الطائر الحر
Well-Known Member
ثلثا الشواطئ الرملية ومصبات الأنهار على ساحل شمالي أفريقيا تعاني من خطر التآكل الشديد (شترستوك)
كشف فريق دولي من الباحثين في دراسة جديدة أن ما يزيد عن ثلثي الشواطئ الرملية ومصبات الأنهار على ساحل شمالي أفريقيا الممتد بين مصر وتونس، تعاني من خطر التآكل الشديد نتيجة النمو العمراني السريع وإقامة السدود، مما أثر سلبا على المياه الجوفية وهدّد النشاط الزراعي في هذه المناطق.
وأظهرت نتائج الدراسة التي نشرت مؤخرا في دورية "نيتشر" (Nature) العلمية، أن سوء التخطيط العمراني في المناطق الساحلية كانت له تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة أضرت بالأمن الغذائي وزادت من وتيرة الهجرة.
واعتمد المؤلفون في هذه الدراسة على كمية ضخمة من البيانات بشأن ساحل البحر الأبيض المتوسط الممتد بين خليج تونس ودلتا النيل، لوضع خريطة إحصائية لمؤشر الهشاشة الساحلية والضغوط التي تتعرض لها.
تقول الدكتورة علا العمروني من المعهد الوطني لعلوم وتقنيات البحار بجامعة قرطاج تونس، المؤلفة المشاركة في الدراسة، في تصريح للجزيرة نت "اعتمدنا 7 عوامل مختلفة لقياس مؤشر الهشاشة البيولوجية للسواحل، وعلى 5 أخرى لقياس مؤشر الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق، ثم قمنا بدمج هذين المؤشرين في مؤشر متكامل لقياس قدرة السواحل على تحمل الضغوط المختلفة".
خريطة مؤشر الهشاشة الساحلية المتكامل (نيتشر-عبد الرؤوف الحزامي وآخرون)
وتكشف الخريطة الإحصائية لمؤشر الهشاشة الساحلية المتكامل أن 70% من سواحل مناطق الدلتا ومصبات الأنهار والشواطئ الرملية تعاني من هشاشة شديدة، مقابل 47% فقط من إجمالي السواحل جنوب شرق حوض البحر المتوسط.
وتركزت السواحل التي تعاني من هشاشة مرتفعة خاصة في مناطق الدلتا المصرية والعاصمة الليبية طرابلس ومدينة صفاقس وجزر قرقنة وخليج الحمامات وخليج تونس.
عوامل بشرية
وأرجع باحثون في دراسات علمية سابقة التآكل الذي تشهده الشواطئ في العديد من المناطق في العالم إلى ارتفاع مستوى سطح البحر المستمر الناتج عن الاحتباس الحراري، لكن مؤلفي الدراسة الجديدة يكشفون أن التغيرات المناخية ليست العامل الحاسم في هذا الوضع الذي آلت السواحل في المنطقة.
ويقول الدكتور عصام حجي الباحث في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of Southern California) المؤلف المشارك في الدراسة، في تصريح للجزيرة نت إن "سبب التآكل ليس التغير المناخي، بل بناء السدود وسوء التخطيط العمراني، فقد أدى إنشاء السد العالي على سبيل المثال إلى نقص الترسيب في الدلتا".
صورة جوية تبيّن تراجع السواحل على مر السنين عند مصب نهر مجردة (عبد الرؤوف الحزامي)
ينطبق هذا الوضع أيضا على مصب نهر مجردة في خليج تونس الذي أقيمت على مجراه كبرى السدود في البلاد والتي حالت دون وصول الرمال إليه نهائيا على مدى الأربعين سنة الماضية. وهو ما أسفر عن تدهور سريع في حالة الساحل الذي "تراجع بأكثر من 20 متر سنويا في بعض المناطق حول المصب"، وفقا للباحثة التونسية التي تضيف أن "بعض المناطق الزراعية هناك غمرتها مياه البحر بالفعل".
أما العامل الثاني الذي أثّر بشكل كبير على حالة الشواطئ الرملية فهو التخطيط العمراني في المناطق الساحلية الذي كان تأثيره "أسوأ من التغير المناخي" كما يقول حجي، مضيفا أن "إقامة المنتجعات السياحية على طول الساحل أدت إلى تدهور النشاط الزراعي في هذه المنطقة".
تداعيات وحلول
ولاحظ الباحثون في الدراسة أن هشاشة السواحل ترتبط بتدهور كبير في طبقات المياه الجوفية الساحلية. فتآكل الشواطئ في السواحل الرملية يؤدي إلى تملح هذه المياه الضرورية للزراعة، مما يهدد الأمن الغذائي المحلي، ويفضي إلى جانب عوامل أخرى إلى زيادة اتجاهات الهجرة إلى الخارج.
وتشير إحصائيات الهجرة إلى زيادات كبيرة في الهجرة السكانية إلى الخارج بين عامي 2000 و2016 بنسبة 62% في تونس، و248% في مصر، معظمها من المناطق الساحلية.
صور القمر الصناعي تظهر تآكل السواحل في دلتا النيل ودلتا مجردة (نيتشر-عبد الرؤوف الحزامي وآخرون)
وتقول العمروني إن "الخريطة التي أعدها فريق البحث تمثل أداة لتحسيس صناع القرار في دول المنطقة ومساعدتهم على اتخاذ القرارات المناسبة لإنقاذ 30% المتبقية من السواحل الرملية ومناطق الدلتا ومصبات الأنهار، ومنح فرصة للشواطئ المتآكلة للتعافي".
وعن كيفية إنقاذ هذه السواحل من الوضعية المتردية التي وصلت إليها، يقول حجي إن "ذلك ممكن عبر التغيير الجذري في سياسة التخطيط العمراني ووقف بناء المنتجعات السياحية في مجاري الأودية الجافة وإعادة تأهيل مصبات الوديان". لكنها مسألة "وعي عام قبل كل شيء"، يضيف العالم المصري في "ناسا" (NASA).