أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

الغريب الذي اكتشف نفسه قصة قصيرة

عبدالله الجميلي

Well-Known Member
إنضم
30 يونيو 2017
المشاركات
1,835
مستوى التفاعل
934
النقاط
115
الغريب الذي اكتشف نفسه

في أحد أيام الشتاء الباردة، جلس كريم أمام نافذته يراقب قطرات المطر تنساب على الزجاج. كان قلبه يثقل عليه بشعور غريب، شعور بالضياع بين حياة مكررة وجدران تشبه بعضها البعض. الروتين صار كالسجن، والأحلام التي كانت تزهر داخله في شبابه، ذبلت وسط الضغوط والتوقعات. في لحظة من التمرد على ذاته، قرر أن يغادر، أن يهرب من كل شيء يعرفه. كان يريد شيئًا جديدًا، شيئًا يحرره من نفسه القديمة، فحجز تذكرة إلى مدينة بعيدة، مكان لا يعرف فيه أحدًا ولا يعرفه أحد.

حطّت طائرته في بلدة صغيرة تقع في وادٍ تحيط به الجبال. الثلج كان يغطي قممها، والهواء بارد ولكنه منعش. كانت البلدة تبدو كأنها لوحة مرسومة، هادئة وبسيطة. لم تكن هذه البلدة مشهورة، لكنها كانت تحمل ذلك السحر الغامض الذي جعله يشعر أنه اتخذ القرار الصحيح. استأجر غرفة صغيرة في نُزل خشبي تديره عائلة محلية. الغرفة كانت بسيطة، لكن نافذتها تطل على مشهد ساحر للجبال والسماء الممتدة بلا حدود.

في الأيام الأولى، شعر كريم بالارتباك. لم يكن هناك جدول زمني يملي عليه ما يفعله. كان يستيقظ دون أي فكرة عمّا سيأتي. في المدينة، كان يلاحق المواعيد، الاجتماعات، والمهام، أما هنا، فلم يكن هناك شيء يلاحقه.

بدأ يومه الأول بالتجول في أزقة البلدة، حيث المحلات الصغيرة تبيع أشياء غريبة عليه، والوجوه المبتسمة تمر بجانبه دون اهتمام. كل شيء كان جديدًا: روائح الطعام، الكلمات التي لا يفهمها، وحتى الطرقات التي بدا وكأنها تقوده عشوائيًا. ورغم كل ذلك، شعر بشيء مختلف: الحرية.

في اليوم الثالث، التقى بمجموعة من السكان المحليين كانوا يستعدون لرحلة تسلق جبلية. دعوه للانضمام، فتردد في البداية. لم يكن رياضيًا، ولم يسبق له أن خاض مغامرة مشابهة. ولكنه سأل نفسه: "لم لا؟" ولم يجد إجابة تمنعه.

كانت رحلة التسلّق تحديًا حقيقيًا. الطريق كان وعرًا، والهواء رقيقًا، ولكنه كان يشعر بنبض الحياة في كل خطوة. مع كل متر يتقدم فيه، كان يترك خلفه مخاوفه القديمة وأفكاره المسبقة عن نفسه. على القمة، حيث امتد الأفق بلا حدود، شعر بشيء لم يشعر به منذ سنوات: السلام. وقف هناك مع الغرباء الذين أصبحوا أصدقاء في ساعات قليلة، وشعر وكأن كل شيء مألوف قد تلاشى، وتركه أمام نسخته الحقيقية.

في الأيام التالية، استمر كريم في خوض مغامرات جديدة. تعلم كلمات من اللغة المحلية، جرب أطباقًا لم يكن يجرؤ على تذوقها من قبل، ورقص في مهرجان شعبي دون أن يكترث لنظرات الآخرين. في إحدى الأمسيات، جلس أمام نار مشتعلة وسط (تحذير رابط هكر لاتضغط عليه) مع مجموعة من الرحالة. كانوا يحكون قصصهم، عن خوفهم وشجاعتهم، عن أماكن زاروها وأشياء تعلموها. في تلك الليلة، أدرك كريم أن السفر لا يتعلق فقط باكتشاف أماكن جديدة، بل باكتشاف أشياء جديدة عن نفسك.

بدأ كريم يكتب يومياته. كان يدوّن كل شعور جديد، كل مغامرة صغيرة، وكل فكرة ألهمته. أدرك أنه كان يعيش حياته ليرضي توقعات الآخرين، ولكن هنا، بعيدًا عن أعينهم، كان حرًا ليكون نفسه.

عندما حان وقت العودة، شعر كريم بأنه يعود شخصًا مختلفًا. لقد ترك في تلك البلدة نسخة قديمة منه، ووجد نسخة جديدة. تعلم أن الحياة ليست فقط في الروتين والواجبات، بل في اللحظات التي تخرج فيها من منطقة راحتك، في الأماكن التي تكتشف فيها ذاتك الحقيقية.

عندما عاد إلى مدينته، حمل كريم معه أكثر من مجرد ذكريات وصور. حمل معه روحًا متجددة، شغفًا للحياة، وفهمًا عميقًا لنفسه. أدرك أن الغريب في السفر ليس الأماكن التي تزورها، بل أنت، وأنك في كل رحلة تكتشف شيئًا جديدًا عنك، شيئًا لم تكن تعرف أنك تملكه.
بقلم محمد الخضيري الجميلي
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
تجربة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,302,217
مستوى التفاعل
48,634
النقاط
117
شكرا للجهود المبذولة
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
تجربة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,302,217
مستوى التفاعل
48,634
النقاط
117
شكرا للجهود المبذولة
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )