عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,740
- مستوى التفاعل
- 2,757
- النقاط
- 113
الهزيمة النفسية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
(وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
الإنسان مسؤول، و الحياة مسؤولية، و سر المسؤولية هو الإرادة، ذلك لأنّ الإرادة هي القوّة التي تصنع الموقف،
لذا كانت الحياة صراع إرادات، و تنازعاً بين الدوافع الغريزية و الاستجابات البشرية المتعددة.
إنّ الحياة صراع، صراع ضد الطبيعة و تحدّياتها، و صراع ضد الإرادات و الأفكار المعارضة.
و المتأمّل في تاريخ البشرية و مسيرتها يجدها ساحة حرب و صراع، و ما فترات الوئام و السلام إلا فرص للاستعداد و التهيؤ للحرب و الصراع،
و الموقف المطلوب من الإنسان المسلم صنعه، هو الموقف الثابت الذي يتحدّى تحدّيات الطبيعة، و يقهر المحن و الارادات المعارضة لإرادة الحق،
فبالإرادة القوية انتصر الإنسان على تحديات الطبيعة، و واجه الزلازل و الجفاف و البراكين و الفيضانات و سيطر على قوى الطبيعة،
و بالإرادة القوية انتصر الإنسان المستهدف على الغزاة و المحتلين و موجات الهمجية المتوحشة، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على المحن
و الابتلاءات التي يبتلى بها في نفسه و أهله و ماله و متعلّقات حياته الأخرى، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على ضعفه و هزيمته السياسية و العسكرية
و مشاكله الاقتصادية، ليس مهزوماً من خسر معركة سياسية أو عسكرية،
و لكن المهزوم من تنهار إرادته أمام المواقف و المحن و التحدّيات التي يواجهها،
و يعيش الهزيمة في نفسه، فتشل إرادته و قواه المعنوية و المادية، فلا يقوى على توظيفها لصالحه،
أو لصالح اُمّته و الجماعة التي يواجهها و يتحمّل مسؤولية قيادتها.
و تتفاقم المشكلة عندما تعم الهزيمة مساحات واسعة من المجتمع، و عندما تصاب القيادات و مراكز التوجيه بالهزيمة النفسية،
و عندما تبدأ الهزيمة النفسية تأثيرها، و يستشعر الخطر على كيان الأُمّة و الجماعة، تبدأ مرحلة جديدة من مهام العمل الاعلامي
الذي يتحمّل مسؤولية اعداد الأُمّة و تحصينها ضد هذه الحالات المرضية، و هي مرحلة الموقف من هذه الحالة الخطرة،
و كم أكّد القرآن الكريم على تحصين المجتمع الإسلامي و حمايته من الاشاعات المضادّة، و حالات الإحباط و الهزيمة النفسية،
بل كرّس جزءاً كبيراً من توجيهه الإعلامي و التربوي للانتصار على الهزيمة النفسية، و شحذ الهمم، و تقوية العزائم، و اعادة المعنويات المفقودة،
كما حصل في معركة أحد، و في مواقف عديدة من حالات المواجهة مع الحرب النفسية، و الدعاية المضادّة التي شنّها المنافقون و اليهود
و المشركون و غيرهم على الدعوة الإسلامية و حركة انتشارها العسكرية و السياسية و الفكرية.
و الهزيمة النفسية كأي حالة مرضية لها أسبابها و مناشئها، كما لها علاجها و وسائل الانتصار عليها،
و لعل أبرز أسباب هذه الظاهرة المرضية في حياة الفرد و الجماعة هي:
1- ضعف الثقة بالله:
ليس الإيمان بالله قضية نظرية لا علاقة لها بواقع الإنساني النفسي و تكوينه التربوي و الأخلاقي،
بل هي مسألة وثيقة الارتباط ببناء الإنسان الداخلي، و لها تجسيدها بشكل مواقف و سلوك، و لا شيء يجري في هذا الوجود إلا بمشيئته و إرادته،
يمدّ الإنسان المؤمن بقوّة نفسية و إرادة صلبة على المحن و التحدّيات، و يلاحظ أثر هذه التربية واضحاً في النص القرآني الذي تحدّث
عن طلائع الدعوة و الإيمان من صحابة الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه و على آله و صحبه) و صوّر موقفهم من الهزيمة العسكرية،
فبدوا من خلال النصر قوّة إرادية لا تهزم و إرادة متماسكة تستمد عونها من الله سبحانه، قال تعالى :
( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.(آل عمران/ 173.
(وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/ 104).
(وَ مَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (آل عمران/ 126).
(وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-156).
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة/ 249).
(وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3).
و هكذا يوجّه القرآن عنايته لتربية الإنسان و تحصينه ضد الحرب النفسية و الهزيمة،
و ليمكّنه من النظر إلى حركة العالم و قوانين التاريخ من خلال إرادة الله التي لا تُقهر.
2- الجهل بتاريخ البشرية:
و السبب الثاني من الأسباب المفقودة، الهزيمة النفسية و التداعي أمام التحدّيات و المحن
هو الجهل بمسيرة التاريخ البشري و حركة الأحداث و الوقائع، و التأثّر بالحدث الآني و تحديد الموقف السياسي و العسكري و الاقتصادي،
و كذا السلوك الفردي مع الآخرين، أو تجاه المحن و الابتلاء الذي يواجهه الإنسان بحدود الاطار الزمني الضيّق،
و القرآن يوضّح للإنسان هيكلية الحركة، و عدم الاستقرار في الأحداث و القوى المؤثّرة في حياة البشرية، القوى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية،
و يبيّن للإنسان المخاطب انّ الوقوف عند الحدث الآني هو خطأ، و فهم قاصر للأحداث و حركة التاريخ،
لذا يخاطبه بقوله: (وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).
إنّ الإنسان عندما يستوعب التجربة التاريخية و حركة الأحداث، يستطيع ان يفهم الماضي و الحاضر، و يشخّص المستقبل،
و يبني موقفه على أساس تجربة ناجحة، و عندئذ لا يكون عرضة للهزيمة النفسية عندما يواجه التحدّيات و الاحداث المؤلة،و يخسر الجولة الآنية.
إنّ القرآن يوجّه نظر الإنسان، و يدعوه إلى التأمّل في أحداث الماضي و تجارب الأمم السابقة بقوله:
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران/ 196-197).
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكَاتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة/ 70).
3- التكوين النفسي للفرد المهزوم:
يساهم التكوين النفسي للشخصية مساهمة فعالة في صنع الهزيمة النفسية،
انّ التربية و البيئة و الظروف النفسية الخاصة تجعل من هذا الفرد أو ذاك شَخصاً مستعدّاً لتقبّل الهزيمة،
و التداعي أمام الحملات الدعائية التي توجّه نحوه، أو تصنع منه قوّة إرادية يشعر بالتفوّق الذاتي، ويملك القدرة على امتصاص الهزيمة،
وينتصر عليها داخلياً، ويسعى إلى تحويلها إلى نصر و درس للعبرة و المقاومة، فتكوين الشخص النفسي، و تربيته الخاصة،
و تجربته الحياتية، لها الأثر الكبير في صنع شخصيته و مستوى مقاومته للهزيمة، و ثباته في ميدان الصراع السياسي و الاعلامي و العسكري... إلخ.
و قد حرص القرآن على تربية اتباعه تربية متفوّقة، تشعرهم بالقوّة و العزّة الباطنة، فلا ينحني المؤمن للمحن و التحدّيات و لا يستسلم للخصم،
و لا يرضخ لقوى الطاغوت،قال تعالى: (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
(وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/ الآية الثامنة.
4- تراكم الاحباطات الحياتية:
قد تمر بالأفراد و الجماعات مشاكل و تحدّيات متعددة فيخفق الفرد أو الجماعة في مواجهتها،
و تتكرر التحدّيات، و تتكرر معها حالات الفشل، فتتراكم الاحباطات تراكماً نفسياً تشعر ذلك الفرد،
أو تلك الجماعة بالخوف من تكرر الفشل و الهزيمة، و تستحكم تلك العقدة في المواقف، و تتحول إلى حالة من الإحساس بالضعف
و الهزيمة النفسية، غير انّ القرآن الكريم يعالج هذه الحالات، و يكرّس توجيهات عديدة لمقاومتها كقوله تعالى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
(وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
الإنسان مسؤول، و الحياة مسؤولية، و سر المسؤولية هو الإرادة، ذلك لأنّ الإرادة هي القوّة التي تصنع الموقف،
لذا كانت الحياة صراع إرادات، و تنازعاً بين الدوافع الغريزية و الاستجابات البشرية المتعددة.
إنّ الحياة صراع، صراع ضد الطبيعة و تحدّياتها، و صراع ضد الإرادات و الأفكار المعارضة.
و المتأمّل في تاريخ البشرية و مسيرتها يجدها ساحة حرب و صراع، و ما فترات الوئام و السلام إلا فرص للاستعداد و التهيؤ للحرب و الصراع،
و الموقف المطلوب من الإنسان المسلم صنعه، هو الموقف الثابت الذي يتحدّى تحدّيات الطبيعة، و يقهر المحن و الارادات المعارضة لإرادة الحق،
فبالإرادة القوية انتصر الإنسان على تحديات الطبيعة، و واجه الزلازل و الجفاف و البراكين و الفيضانات و سيطر على قوى الطبيعة،
و بالإرادة القوية انتصر الإنسان المستهدف على الغزاة و المحتلين و موجات الهمجية المتوحشة، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على المحن
و الابتلاءات التي يبتلى بها في نفسه و أهله و ماله و متعلّقات حياته الأخرى، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على ضعفه و هزيمته السياسية و العسكرية
و مشاكله الاقتصادية، ليس مهزوماً من خسر معركة سياسية أو عسكرية،
و لكن المهزوم من تنهار إرادته أمام المواقف و المحن و التحدّيات التي يواجهها،
و يعيش الهزيمة في نفسه، فتشل إرادته و قواه المعنوية و المادية، فلا يقوى على توظيفها لصالحه،
أو لصالح اُمّته و الجماعة التي يواجهها و يتحمّل مسؤولية قيادتها.
و تتفاقم المشكلة عندما تعم الهزيمة مساحات واسعة من المجتمع، و عندما تصاب القيادات و مراكز التوجيه بالهزيمة النفسية،
و عندما تبدأ الهزيمة النفسية تأثيرها، و يستشعر الخطر على كيان الأُمّة و الجماعة، تبدأ مرحلة جديدة من مهام العمل الاعلامي
الذي يتحمّل مسؤولية اعداد الأُمّة و تحصينها ضد هذه الحالات المرضية، و هي مرحلة الموقف من هذه الحالة الخطرة،
و كم أكّد القرآن الكريم على تحصين المجتمع الإسلامي و حمايته من الاشاعات المضادّة، و حالات الإحباط و الهزيمة النفسية،
بل كرّس جزءاً كبيراً من توجيهه الإعلامي و التربوي للانتصار على الهزيمة النفسية، و شحذ الهمم، و تقوية العزائم، و اعادة المعنويات المفقودة،
كما حصل في معركة أحد، و في مواقف عديدة من حالات المواجهة مع الحرب النفسية، و الدعاية المضادّة التي شنّها المنافقون و اليهود
و المشركون و غيرهم على الدعوة الإسلامية و حركة انتشارها العسكرية و السياسية و الفكرية.
و الهزيمة النفسية كأي حالة مرضية لها أسبابها و مناشئها، كما لها علاجها و وسائل الانتصار عليها،
و لعل أبرز أسباب هذه الظاهرة المرضية في حياة الفرد و الجماعة هي:
1- ضعف الثقة بالله:
ليس الإيمان بالله قضية نظرية لا علاقة لها بواقع الإنساني النفسي و تكوينه التربوي و الأخلاقي،
بل هي مسألة وثيقة الارتباط ببناء الإنسان الداخلي، و لها تجسيدها بشكل مواقف و سلوك، و لا شيء يجري في هذا الوجود إلا بمشيئته و إرادته،
يمدّ الإنسان المؤمن بقوّة نفسية و إرادة صلبة على المحن و التحدّيات، و يلاحظ أثر هذه التربية واضحاً في النص القرآني الذي تحدّث
عن طلائع الدعوة و الإيمان من صحابة الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه و على آله و صحبه) و صوّر موقفهم من الهزيمة العسكرية،
فبدوا من خلال النصر قوّة إرادية لا تهزم و إرادة متماسكة تستمد عونها من الله سبحانه، قال تعالى :
( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.(آل عمران/ 173.
(وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/ 104).
(وَ مَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (آل عمران/ 126).
(وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-156).
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة/ 249).
(وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3).
و هكذا يوجّه القرآن عنايته لتربية الإنسان و تحصينه ضد الحرب النفسية و الهزيمة،
و ليمكّنه من النظر إلى حركة العالم و قوانين التاريخ من خلال إرادة الله التي لا تُقهر.
2- الجهل بتاريخ البشرية:
و السبب الثاني من الأسباب المفقودة، الهزيمة النفسية و التداعي أمام التحدّيات و المحن
هو الجهل بمسيرة التاريخ البشري و حركة الأحداث و الوقائع، و التأثّر بالحدث الآني و تحديد الموقف السياسي و العسكري و الاقتصادي،
و كذا السلوك الفردي مع الآخرين، أو تجاه المحن و الابتلاء الذي يواجهه الإنسان بحدود الاطار الزمني الضيّق،
و القرآن يوضّح للإنسان هيكلية الحركة، و عدم الاستقرار في الأحداث و القوى المؤثّرة في حياة البشرية، القوى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية،
و يبيّن للإنسان المخاطب انّ الوقوف عند الحدث الآني هو خطأ، و فهم قاصر للأحداث و حركة التاريخ،
لذا يخاطبه بقوله: (وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).
إنّ الإنسان عندما يستوعب التجربة التاريخية و حركة الأحداث، يستطيع ان يفهم الماضي و الحاضر، و يشخّص المستقبل،
و يبني موقفه على أساس تجربة ناجحة، و عندئذ لا يكون عرضة للهزيمة النفسية عندما يواجه التحدّيات و الاحداث المؤلة،و يخسر الجولة الآنية.
إنّ القرآن يوجّه نظر الإنسان، و يدعوه إلى التأمّل في أحداث الماضي و تجارب الأمم السابقة بقوله:
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران/ 196-197).
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكَاتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة/ 70).
3- التكوين النفسي للفرد المهزوم:
يساهم التكوين النفسي للشخصية مساهمة فعالة في صنع الهزيمة النفسية،
انّ التربية و البيئة و الظروف النفسية الخاصة تجعل من هذا الفرد أو ذاك شَخصاً مستعدّاً لتقبّل الهزيمة،
و التداعي أمام الحملات الدعائية التي توجّه نحوه، أو تصنع منه قوّة إرادية يشعر بالتفوّق الذاتي، ويملك القدرة على امتصاص الهزيمة،
وينتصر عليها داخلياً، ويسعى إلى تحويلها إلى نصر و درس للعبرة و المقاومة، فتكوين الشخص النفسي، و تربيته الخاصة،
و تجربته الحياتية، لها الأثر الكبير في صنع شخصيته و مستوى مقاومته للهزيمة، و ثباته في ميدان الصراع السياسي و الاعلامي و العسكري... إلخ.
و قد حرص القرآن على تربية اتباعه تربية متفوّقة، تشعرهم بالقوّة و العزّة الباطنة، فلا ينحني المؤمن للمحن و التحدّيات و لا يستسلم للخصم،
و لا يرضخ لقوى الطاغوت،قال تعالى: (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
(وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/ الآية الثامنة.
4- تراكم الاحباطات الحياتية:
قد تمر بالأفراد و الجماعات مشاكل و تحدّيات متعددة فيخفق الفرد أو الجماعة في مواجهتها،
و تتكرر التحدّيات، و تتكرر معها حالات الفشل، فتتراكم الاحباطات تراكماً نفسياً تشعر ذلك الفرد،
أو تلك الجماعة بالخوف من تكرر الفشل و الهزيمة، و تستحكم تلك العقدة في المواقف، و تتحول إلى حالة من الإحساس بالضعف
و الهزيمة النفسية، غير انّ القرآن الكريم يعالج هذه الحالات، و يكرّس توجيهات عديدة لمقاومتها كقوله تعالى:
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 140).
(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء/ 6).
(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *
وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص/ 5-6).
و هكذا يكوّن القرآن وعياً و تربية لمقاومة الهزيمة النفسية، و يكرّس جهداً اعلاميّاً قائماً على أسس علمية دقيقة،
يساهم في معركتنا الحضارية في حالتي الهجوم و الدفاع.
منقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
(وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
الإنسان مسؤول، و الحياة مسؤولية، و سر المسؤولية هو الإرادة، ذلك لأنّ الإرادة هي القوّة التي تصنع الموقف،
لذا كانت الحياة صراع إرادات، و تنازعاً بين الدوافع الغريزية و الاستجابات البشرية المتعددة.
إنّ الحياة صراع، صراع ضد الطبيعة و تحدّياتها، و صراع ضد الإرادات و الأفكار المعارضة.
و المتأمّل في تاريخ البشرية و مسيرتها يجدها ساحة حرب و صراع، و ما فترات الوئام و السلام إلا فرص للاستعداد و التهيؤ للحرب و الصراع،
و الموقف المطلوب من الإنسان المسلم صنعه، هو الموقف الثابت الذي يتحدّى تحدّيات الطبيعة، و يقهر المحن و الارادات المعارضة لإرادة الحق،
فبالإرادة القوية انتصر الإنسان على تحديات الطبيعة، و واجه الزلازل و الجفاف و البراكين و الفيضانات و سيطر على قوى الطبيعة،
و بالإرادة القوية انتصر الإنسان المستهدف على الغزاة و المحتلين و موجات الهمجية المتوحشة، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على المحن
و الابتلاءات التي يبتلى بها في نفسه و أهله و ماله و متعلّقات حياته الأخرى، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على ضعفه و هزيمته السياسية و العسكرية
و مشاكله الاقتصادية، ليس مهزوماً من خسر معركة سياسية أو عسكرية،
و لكن المهزوم من تنهار إرادته أمام المواقف و المحن و التحدّيات التي يواجهها،
و يعيش الهزيمة في نفسه، فتشل إرادته و قواه المعنوية و المادية، فلا يقوى على توظيفها لصالحه،
أو لصالح اُمّته و الجماعة التي يواجهها و يتحمّل مسؤولية قيادتها.
و تتفاقم المشكلة عندما تعم الهزيمة مساحات واسعة من المجتمع، و عندما تصاب القيادات و مراكز التوجيه بالهزيمة النفسية،
و عندما تبدأ الهزيمة النفسية تأثيرها، و يستشعر الخطر على كيان الأُمّة و الجماعة، تبدأ مرحلة جديدة من مهام العمل الاعلامي
الذي يتحمّل مسؤولية اعداد الأُمّة و تحصينها ضد هذه الحالات المرضية، و هي مرحلة الموقف من هذه الحالة الخطرة،
و كم أكّد القرآن الكريم على تحصين المجتمع الإسلامي و حمايته من الاشاعات المضادّة، و حالات الإحباط و الهزيمة النفسية،
بل كرّس جزءاً كبيراً من توجيهه الإعلامي و التربوي للانتصار على الهزيمة النفسية، و شحذ الهمم، و تقوية العزائم، و اعادة المعنويات المفقودة،
كما حصل في معركة أحد، و في مواقف عديدة من حالات المواجهة مع الحرب النفسية، و الدعاية المضادّة التي شنّها المنافقون و اليهود
و المشركون و غيرهم على الدعوة الإسلامية و حركة انتشارها العسكرية و السياسية و الفكرية.
و الهزيمة النفسية كأي حالة مرضية لها أسبابها و مناشئها، كما لها علاجها و وسائل الانتصار عليها،
و لعل أبرز أسباب هذه الظاهرة المرضية في حياة الفرد و الجماعة هي:
1- ضعف الثقة بالله:
ليس الإيمان بالله قضية نظرية لا علاقة لها بواقع الإنساني النفسي و تكوينه التربوي و الأخلاقي،
بل هي مسألة وثيقة الارتباط ببناء الإنسان الداخلي، و لها تجسيدها بشكل مواقف و سلوك، و لا شيء يجري في هذا الوجود إلا بمشيئته و إرادته،
يمدّ الإنسان المؤمن بقوّة نفسية و إرادة صلبة على المحن و التحدّيات، و يلاحظ أثر هذه التربية واضحاً في النص القرآني الذي تحدّث
عن طلائع الدعوة و الإيمان من صحابة الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه و على آله و صحبه) و صوّر موقفهم من الهزيمة العسكرية،
فبدوا من خلال النصر قوّة إرادية لا تهزم و إرادة متماسكة تستمد عونها من الله سبحانه، قال تعالى :
( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.(آل عمران/ 173.
(وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/ 104).
(وَ مَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (آل عمران/ 126).
(وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-156).
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة/ 249).
(وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3).
و هكذا يوجّه القرآن عنايته لتربية الإنسان و تحصينه ضد الحرب النفسية و الهزيمة،
و ليمكّنه من النظر إلى حركة العالم و قوانين التاريخ من خلال إرادة الله التي لا تُقهر.
2- الجهل بتاريخ البشرية:
و السبب الثاني من الأسباب المفقودة، الهزيمة النفسية و التداعي أمام التحدّيات و المحن
هو الجهل بمسيرة التاريخ البشري و حركة الأحداث و الوقائع، و التأثّر بالحدث الآني و تحديد الموقف السياسي و العسكري و الاقتصادي،
و كذا السلوك الفردي مع الآخرين، أو تجاه المحن و الابتلاء الذي يواجهه الإنسان بحدود الاطار الزمني الضيّق،
و القرآن يوضّح للإنسان هيكلية الحركة، و عدم الاستقرار في الأحداث و القوى المؤثّرة في حياة البشرية، القوى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية،
و يبيّن للإنسان المخاطب انّ الوقوف عند الحدث الآني هو خطأ، و فهم قاصر للأحداث و حركة التاريخ،
لذا يخاطبه بقوله: (وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).
إنّ الإنسان عندما يستوعب التجربة التاريخية و حركة الأحداث، يستطيع ان يفهم الماضي و الحاضر، و يشخّص المستقبل،
و يبني موقفه على أساس تجربة ناجحة، و عندئذ لا يكون عرضة للهزيمة النفسية عندما يواجه التحدّيات و الاحداث المؤلة،و يخسر الجولة الآنية.
إنّ القرآن يوجّه نظر الإنسان، و يدعوه إلى التأمّل في أحداث الماضي و تجارب الأمم السابقة بقوله:
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران/ 196-197).
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكَاتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة/ 70).
3- التكوين النفسي للفرد المهزوم:
يساهم التكوين النفسي للشخصية مساهمة فعالة في صنع الهزيمة النفسية،
انّ التربية و البيئة و الظروف النفسية الخاصة تجعل من هذا الفرد أو ذاك شَخصاً مستعدّاً لتقبّل الهزيمة،
و التداعي أمام الحملات الدعائية التي توجّه نحوه، أو تصنع منه قوّة إرادية يشعر بالتفوّق الذاتي، ويملك القدرة على امتصاص الهزيمة،
وينتصر عليها داخلياً، ويسعى إلى تحويلها إلى نصر و درس للعبرة و المقاومة، فتكوين الشخص النفسي، و تربيته الخاصة،
و تجربته الحياتية، لها الأثر الكبير في صنع شخصيته و مستوى مقاومته للهزيمة، و ثباته في ميدان الصراع السياسي و الاعلامي و العسكري... إلخ.
و قد حرص القرآن على تربية اتباعه تربية متفوّقة، تشعرهم بالقوّة و العزّة الباطنة، فلا ينحني المؤمن للمحن و التحدّيات و لا يستسلم للخصم،
و لا يرضخ لقوى الطاغوت،قال تعالى: (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
(وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/ الآية الثامنة.
4- تراكم الاحباطات الحياتية:
قد تمر بالأفراد و الجماعات مشاكل و تحدّيات متعددة فيخفق الفرد أو الجماعة في مواجهتها،
و تتكرر التحدّيات، و تتكرر معها حالات الفشل، فتتراكم الاحباطات تراكماً نفسياً تشعر ذلك الفرد،
أو تلك الجماعة بالخوف من تكرر الفشل و الهزيمة، و تستحكم تلك العقدة في المواقف، و تتحول إلى حالة من الإحساس بالضعف
و الهزيمة النفسية، غير انّ القرآن الكريم يعالج هذه الحالات، و يكرّس توجيهات عديدة لمقاومتها كقوله تعالى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
(وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
الإنسان مسؤول، و الحياة مسؤولية، و سر المسؤولية هو الإرادة، ذلك لأنّ الإرادة هي القوّة التي تصنع الموقف،
لذا كانت الحياة صراع إرادات، و تنازعاً بين الدوافع الغريزية و الاستجابات البشرية المتعددة.
إنّ الحياة صراع، صراع ضد الطبيعة و تحدّياتها، و صراع ضد الإرادات و الأفكار المعارضة.
و المتأمّل في تاريخ البشرية و مسيرتها يجدها ساحة حرب و صراع، و ما فترات الوئام و السلام إلا فرص للاستعداد و التهيؤ للحرب و الصراع،
و الموقف المطلوب من الإنسان المسلم صنعه، هو الموقف الثابت الذي يتحدّى تحدّيات الطبيعة، و يقهر المحن و الارادات المعارضة لإرادة الحق،
فبالإرادة القوية انتصر الإنسان على تحديات الطبيعة، و واجه الزلازل و الجفاف و البراكين و الفيضانات و سيطر على قوى الطبيعة،
و بالإرادة القوية انتصر الإنسان المستهدف على الغزاة و المحتلين و موجات الهمجية المتوحشة، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على المحن
و الابتلاءات التي يبتلى بها في نفسه و أهله و ماله و متعلّقات حياته الأخرى، و بالإرادة القوية انتصر الإنسان على ضعفه و هزيمته السياسية و العسكرية
و مشاكله الاقتصادية، ليس مهزوماً من خسر معركة سياسية أو عسكرية،
و لكن المهزوم من تنهار إرادته أمام المواقف و المحن و التحدّيات التي يواجهها،
و يعيش الهزيمة في نفسه، فتشل إرادته و قواه المعنوية و المادية، فلا يقوى على توظيفها لصالحه،
أو لصالح اُمّته و الجماعة التي يواجهها و يتحمّل مسؤولية قيادتها.
و تتفاقم المشكلة عندما تعم الهزيمة مساحات واسعة من المجتمع، و عندما تصاب القيادات و مراكز التوجيه بالهزيمة النفسية،
و عندما تبدأ الهزيمة النفسية تأثيرها، و يستشعر الخطر على كيان الأُمّة و الجماعة، تبدأ مرحلة جديدة من مهام العمل الاعلامي
الذي يتحمّل مسؤولية اعداد الأُمّة و تحصينها ضد هذه الحالات المرضية، و هي مرحلة الموقف من هذه الحالة الخطرة،
و كم أكّد القرآن الكريم على تحصين المجتمع الإسلامي و حمايته من الاشاعات المضادّة، و حالات الإحباط و الهزيمة النفسية،
بل كرّس جزءاً كبيراً من توجيهه الإعلامي و التربوي للانتصار على الهزيمة النفسية، و شحذ الهمم، و تقوية العزائم، و اعادة المعنويات المفقودة،
كما حصل في معركة أحد، و في مواقف عديدة من حالات المواجهة مع الحرب النفسية، و الدعاية المضادّة التي شنّها المنافقون و اليهود
و المشركون و غيرهم على الدعوة الإسلامية و حركة انتشارها العسكرية و السياسية و الفكرية.
و الهزيمة النفسية كأي حالة مرضية لها أسبابها و مناشئها، كما لها علاجها و وسائل الانتصار عليها،
و لعل أبرز أسباب هذه الظاهرة المرضية في حياة الفرد و الجماعة هي:
1- ضعف الثقة بالله:
ليس الإيمان بالله قضية نظرية لا علاقة لها بواقع الإنساني النفسي و تكوينه التربوي و الأخلاقي،
بل هي مسألة وثيقة الارتباط ببناء الإنسان الداخلي، و لها تجسيدها بشكل مواقف و سلوك، و لا شيء يجري في هذا الوجود إلا بمشيئته و إرادته،
يمدّ الإنسان المؤمن بقوّة نفسية و إرادة صلبة على المحن و التحدّيات، و يلاحظ أثر هذه التربية واضحاً في النص القرآني الذي تحدّث
عن طلائع الدعوة و الإيمان من صحابة الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه و على آله و صحبه) و صوّر موقفهم من الهزيمة العسكرية،
فبدوا من خلال النصر قوّة إرادية لا تهزم و إرادة متماسكة تستمد عونها من الله سبحانه، قال تعالى :
( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.(آل عمران/ 173.
(وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/ 104).
(وَ مَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (آل عمران/ 126).
(وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-156).
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة/ 249).
(وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3).
و هكذا يوجّه القرآن عنايته لتربية الإنسان و تحصينه ضد الحرب النفسية و الهزيمة،
و ليمكّنه من النظر إلى حركة العالم و قوانين التاريخ من خلال إرادة الله التي لا تُقهر.
2- الجهل بتاريخ البشرية:
و السبب الثاني من الأسباب المفقودة، الهزيمة النفسية و التداعي أمام التحدّيات و المحن
هو الجهل بمسيرة التاريخ البشري و حركة الأحداث و الوقائع، و التأثّر بالحدث الآني و تحديد الموقف السياسي و العسكري و الاقتصادي،
و كذا السلوك الفردي مع الآخرين، أو تجاه المحن و الابتلاء الذي يواجهه الإنسان بحدود الاطار الزمني الضيّق،
و القرآن يوضّح للإنسان هيكلية الحركة، و عدم الاستقرار في الأحداث و القوى المؤثّرة في حياة البشرية، القوى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية،
و يبيّن للإنسان المخاطب انّ الوقوف عند الحدث الآني هو خطأ، و فهم قاصر للأحداث و حركة التاريخ،
لذا يخاطبه بقوله: (وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران/ 140).
إنّ الإنسان عندما يستوعب التجربة التاريخية و حركة الأحداث، يستطيع ان يفهم الماضي و الحاضر، و يشخّص المستقبل،
و يبني موقفه على أساس تجربة ناجحة، و عندئذ لا يكون عرضة للهزيمة النفسية عندما يواجه التحدّيات و الاحداث المؤلة،و يخسر الجولة الآنية.
إنّ القرآن يوجّه نظر الإنسان، و يدعوه إلى التأمّل في أحداث الماضي و تجارب الأمم السابقة بقوله:
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران/ 196-197).
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكَاتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة/ 70).
3- التكوين النفسي للفرد المهزوم:
يساهم التكوين النفسي للشخصية مساهمة فعالة في صنع الهزيمة النفسية،
انّ التربية و البيئة و الظروف النفسية الخاصة تجعل من هذا الفرد أو ذاك شَخصاً مستعدّاً لتقبّل الهزيمة،
و التداعي أمام الحملات الدعائية التي توجّه نحوه، أو تصنع منه قوّة إرادية يشعر بالتفوّق الذاتي، ويملك القدرة على امتصاص الهزيمة،
وينتصر عليها داخلياً، ويسعى إلى تحويلها إلى نصر و درس للعبرة و المقاومة، فتكوين الشخص النفسي، و تربيته الخاصة،
و تجربته الحياتية، لها الأثر الكبير في صنع شخصيته و مستوى مقاومته للهزيمة، و ثباته في ميدان الصراع السياسي و الاعلامي و العسكري... إلخ.
و قد حرص القرآن على تربية اتباعه تربية متفوّقة، تشعرهم بالقوّة و العزّة الباطنة، فلا ينحني المؤمن للمحن و التحدّيات و لا يستسلم للخصم،
و لا يرضخ لقوى الطاغوت،قال تعالى: (وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).
(وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/ الآية الثامنة.
4- تراكم الاحباطات الحياتية:
قد تمر بالأفراد و الجماعات مشاكل و تحدّيات متعددة فيخفق الفرد أو الجماعة في مواجهتها،
و تتكرر التحدّيات، و تتكرر معها حالات الفشل، فتتراكم الاحباطات تراكماً نفسياً تشعر ذلك الفرد،
أو تلك الجماعة بالخوف من تكرر الفشل و الهزيمة، و تستحكم تلك العقدة في المواقف، و تتحول إلى حالة من الإحساس بالضعف
و الهزيمة النفسية، غير انّ القرآن الكريم يعالج هذه الحالات، و يكرّس توجيهات عديدة لمقاومتها كقوله تعالى:
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 140).
(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء/ 6).
(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *
وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص/ 5-6).
و هكذا يكوّن القرآن وعياً و تربية لمقاومة الهزيمة النفسية، و يكرّس جهداً اعلاميّاً قائماً على أسس علمية دقيقة،
يساهم في معركتنا الحضارية في حالتي الهجوم و الدفاع.
منقول