لعثمة مشاعر
سر حبي فيك غامض
في نهاية الآية يجيب الله المنافقين الذين قالوا : (مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِه كَثِيرَاً) حيث قال : (وما يُضِلُّ بِهِ إلَّا الفَاسِقِينَ) في هذه الاية وامثالها (١) نسبت الضلالة إلى الله كما نسبت الهداية في آيات اخرى (٢) اليه كذلك. إذا كانت الهداية والضلالة من الله ونحن مجبورون عليهما ولا إرادة لنا في ذلك فلما ذا يثيب
الله المهتدين ويعاقب الضالين رغم انهم مجبورون على ذلك؟
هناك آراء مختلفة في تفسير هذه الآية وأمثالها ، فبعض قال : ان المراد من (يضل) هو (يمتحن) أي ان الله يريد امتحان الناس من خلال هذه الامثال. (١)
ويقول البعض الاخر : ان الهداية والضلالة تعنيان إعداد المقدمات لهما لا نفسهما والقرار النهائي فيهما يرجع إلى ارادة الإنسان نفسه. وكأن الله يسلب الموفقية من الإنسان اللجوج ، فيراد من الضلالة ـ على هذا ـ سلب الموفقية. (٢)
ان سبب الاختلاف بين المفسرين يرجع إلى صعوبة معنى المفردتين وتعقدهما ، ولهذا علينا ايضاحهما اولاً ثم البتّ في حل مشكلة الاختلاف في تفسيرهما.
معنى الهداية والضلالة
انتبهوا إلى هذا المثال : ان قطرات الغيث الشفافة والسليمة والمانحة للحياة تنزل على الكرة الارضية اجمع ، كما ان الشمس تسطع على هذه الكرة وتمنحها نوراً وطاقة. انّ الغيث والشمس كلاهما من رحمة الله الا ان المحاصيل الزراعية التي تنتجها الأراضي التي تتمتع بهذين النعمتين تختلف ، ففي الاراضي المالحة تنبت الادغال ، بينما في الاراضي الاخرى تنبت الازهار والنباتات المطلوبة. هل سبب هذا الاختلاف الغيث والشمس ام سببه ملوحة الارض؟
لا شك في ان منشأ الاشكال هو الارض فلو نثرت بذور الازهار مكان بذور الادغال في هذه الارض لتبدلت الارض إلى حديقة أزهار. وعلى هذا فلو قيل : ان المطر جاء لنا بالادغال فان ذلك لا يعني ان المطر هو السبب في ذلك بل الارض كانت سقيمة. ان قضية الهداية والضلالة تجري هذا المجرى ، فان وابل الرحمة الالهية نزل بواسطة الرسول صلىاللهعليهوآله على قلوب جميع البشر ، وقد اصغى الجميع لوحي القرآن ، فالذين قد أعدوا أراضي قلوبهم من ذي قبل ، اهتدوا ، اما اولئك الذين لم يغسلوا ملوحة قلوبهم بزلال الايمان ولم يعدوا انفسهم فضلُّوا.
إنّ آيات القرآن تؤيد هذا الادعاء ، فالاية الثانية من سورة البقرة تقول : (ذَلك الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيْهِ هُدىً للمُتَّقِين) أي ان الهداية تتغمد اولئك الذين ازالوا ستار التعصب واللجاجة عن نفوسهم ولهم اذن صاغية.
وفي الاية المبحوثة هنا (٢٦ من سورة البقرة) يقول الله : (مَا يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقينَ) أي انهم كانوا فاسقين واراضي قلوبهم مالحة لذلك اضلهم الله ، ونبتت في قلوبهم ـ اثر نزول مطر الرحمة والإيمان ـ أدغال الكفر.
ويقول الله في سورة الروم الآية ١٠ : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ أسَاءوا السُّوأى أن كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ..) أي أنّ تكذيب آيات الله والضلالة كانا نتيجة أعمال الظالمين انفسهم. (١) وعلى هذا ؛ فالهداية والضلالة نتيجة لاعمالنا والله ـ الحكيم على الاطلاق ـ وضع مقدرات للعباد حسب حكمته. إذا خطوتُ وخطوات لاجل كسب الالطاف الالهية فاني سافوز بهدايته واذا ما خطوتُ وفي طريق غير الحق فاني ساكون مصداقاً للآية الشريفة (إنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أنَابَ) وكان مصيري الضلالة.
ذيل الاية يفيد ان الهداية ليست من غير حساب ، بل تتغمد الإنسان هداية ربانية إذا ما خطى باتجاه طريق الحق وتاب إلى الله ، إلّا أنّ الذي يعادي الله فلا يكون مصيره الا الضلالة.
الخلاصة : لا جبر في البين ، وان الهداية والضلالة هما نتيجتان لاعمال الإنسان ذاته ، وان الضلالة سم قاتل فلا يلوم الشخص إلّا نفسه إذا ما تجرّعه بارادته.
إن آيات (الهداية والضلالة) ليست بتلك الدرجة من التعقيد ؛ وقد فسرتها آيات أخرى من القرآن.
وفي النهاية ان تكليف المسلم هو العمل ما في وسعه لاجل اعداد ارض القلب لاستقبال مطر الرحمة الإلهية ، وان يطلب من الله التوفيق والعفو عما صدر منه من أخطاء.
أمثال القرآن
آية الله مكارم الشيرازي
__________________
(١) مثل الآيات ٨٨ و ١٤٣ من سورة النساء والآيات ١٨٧ و ١٨٦ من سورة الاعراف والآيات ٢٣ و ٣٦ من سورة الزمر والآية ٤٦ من سورة الشورى وغيرها.
(٢) مثل الآيات ١٤٢ و ٢١٣ و ٢٧٢ من سورة البقرة والآية ١٦ من سورة المائدة والآية ٢٥ و ٣٥ من سورة يونس وآيات اخرى.
الله المهتدين ويعاقب الضالين رغم انهم مجبورون على ذلك؟
هناك آراء مختلفة في تفسير هذه الآية وأمثالها ، فبعض قال : ان المراد من (يضل) هو (يمتحن) أي ان الله يريد امتحان الناس من خلال هذه الامثال. (١)
ويقول البعض الاخر : ان الهداية والضلالة تعنيان إعداد المقدمات لهما لا نفسهما والقرار النهائي فيهما يرجع إلى ارادة الإنسان نفسه. وكأن الله يسلب الموفقية من الإنسان اللجوج ، فيراد من الضلالة ـ على هذا ـ سلب الموفقية. (٢)
ان سبب الاختلاف بين المفسرين يرجع إلى صعوبة معنى المفردتين وتعقدهما ، ولهذا علينا ايضاحهما اولاً ثم البتّ في حل مشكلة الاختلاف في تفسيرهما.
معنى الهداية والضلالة
انتبهوا إلى هذا المثال : ان قطرات الغيث الشفافة والسليمة والمانحة للحياة تنزل على الكرة الارضية اجمع ، كما ان الشمس تسطع على هذه الكرة وتمنحها نوراً وطاقة. انّ الغيث والشمس كلاهما من رحمة الله الا ان المحاصيل الزراعية التي تنتجها الأراضي التي تتمتع بهذين النعمتين تختلف ، ففي الاراضي المالحة تنبت الادغال ، بينما في الاراضي الاخرى تنبت الازهار والنباتات المطلوبة. هل سبب هذا الاختلاف الغيث والشمس ام سببه ملوحة الارض؟
لا شك في ان منشأ الاشكال هو الارض فلو نثرت بذور الازهار مكان بذور الادغال في هذه الارض لتبدلت الارض إلى حديقة أزهار. وعلى هذا فلو قيل : ان المطر جاء لنا بالادغال فان ذلك لا يعني ان المطر هو السبب في ذلك بل الارض كانت سقيمة. ان قضية الهداية والضلالة تجري هذا المجرى ، فان وابل الرحمة الالهية نزل بواسطة الرسول صلىاللهعليهوآله على قلوب جميع البشر ، وقد اصغى الجميع لوحي القرآن ، فالذين قد أعدوا أراضي قلوبهم من ذي قبل ، اهتدوا ، اما اولئك الذين لم يغسلوا ملوحة قلوبهم بزلال الايمان ولم يعدوا انفسهم فضلُّوا.
__________________
(١) انظر مجمع البيان ١ : ٦٨.
(٢) انظر تفسير الامثل ١ : ١٢٣ ـ ١٢٤.
إنّ آيات القرآن تؤيد هذا الادعاء ، فالاية الثانية من سورة البقرة تقول : (ذَلك الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيْهِ هُدىً للمُتَّقِين) أي ان الهداية تتغمد اولئك الذين ازالوا ستار التعصب واللجاجة عن نفوسهم ولهم اذن صاغية.
وفي الاية المبحوثة هنا (٢٦ من سورة البقرة) يقول الله : (مَا يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقينَ) أي انهم كانوا فاسقين واراضي قلوبهم مالحة لذلك اضلهم الله ، ونبتت في قلوبهم ـ اثر نزول مطر الرحمة والإيمان ـ أدغال الكفر.
ويقول الله في سورة الروم الآية ١٠ : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ أسَاءوا السُّوأى أن كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ..) أي أنّ تكذيب آيات الله والضلالة كانا نتيجة أعمال الظالمين انفسهم. (١) وعلى هذا ؛ فالهداية والضلالة نتيجة لاعمالنا والله ـ الحكيم على الاطلاق ـ وضع مقدرات للعباد حسب حكمته. إذا خطوتُ وخطوات لاجل كسب الالطاف الالهية فاني سافوز بهدايته واذا ما خطوتُ وفي طريق غير الحق فاني ساكون مصداقاً للآية الشريفة (إنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أنَابَ) وكان مصيري الضلالة.
ذيل الاية يفيد ان الهداية ليست من غير حساب ، بل تتغمد الإنسان هداية ربانية إذا ما خطى باتجاه طريق الحق وتاب إلى الله ، إلّا أنّ الذي يعادي الله فلا يكون مصيره الا الضلالة.
الخلاصة : لا جبر في البين ، وان الهداية والضلالة هما نتيجتان لاعمال الإنسان ذاته ، وان الضلالة سم قاتل فلا يلوم الشخص إلّا نفسه إذا ما تجرّعه بارادته.
إن آيات (الهداية والضلالة) ليست بتلك الدرجة من التعقيد ؛ وقد فسرتها آيات أخرى من القرآن.
وفي النهاية ان تكليف المسلم هو العمل ما في وسعه لاجل اعداد ارض القلب لاستقبال مطر الرحمة الإلهية ، وان يطلب من الله التوفيق والعفو عما صدر منه من أخطاء.
المصدر__________________
(١) عدت الآية ٣٤ من سورة غافر ، الاسراف سبباً للضلالة ؛ والآية ٧٤ من نفس السورة عدت الكفر سبباً لذلك.
أمثال القرآن
آية الله مكارم الشيرازي