديدة، قبل انبعاثه إلى خارجها، وبالتالي تبدو الزجاجة وكأنها كوكب دري من فرط نورها.
ونرى من المناسب أن نأتي في هذا الموضوع بآية قرآنية أخرى يقول فيها الله سبحانه وتعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {6} وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ)[سورة الصافات:6،7].
ولما كانت الزينة صفة غير لازمة للأجسام والأجرام، ومحلها أسطح هذه الأجسام لا بواطنها، فإن هذه الآية تدل على دلالة أكيدة على ظلمة الكواكب والأقمار في حد ذاتها، وأن ما نراه من نورها إنما هو ضوء سقط على أسطحها من نجوم أو أجرام مضيئة بذواتها، وهكذا تكون النيرات أقسام، منها ما ضياؤه ذاتياً، كالنجوم، ومنها ما ضياؤه مكتسباً، بارتداد ضوء النجوم الساقط على سطحه، وهو ما لم يكن معروفاً للإنسان في كافة بقاع العالم، ليس وقت تنزل القرآن فقط، بل إلى عهد قريب.. فسبحان من هذا كلامه، سبحان منزل القرآن العظيم ليكون خاتماً لكتبه إلى البشر أجمين .
وختاماً، فالإشراق المذكور في قول الله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[سورة الزمر:68].
له معنيان أحدهما ظاهري " مباشر" وهو التلألؤ واللمعان، والآخر مجازي، وهو البركة، ومن أخذوا بالمعنى المجازي ـ وهو الشائع قديماً ـ لم يعلموا بأن الأرض كوكب ينير بإنعكاس الأشعة الساقطة على سطحه، ولهم عذرهم، لأن هذه الحقيقة العلمية لم يتوصل الإنسان إليها إلا بعدما استطاع الخروج من أطر الأرض جميعاً وتمكن من السباحة في الفضاء الخارجي، فرأى رواد الفضاء الأرض منيرة، كما نرى نحن سكان الأرض القمر منيراً، كما أن الله سبحانه نسب النور إلى ذاته العلية بلفظة " ربها " لنعلم نحن البشر أنه هو المتولي والراعي لجميع المخلوقات، القيوم على شئون الكائنات، حيها وجامدها، ما نعلم منها وما لم نعلم . .
ويشيع المنبع [المصدر] الضوئي في الأحوال العادية ضوءاً متعدد الموجات، كل موجة بجانب الأخرى، لينتج ما يسمى [ الإشعاع Radiation] وتبلغ سرعة انتشار الضوء ثلاثمائة ألف كيلومتر/ثانية (3×108متر /ثانية)، وهو حين يمر بمادة ما تقل سرعته عنها في الفراغ.
وتحدث ذبذبات الضوء عادة في جميع الاتجاهات العمودية على اتجاه انتشار الضوء، أما إذا حدثت الذبذبات في اتجاه واحد فقط (عمودياً على اتجاه الانتشار) وصف الضوء بأنه [ مستقطب Polarized] .
وإذا سقط الضوء على مادة ما فإن جزءاً منه يرتد [ ينعكس ـ Reflect]، وجزءاً آخر يختفي [ يمتص Absorbed] .
ونتيجة لاختلاف سرعة الضوء عند مروره خلال وسطين مختلفين يحدث انكسار (Reflection) عند الحد الفاصل بينهما. وهناك أيضاً ظواهر تحدث للضوء، مثل : التشتت والانحناء والتداخل وغيرها، وهي مشروحة في الكتب المتخصصة التي تدرس للطلاب في المعاهد التعليمية.
وعند سقوط الضوء على مادة ما، فإنه لا يمدها بالطاقة فقط، وإنما يمدها أيضاً بـ " دفع " وبالتالي فهناك ضغط يقع على المادة نتيجة سقوط الضوء عليها، ويسمى " ضغط الإشعاع " أو " ضغط الضوء" ، وأما حاملات الطاقة والدفع في موجات الضوء فهي [ الفوتونات الضوئية Photons].
ومن الضوء نمط يسمى " الضوء البروجي "، وهو عبارة عن ظاهرة ضوئية خافتة في سماء الليل، وتمتد بطول دائرة البروج، وألمع أجزاء الضوء البروجي الخارجي هما ضوء الصباح الرئيسي، وضوء المساء الرئيسي، ويمتد كل منها حتى مسافة 90درجة من الشمس، وبالتالي فإننا نراهما لوقت طويل قبل شروق الشمس وبعد غروبها.
وضوء السماءوتطلق (الموسوعة الفلكية لفظة " السماء " على الغلاف الجوي للأرض ) هو لمعانها الجوي الأرضي .. وهناك ما يسمى " الضوء القطبي ".
وهو ظاهرة ضوئية تحدث في حيز حلقي في معظم الأحيان من المنطقتين القطبيتين للغلاف الأرضي، وتعرف بكل من: ضوء الشمال، وضوء الجنوب.
وتعتبر الشمس وغيرها من النجوم مصادر طبيعية لانبعاث الضوء ذاتياً، حيث يحدث الإحساس بالرؤية للأجسام " في ذاتها " مثل: الأقمار والكواكب عندما يسقط عليها هذا الضوء، ثم يرتد أو يتشتت وتستقبله عين الإنسان (أو الحيوان) أو أي جهاز بصري للتصوير أو الرصد.
ورد الضياء بصيغة الفعل في عدة مواضيع بالقرآن العظيم، نذكر منها قول الله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ {17} صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ )[سورة البقرة].
تأتي هذه الآية الفيزيائية في معرض كشف معايب المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يرد التعرف على جوانب الموضوع بالتفصيل عليه الرجوع إلى النص ابتداءً من الآية الثامنة وإلى الآية العشرين من سورة البقرة، وهي الآية التي يقول الله تبارك وتعالى فيها: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[سورة البقرة].
ولقد أفاض الفخر الرازي (في التفسير الكبير) في شرح العديد من المسائل المتعلقة بالآية [17]، وفيما يلي تجتزئ بعض ما عرضه لإجلاء جوانب في هذه الآية، والتي نود أن نبرز ما يوفق الله سبحانه في إبرازه من جوانب علمية بها .. يطرح الفخر في إحدى مسائله ثلاثة أسئلة هي:
[1] ما وجه التمثيل بمن أعطى نوراً ثم سُلب ذلك النور منه، مع أن المنافق ليس له نور.
[2] إن من استوقد ناراً فأضاءت قليلاً، فقد انتفع بها وبنورها ثم حرم، فأما المنافقون، فلا انتفاع لهم البتة بالإيمان، فما وجه التمثيل؟
[3] إن مستوقد النار قد اكتسب لنفسه النور، والله تعالى ذهب بنوره وتركه في الظلمات، والمنافق لم يكتسب لنفسه النور، والله تعالى ذهب بنوره وتركه في الظلمات، والمنافق لم يتكسب خيراً وما حصل له من الخيبة والحيرة فقد أتى بهما من قبل نفسه، فما وجه التشبيه؟
وكان من أجوبة الفخر الرازي عرض قول للسدي، وهو :إن أناساً دخلوا الإسلام عند وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم إنهم نافقوا بعد ذلك، والتشبيه ها هنا في نهاية (غاية) الصحة، لأنهم بإيمانهم أولاً اكتسبوا نوراً، ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك النور ووقعوا في حيرة عظيمة، فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.. وإن لم يصح ما قاله السدي، بل كانوا منافقين من أول أمرهم، فها هنا تأويل آخر ذكره الحسن ـ رحمه الله ـ وهو أنهم لما أظهروا الإسلام فقد ظفروا بحقن دمائهم، وسلامة أموالهم عن الغنيمة، وأولادهم عن السبي .. وعد ذلك نوراً من أنوار الإيمان ولما كان ذلك ـ بالإضافة إلى العذاب الدائم ـ قليلاً، قدرت شبههم بمستوقد النار الذي انتفع بضوئها قليلاً !!
وصلاً بما بدأناه من مسائل الفخر الرازي في ( التفسير الكبير) حول الضياء والنور والنفاق والمنافقين وأوجه تشبيه وضرب المثل، فهو يقول في إحدى المسائل : فأما تشبيه الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة، فهو في كتاب الله تعالى كثير، والوجه فيه أن النور قد بلغ النهاية في كونه هادياً إلى المحجة، وإلى طريق المنفعة، وإزالة الحيرة، وهذا حال الإيمان في باب الدين، فشبه ما هو النهاية في إزالة الحيرة، ووجدان المنفعة، في باب الدين بما هو الغاية في باب الدنيا، وكذلك القول في تشبيه الكفر بالظلمة، لأن الضال عن الطريق المحتاج إلى سلوكه، لا يرد عليه من أسباب الحرمان والتحير أعظم من الظلمة، ولا شيء كذلك في باب الدين أعظم من الكفر، فشبه الله تعالى أحدهما بالآخر.
ويواصل صاحب (التفسير الكبير) طرح الأسئلة وعرض الأجوبة ومنها : هلا قيل : ذهب الله بضوئهم، لقوله تعالى : (فلما أضاءت) ؟ وأجاب بقوله : ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة، فلو قيل (ذهب الله بضوئهم) لأوهم ذهاب الكمال، وبقاء ما يسمى نوراً، والغرض إزالة النور عنهم بالكلية، ألا ترى كيف ذكر عقيبه (وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، والظلمة عبارة عن عدم النور، وكيف جمعها ؟ وكيف نكرها؟ وكيف اتبعها ما يدل على أنها ظلمة خالصة ؟ وهو قوله : (لا يبصرون ) .
وبنحو هذا قال النيسابوري ( في غرائب القرآن) وإنما لم يقل (ذهب الله بضوئهم) على سياق (فلما أضاءت )، لأن ذكر النور أبلغ في الغرض، وإزالة عنهم رأساً وطمسه أصلاً، فإن الضوء شدة النور وزيادته، وذهاب الأصل يوجب زوال الزيادة عليه دون العكس.. وفي جمع الظلمة وتنكيرها وإتباعها ما يدل على أنها ظلمة لا يتراءى فيها شبحان، وفي قوله (لا يبصرون ) دلالة على أن الظلمة بلغت مبلغاً يبهت معها الواصفون .
وبتطبيق ما اكتشفه العلم حديثاً نجد أنه لما أضاءت النار ما حول المنافقين من الأجسام المعتمة، سقط الضوء فوقها، وانعكس عنها، فكشفها للناظرين، ثم ذهب الله بالضوء الساقط المنعكس عن هذه الأجسام، وهو الذي كان يسقط على أبصارهم، ولذلك نسبه إليهم بقوله جل جلاله وعلا (بنورهم) أما ما ينبعث من النار فـ " ضياء"، وأما بعد سقوطه على الأجسام المعتمة وانعكاسه عنها فـ " نور " ، ففي هذه الآية القرآنية جعل الله النور ضداً أو مقابلاً لظلمة الأجسام غير المضيئة بذاتها، لأنه هو السبب المباشر في إزالة الضوء الذاتي (قبل سقوطه على هذه الأجسام وانعكاسه عنها) فليس هو السبب المباشر لإزالة ظلمتها، فقد وجد هذا الضوء في الغرفة، لكنه لا يسقط على أجسام، فلا ينعكس عن شيء، وبالتالي لا تنير الغرفة فالوحي الإلهي هو الضوء الذي يبدد ظلمات النفوس البشرية، كما أن الضوء الحسي يقع على دقائق الغلاف الجوي (للأرض) فينير النهار، حتى وإن لم تسقط أشعة الشمس على الأجسام والأشياء أمامنا.
إضافة إلى ورود " الضياء " في القرآن الكريم بصيغة الفعل، وهو ما ذكرناه سابقاً، فلقد ورد أيضاً بصيغة المصدر في عدة مواضع منها قول الله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[سورة يونس:5].
كما أوضح الله سبحانه صفات ضياء الشمس في آية قرآنية أخرى فقال جل وعلا (وجعل الشمس سراجاً ) وكذلك في الآية 13 من سورة النبأ وجعلنا سراجاً وهاجاً )، أي أن الشمس (وهي من النجوم ) سراج مضيء متقد بلهب.
إن القرآن العظيم يصف الأشياء حسب طبائعها وصفاً علمياً دقيقاً، يؤكد لأصحاب العقول السليمة، والنفوس الصحيحة، في كل زمان وفي كل مكان، أنه كتاب صادر من لدن حكيم عليم خبير، خالق مدبر، وهي أوصاف وحقائق ومعان علمية صحيحة لم تظهر إلا بعد مرور قرون عديدة من تاريخ نزول القرآن. وقد أوضح من الآيات التي ذكرناها أن الله سبحانه ساق الضياء (فعلاً ومصدراً ) للتعبير عن الضوء المنبعث من الأجسام والأجرام مثل الشمس، لكنه أورد النور(وتقابله الظلمة) للتعبير عن الضوء المنعكس عن الأجسام المعتمة، مثل القمر ..
(جعل القمر فيهن نوراً ) كما أن الله سبحانه قال في سورة القصص: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ)[سورة القصص ]، وهو إشارة إلى ضوء الشمس بالنهار، ولقد سمى الله تعالى رسالته التي أنزلها على كليمه موسى عليه السلام وهي التوراة ضياء، حين قال : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [سورة البقرة: 87].
وذلك أن هذه الرسالة تبين سبيل الحق من سبل الباطل، وتوضح الخير من الشر، مثلما يكشف الضوء طريق السلامة من طريق الندامة، وهو في هذه الآية ضياء معنوي على شاكلة الضياء الحسي.
والضياء أو " الضوء " هاهنا يصدر من مصدره مباشرة، وذلك لأن الله كلم موسى تكليماً بدون واسطة (ملك الوحي)، كما يحدث عادة مع غيره من الرسل، وبالتالي فالتوراة ضياء مباشر، وليست نوراً، أي ليست ضوءاً منعكساً على ملك الوحي واستقبله موسى . وأما قول الله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَوَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[سورة المائدة:44] .
فيوضح خصائص التوراة بعد قيام موسى بتبليغها للناس، أما قبل التبليغ فهي ضياء مباشر للناس.
يقول أهل اللغة : الضياء أخص من النور وكان العرب قديماً لا يفرقون بين الضياء والنور فكلاهما عندهم بمعنى الضوء المنتشر من النيرات (أي الأجسام المنيرة ) .
ولكن المقابلة بين الآيات القرآنية التي وردت بها النجوم بالآيات التي وردت بها الكواكب توضح بجلاء أن الضياء من خواص النجوم، والنور من خواص الكواكب والأقمار، ولقد أشار القرآن إلى هذا الفرق في مواضع عديدة.
وحين وصف الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لم يصفه بالضياء أو(الضوء والإضاءة)، بل وصفه بالنور أو (الإنارة)، فقال في محكم التنزيل : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا {45} وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا )[سورة :الأحزاب].
فهو صلى الله عليه وسلم سراج لكنه لا يضيء بذاته، بل ينزل عليه الوحي(كسقوط الضوء الحسي) فينعكس على ملك الوحي جبريل عليه السلام .. وهكذا يتأكد بهذا الوصف العلمي الدقيق أن القرآن لم يصدر عن رسول الله، وإنما صدر عن الله ذاته، ثم نزل ووقع على قلب الرسول فانعكس ليثير الدنيا للعالمين .
يرد " النور " في القرآن العظيم مفرداً دائماً، أما " الظلام " فيأتي في القرآن العظيم دائماً بصيغة الجمع، وفي هذا حكمة بالغة. وأما الأمثلة التي توضح هذا فعديدة، نذكر منها قول الله تعالى : (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[سورة البقرة: 257].
(الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )[سورة إبراهيم: 1].
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )[سورة الحديد:9].
(قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا {10} رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[سورة الطلاق: 10،11].
إضافة إلى الآيات 16ـ 17 البقرة 19ـ 22 فاطر 15/المائدة 174/ الأنبياء، 4/النور، 32/التوبة، /الزمر.
وقد تكون الحكمة من إفراد " النور " وجمع " الظلمات " هي أن النور مستمد من نور الله، الذي هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فاقتضت الحكمة أن يفرده كما تفرد سبحانه بجميع صفاته.
والنور في حقيقته شفاف، وبالتالي فمن يحصل على القليل منه، يهديه إلى الكثير، أما الظلام فداءٌ ووباءٌ، وقليلة يولد كثيرة، والظلمات عديدة، ظلام الجهل، ظلام الضلال، ظلام الكفر، ظلام التيه، ظلام الحيرة، ظلام العناد، ظلام المكابرة .. الخ..
ولكن النور واحد المصدر، ويكفي قليله لإنارة الطريق لمن شرح الله صدره للإيمان.
لا يمكن أن يخلو حديث عن الضوء والنور من آية قرآنية أسماها بعض العلماء (آية المشكاة)، وفيها يقول الله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[النور: 35].
إن هذه آية شهيرة تحدث فيها بعض العلماء، قديماً وحديثاً، بما يكفي لتأليف كتب، ولكننا أبينا أن نغفل هذه الآية الكريمة، أو نحرم القارئ من جرعة ـ ولو قليلة من نتائج دراسات العلماء لها، وخصوصاً وأننا لازلنا في رحاب "
الضوء والنور
شرح صاحب (غرائب القرآن) فقال : قرنت " نور " عند البعض ـ بتشديد الواو " نور " فيكون المعنى : (منور السموات والأرض)، ولكن ما المراد بالنور ؟
الأكثرون على أنه الهداية والحق، كما قال في آخر الآية : (يهدي الله لنوره من يشاء )، يشبه بالنور في ظهوره وبيانه، وإضافة إلى السموات والأرض للدلالة على سعة إشرقه وفشو إضاءته حتى تضئ له السماوات والأرض.
وقيل : نور (بتشديد الواو) السماوات بالملائكة وبالأجرام النيرة، والأرض بها وبالأنبياء والعلماء.
وقيل : هو تدبيره إياهما بحكمة كاملة، كما يوصف الرئيس المدبر بأنه نور البلد، إذا كان يدبر أمورهم تدبيراً حسناً، فهو لهم كالنور الذي يهتدي به في المضايق والمزالق، وهذا القول اختيار الأصم والزجاج.
ويقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في رسالته (مشكاة الأنوار) : إن الله تعالى نور في الحقيقة، بل لا نور إلا هو.
وبيانه أن للإنسان (بصراً) يدرك به النور المحسوس الواقع من الأجرام النيرة على ظواهر الأجسام الكثيفة، و(بصيرة) هي القوة العاقلة، ولاشك أن البصيرة أقوى من البصر .. وبعد أن عدد الغزالي أسباب قوة البصيرة وضعف البصر، قال : المشكاة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت عبارة عن المراتب الخمس والمصباح والشجرة والزيت عبارة عن المراتب الخمس الإنسانية .
فأولهما : القوة الحسية التي هي أصل الروح الحيواني، وتوجد للصبي، بل لكل حيوان، وأوفق مثال لها من عالم الأجسام : المشكاة ..
ثانيهما : القوة الخيالية التي تحفظ ما تورده الحواس (مخزوناً عندها) لتعرضه على القوة العقلية التي فوقها عند الحاجة إليه،وأنت لا تجد شيئاً في عالم الأجسام يشبه الخيال سوى الزجاجة، فإنها بحيث لا يحجب نور المصباح...
ثالثهما: القوة العقلية القوية، أي " القادرة " على إدراك الماهيات الكلية والمعارف اليقينية، ولا يخفى وجه تمثيله بالمصباح، كما مر في تسمية النبي سراجاً.
رابعهاً : القوة الفكرية القوية، أي " القادرة " على التقسيمات والاستنتاجات، فمثالها مثل الشجرة المثمرة..
خامساً: القوة القدسية النبوية التي يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور على نور . وقال الشيخ الرئيس ابن سينا بما يشبه كلام حجة الإسلام الغزالي في هذا الشأن .
وإذا كان لفظ (النور) قد ورد في خمسين آية تقريباً ـ بالقرآن العظيم، فإنه في معظم هذه المواضيع يشير إلى النور المعنوي، وإن كان يشير في بعض المواضيع إلى النور الحسي أو النور الحسي والمعنوي. وفي آية سورة النور يمثل الله سبحانه نوره بالضوء المنبعث من زجاجة داخلها مصدر إضاءة هو مصباح، أما الزجاجة فهي جسم غير مضيء بذاته، لكنه يحيط بمصدر اللهب والضوء وهو المصباح، لكنه أوضح أن هذه الزجاجة ترى متلألئة كالكوكب الدري، وذلك بعد أن يسقط الضوء عليها ويرتد (ينعكس) عنها، وتعبر الآية عن هذا بـ " نور على نور" أي : أ،ه ليس بنور واحد، بل بأنوار بعضها فوق بعض، وهو اللمعان والتلألؤ الذي وصف الله به السطح الداخلي لهذه الزجاجة، وهو ما يرى أيضاً في الأحجار الكريمة الشفافة الرائقة ذات الكثافة العالية، كالماس، التي بسقوط شعاع الضوء علي إحداها، يتكرر انعكاسه مرات عديدة متوالية في داخلها فيتراكم في نقط عديدة بعضه فوق البعض، فيرى الشخص المنظر الإجمالي وكأنه لمعان ناشئ من مصادر ضوئية عديدة. وهكذا كان سطح الزجاجة شديد اللمعان من كثرة مرات انعكاس الضوء بداخلها، في نقاط عديدة، قبل انبعاثه إلى خارجها، وبالتالي تبدو الزجاجة وكأنها كوكب دري من فرط نورها.
ونرى من المناسب أن نأتي في هذا الموضوع بآية قرآنية أخرى يقول فيها الله سبحانه وتعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {6} وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ)[سورة الصافات:6،7].
ولما كانت الزينة صفة غير لازمة للأجسام والأجرام، ومحلها أسطح هذه الأجسام لا بواطنها، فإن هذه الآية تدل على دلالة أكيدة على ظلمة الكواكب والأقمار في حد ذاتها، وأن ما نراه من نورها إنما هو ضوء سقط على أسطحها من نجوم أو أجرام مضيئة بذواتها، وهكذا تكون النيرات أقسام، منها ما ضياؤه ذاتياً، كالنجوم، ومنها ما ضياؤه مكتسباً، بارتداد ضوء النجوم الساقط على سطحه، وهو ما لم يكن معروفاً للإنسان في كافة بقاع العالم، ليس وقت تنزل القرآن فقط، بل إلى عهد قريب.. فسبحان من هذا كلامه، سبحان منزل القرآن العظيم ليكون خاتماً لكتبه إلى البشر أجمين .
وختاماً، فالإشراق المذكور في قول الله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[سورة الزمر:68].
له معنيان أحدهما ظاهري " مباشر" وهو التلألؤ واللمعان، والآخر مجازي، وهو البركة، ومن أخذوا بالمعنى المجازي ـ وهو الشائع قديماً ـ لم يعلموا بأن الأرض كوكب ينير بإنعكاس الأشعة الساقطة على سطحه، ولهم عذرهم، لأن هذه الحقيقة العلمية لم يتوصل الإنسان إليها إلا بعدما استطاع الخروج من أطر الأرض جميعاً وتمكن من السباحة في الفضاء الخارجي، فرأى رواد الفضاء الأرض منيرة، كما نرى نحن سكان الأرض القمر منيراً، كما أن الله سبحانه نسب النور إلى ذاته العلية بلفظة " ربها " لنعلم نحن البشر أنه هو المتولي والراعي لجميع المخلوقات، القيوم على شئون الكائنات، حيها وجامدها، ما نعلم منها وما لم نعلم . .