ابو مناف البصري
المالكي
الغرائز والنزعات في قصة
النبي يوسف عليه السلام
(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ
قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) صدق الله العلي العظيم
نفذت الجريمة التي انتهى اليها الحسد ،ومضى المجرمون في إضطراب من امرهم ، واستقروا على سناريوا لعله يقنع أباهم؛ وخاصة أن النيي يعقوب قد افترض أن ياكله الذئب قبل أن يرسله معهم فشعروا أن هذاهو الاقرب الى قناعته وبدأ الخداع والتمثيل واختاروا العودة عشاء لأن الرعاة يعودون عشاء وهذه العودة عشاء كانت عاملا في تكذيبهم فالقرآن لا يذكر شيئا الا لاهميته ؛إذ لوكان اكله الذئب لضجوا لذلك ؛ولمضى واحد منهم الى القرية علي الاقل ضاجا عاجا يضطرب من الحزن ،والالم ولكنهم مشغولون بالخدعة أكثر من اهتمامهم بالجريمة ليبرئوا ساحتهم ،وضبطوا أعصابهم دعما لتبريرهم؛ فكان مدعاة للشك بهم ،ولم يقنع النبي يعقوب عليه السلام التباكي، وماانطلت الخدعة على الاب ،ومقدمة المسرحية كانت سيئة مشككة اذ كيف يتركون غلاما عند أمتعتهم، وماشيتهم، ويذهبون من غير أن يتركوا واحدا يحمي الماشية؟! ويمضون جميعا للسباق؟ اذا كان اخوهم لا يهمهم شأنه؛ فهل ماشيتهم وأنعامهم لاتهمهم؟! وهل يعقل أن يدع الذئب الأغنام ويتوجه ليأكل الطفل؟! لا يصح هذا في غرائز الذئاب ؟فكانت مسرحية سيئة الإخراج والاعداد عززت شك النبي يعقوب بكذبهم فقال(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وهل يعقل ان يكون القميص سالما إذا أكله الذئب؟! وهل خلع الذئب قميص يو سف ثم أكله ليبقى القميص سالما ؟! وإن كان قد مزق القميص عندما اكله؛ الا يتميز تمزيق الانياب ،والمخالب عن تمزيق الأيدي ؟ثم الا تصطبغ مزق القميص بالدماء ؟فبات يعقوب عليه السلام حزينا ؛فقد أعز آماله ،وسلوة قلبه ،وخافق صدره تتعاوره عواصف الافكار ؛ويعتصر فؤاده غدر الأشرار بالضعيف البرئ المظلوم أي مكيدة وقع بها ؟! لا جرم أنه لم يقترف ذنبا ؛ ولكن حسدا على عطاء الله و منحتة وفضله
قال المعري
تعد ذنوبي عند قومي كثيرة ولا ذنب الاالعلا والفضائل
أصبح يوسف في قرارة البئر يلفه الخوف، وتجتاحه الهواجس، ويعضده الا الايمان؛ ووعد من العلي القدير بالحسنى والله لا يخلف الميعاد يواجه قدره بصلابة ،وثبات، وهذه سمة الانبياء، والاصفياء، والصالحين؛ يرون ما يقع عليهم من أقدار ومصائب مفازة الى رحمة الله، وجميلا رغم عظم المأساة
كما رآه النبي أيوب ويونس والامام الحسين والسيدة زينب عليهم السلا م أجمعين ومرت قافلة تعبر الطريق قريبا من الجب فارسلت رجلا من القافلة أو قل خادما ليجلب الماء من البئر ؛ففوجئ بغلا م في البئر فعاد سريعا يبشر تجار القافلة بما وجد فسر التجار، وبعقلية التاجر الربحية ونزعته الطمعية أضافوه بضاعة الى بضاعتهم، وربحا الى ربحهم؛ دون أي عاطفة انسانية لا يهم كيف سقط في البئر ، ولا مشكلته ؛نظروا اليه سلعة كما ينظر صياد الى عصفور وقع في يده لايهمه أحزانه ولا فراخه الجائعة ولا وجيب قلبه هذه.. نزعة الطمع ،والجشع؛ وخلاصة القول ؛أنهم باعوه بثمن قليل بالنسبة ليوسف ، وما لاحظوا نجابته ولاحسنه ولا لطف أخلاقه..... والذي اشتراه شخصية كبيرة أرستقراطية؛ لا يعجبه أي عبد او خادم؛ إنه رجل انتقائي وصل به الامر الى تبنيه لشدةاعجابه به(وقال الذي اشتراه من مصر لأمرأته اكرمي مثواه عسى أن ينفعنا او نتخذه ولدا)، وكذلك مكنا ليوسف في الارض ،ولنعلمه من تأويل الاحاديث)؛ وهنا نريد أن نعرف هل كان تبني العزيز له ناجم عن عاطفة الاعجاب؟ أم عاطفة الحرمان من الولد؟ أم عاطفة عطف انسانية؟ وأنا أزعم أنه جمع له عاطفتان الاعجاب ،والحرمان؛ فوجد في يوسف ضالته المنشودة الولد الذي يتمناه، ويليق بمكانه، والله جعل حسن يوسف وأخلاقه رافعة صعوده الى الارتفاع والعلو.
فاضت الدموع من عيني وأنا أقرأ وأكتب الآية الكرية؛ ماأكرمك يالله! و أعظمك! تخرج الفلج من صلب الضيق !، وتعز من تشاء ،وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير، وتجعل لكل هدف وسيلة وسلطانا، وكيد الناس وحسدهم يذهب ويضيع ويمحوه كرمك الواسع ،وتبقى جراح الحاسد تمض قلب الكائد والحاسد ؛رحمة واسعة ،وعطاء أجود الاجودين
وجاءت كلمة القول الفصل( و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)هذه العبارة هي السر الاكبر الذي يخفى على الناس ولو أدركه الناس لأراحوا واستراحوا وسعدوا
حتى إذا اشتد عوده أتاه الله حكما وعلما؛ أقوى سلا حين في الوجود( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب) صدق الله العلي العظيم
حسن مصطفى بغدادي
النبي يوسف عليه السلام
(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ
قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) صدق الله العلي العظيم
نفذت الجريمة التي انتهى اليها الحسد ،ومضى المجرمون في إضطراب من امرهم ، واستقروا على سناريوا لعله يقنع أباهم؛ وخاصة أن النيي يعقوب قد افترض أن ياكله الذئب قبل أن يرسله معهم فشعروا أن هذاهو الاقرب الى قناعته وبدأ الخداع والتمثيل واختاروا العودة عشاء لأن الرعاة يعودون عشاء وهذه العودة عشاء كانت عاملا في تكذيبهم فالقرآن لا يذكر شيئا الا لاهميته ؛إذ لوكان اكله الذئب لضجوا لذلك ؛ولمضى واحد منهم الى القرية علي الاقل ضاجا عاجا يضطرب من الحزن ،والالم ولكنهم مشغولون بالخدعة أكثر من اهتمامهم بالجريمة ليبرئوا ساحتهم ،وضبطوا أعصابهم دعما لتبريرهم؛ فكان مدعاة للشك بهم ،ولم يقنع النبي يعقوب عليه السلام التباكي، وماانطلت الخدعة على الاب ،ومقدمة المسرحية كانت سيئة مشككة اذ كيف يتركون غلاما عند أمتعتهم، وماشيتهم، ويذهبون من غير أن يتركوا واحدا يحمي الماشية؟! ويمضون جميعا للسباق؟ اذا كان اخوهم لا يهمهم شأنه؛ فهل ماشيتهم وأنعامهم لاتهمهم؟! وهل يعقل أن يدع الذئب الأغنام ويتوجه ليأكل الطفل؟! لا يصح هذا في غرائز الذئاب ؟فكانت مسرحية سيئة الإخراج والاعداد عززت شك النبي يعقوب بكذبهم فقال(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وهل يعقل ان يكون القميص سالما إذا أكله الذئب؟! وهل خلع الذئب قميص يو سف ثم أكله ليبقى القميص سالما ؟! وإن كان قد مزق القميص عندما اكله؛ الا يتميز تمزيق الانياب ،والمخالب عن تمزيق الأيدي ؟ثم الا تصطبغ مزق القميص بالدماء ؟فبات يعقوب عليه السلام حزينا ؛فقد أعز آماله ،وسلوة قلبه ،وخافق صدره تتعاوره عواصف الافكار ؛ويعتصر فؤاده غدر الأشرار بالضعيف البرئ المظلوم أي مكيدة وقع بها ؟! لا جرم أنه لم يقترف ذنبا ؛ ولكن حسدا على عطاء الله و منحتة وفضله
قال المعري
تعد ذنوبي عند قومي كثيرة ولا ذنب الاالعلا والفضائل
أصبح يوسف في قرارة البئر يلفه الخوف، وتجتاحه الهواجس، ويعضده الا الايمان؛ ووعد من العلي القدير بالحسنى والله لا يخلف الميعاد يواجه قدره بصلابة ،وثبات، وهذه سمة الانبياء، والاصفياء، والصالحين؛ يرون ما يقع عليهم من أقدار ومصائب مفازة الى رحمة الله، وجميلا رغم عظم المأساة
كما رآه النبي أيوب ويونس والامام الحسين والسيدة زينب عليهم السلا م أجمعين ومرت قافلة تعبر الطريق قريبا من الجب فارسلت رجلا من القافلة أو قل خادما ليجلب الماء من البئر ؛ففوجئ بغلا م في البئر فعاد سريعا يبشر تجار القافلة بما وجد فسر التجار، وبعقلية التاجر الربحية ونزعته الطمعية أضافوه بضاعة الى بضاعتهم، وربحا الى ربحهم؛ دون أي عاطفة انسانية لا يهم كيف سقط في البئر ، ولا مشكلته ؛نظروا اليه سلعة كما ينظر صياد الى عصفور وقع في يده لايهمه أحزانه ولا فراخه الجائعة ولا وجيب قلبه هذه.. نزعة الطمع ،والجشع؛ وخلاصة القول ؛أنهم باعوه بثمن قليل بالنسبة ليوسف ، وما لاحظوا نجابته ولاحسنه ولا لطف أخلاقه..... والذي اشتراه شخصية كبيرة أرستقراطية؛ لا يعجبه أي عبد او خادم؛ إنه رجل انتقائي وصل به الامر الى تبنيه لشدةاعجابه به(وقال الذي اشتراه من مصر لأمرأته اكرمي مثواه عسى أن ينفعنا او نتخذه ولدا)، وكذلك مكنا ليوسف في الارض ،ولنعلمه من تأويل الاحاديث)؛ وهنا نريد أن نعرف هل كان تبني العزيز له ناجم عن عاطفة الاعجاب؟ أم عاطفة الحرمان من الولد؟ أم عاطفة عطف انسانية؟ وأنا أزعم أنه جمع له عاطفتان الاعجاب ،والحرمان؛ فوجد في يوسف ضالته المنشودة الولد الذي يتمناه، ويليق بمكانه، والله جعل حسن يوسف وأخلاقه رافعة صعوده الى الارتفاع والعلو.
فاضت الدموع من عيني وأنا أقرأ وأكتب الآية الكرية؛ ماأكرمك يالله! و أعظمك! تخرج الفلج من صلب الضيق !، وتعز من تشاء ،وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير، وتجعل لكل هدف وسيلة وسلطانا، وكيد الناس وحسدهم يذهب ويضيع ويمحوه كرمك الواسع ،وتبقى جراح الحاسد تمض قلب الكائد والحاسد ؛رحمة واسعة ،وعطاء أجود الاجودين
وجاءت كلمة القول الفصل( و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)هذه العبارة هي السر الاكبر الذي يخفى على الناس ولو أدركه الناس لأراحوا واستراحوا وسعدوا
حتى إذا اشتد عوده أتاه الله حكما وعلما؛ أقوى سلا حين في الوجود( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب) صدق الله العلي العظيم
حسن مصطفى بغدادي