الوصية الأخيرة.. يقرأها آخر العنقود؛
الحياة قصيرة جداً، قصيرة بالقدر الذي يمكن أن يغمض فيه الإنسان عينيه، ثم لا يعود لهما ..
يصعد إلى السماء، متنازلا عنهما، وعن جسده كله للأرض التي خُلق من طينها اللزج .. يصعد للمرة الأخيرة، الآخرة.
هكذا .. يغيب فجأة !
الموت غالباً لا يؤمن بالمقدمات، يرى في المرض إعلاناً كافياً لمجيئه في أي لحظة، لا يتطلب حضوره إقحام سرير المستشفى في المشهد، ليس مهتماً أبداً بنزع الحزن من قلوب الناس دمعة، دمعة، قبل أن يبدأ مهمته ..
ليس مسؤولاً عن الذين لم يوفوا بوعودهم، أو الذين أجلوا اعتذاراً، أو ندموا، لكنهم لم يختاروا بعد القُبْلةُ المناسبة للبدء من جديد، أو منعوا قلوبهم (إكراهاً) من الحب مرَّة أخرى، ظناً منهم أن المسافة بين الصفح والمصافحة على بعد ابتسامتين متبادلتين، ستحدثان قريباً، وستتحدثان معاً، أو أن هناك متسع في الوقت لحدوث قصص جميلة.
الموت، ليس مسؤولا عن كلمات الحنين التي لم تُقال، ولا عن موسيقى الحنان التي لم تعزف، ولا عن حلوى البهجة التي لم توزع، لأن الفرح نائم، وما من حُب يجروء على إيقاظه، ولا عن الوردة التي لم تغرس في الحوض لأن المطر لم يهطل، أو لأن النهر جفّ، وهو في طريقه إلى حقل قريب، من دون أن يخبر أحداً متى سيخلق ثانية.
الحياة قصيرة .. أعرف ذلك جيداً، أعرفه ربما اكثر من الحياة نفسها، ربما لأنني أخوض حواراً يومياً مع الموت، وقد يبلغ بِنَا الأمر في أوقات كثيرة، أن نسافر معاً، ونسكن في الغرفة نفسها، ونجلس متقابلين على طاولة الطعام، هو ينتظرني أن أصمت، وأنا انتظره أن يتكلم ..
ولهذا اكتب لك ..
اكتب قبل أن أموت، لأقول : "أنني أحبك"
رحل والدي من دون أن اقولها له، وإن لمرة واحدة ..
ولن ارحل من دون أن اقولها لك، وإن لمرة واحدة
ربما أذهب إلى غيابي الأبدي فجأة .. ربما يسكت قلبي، أو يغرق دمي في غيبوبة سُكَّرٍ، تبطىء الحركة في جسدي، حتى يتوقف عن العمل تماماً..
الموت يحيط بي، يحاصرني، إنه يأتيني في الحلم، كنوبة سعال حادة مزعجة، لا يهزمها الدواء، ولا الدعاء.
هذا الأسبوع زارني والدي ثلاث مرات .. آخرها كانت البارحة، كان مبتسماً، وهادئاً، وكأنه نهارٌ للتو بدأ.
لا أعلم إن كان سيزورني مرة رابعة .. أم أنا الذي سأزوره؟!.. في الحالتين، كل ما يهمني القيام به الآن، هو القول : "أنني أحبك"، يهمني أن تعرف ايضاً : أنك ما زلت بالنسبة لي (الصغير الذي كنت يوما ما أباً له) ..
وأما بعد .. قل لأمي أنني أتقدم في العمر أسرع منها ..
قل لها أنني أحبها .. وأنني كلما غادرت منزلها زائراً، انتحب في سيارتي كطفل، وابلل ملابسي بالبكاء، لأنني غير قادر على طرد الصداع من رأسها، وتطهير ساقيها من الخمول، وجعلها تسمع الكلام بشكل أفصح، وترى الأشياء بشكل أوضح.
قل لها أنني كلما استيقظت صباحاً، أخاف من ضرب أرقام هاتفها .. أخاف ألَّا ترد .. يزهقني التفكير بأنه "لا يمكن الإتصال بها بعد الآن" .. انني مرتعب جداً من إحتمال غيابها الأبدي ..
قل لها ايضا، أنني سعيد جداً، فقد تعلمت في الأعوام الثلاثة الأخيرة أن أُقبّلها، واحتضنها كأم وكحبيبة وكشقيقة، وكطفلة.
قل لشقيقاتي أنني احبهن، وأخاف عليهن، وأذبل كلما تسلل الحزن إلى قلب إحداهن ..
قل لهن : ربما أنني لم أكن أخاً جيداً، لكنني كنت أحاول ذلك، كنت أرهق نفسي بالمحاولة تلو اختها.
قل لهن فقط: "أنني أحبهن" .. وأنا متأكد أن في استطاعتهن تخيل قلبي وهو يفعل ذلك.
أما أشقائي، فقل لهم: منذ 15 عاماً، وأنا حي بهم .. لولا وجودهم في حياتي، لكنتُ في عداد الأموات.
قل لهم : أنهم كانوا الفوز الوحيد في كل خسارة مررت بها.
التوقيع:
الأخ الكبير .. الأب الصغير.
الحياة قصيرة جداً، قصيرة بالقدر الذي يمكن أن يغمض فيه الإنسان عينيه، ثم لا يعود لهما ..
يصعد إلى السماء، متنازلا عنهما، وعن جسده كله للأرض التي خُلق من طينها اللزج .. يصعد للمرة الأخيرة، الآخرة.
هكذا .. يغيب فجأة !
الموت غالباً لا يؤمن بالمقدمات، يرى في المرض إعلاناً كافياً لمجيئه في أي لحظة، لا يتطلب حضوره إقحام سرير المستشفى في المشهد، ليس مهتماً أبداً بنزع الحزن من قلوب الناس دمعة، دمعة، قبل أن يبدأ مهمته ..
ليس مسؤولاً عن الذين لم يوفوا بوعودهم، أو الذين أجلوا اعتذاراً، أو ندموا، لكنهم لم يختاروا بعد القُبْلةُ المناسبة للبدء من جديد، أو منعوا قلوبهم (إكراهاً) من الحب مرَّة أخرى، ظناً منهم أن المسافة بين الصفح والمصافحة على بعد ابتسامتين متبادلتين، ستحدثان قريباً، وستتحدثان معاً، أو أن هناك متسع في الوقت لحدوث قصص جميلة.
الموت، ليس مسؤولا عن كلمات الحنين التي لم تُقال، ولا عن موسيقى الحنان التي لم تعزف، ولا عن حلوى البهجة التي لم توزع، لأن الفرح نائم، وما من حُب يجروء على إيقاظه، ولا عن الوردة التي لم تغرس في الحوض لأن المطر لم يهطل، أو لأن النهر جفّ، وهو في طريقه إلى حقل قريب، من دون أن يخبر أحداً متى سيخلق ثانية.
الحياة قصيرة .. أعرف ذلك جيداً، أعرفه ربما اكثر من الحياة نفسها، ربما لأنني أخوض حواراً يومياً مع الموت، وقد يبلغ بِنَا الأمر في أوقات كثيرة، أن نسافر معاً، ونسكن في الغرفة نفسها، ونجلس متقابلين على طاولة الطعام، هو ينتظرني أن أصمت، وأنا انتظره أن يتكلم ..
ولهذا اكتب لك ..
اكتب قبل أن أموت، لأقول : "أنني أحبك"
رحل والدي من دون أن اقولها له، وإن لمرة واحدة ..
ولن ارحل من دون أن اقولها لك، وإن لمرة واحدة
ربما أذهب إلى غيابي الأبدي فجأة .. ربما يسكت قلبي، أو يغرق دمي في غيبوبة سُكَّرٍ، تبطىء الحركة في جسدي، حتى يتوقف عن العمل تماماً..
الموت يحيط بي، يحاصرني، إنه يأتيني في الحلم، كنوبة سعال حادة مزعجة، لا يهزمها الدواء، ولا الدعاء.
هذا الأسبوع زارني والدي ثلاث مرات .. آخرها كانت البارحة، كان مبتسماً، وهادئاً، وكأنه نهارٌ للتو بدأ.
لا أعلم إن كان سيزورني مرة رابعة .. أم أنا الذي سأزوره؟!.. في الحالتين، كل ما يهمني القيام به الآن، هو القول : "أنني أحبك"، يهمني أن تعرف ايضاً : أنك ما زلت بالنسبة لي (الصغير الذي كنت يوما ما أباً له) ..
وأما بعد .. قل لأمي أنني أتقدم في العمر أسرع منها ..
قل لها أنني أحبها .. وأنني كلما غادرت منزلها زائراً، انتحب في سيارتي كطفل، وابلل ملابسي بالبكاء، لأنني غير قادر على طرد الصداع من رأسها، وتطهير ساقيها من الخمول، وجعلها تسمع الكلام بشكل أفصح، وترى الأشياء بشكل أوضح.
قل لها أنني كلما استيقظت صباحاً، أخاف من ضرب أرقام هاتفها .. أخاف ألَّا ترد .. يزهقني التفكير بأنه "لا يمكن الإتصال بها بعد الآن" .. انني مرتعب جداً من إحتمال غيابها الأبدي ..
قل لها ايضا، أنني سعيد جداً، فقد تعلمت في الأعوام الثلاثة الأخيرة أن أُقبّلها، واحتضنها كأم وكحبيبة وكشقيقة، وكطفلة.
قل لشقيقاتي أنني احبهن، وأخاف عليهن، وأذبل كلما تسلل الحزن إلى قلب إحداهن ..
قل لهن : ربما أنني لم أكن أخاً جيداً، لكنني كنت أحاول ذلك، كنت أرهق نفسي بالمحاولة تلو اختها.
قل لهن فقط: "أنني أحبهن" .. وأنا متأكد أن في استطاعتهن تخيل قلبي وهو يفعل ذلك.
أما أشقائي، فقل لهم: منذ 15 عاماً، وأنا حي بهم .. لولا وجودهم في حياتي، لكنتُ في عداد الأموات.
قل لهم : أنهم كانوا الفوز الوحيد في كل خسارة مررت بها.
التوقيع:
الأخ الكبير .. الأب الصغير.